المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

صلاة يوم الغدير
2024-09-18
روح الايمان
18-9-2021
التحقيق البرلماني
7-10-2021
المزاح.
2024-02-24
Angiogenin
6-12-2015
مفهوم التقادم الضريبي
2024-04-06


الأبيات التي اغرق قائلوها في معانيها  
  
2966   12:21 صباحاً   التاريخ: 18-1-2020
المؤلف : ابن طباطبا العلوي
الكتاب أو المصدر : عيار الشعر
الجزء والصفحة : ص:27-39
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2018 2397
التاريخ: 19-1-2020 1802
التاريخ: 4-6-2017 42240
التاريخ: 1-04-2015 3421

 

فأما الأبيات التي أغرق قائلوها في معانيها كقول النابغة الجعدي:

بلغنا السماء نجدةً وتكرماً      وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

وكقول الطرماح:

لو كان يخَفى على الرحمن خافية   من خلقه خفيتْ عنه بنو أسد

قوم أقام بدار الذُّل أولهم     كما أقامت عليه جِذمة الوتد

وقوله:

ولو أن حرقوصاً يزقق مكةً إذا نهلت منه تميم وعلَّتِ

ولو أن برغوثاً على ظهرِ نملةٍ يكر على صفَّي تميمٍ لولَّت

ولو جمعتْ عليا تميمٍ جموعها على ذرةٍ معقولةٍ لاستقلَّت

ولو أن أم العنكبوتِ بنت لهم مظّلتها يوم الندى لاستظلتِ

وكقول زهير:

أو كان يقعد فوق الشمسِ من كرمٍ قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

 

27

 

وكقول أبي الطمحان القيني:

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم       دجى الليل حتى نظَّم الجزع ثاقبه

أو كقول امرئ القيس:

من القاصرات الطرفِ لو دب محولٌ      من الذر فوق الإِتبِ منها لأثَّرا

وكقول قيس بن الخطيم:

طعنتُ ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ      لها نفذٌ لولا الشعاع أضاءها

ملكت بها كّفي فأنهرتُ فتَقهاً        يرى قائم من دونها ما وراءها

وقول الآخر:

ضربته في الملتقى ضربةً        فزال عن منكبه الكاهلُ

فصار ما بينهما رهوةً         يمشي بها الرامح والنابلُ

وقول أبي وجزة السعدي:

ألا عللاني والمعللُ أروح        وينطق ما شاح اللسان المسرح

بإجانة لو أنه خر بازلٌ        من البخْت فيها ظل للشقِّ يسبح

وكقول النابغة:

وإنك كالليل الذي هو مدركي        وإن خلت أن لمنتأى عنك واسع

خطاطيف حجنٍ في حبال متينة      تمد بها أيدٍ إليك نوازع

وإنما قال: كالليل الذي هو مدركي ولم يقل: كالصبح، لأنه وصفه في حال سخطه، فشبهه بالليل وهو له، فهي كلمة جامعة لمعان كثيرة.

ومثله للفرزدق:

لقد خفت حتى لو رأى الموت مقبلا       ليأخذني والموت يكره زائره

لكان من الحجاج أهون روعةً           إذا هو أغفى وهو سام نواظره

فانظر إلى لطفه في قوله: إذا هو أغفى ليكون أشد مبالغة في الوصف إذا وصفه عند إغفاله بالموت، فما ظنك به ناظراً متأملاً يقظاً ؟ ثم نزهه عن الإِغفاء فقال: وهو سام نواظره.

وكقول جرير:

ولو وضِعتْ فِقاح بني نمير        على خبث الحديد إذاً لذابا

 

28

 

إذا غضبت عليك بنو تميم        حسبت الناس كلَّهم غضاباً

وقد سلك جماعة من الشعراء المحدثين سبيل الأوائل في المعاني التي أغرقوا فيها.

وقال أبو نواس:

وأخَفت أهل الشرك حتى أنه        لتخافك النطفُ التي لم تُخلقِ

وقال بكر بن النطاح:

لو صال من غضبٍ أبو دلفٍ على          بيض السيوف لذُبن في الأغماد

قال:

قالوا وينظم فارسين بطعنه         يوم الهياج ولا يراه جليلا

لا تعجبوا فلو أن طول قناته       ميلٌ إذاً نظم الفوارس ميلا

قال: فمن الأشعار المحكمة المتقنةِ المستوفاةِ المعاني، الحسنةِ الرصف، السلسةِ الألفاظ، التي قد خرجت خروج النثر سهولة وانتظاماً، فلا استكراه في قوافيها، ولا تكلف في معانيها، ولا داعي لأصحابها فيها

قول زهير:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش       ثمانين حولاً لا أبالك يسأمِ

رأيت المنايا خبط عشواء من تصِب       تُمِتْه ومن تِخْطىء يعمر فيهرم

ومن لا يصانع في أمور كثيرة       يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

وأعَلم ما في اليوم والأمس قبله        ولكنني عن علم ما في غدٍ عم

ومن يجعل المعروف من دون عرضه        يِفره ومن لا يتقِ الشتم يشتمِ

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضلهِ        على قومه يستغن عنه ويذمم

ومن يوفِ لا يذمم ومن يفض قلبه       إلى مطمئن البر لا يتجمجم

ومن يعص أطراف الزجاج فإنه        يطيع العوالي ركبت كلَّ لهذم

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه        يهدم ومن لا يظلمِ الناس يظلم

ومن يغترب يحسب عدواً صديقه       ومن لا يكرم نفسه لا يكرمٍ

كقوله:

هنالك إن يِستخْبلُوا المال يخبلُوا      وأن يسألُوا يعطوا وأن ييسروا يغلوا

 

29

 

وفيهم مقاماتٌ حسان وجوههم         وأنديةٌ ينتابها القول والفعلُ

على مكْثريهم حقُّ من يعترِيهم          وعند المقلين السماحة والبذْلُ

وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم       مجالس قد يشفى بأحلامها الجهلُ

وإن قام منهم حامل قال قاعد       شُكِرت فلا غرم عليك ولا جذلُ

سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم      فلم يفعلوا ولم يكتموا ولم يألوا

وما يك من خير أتوه فإنما         توارثه آباء آبائهم َقبلُ

وهل ينبت الخطِّي إلا وشيجه       وتُغرس إلا في منابتها النخلُ

وكقول أبي ذؤيب:

أَمِن المنونِ وريبِها تتوجع        والدهر ليس بمعتْب من يجزع

وإذا المنية أنشبت أظفارها       ألفيت كلَّ تميمةٍ لا َتنْفع

والنفس راغِبةٌ إذا رغَّبتها          وإذا ترد إلى قليل تقنع

وكقول أبي قيس بن الأسلت:

قالت ولم تقصد لقِيل الخنا        مهلاً فقد أبلغت أسماعي

واستنكرت لوناً له شاحباً        والحرب غولٌ ذاتُ أوجاعِ

من يذق الحرب يجد طعمها       مراً وتُبرِكُه بِجعجاع

قد حصت البيضةُ رأسي فما     أطعم نوماً غير تهجاعِ

أسعى على جلِّ بني مالِكِ      كُلُّ امرئ في شأنه ساعِ

أعددت للأعداء فضفاضةً        موضونةً كالنهيِ بالقاعِ

أُحفِّزها عنِّي بذي روَنقٍ       أبيض مثل الملْحِ قطَّاع

صدقٍ حسامٍ وادقٍ حده        ومازنٍ أسمر َقراعِ

بز امرئ مستبسلٍ حاذرٍ      للدهر جلدٍ غير مِجزاع

الكيس والقوةُ خير من الإِ       دهان والفكة و الهاعِ

ليس قطاً مثل قطي ولا الم       رعي في الأقوامِ كالراعي

لا نألم القتلَ ونجزي به            الأعداء كيل الصاع بالصاعِ

 

30

 

بين يدي رجراجةٍ فخمةٍ        ذات عرانين ودفَّاع

كأنهم أسد لدى أشْبلٍ            َتهتز في غيلٍ وأجزاع

هلاَّ سألت القوم إذْ َقلَّصتْ       ما كان إبطائي وإسراعي

هلْ أبذلُ المال على حقِّهِ       فيهم وآبى دعوة الداعي

وأضرب القونس يوم الوغى       بالسيف لم يقصر به باعي

وكقول النمر بن تولب:

لعمري لقد أنكرت نفسي اربني        مع الشيب أبذالي التي أتبذَّلُ

فصولٌ أراها في أديمي بعد ما        يكون كفافُ اللحمِ أو هو أجملُ

كأن محطَّا في يدي حارثيةٍ       صناع علت به الجِلْد مِن علُ

تدارك ما قبل الشبابِ وبعده       حوادثُ أيام َتمر وأغْفُلُ

يود الفتى طولَ السلامة جاهداً        فكيف ترى طول السلامة يفعلُ

وكقول عنترة:

إني أمرؤٌ من خير عبسٍ منصباً        شطري وأحمي سائري بالمنصلِ

وإذا الكتيبةُ أحجمت وتلاحظت           أُلْفيت خيراً من  معم مخْولِ

والخيل تعلم والفوارس أنني         فرقت جمعهم بضربة َفيصل

إذ لا أبادر في المضيقِ فوارسِي            أو لا أوكَّلُ بالرعيل الأولِ

إن يلحقوا أكْرر، وإن يستلحموا          أشدد، وإن يلفوا بضنكٍ أنزل

حين النزول يكون غايةُ مثلنا        ويفر كلُّ مضللٍ مستوِهلِ

ولقد أبيتِ على الطوى وأظلُّه        حتى أنال به كريم المأكلِ

بكرت تخوَفني الحتُوف كأّنني         أصبحت عن غرض الحتوفِ بمعزل

فأجبتها :إن المنية منهلٌ       لا بد أن أُسقى بذاك المنهلِ

إن المنية لو تُمثلُ مثِّلتْ        مثلي إذا نزلوا بضنك المنزلِ

والخيل ساهمةُ الوجوهِ كأنَّما        تسقي فوارِسها نقيع الحنْظلِ

 

31

 

وكقول الأسود بن يعفر:

ماذا أؤملُ بعد آل محرقٍ        تركوا منازلهم وبعد إيادِ

أرض تخيرها لطيب مقيلها    كعب بن مامة وابن أم دؤاد

جرت الرياح على محل ديارهم     فكأنما كانوا على ميعاد

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشةٍ     في ظلِّ ملكٍ ثابتِ الأوتادِ

إما تريني قد بليت وغاضني     ما نِيل من بصري ومن أجلادي

وعصيت أصحاب اللذاذة والصبا     وأطعت عاذلتي وذلَّ قيادي

فلقد أروح إلى التجار مرجلاً       مذلاً بمالي ليناً أجيادي

وكقول الخنساء:

لو أن للدهر مالا كان متْلِده      لكان للدهر صخر مالَ قُنْيان

آبي النصيحةِ حمالُ العظيمةِ متلا      فُ الكريمةِ لا سقطٍ ولا وان

حامي الحقيقةِ نسالُ الوديقةِ م       عتاقُ الوثيقةِ جلد غير ثُنيان

رباء مرقبةٍ، مناع مغلقةٍ        وراد مشربةٍ، قطاع أقرانِ

يعطيك مالا تكاد النفس تبذُله        من التلادِ وهو  بغير منَّان

شهاد أنجيةٍ، حمالُ ألوية       هباط أوديةٍ، سرحان قيعان

التارك القرنِ مخضوباً أناملُه        كأن في ريطتيه نضخُ أرقانِ

وكقول القطامي:

والعيش لا عيش إلا ما تقر به       عيناً ولا حالَ إلا سوف َتنْتقِل

والناس من يلق خيراً قائلون له       ما يشتهي ولأم المخطئ الهبلُ

قد يدرك المتأنِّي بعض حاجتِهِ        وقد يكون من المستعجلِ الزّللُ

وفيها يقول:

يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلةٌ       ولا الصدور على الأعجاز تتكِلُ

فهن معترضات والحصى رِمض      والريح ساكنة والظِلُّ معتدلُ

يتبعن سامية العينين تحسبها        مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبِلُ

 

32

 

إن ترجعي من أبي عثمان منجحةً       فقد يهون مع المستنجح العملُ

أهلُ المدينةِ لا يحزنك شأنهم         إذا َتخطَّأ عبد الواحِد الأجلُ

وكقوله أيضاً:

يقتَلننا بحديثٍ ليس يعلمه       من يتقين ولا مكتومه بادي

فهن ينبذن من قولٍ يصبن به      مواقِع الماء من ذي الغُلة الصادي

من مبلغٌ زَفر القيسي مدحَته       من القطامِي قولاً غير أفنادِ

إني وإن كان قومي ليس بينهم      وبين قومِك إلا ضربة الهادي

مثنِ عليك فما استيقنت معرفت       ي وقد تعرض مني مقتلٌ بادي

فلن أُثيبك بالنعماء مشتمةً        ولن أبدل إحساناً بإفسادِ

فإن هجوتك ما تمت مكارمتي       وإن مدحتُ لقد أحسنت إصفادي

وإن قدرت على يوم جزيت به       والله يجعل أقْواماً بمرصادِ

أبلغْ ربيعة وأعلاها وأسفلها      أنَّا وقيساً تواعدنا لميعادِ

نقريهم لهذميات نقُد بِها       ما كان خاط عليهم كلُّ زرادِ

وكقول ذي الرمة:

من آل أبي موسى ترى القوم حوله       كأنهم الكراون أبصرن بازياً

فما يغربون الضحك إلا تبسماً        ولا ينبسون القولَ إلاَّ تناجيا

لدى ملكٍ يعلو الرجالَ بضوئه      كما يبهر البدر النجوم السواريا

إذا أمست الشِّعرى العبور كأنها       مهاةٌ علت من رمل يبرين رابيا

فما مرتع الجيران إلا جفانكم        تبارون أنتم والشمالُ تبارِيا

وكقول سلاَّمةَ بن جندل:

سوى الثِّقافُ قناها فهِي محكمةٌ        قليلة الزيع من سن وتركيبِ

كأنها بأكفِّ القوم إذا َلحِقُوا        مواتِح البئر أو أشطان مطلوبِ

كُنَّا إذا ما أتانا صارخٌ فزع         كان الصراخُ له قرع الظَّنابيب

 

33

 

وشد كورٍ على وجناء ناجيةٍ       وشد لِبدٍ على جرداء سرحوب

وكقول المغيرة بن حبناء:

فإن يك عاراً بما لقيت فربما          أتى المرء يوم السوءِ من حيث لا يدري

ولم أر ذا عيش يدوم ولا أرى        زمان الغنى إلا قريبَا من الفقر

ومن يفتقر يعلم مكان صديقِهِ         ومن يحيى لا يعدم بلاء من الدهرِ

وإني لأستحيي إذا كنت معسِراً       صديقي والخلان أن يعلموا عسري

وأهجر خلاني وما خان عهدهم       حياء وإكراماً وما بي من كِبر

وأكرم نفسي أن ترى بي حاجةً       إلى أحدٍ دوني وإن كان ذا وفر

ولما رأيتُ المالَ قد حيل دونه        وصدتْ وجوه دون أرحامها البتر

جعلتُ حليف النفسِ عصباً ونثرةً      وأزرق مشحوذاً كحافية النسرِ

ولا خير في عيش أمرئٍ لا ترى له      وظيفة حق في ثناء وفي أجر

وكقول الفرزدق:

ولو أن قوماً قاتلوا الدهر قبلنا       بشيء لقاتلنا المنية عن بشر

ولكن فجعنا والرزيئَةُ مثله       بأبيض ميمونِ النقيبةِ والأمرِ

أغر أبو العاصي أبوه كأنما       تفرجت الأثواب عن قمر بدرِ

فإلا تكُن هند بكته فقد بكت  عليه الثريا في كواكبها الزهرِ

وإن أبا مروان بِشْر أخاكُم        ثوى غير متبوع بذمٍ ولا غدرِ

وما أحد ذا فاقةٍ كان مثلنا       إليه ولكن لا تقية للدهرِ

ألم َتر أن الأرض هدت جبالُها       وأن نجوم الليل بعدك لا تسري

ضربت ولم أظْلم لبشرٍ بصارمٍ      شوى فرسٍ بين الجنازة والقبر

أغر صريحاً فلا أعوج أمته     طويلاً أمرته الجياد على شزرِ

ألست شحيحاً إن ركبتك بعده       ليوم رهانٍ لو غدوت معي تجري

وقال يرثي بنيه:

ولو كان البكاء يرد شيئاً         على الباكي بكيت على صقوري

 

34

 

بني أصابهم قدر المنايا         وما منهن من أحد مجيري

ولو كانوا بني جبلٍ فمانوا          لأمسي وهو مختشع الصخور

إذا حّنت نوار تهيج منِّي         حرارة مثل ملتهب السعيرِ

حنين الوالهين إذا ذكرنا        فؤادينا اللذين مع القبور

كأن تشرب العبراتِ منها       هراقةُ شنتين على بعيرِ

كأن الليل يحبسه علينا         ضِرار أو يكر إلى نذورِ

كأن نجومه شولٌ تثنَّى         لأدهم في مباركها عقيرِ

وكقوله:

ومحفورةٍ لا ماء فيها مهيبةٍ        لغمي بأعواد المنية بابها

أناخ إليها أبناي ضيفي مقامة        إلى عصبة لا تُستعار ثوابها

وكانوا هم المال الذي لا أبيعه         ودرعي إذا ما الحرب هرت كلابها

وكم قاتلٍ للجوع قد كان فيهم           ومن حيةٍ قد كان سما لُعابها

إذا ذكرت أسماؤهم أو دعوتُهم           تكاد حيازيمي تفر صلابها

وإني وأشرافي عليهم وما أرى        كنفسي إذ هم في فؤادي لبابها

كراكز أرماحٍ تجزعن بعد ما          أقيمت عواليها وشُدت حرابها

إذا ذكرتْ عيني الذين هم لها           قذى هيج مني بالبكاءِ انسكابها

بنو الأرض قد كانوا بني فعزني         عليهم بآجالِ المنايا كتابها

وداعٍ علي اللهُ لو متُّ قد رأى         بدعوته ما يتقي لو يجابها

ومن متمن أن أموت وقد بنت       حياتي له شما عظاماً قبابها

على حدث لو أن سلمى أصابها       بمثل بني انفض عنها هضابها

وما زلت أرمي الحرب حتى تركتها      كسير الجناح ما تُدقُّ عقابها

وكقول الراعي:

 

35

 

وإني وإياك والشكوى التي قصرت       خطوي ونأيك والوجد الذي أجد

لك الماءِ والظالِعِ الصديان يطلُبه       هو الشفاء له والري لو يرد

ضافي العطية راجيه وسائلُه       سيان أفلح من يعطي ومن يعد

أزرى بأموالنا قوم أمرتُهم        بالحق فينا فما أبقوا وما قصدوا

أما الفقير الذي كانت حلوبته        وفق العيال فلم يترك له سبد

واختل ذو الوفر والمثرون قد بقيت       علا التلاتلَ من أموالهم عقد

فإن رفعت بهم رأساً نعشتهم          وإن لقوا مثلها في قابلٍ فسدوا

وكقول أبي النجم العجلي:

والخيل تسبح بالكماةِ كأنها        طير نمطر من ظلال عماءِ

يخرجن من رهجٍ دوين ظلالهِ        مثل الجنادب من حصي المعزاءِ

يلفظن من وجعِ الشّكيم وعجمه        زبداً خلطن بياضه بدماءِ

كم من كريمةِ معشرٍ أيمنها        وتركن صاحبها بدار ثواءِ

إن الأعادي لن تنالَ قديمنا         حتى تنالَ كواكب الجوزاءِ

كم في لجيمٍ من أغر كأنه        صبح يشقُّ طيالس الظلماءِ

بحر يكلل بالسديف جفانه       حتى يموت شمالُ كل شتاءِ

ومجرب خضلُ السنانِ إذا التقى        رجعت بخاطره صدور ظماءِ

صدئ القباءِ من الحديد كأنه          جملٌ تعمده عصيم هناءِ

إنَّا وجدك ما يكون سلاحنا            حجر الأكمام ولا عصا الطرفاءِ

نأوى إلى حلق الحديد وَقرحٍ          قُب تشوقُ َنحو كلِّ دعاءِ

ولقد غدون على طهيةِ غدوةٍ         حتى طرقن نساءنا بنساءِ

تلكم مراكبنا وفوق حبائنا         بيض الغضون سوابغُ الأثناء

قدرن من حلق كأن شعاعها       ثلج يطن على متون نهاءِ

تحمي الرماح لنا حمانا كلَّه         وتبيح بعد مسارح الأحماءِ

إن السيوف تجيرنا ونجيرها           كُلٌّ يجير بعزةٍ ووفاءِ

 

36

 

لا ينثنين ولا نرد حدودها       عن حد كلِّ كتيبةٍ خرساءِ

إنا لتعملُ بالصفوف سيوفُنا      عملَ الحريقِ بيابس الحلْفاءِ

وكقول عبد الشارق بن عبد العزى الجهني.

ألا حييت عنا يا ردينا      نحييها وإن كرمت علينا

ردينةُ لو رأيت غداة جئنا       على أضماتنا وقد احتوينا

فأرسلنا أبا عمرو ربيئاً         فقال ألا انعموا بالقوم عينا

ودسوا فارساً منهم عشاء       فلم نغدر بفارسهم لدينا

فجاءوا عارضاً برداً وجئنا        كمثل السيل نركب وازِعينا

تَنادوا يا لِبهَثة إذا رأونا         فقلنا أحسني صبراً  جهينا

سمعنا دعوةً عن ظهر غيبٍ        فجلنا جولةً ثم أرعوينا

فلما أن تواقفنا قليلا             أنخنا للكلاكِلِ فارتمينا

فلما لم َتدع قوساً وسهماً           مشينا نحوهم ومشوا إلينا

تلألُؤ مزنةٍ برقت لأخرى       إذا حجلوا بأسياف ردينا

شددنا شدةً فقتلت منهم        ثلاثة فتيةً وقتلت قينا

وشدوا شدة أخرى فجروا          بأرجل مثلهم ورموا جوينا

وكان أخي جوين ذا حفاظٍ       وكان القتلُ للفتيان زينا

فآبوا بالرماح مكسراتٍ        وأبنا بالسيوف قد انحنينا

وباتوا بالصعيد لهم أحاح        ولو خفت لنا الكلمى سلينا

وكقول المثقب العبدي:

أفاطِم قبل بيتِكِ متعيني         ومنعك ما سألتُ كأن تبيني

فلا تعدي مواعِد كاذباتِ َ           تمر بها رياح الصيف دوني

فإني لو تعاندني شمالي          عنادك ما وصلتُ بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بيني          كذلك أجتوي من يجتويني

 

37

 

وفيها يقول:

وإما أن تكون أخي بحقِّ         فأعرف منك غثِّي من سميني

وإلا فاطَّرِحني واتخذني        عدوا أتقيك وتتقيني

فما أدري إذا يممت أرضاً         أريد الخير أيهما يليني

أألخير الذي أنا أبتغيه          أم الشر الذي هو يبتغيني

وكقول نهشل بن حري المازني:

إّنا محيوكِ يا سلمى فحيينا     وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

إّنا بني نهشلٍ لا ندعي لأب        عنه ولا هو بالأبناء يشرينا

إن تبتدر غاية يوماً لمكرمةٍ        تلق السوابق منا والمصلينا

وليس يهلك منا سيد أبداً         إلا افْتَلينا غلاماً سيداً فينا

إنا لنرخص يوم الروعِ أنفسنا       ولو نسام بها في الأين أغلينا

بيض مفارقُنا تغلي مراجلُنا         نأسو بأموالنا آثار أيدينا

إني لمن معشرٍ أفنى أوائِلُهم       قولُ الكماة أَلا أين المحامونا

لو كان في الألف مّنا واحد فدعوا       من فارس خالهم إياه يعنونا

إذا الكماةُ َتَنحوا أن يناَلهم        حد الظباة وصلناها بأيدينا

ولا تراهم وإن جلَّت مصيبتُهم        مع البكاة على من فات يبكونا

ونركب الكره أحياناً فيفرجه         عنّا الحفاظ وأسيافٌ تواتينا

وكقول عدي بن زيد التميمي:

كفى واعظاً للمرء أيام دهره        تروح له بالواعظات وتغتدي

بليت وأبليت الرجال وأصبحت      سنون طوالٌ قد أتت دون مولدي

فلا أنا بدع من حوادث تعتري        رجالاً عرت من مثل بؤسى وأَسعد

فنفسك فاحفظها من الغي والردى      متى َتغوها يغوِ الذي بك يقتدى

وإن كانت النعماء عندك لامرئ        فمثلاً بها فاجز المطالب أو زِدِ

إن أنت لم تنفع بودك أهله           ولم تنْكِ بالبؤسى عدوك فابعدِ

 

38

 

إذا أنت فاكهت الرجالَ فلا تلع          وقل مثلما قالوا ولا تتزيد

عن المرء لا تسأل وأبصر قرِيَنه       فإن القرين بالمقارنِ مقتد

إذا أنت طالبت الرجال نوالهم       فعفَّ ولا تطلب بجهدِ فتنكدِ

ستدرك من ذي الفحش حقَّك كلَّه      بحلمك في رفقٍ ولما تشددِ

فلا تقصرن من سعي من قد ورثته        وما استطعت من خيرٍ لنفسك فازدد

وبالصدقْ فانطق إن نطقت ولا تلم        وذا الذم فاذممه وذا الحمد فاحمدِ

عسى سائلٌ ذو حاجة إن منعته        من اليوم سؤلاً أن ييسر في غد

وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً       على المرء من وقع الحسام المهنَّدِ

إذا ما رأيت الشر يبعث أهله        وقام جناة الشر للشر فاقْعد

وكقول عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي:

تُعيرنا أنَّا قليل عديدنُا         فقلت لها إن الكرام قليل

وما قلَّ من كانت بقاياه مثلنا         شباب تسامى للعلا وكهولُ

وما ضرنا أّنا قليلٌ وجارنا         عزيز وجار الأكثرين ذليلٌ

لنا جبلٌ يحتله من نجيره           منيع يرد الطَّرف وهو كليلُ

رسا أصله تحت الثرى وسما به          إلى النجم فرع لا ينالُ طويلُ

ونحن أناس لا نرى القتل سبةً          إذا ما رأته عامر وسلولُ

يقصر حب الموتِ آجالنا لنا        وتكرهه آجالهم فتطولُ

وما مات منا سيد حتف أَنْفِهِ         ولا طُلَّ منا حيث كان قتيلُ

تسيل على حد الظُّباة نفوسنا       وليست على غير الحديد تسيلُ

وننكر إن شئنا على الناس قولهم        ولا ينكرون القول حين نقولُ

إذا سيد منا خلا قام سيد            قئول لما قال الكرام فعولُ

وما أُخمدت نار لنا دون طارقٍ          ولا ذمنا في النازلين نزيلُ

وأيامنا مشهودةٌ في عدونا           لها غرر معلومة وحجولُ

 

39

 

وأسيافنا في كل شرقٍ ومغربٍ        بها من قراع الدارعين فلولُ

معودةٌ ألا تُسلَّ نصالُها           فتغمد حتى يستباح َقبيلُ

وكقول مروان بن أبي حفصة:

بنو مطرٍ يوم اللقاء كأنهم       أسود لها في غيل خفان أشبلُ

هم المانعون الجار حتى كأنما        لجارهم بين السماكين منزل

بها ليلُ في الإسلام سادوا ولم يكن         كأولهم في الجاهلية أول

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا        أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ولا يستطيع الفاعلون فعالهم         وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا

تُلاث بأمثال الجبال حباهم         وأحلاهم منها لدى الوزن أثقلُ

فهذه الأشعار وما شاكلها من أشعار القدماء والمحدثين أصحاب البدائع والمعاني اللطيفة الدقيقة تجب روايتها والتكُثر لحفظها.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.