أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015
2216
التاريخ: 14-08-2015
13791
التاريخ: 14-08-2015
13041
التاريخ: 1-04-2015
1992
|
كانت الصورة التشبيهية والاستعارية موضوعاً رئيسياً أيضاً، للنقد الموجه لأبي تمام. فقد انتبه النقاد إلى تجديد أبي تمام في الصور، وإلى خروجه على المألوف في التصوير الشعري، من خلال خروجه على دلالات الألفاظ ومعانيها. وما هذه الثورة إلاّ لارتباط التشبيه أو الاستعارة بالناحية المكانية (المرئية أو المفهومة) من الصورة الأولى. يشرح ذلك عز الدين إسماعيل بقوله: إذا كنا نجد من النقاد من يتكلم على نقد اللفظ ونقد المعنى (كقدامة بن جعفر في " نقد الشعر " مثلاً)، فإن ذلك ليس معناه أنه يتكلم على نقد الصورة الأولى ونقد الصورة الثانية، وإنما يتكلم في الواقع على نقد الصورة الأولى بمظهريها الزماني والمكاني. والذين ثاروا على معاني أبي تمام لم يثوروا على الصورة الثانية، وإنما ثاروا على العنصر المكاني (المرئي أو المفهوم) من الصورة الأولى " (1).
إن أوّل ما يصادفنا في شعر أبي تمام، اعتماده الشديد على الاستعارة في التصوير (2)، مما أثار عليه أنصار القديم من اللغويين، أولئك الذين تعلّقوا بالتشبيه طلباً للوضوح الفاقع والدلالة المألوفة فقد " ظلّت الاستعارة بالنسبة إليهم عموماً مصدراً لسوء الفهم والارتباك، لما فيها من تغير لافت في الدّلالة، وإخلال بصفة الوضوح الفاقع التي يؤثرها اللغويون كلّ الإيثار. إنّ التشبيه هو أداة الشاعر القديم الأثيرة -في نظر اللغوي -وهو جار كثير في كلام العرب، ومن ثم فإن إيثاره إيثار القديم واحترام لفكرة التقاليد والنظام اللغوي الموروث " (3). وأما سبب التهوين من شأن الاستعارة فيمكن إرجاعه إلى استنفاد القدماء المعاني، فصارت الاستعارة لذلك إخراجاً جديداً لمادة قديمة. يقول مصطفى ناصف: " إن القدماء استنفدوا المعاني، وتركوا قليلاً رغبة عنه أو استهانة به أو لبعد مطلبه. بل إن هذا الوسواس الضئيل من المعنى لا وجود له... (وعليه)، فالاستعارة (عندهم) لا تزيد على تجربة قديمة المادة جديدة الإخراج :( 4).
أما مآخذ أنصار القديم على استعارات أبي تمام، فأوّلها بعد هذه الاستعارات وخروجها على المألوف. يقول الآمدي: أبو تمام " شاعر عدل في شعره عن مذاهب العرب المألوفة إلى الاستعارات البعيدة المخرجة للكلام إلى الخطأ أو الإحالة "(5). وثاني هذه المآخذ غموض الصلة بين المستعار والمستعار له، وهو ما لاحظه الربداوي في موقف الآمدي. فقد أرجع هذا الأخير " قبح أكبر استعارات أبي تمام لسبب استعارته ألفاظاً لأشياء غير لائقة بها، وبذلك خالف مذاهب العرب في الاستعارة.. فالعرب استعارت " المعنى لما ليس هو له إذا كان يقاربه أو يناسبه أو يشبهه في بعض أحواله، أو كان سبباً من أسبابه، فتكون اللفظة المستعارة، حينئذ لائقة بالشيء الذي استعيرت له، ملائمة لمعناه " (6)
ومما أخذ على أبي تمام أيضاً إغراقه في التشخيص والتجريد (7). يقول الربداوي: إن " نزوع أبي تمام إلى (التصوير) وهو حلية فنية مستحبّة، جعلت بعض نقاد القرن الثالث ينفرون من هذا اللون الذي خطا به أبو تمام خطوات واسعة نحو التشخيص. فابن الخثعمي يستنكر قول أبي تمام: (خطوبّ يكاد الدهر منهن يصرع)، وعبد الصمد بن المعذّل يستنكر قول أبي تمام: (لا تسقني ماء الملام) " (8) ويعود سبب هذا النفور إلى كون التشخيص من خصائص الفن الفارسي، أي لأنه مظهر شعوبي، من جهة، ولندرة هذا الفن في شعرنا القديم، من جهة ثانية (9).
لكنّ أبا تمام في اعتماده على الاستعارة (المكنية منها خاصة) في التصوير، لم يأت بجديد، إذ عرف القدماء هذا الفن التصويري (10) غير أن أبا تمام، أخذه فأسرف فيه، وأكثر منه.... ولم يقنع بالسهل اليسير منه، بل عمد إلى التقعّر والإغراب في إيراده. لهذا قال الآمدي:" وإنما رأى أبو تمام أشياء يسيرة من بعيد الاستعارات متفرقة في أشعار القدماء -كما عرّفتك -لا تنتهي في البعد إلى هذه المنزلة، فاحتذاها وأحبّ الإبداع والإغراب بإيراد أمثالها، فاحتطب واستكثر منها " (11).
وإلى جانب الاستعارة، درس النقاد أيضاً تشابيه القدماء. فالصولي مثلاً يستحسن تشبيه الشاعر شيئين بشيئين في بيت واحد، كما في قول أمرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (12)
وقول بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا، ليلٌ تهاوى كواكبه (13).
كما درسوا المبالغات، المقبول فيها والمزدول. فثار بينهم نقاش حول بيت البحتري:
يُخفي الزجاجةَ لونها، فكأنها ... في الكفّ قائمة بغير إناء (14)
وبيت أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه ... لتخافك النّطف التي لم تخلقِ (15).
إنّ دراسة الآمدي -وهو يمثل أنصار البحتري - لاستعارات أبي تمام، متحيّزة. فهو يطيل الوقوف عند الاستعارات الرديئة، ويتبنّى منهجاً تقليدياً في التذوق والنقد... إنه " يقف عند الاستعارة الرديئة أكثر من وقوفه عند الاستعارة البليغة... (وإنّ الكثير) من النقد الموجّه إلى استعارات أبي تمام، مصدره التشبث بالمدلولات التي يكاد يقرّها الجميع، ولاتقبل تغيّراً. ولا يذاق المدلول الحيوي لأيّ سياق، إلاّ في نطاق استجابته لما استقرّ في الذوق العام " (16).
ويتابع مصطفى ناصف حديثة، فيتّهم النقد العربي بالتقصير والتقاعس في تذوق صور المحدثين، وبالركون إلى ما اعتادت الأذواق عليه من حدود ثابتة. يقول: " إن النقد العربي كالناعس لا ينتبه، من غفوته، إلا على ضجّة وصوت رائع، ليس يعرف إلا الثورة على الخارج على ما يشبه الإجماع. وتلك الصفة حرمت النقاد من أن يصوّروا ما في استعارات المحدثين من عمق ونفاذ، وأن يشخصوها في كل مجالاتها، ثم جعلتهم يقصّرون في تتبّع استعارات القدماء أنفسهم، فإنهم يحلّلون منها فحسب، النماذج التي تعين على كشف الحدود التي لا يُستطاع تجاوزها. أما الحدود التي يجري فيها القدماء وبعض المحدثين، فلم تظفر منهم بالتفاتٍ قوي " (17).
لهذا السبب يدعو عمر فرّوخ إلى عدم إقرار النقاد على كل ما أخذوه على أبي تمام وغيره، "فقد لا يكون المعنى من السوء، بحيث يظنون، ولا الاستعارة من البعد، بحيث يحسبون " (18). فما أخذوه عليه، مثلاً، من " تشبيه القلب بإنسان يشيب رأسه " صحيح المعنى (19) أو ما " أقاموا عليه الدنيا وأقعدوها (من تشخيص)، وله أمثلة فذّة في الشعر العربي، وإن كانت قليلة. فهذا امرؤ القيس يقول مخاطباً الليل:
فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فجعل لليل صلباً يتمطى، كما جعل له أعجازاً مُردَفة وكلكلاً ينوء به"(20).
إنّ الصورة، إلى جانب النغم، عنصر رئيس في بنية الشعر، فهي التي تميزّه من سائر الأنواع الأدبية. إنها صوت الخيال مجسّداً بالكلمات، متحداً بالانفعال، في قالب موسيقي.
لهذا، كان الحكم على الصورة إنما هو حكم على شاعرية الشاعر، وأدبية النص. ولهذا كان التقليد في الصور يخلّ بهذه الشاعرية الموهوبة. وإذا كان القدماء وقفوا عند ألوان الصور البلاغية، فإنهم لم يتجاوزا الصورة الأولى في تركيبها (بحسب عز الدين إسماعيل)، كما إنهم لم يقفوا عند البعد النفسي في تكوينها، مما يجعل الشعر صدى لتجربة الشاعر، وكشفاً عن عوالم جديدة غير مألوفة.
_____________
(1) يقول مصطفى ناصف: " كان أبو تمام يشعر شعوراً جدياً بأن الخيال البياني يؤتى من طريق الاستعارة والاتكاء عليها " -الصورة الأدبية 96، ط1، دار مصر، القاهرة، 1958.
(2) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، لجابر عصفور، ص 149، دار الثقافة، القاهرة، 1974 -وانظر الصورة الأدبية لمصطفى ناصف 96 وما قبل.
(3) الصورة الأدبية 105
(4) الموازنة 1/23
(5) الحركة النقدية 190 وانظر أمثلة ذلك في: زمن الشعر لأدونيس 23-33
(6) يرى مندور أن " الفارق بين المذهبين: مذهب القدماء العريق في حقيقة الشعر، من حيث إنه يصاغ من معطيات الحواس المباشرة، بعيداً عن التجريد والإغراب، ومذهب المحدثين الذين يسرفون ويقتسرون ويضربون في عالم المجرّدات " -النقد المنهجي 89 وانظر أخبار أبي تمام ص 17 وما بعد.
(7) الحركة النقدية 121 -وانظر أمثلة ذلك في زمن الشعر لأدونيس 33.
(8) انظر حفني محمد شرف: الصور البيانية بين النظرية والتطبيق 328، ط 1، دار نهضة مصر القاهرة، 1965.
(9) يذكر الآمدي نماذج من الاستعارة (المكنية) من القرآن والشعر الجاهلي - انظر الموازنة 1/14 -15. ويرى بدوي طبانة أن ابن المعتز " بذل جهوداً جبارة في البحث عن تلك الألوان البيانية... " -دراسات في نقد الأدب العربي 267 ط6، دار الثقافة، بيروت، 1974، ويحمل شوقي ضيف ابن المعتز مسؤولية توجيه النقاد إلى هذا الجانب من شعر أبي تمام، فيقول: " وربما كان ابن المعتز هو أول من وجّه نقاد أبي تمام إلى هذا الجانب في شعره، إذ رآه يكثر من الاستعارات المكنية، ويغرب فيها، إغراباً لم يعرف لشاعر من قبله " -البلاغة تطور وتاريخ 130
(10) الحركة النقدية 191 -وهذا ما يذهب إليه أيضاً ابن المعتز في كتاب البديع (انظر طبانة: دراسات في نقد الأدب العربي 268) ويرى مصطفى ناصف أن الآمدي تأثّر بابن المعتز في هذا الرأي (انظر الصورة الأدبية 98).
(11) أخبار أبي تمام 17
(12) المصدر نفسه 18
(13) انظر الموازنة 1/28، 32
(14) المصدر نفسه 1/40
(15) الصورة الأدبية 97 (129) المرجع نفسه 105-106
(16) أبو تمام 61
(17) المرجع نفسه 105-106.
(18) المرجع نفسه والبيت المنقود:
شاب رأسي، وما رأيت مشيت الـ ... رأس إلاّ من فضل شيب الفؤاد
وبعده: وكذاك القلوب في كل بؤس ... ونعيم طلائع الأجساد
( 19) حفني محمد شرف. الصور البيانية 328 - 329
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|