أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2018
9831
التاريخ: 14-08-2015
3662
التاريخ: 4-6-2017
2734
التاريخ: 23-7-2016
34525
|
مما يؤخذ على أبي تمام التفاوت في التعبير الشعري، فهو يأتي بالبيت النادر ويقرنه بعده بالبيت السخيف، لهذا يقدّم البحتري عليه، إذ سلم شعره من هذا التفاوت. يقول المسعودي: " قال (عبد الله بن الحسن بن سعد): وسألته (أي المبرّد) عن أبي تمام والبحتري، أيّهما أشعر؟ قال " لأبي تمام استخراجات لطيفة، ومعان ظريفة، وجيدّه أجود من شعر البحتري، ومن شعر من تقدّمه من المحدثين. وشعر البحتري أحسن استواء من شعر أبي تمام، لأن البحتري يقول القصيدة كلها، فتكون سليمة من طعن طاعن أو عيب عائب، وأبو تمام يقول البيت النادر ويتبعه البيت السخيف، وما أشبهه إلاّ بغائص البحر يخرج الدرة والمخْشلبة، فيجعلها في نظام واحد. وإنما يؤتى هو وكثير من الشعراء من البخل بأشعارهم، وإلا فلو أسقط من شعره على كثرة عدده ما أنكر منه لكان أشعر نظرائه .."(1)
نحن، إذا، أمام مذهبين في النظم: مذهب أبي تمام، وهو" مختلف لا يتشابه، فجيّده " لايتعلّق به جيد أمثاله، ورديّه مطرح مرذول " (2) ومذهب البحتري، وهو مستو " يشبه بعضه بعضاً ...فشعر البحتري صحيح السبك، حسن الديباجة، ليس فيه سنساف ولا رديّ ولامطروح"(3)
أما سبب التفاوت في شعر أبي تمام، فيرجعه المبرّد إلى أن الشاعر كان يبخل على شعره بالتنقيح (4). وهو مارآه الآمدي أيضاً بقوله: " لكنه شَره إلى إيراد كل ما جاش به خاطره ولَجْلَجَهُ فكُره، فخلط الجيّد بالرديء، والعين النادرَ بالرّذْل الساقط، والصواب بالخطأ " (5) ولو أنه عمد إلى التنقيح، " وأسقط من شعره... ما أُنكر منه، لكان أشعر نظرائه " (6).
وقد أدرك أصحاب أبي تمام هذا الخلل في شعره، فهم لا يدفعون" أن يكون قد أوهم في بعض شعره، وعدل عن الوجه الأوضح في كثير من معانيه"(7) لكنهم، برغم ذلك، يحاولون تعليل هذه الظاهرة، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه غير منكر لفكر نتج من المحاسن مثل ما نتج، وولدّ من البدائع ما ولدّ -إن يلحقه الكلال في الأوقات، والزلل في الأحيان، بل من الواجب لمن أحسن إحسانه ان يسامح في سهوه، ويتجاوز له عن زلله "(8).
ويرى أصحاب أبي تمام أيضاً أنه لما كان " جيد أبي تمام لا يتعلق به جيد أمثاله... وكان كل جيّد دون جيده، لم يضره ما يؤثر من رديئه "(9). وإذا كان، أخيراً صاحبهم قد أساء في بعض شعره، فالبحتري أيضاً "قد أساء " (10)
أما أصحاب البحتري، في ردّهم على هذه القضية، فيقدّمون شاعرهم لأن " المستوي الشعر أولى بالتقدمة من المختلف الشعر "(11)، ولأن " من أحسن ولم يسئ أفضلُ ممن أحسن وأساء "(12). وإذا كان جيد أبي تمام " لا يتعلق به جيد أمثاله "، فإنما وصف بهذه الصفة _ في نظرهم " لأنه يأتي في تضاعيف الرديء الساقط، فيجيء رائعاً لشدّة مباينته ما يليه، فيظهر فضله بالإضافة. ولهذا، ما قال له أبو هِفّان " إذا طرحت درّة في بحر خرء فمن الذي يغوص عليها ويخرجها غيرك؟ والمطبوع الذي هو مستوي الشعر، قليل السقط، لايبين جيده من سائر شعره بينونة شديدة، ومن أجل ذلك صار جيد أبي تمام معلوماً وعدده محصوراً " (13). ولهذا أيضاً، يفضل البحتري. وهذا " هو الصحيح "(14). بحسب الآمدي.
أمّا القول في إساءات البحتري، فيردّ أصحابه على الخصوم، بأنه ليس شيء مما (عابوا) به البحتري من اللحن خارجاً عن مقاييس العربية، ولا بعيداً من الصواب، بل قد جاء مثله كثيراً في أشعار القدماء والأعراب والفصحاء(15).
ويردون أيضاً على ما عابوا البحتري به، في قوله:
يُخفي الزجاجة لونها فكأنها ... في الكفّ قائمة بغير إناء
فيقولون: " لكنكم تأوّلتم في إنشاده، ثم اعظمتم وأكبرتم أن تَنْعْوا على شاعر مُحسن مُكثر بيتاً واحداً، فمازلتم تبحثون وتتحملون حتى وجدتم له ثانياً يحتمل من التأويل ما احتمل الأول " (16).
هذه هي حجج طرفي النزاع. ومما لا شك فيه أن حجّة أنصار أبي تمام "تستند إلى فهم عميق لطبيعة التجربة الشعرية. فكل إبداع عظيم يتضمن، بالضرورة، أخطاء قد تكون، أحياناً، عظيمة. ومن هنا، التفاوت في كل نتاج يصدر عن التجربة الخلاقة. أما الاستواء، فمن شأن التجارب العادية... وهكذا لا تعود المسألة في نقد أبي تمام مسألة جزئية تقوم على تسقط بعض أخطائه، بروح المغالطة والتعصب والتحامل، وإبرازها بشكل مسرف، وإنما تصبح المسألة كلية تقوم على فهم التجربة الشعرية ككل، وإدراك ما يدخل هذه التجربة من التوتر والوهن، ومن التفجر والخمود "(17).
غير أن اختلاف الشاعرين في أسلوب التعبير، جعل الموازنة بينهما غير عادية، إذ قامت المفاضلة بينهما من خلال بيت أو أبيات لهذا، وأبيات لذاك، فكانت أبيات أبي تمام المتفاوتة تقارن بأبيات البحتري المستوية، فيقع نتيجة ذلك ظلم فادح بأبي تمام، إذ يكون الحكم في هذه الحال لصالح الأبيات المستوية.. يفصّل عبد القادر القط هذا الأمر، فيقول: " لو كانت القضية قضية مطلقة غير مقيّدة بشعر هذين الشاعرين، وكانت المفاضلة بين شاعرين لأحدهما قصائد قليلة ممتازة، ولكن شعره متوسط المستوي لا ينحدر إلى درجة الإسفاف،، لما تردّد الناقد في تفضيل الشاعر الأول، لأنه قد أضاف بروائعه القليلة إلى التراث الأدبي، ونستطيع أن نسقط من حسابنا كل ما قاله من قصائد رديئة، أما الآخر فقد سار على الدرب المطروق ولم يقدّم لشعبه أو للإنسانية جديداً من الفن. ولكن الأمر لم يكن على هذا النحو، بل كانت المفاضلة بين بيت أو أبيات من قصيدة لأبي تمام وأبيات للبحتري، وكانت أبيات أبي تمام الرائعة القليلة تجيء وسط كثير من الأبيات الرديئة في القصيدة الواحدة، فيشعر القارئ إزاء هذا الخليط بشيء غير قليل من القلق ولا يستطيع أن يفصل شعوره نحو الأبيات الكثيرة المُسفة من شعوره نحو تلك الأبيات الرائعة، وقد يؤثر في هذه الحال أن يقرأ شعراً مستوي الأسلوب " لا يعلو علواً حسناً ولا ينحطّ انحطاطاً قبيحاً " كما يقول الآمدي " (18).
وخلاصة القول إن تفاوت شعر أبي تمام واستواء شعر البحتري كان سبباً رئيساً في الحكم على الأول لصالح الثاني.
غير أن هذا لا يمنع من الوقوف عند النماذج الرفيعة عند أبي تمام ومقارنتها بأمثالها عند البحتري، لتجعلنا نقدّم موهبة الأول على الثاني، تلك الموهبة القائمة على التجاوز والابتكار.
وتستوقفنا هنا ظاهرة على درجة من الأهمية، وهي ما يُسمّى بالنقد الذاتي، إذ يعمد الشاعر إلى نقد شعره وتنقيحه وتثقيفه وغربلته، فلا يترك منه إلاّ ما يرى أنه الأصلح للبقاء في التاريخ. وهذا ما لم يقم به أبو تمام، وكأنه شاء أن يعرض تجربته كاملة، بتوتّرات الإحسان والإساءة فيها، لتكون شاهداً على ما في شاعريته من تفجّر وخمود.
_______________________
(1) مروج الذهب 3/ 481، للمسعودي، دار الأندلس، بيروت، 1966؟
(2) الموازنة 1/3
(3) انظر الربداوي: الحركة النقدية 46، وقد أشار إلى ذلك المسعودي نقلاً عن المبرد (الهامش (1))
(4) الموازنة 1/ 139 -140
(5) المصدر نفسه 1/37
(6) المصدر نفسه 1/54
(7) المصدر نفسه 1/28
(8) المصدر نفسه 1/ 11
(9) المصدر نفسه 1/ 27
(10) المصدر نفسه 1/54
(11) المصدر نفسه 1/55 وانظر أيضاً الثابت والمتحول 2/ 189
(12) الموازنة 1/29
(13) الموازنة 1/33
(14) الثابت والمتحول 2/189
(15) حركات التجديد، لعبد القادر القط 447
(16) الموازنة 1/4
(17) المصدر نفسه 1/17 -18، 20
(18) المصدر نفسه 1/18
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|