المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

تصميم مزارع إنتاج اللحم
19-4-2016
أحمد بن الحسين بن عبيد الله
10-04-2015
القياس - اعمال تصريف المياه
2023-09-16
الشيخ مهدي بن محمد بن علي بن حسن بن حسين
12-2-2018
The rate of radiation of energy
2024-03-23
أنشطـة الصيانـة الوقائيـة
13-4-2021


مناظرة أبي جعفر العلوي البصري مع أحد الفقهاء في إيراده لكلام الجويني في أمر الصحابة بكتاب كتبه أحد الزيدية  
  
590   12:24 صباحاً   التاريخ: 28-9-2019
المؤلف : الشيخ عبد الله الحسن
الكتاب أو المصدر : مناظرات في العقائد
الجزء والصفحة : ج1 ، 495-525
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) /

قال ابن أبي الحديد المعتزلي: وحضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد، وعنده جماعة، وأحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج، فمر ذكر المغيرة بن شعبة (1) وخاض القوم، فذمه بعضهم، وأثنى عليه بعضهم، وأمسك عنه آخرون. فقال بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الأشعري: الواجب الكف والإمساك عن الصحابة، وعما شجر بينهم، فقد قال أبو المعالي الجويني (2): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك، وقال: إياكم وما شجر بين صحابتي ، وقال: دعوا لي أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه (3)، وقال: أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم (4) (5)، وقال: خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه (6)، وقد ورد في القرآن الثناء على الصحابة وعلى التابعين، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (7)، وقد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل وصفين، فقال: تلك دماء طهر الله منها أسيافنا، فلا نلطخ بها ألسنتنا. ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها، فلا يليق بنا أن نخوض فيها، ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، ومن المروءة أن يحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عائشة زوجته، وفي الزبير ابن عمته، وفي طلحة الذي وقاه بيده.

ثم ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه! وأي ثواب في اللعنة والبراءة! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم لم تلعن؟ بل قد يقول له: لم لعنت؟ ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا ولا آثما، وإذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيرا له.

ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة، وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها، ونحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم، فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمه ونسائه وسراريه! وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صهرا لمعاوية، وأخته أم حبيبة تحته، فالأدب أن تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها.

وكيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه وبين رسوله مودة! أليس المفسرون كلهم قالوا: هذه الآية أنزلت في أبي سفيان وآله، وهي قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] ! فكان ذلك مصاهرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا سفيان وتزويجه ابنته، على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، وما كان القوم إلا كبني أم واحدة، ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع. فقال أبو جعفر (رحمه الله): قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا وردا على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي، وأنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه، إني أجد ألما يمنعني من الإطالة في الحديث، لا سيما إذا خرج مخرج الجدل ومقاومة الخصوم. ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس واستحسنه الحاضرون، وأنا أذكر ها هنا خلاصته. قال: لولا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه، كما أوجب موالاة أوليائه، وضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها، أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] ، وبقوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 81] وبقوله سبحانه: {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] ولإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه، وولاية أوليائه، وعلى أن البغض في الله واجب، والحب في الله واجب - لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين، ولا البراءة منه، ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا. ولو ظننا أن الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: يا رب غاب أمرهم عنا، فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى، لاعتمدنا على هذا العذر، وواليناهم، ولكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم، فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم، قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي - صلى الله عليه وآله - وموالاة من صدقه، ومعاداة من عصاه وجحده، وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول، فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]! فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها، وأوجبها، ألا ترى إلى قوله: { أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: 159] ، فهو إخبار معناه الأمر، كقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [البقرة: 228] ، وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ} [المائدة: 78] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] ، وقوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: 61] ، وقال الله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا } [الأحزاب: 64].

فأما قول من يقول: أي ثواب في اللعن! وإن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن؟ بل قد يقول له: لم لعنت؟ وأنه لو جعل مكان لعن الله فلانا، اللهم اغفر لي لكان خيرا له، ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك ، فكلام جاهل لا يدري ما يقول، اللعن طاعة، ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها، وهو أن يلعن مستحق اللعن لله وفي الله، لا في العصبية والهوى، ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد، ونطق بها القرآن، وهو أن يقول الزوج في الخامسة: { أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنه قد تعبدهم بها، لما جعلها من معالم الشرع، ولما كررها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في حق القائل: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93] ، وليس المراد من قوله: ولعنه إلا الأمر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لأن الله تعالى لعنه، أفيلعن الله تعالى إنسانا ولا يكون لنا أن نلعنه! هذا ما لا يسوغ في العقل، كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمه إلا ولنا أن نذمه، وقال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ } [المائدة: 60] وقال: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [الأحزاب: 68] ، وقال عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } [المائدة: 64].

وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف: لم لم تلعن؟ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه، فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري! ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له: تلفظ بكلمة الشهادتين، ثم قل: برئت من كل دين يخالف دين الإسلام، فلا بد من البراءة، لأن بها يتم العمل! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك إن الرأي عنك لعازب .

فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة، لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بألا يودهم ولا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.

وأما قوله: لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له، فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه، لأنه يكون عاصيا لله تعالى، مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه، وإظهار البراءة، والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر، وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس، فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر، وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ، على أن الفرق بينه وبين ترك لعنه رؤوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما، أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس، والإمساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم، وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب، فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء.

قال: ثم يقال للمخالفين: أرأيتم لو قال قائل: قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف، فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما، ولا أن نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما، هل كان هذا إلا كقولكم: قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة ابن شعبة وأضرابهما، فليس لخوضنا في قصتهم معنى!

وبعد، فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية (8) وأهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان وخضتم فيه، وقد غاب عنكم! وبرئتم من قتله، ولعنتموهم! وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور، ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين (عليهم السلام) ومعاوية الظالم له ولهما، المتغلب على حقه وحقوقهما! وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم، ولعن ظالم علي والحسن والحسين (عليهم السلام) تكلفا! وكيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها، ومن القائل لها: يا حميراء، أو إنما هي حميراء، ولعنته بكشفه سترها، ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة (عليها السلام) وما جرى لها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله).

فإن قلتم: إن بيت فاطمة (عليها السلام) إنما دخل، وسترها إنما كشف، حفظا لنظام الإسلام، وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم الجماعة.

قيل لكم: وكذلك ستر عائشة إنما كشف، وهودجها إنما هتك، لأنها نشرت حبل الطاعة، وشقت عصا المسلمين، وأراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى البصرة، وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ والسير (9)، فإذا جاز دخول بيت فاطمة (عليها السلام) لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع وتحقق، فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار، والبراءة من فاعله، ومن أوكد عرا الإيمان، وصار كشف بيت فاطمة (عليها السلام) والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها، وتهددها بالتحريق (10) من أوكد عرا الدين، وأثبت دعائم الإسلام، ومما أعز الله به المسلمين وأطفأ به نار الفتنة، والحرمتان واحدة، والستران واحد، وما نحب أن نقول لكم: إن حرمة فاطمة أعظم، ومكانها أرفع، وصيانتها لأجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولى، فإنها بضعة (11) منه، وجزء من لحمه ودمه، وليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج، وإنما هي وصلة مستعارة، وعقد يجري مجرى إجارة المنفعة، وكما يملك رق الأمة بالبيع والشراء، ولهذا قال الفرضيون: أسباب التوارث ثلاثة: سبب، ونسب، وولاء، فالنسب القرابة، والسبب النكاح، والولاء: ولاء العتق، فجعلوا النكاح خارجا عن النسب، ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين.

وكيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة (عليها السلام)، وقد أجمع المسلمون كلهم - من يحبها ومن لا يحبها منهم - أنها سيدة نساء العالمين (12).

قال: وكيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في زوجته، وحفظ أم حبيبة في أخيها، ولم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام)، ولا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صهره وابن عمه عثمان بن عفان، وقد قتلوهم ولعنوهم، ولقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة، منهم عائشة كانت تقول: اقتلوا نعثلا، لعن الله نعثلا (13)، ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد لعن معاوية علي بن أبي طالب (14) وابنيه حسنا وحسينا (عليهم السلام) وهم أحياء يرزقون بالعراق، وهو يلعنهم بالشام على المنابر، ويقنت عليهم في الصلوات، وقد لعن أبو بكر وعمر سعد بن عبادة (15) وهو حي، وبرئا منه، وأخرجاه من المدينة إلى الشام، ولعن عمر خالد بن الوليد (16) لما قتل مالك بن نويرة، وما زال اللعن فاشيا في المسلمين إذا عرفوا من الإنسان معصية تقتضي اللعن والبراءة.

قال: ولو كان هذا أمرا معتبرا وهو أن يحفظ زيد لأجل عمرو فلا يلعن، لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم، فلا يلعنوا لأجل آبائهم، فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السلام)، وأن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة (17) وقاتل الحسين، ومخيف المسجد الحرام بمكة، وأن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان، والمحارب عليا (عليه السلام) في صفين. قال: على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصحابه ورعاية عهده وعقده لم نعادهم ولو ضربت رقابنا بالسيوف، ولكن محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه ليست كمحبة الجهال الذين يضع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية، وإنما أوجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) محبة أصحابه لطاعتهم لله، فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم، فليس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم، ولا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم، فلقد كان (صلى الله عليه وآله) يحب أن يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته، كما يحب أن يوالي أولياء الله ولو كانوا أبعد الخلق نسبا منه.

والشاهد على ذلك إجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام، وعداوة من نافق وإن كان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الذي أمر بذلك ودعا إليه وذلك أنه (صلى الله عليه وآله) قد أوجب قطع يد السارق وضرب القاذف، وجلد البكر إذا زنى، وإن كان من المهاجرين أو الأنصار، ألا ترى أنه قال: لو سرقت فاطمة لقطعتها (18)، فهذه ابنته، الجارية مجرى نفسه، لم يحابها في دين الله، ولا راقبها في حدود الله، وقد جلد أصحاب الإفك (19)، ومنهم مسطح بن أثاثة، وكان من أهل بدر. قال: وبعد، فلو كان محل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) محل من لا يعادى إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح، بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة، ويغضى عن عيوبه وذنوبه، لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه، فانسلخ مما أوتي من الآيات وغوى، قال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] ، ولكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل، لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه. قال: ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة، لعلمت ذلك من حال أنفسها، لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا، وإذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم، هذا علي وعمار وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وجميع من كان مع علي (عليه السلام) من المهاجرين والأنصار، لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم، لم يروا أن يمسكوا عن علي (عليه السلام) حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا. وهذا معاوية وعمرو لم يريا عليا بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره، ولم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكل من كان حيا من أهله، وقتل أصحابه، وقد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات، ولعن معهما أبا الأعور السلمي، وأبا موسى الأشعري، وكلاهما من الصحابة، وهذا سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن عمر، وحسان بن ثابت، وأنس بن مالك، لم يروا أن يقلدوا عليا (عليه السلام) في حرب طلحة، ولا طلحة في حرب علي، وطلحة والزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين، لأنهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون علي قد غلط وزل في حربهما، وخافوا أن يكونا قد غلطا وزلا في حرب علي (عليه السلام).

وهذا عثمان قد نفى أبا ذر (20) إلى الربذة (21) كما يفعل بأهل الخنا والريب، وهذا عمار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهما - بزعمهما - منه ما وعظاه لأجله، ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم، ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلهم.

وهذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو: ها إني ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم، وزعم أنه وأبو بكر كانا يقولان: إن عليا والعباس في قصة الميراث زعما هما كاذبين ظالمين فاجرين، وما رأينا عليا والعباس اعتذرا ولا تنصلا، ولا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك، ولا رأينا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما، ونسبه إليهما، ولا أنكروا أيضا على عمر قوله في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنهم يريدون إضلال الناس ويهمون به، ولا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار (22) ولا كسر ضلع ابن مسعود (23)، ولا على عمار وابن مسعود ما تلقيا به عثمان، كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة، ولا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها، اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم، وهذا علي وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية: نحن معاشر الأنبياء لا نورث (24)، ويقولون، إنها مختلقة.

قالوا: وكيف كان النبي (صلى الله عليه وآله) يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة، ونحن أولى الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه، وهذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنهم النفر الذين توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عنهم راض، ثم يأمر بضرب أعناقهم (25) إن أخروا فصل حال الإمامة، هذا بعد أن ثلبهم، وقال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحبا إلى السلطان، ثم شهدت عليه بالرفض واستحلت دمه، فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضا فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلهم، ثم ما شاع واشتهر من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (26)، وهذا طعن في العقد، وقدح في البيعة الأصلية. ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته، وقوله عن عبد الرحمن ابنه: دويبة سوء ولهو خير من أبيه، ثم عمر القائل في سعد بن عبادة، وهو رئيس الأنصار وسيدها: اقتلوا سعدا، قتل الله سعدا (27)، اقتلوه فإنه منافق.

وقد شتم أبا هريرة وطعن في روايته (28)، وشتم خالد بن الوليد (29) وطعن في دينه، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخون عمرو بن العاص (30) ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفئ واقتطاعه، وكان سريعا إلى المساءة، كثير الجبه والشتم والسب لكل أحد، وقل أن يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده، ولذلك أبغضوه وملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها، فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة! إما أن يكون عمر مخطئا، وإما أن تكون العامة على الخطأ! فإن قالوا: عمر ما شتم ولا ضرب، ولا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك، قيل لهم: فكأنا نحن نقول: إنا نريد أن نبرأ ونعادي من لا يستحق البراءة والمعاداة، كلا ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل.

وإنما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس، وعليهم ما عليهم، من أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير، بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم، لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات، فقربت اعتقاداتهم من الضرورة، ونحن لم نشاهد ذلك، فكانت عقائدنا محض النظر والفكر، وبعرضية الشبه والشكوك، فمعاصينا أخف لأنا أعذر.

ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول: وهذه عائشة أم المؤمنين، خرجت بقميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت للناس: هذا قميص رسول الله لم يبل، وعثمان قد أبلى سنته (31)، ثم تقول: اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا، ثم لم ترض بذلك حتى قالت: أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غدا.

فمن الناس من يقول: روت في ذلك خبرا، ومن الناس من يقول: هو موقوف عليها، وبدون هذا لو قاله إنسان اليوم يكون عند العامة زنديقا. ثم قد حصر عثمان، حصرته أعيان الصحابة، فما كان أحد ينكر ذلك، ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته، وإنما أنكروا على ما أنكر على المحاصرين له، وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم من أشرافهم، ثم هو أقرب إليه من أبي بكر وعمر، وهو مع ذلك إمام المسلمين، والمختار منهم للخلافة، وللإمام حق على رعيته عظيم، فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامة، وإن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول، من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة، كما يجوز على آحادنا اليوم. ولسنا نقدح في الإجماع، ولا ندعي إجماعا حقيقيا على قتل عثمان، وإنما نقول: إن كثيرا من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلم أن ذلك كان خطأ ومعصية، فقد سلم أن الصحابي يجوز أن يخطئ ويعصي، وهو المطلوب.

وهذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة، ادعي عليه الزنا، وشهد عليه قوم بذلك (32)، فلم ينكر ذلك عمر، ولا قال: هذا محال وباطل لأن هذا صحابي من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يجوز عليه الزنا، وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم: ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك، فإن الله تعالى قد أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوجب الستر عليهم! وهلا تركتموه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله دعوا لي أصحابي ، ما رأينا عمر إلا قد انتصب لسماع الدعوى، وإقامة الشهادة، وأقبل يقول للمغيرة: يا مغيرة، ذهب ربعك، يا مغيرة، ذهب نصفك، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك، حتى اضطرب الرابع، فجلد الثلاثة. وهلا قال المغيرة لعمر: كيف تسمع في قول هؤلاء، وليسوا من الصحابة، وأنا من الصحابة، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم (33)! ما رأيناه قال ذلك، بل استسلم لحكم الله تعالى.

وها هنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل، قدامة بن مظعون، لما شرب الخمر في أيام عمر، فأقام عليه الحد، وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل بدر، والمشهود لهم بالجنة، فلم يرد عمر الشهادة، ولا درأ عنه الحد لعلة أنه بدري، ولا قال: قد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر مساوئ الصحابة، وقد ضرب عمر أيضا ابنه حدا فمات (34)، وكان ممن عاصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم تمنعه معاصرته له من إقامة الحد عليه.

وهذا علي (عليه السلام) يقول: ما حدثني أحد بحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا استحلفته عليه (35)، أليس هذا اتهاما لهم بالكذب! وما استثنى أحدا من المسلمين إلا أبا بكر على ما ورد في الخبر، وقد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة، وقال: لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال أبو بكر في مرضه الذ مات فيه: وددت أني لم أكشف بيت فاطمة ولو كان أعلن علي الحرب (36) فندم، والندم لا يكون إلا عن ذنب.

ثم ينبغي للعاقل أن يفكر في تأخر علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر ستة أشهر إلى أن ماتت فاطمة، فإن كان مصيبا فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة، وإن كان أبو بكر مصيبا فعلي على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد.

ثم قال أبو بكر في مرض موته أيضا للصحابة: فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي - يعني عمر - فكلكم ورم لذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، لما رأيتم الدنيا قد جاءت، أما والله لتتخذن ستائر الديباج، ونضائد الحرير (37).

أليس هذا طعنا في الصحابة، وتصريحا بأنه قد نسبهم إلى الحسد لعمر، لما نص عليه بالعهد! ولقد قال له طلحة لما ذكر عمر الأمر: ماذا تقول لربك إذا سألك عن عباده، وقد وليت عليهم فظا غليظا! فقال أبو بكر: أجلسوني، بالله تخوفني! إذا سألني قلت: وليت عليهم خير أهلك (38)، ثم شتمه بكلام كثير منقول، فهل قول طلحة إلا طعن في عمر، وهل قول أبي بكر إلا طعن في طلحة! ثم الذي كان بين أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود من السباب حتى نفى كل واحد منهما الآخر عن أبيه، وكلمة أبي بن كعب مشهورة منقولة: ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيهم، وقوله: ألا هلك أهل العقيدة، والله ما آسى عليهم إنما آسى على من يضلون من الناس.

ثم قول عبد الرحمن بن عوف: ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان: يا منافق، وقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما وليت عثمان شسع نعلي: وقوله: اللهم إن عثمان قد أبى أن يقيم كتابك فافعل به وافعل. وقال عثمان لعلي (عليه السلام) في كلام دار بينهما: أبو بكر وعمر خير منك، فقال علي: كذبت، أنا خير منك ومنهما، عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما (39).

وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: كنت عند عروة بن الزبير، فتذاكرنا كم أقام النبي بمكة بعد الوحي؟ فقال عروة: أقام عشرا، فقلت: كان ابن عباس يقول: ثلاث عشرة، فقال: كذب ابن عباس.

وقال ابن عباس: المتعة حلال، فقال له جبير بن مطعم: كان عمر ينهى عنها، فقال: يا عدي نفسه، من ها هنا ضللتم، أحدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحدثني عن عمر! وجاء في الخبر عن علي (عليه السلام)، لولا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي (40)، وقيل: ما زنى إلا شفا، أي قليلا. فأما سب بعضهم بعضا وقدح بعضهم في بعض في المسائل الفقهية فأكثر من أن يحصى، مثل قول ابن عباس وهو يرد على زيد مذهبه القول في الفرائض: إن شاء - أو قال: من شاء - باهلته إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا، هذان النصفان قد ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث! ومثل قول أبي بن كعب في القرآن: لقد قرأت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب. وقال علي (عليه السلام) في أمهات الأولاد وهو على المنبر: كان رأيي ورأي عمر ألا يبعن، وأنا أرى الآن بيعهن، فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة، وكان أبو بكر يرى التسوية في قسم الغنائم، وخالفه عمر وأنكر فعله.

وأنكرت عائشة على أبي سلمة بن عبد الرحمن خلافه على ابن عباس في عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل، وقالت: فروج يصقع مع الديكة.

وأنكرت الصحابة على ابن عباس قوله في الصرف، وسفهوا رأيه حتى قيل: إنه تاب من ذلك عند موته، واختلفوا في حد شارب الخمر حتى خطأ بعضهم بعضا.

وروى بعض الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار، والفرس (41)، فأنكرت عائشة ذلك، وكذبت الراوي وقالت: إنه إنما قال (صلى الله عليه وآله) ذلك حكاية عن غيره (42).

وروى بعض الصحابة عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: التاجر فاجر، فأنكرت عائشة ذلك، وكذبت الراوي وقالت: إنما قاله (عليه السلام) في تاجر دلس. وأنكر قوم من الأنصار رواية أبي بكر: الأئمة من قريش (43) ونسبوه إلى افتعال هذه الكلمة. وكان أبو بكر يقضي بالقضاء فينقضه عليه أصاغر الصحابة كبلال وصهيب ونحوهما، قد روي ذلك في عدة قضايا.

وقيل لابن عباس: إن عبد الله بن الزبير يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل، فقال: كذب عدو الله! أخبرني أبي بن كعب، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر كذا، بكلام يدل على أن موسى صاحب الخضر هو موسى بني إسرائيل. وباع معاوية أواني ذهب وفضة بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهى عن ذلك، فقال معاوية: أما أنا فلا أرى به بأسا، فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية! أخبره عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو يخبرني عن رأيه! والله لا أساكنك بأرض أبدا.

وطعن ابن عباس في أبي هريرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخلن يده في الإناء حتى يتوضأ ، وقال: فما نصنع بالمهراس (44)! وقال علي (عليه السلام) لعمر وقد أفتاه الصحابة في مسألة وأجمعوا عليها: إن كانوا راقبوك فقد غشوك، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطأوا.

وقال ابن عباس: ألا يتقي الله زيد بن ثابت، يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أب الأب أبا! وقالت عائشة: أخبروا زيد بن أرقم أنه قد أحبط جهاده مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وأنكرت الصحابة على أبي موسى قوله: إن النوم لا ينقض الوضوء، ونسبته إلى الغفلة وقلة التحصيل، وكذلك أنكرت على أبي طلحة الأنصاري قوله: إن أكل البرد لا يفطر، وهزئت به ونسبته إلى الجهل. وسمع عمر، عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد، فصعد المنبر وقال: إذا اختلف اثنان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعن أي فتياكم يصدر المسلمون؟ لا أسمع رجلين يختلفان بعد مقامي هذا إلا فعلت وصنعت. وقال جرير بن كليب: رأيت عمر ينهى عن المتعة، وعلي (عليه السلام) يأمر بها، فقلت: إن بينكما لشرا، فقال علي (عليه السلام): ليس بيننا إلا الخير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدين. قال هذا المتكلم: وكيف يصح أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (45)، لا شبهة أن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى، وأن يكون أهل العراق أيضا على هدى، وأن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتديا، وقد صح الخبر الصحيح أنه قال له: تقتلك الفئة الباغية (46)، وقال في القرآن: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، فدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي، مفارقة لأمر الله، ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتديا. وكان يجب أن يكون بسر بن أرطأة الذي ذبح ولدي عبيد الله بن عباس الصغيرين (47) مهتديا، لأن بسرا من الصحابة أيضا، وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان عليا أدبار الصلاة وولديه مهتديين، وقد كان في الصحابة من يزني ومن يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي، ومن يرتد عن الإسلام كطليحة ابن خويلد، فيجب أن يكون كل من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهتديا.

قال المسعودي في هذه الحادثة الأليمة في مروج الذهب: ج 3 ص 21 - 22: وقد كان معاوية في سنة أربعين بعث بسر بن أرطأة في ثلاثة آلاف حتى قدم المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري فتنحى، وجاء بسر حتى صعد المنبر وتهدد أهل المدينة بالقتل، فأجابوه إلى بيعة معاوية، وبلغ الخبر عليا فأنفذ حارثة بن قدامة السعدي في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين، ومضى بسر إلى مكة، ثم سار إلى اليمن، وكان عبيد الله بن العباس بها، فخرج عنها ولحق بعلي واستخلف عليها عبد الله بن عبد المدان الحارثي، وخلف ابنيه عبد الرحمن وقثم عند أمهما جويرية بنت قارض الكناني، فقتلهما بسر وقتل معهما خالا لهما من ثقيف... وكانت جويرية أم ابني عبيد الله بن العباس اللذين قتلهما بسر تدور حول البيت ناشرة شعرها... وهي تقول ترثيهما:

ها من أحس من ابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف

ها من أحس من ابني اللذين هما * سمعي وقلبي، فعقلي اليوم مختطف

ها من أحس من ابني اللذين هما * مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

نبئت بسرا، وما صدقت ما زعموا * من قولهم ومن الإفك الذي وصفوا

أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة، وكذاك الإثم يقترف

قال: وإنما هذا من موضوعات متعصبة الأموية، فإن لهم من ينصرهم بلسانه، وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف.

وكذا القول في الحديث الآخر، وهو قوله: القرن الذي أنا فيه ، ومما يدل على بطلانه أن القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا، وهو أحد القرون التي ذكرها في النص، وكان ذلك القرن هو القرن الذي قتل فيه الحسين، وأوقع بالمدينة، وحوصرت مكة، ونقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه والمنتصبون في منصب النبوة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية وليزيد بن عاتكة وللوليد بن يزيد، وأريقت الدماء الحرام، وقتل المسلمون، وسبي الحريم، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي الروم، وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج. وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر. قال: فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] ، وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29].

وقول النبي (صلى الله عليه وآله): إن الله اطلع على أهل بدر، إن كان الخبر صحيحا فكله مشروط بسلامة العاقبة، ولا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم بأنه لا عقاب عليه، فليفعل ما شاء.

قال هذا المتكلم: ومن أنصف وتأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا، يجوز عليهم ما يجوز علينا، ولا فرق بيننا وبينهم إلا بالصحبة لا غير، فإن لها منزلة وشرفا ولكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول أو صحبه يوما أو شهرا أو أكثر من ذلك أن يخطئ ويزل، ولو كان هذا صحيحا ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء، بل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك، لأنها زوجته، وصحبتها له آكد من صحبة غيرها، وصفوان بن المعطل أيضا كان من الصحابة، فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديدين اللذين حملهما ويقول: صفوان من الصحابة، وعائشة من الصحابة، والمعصية عليهما ممتنعة.

وأمثال هذا كثير، وأكثر من الكثير، لمن أراد أن يستقرئ أحوال القوم، وقد كان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك، ويقولون في العصاة منهم مثل هذا القول، وإنما اتخذهم العامة أربابا بعد ذلك.

قال: ومن الذي يجترئ على القول بأن أصحاب محمد لا تجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] بعد قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الزمر: 13] وبعد قوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [ص: 26] ، إلا من لا فهم له ولا نظر معه، ولا تمييز عنده. قال: ومن أحب أن ينظر إلى اختلاف الصحابة، وطعن بعضهم في بعض ورد بعضهم على بعض، وما رد به التابعون عليهم واعترضوا به أقوالهم، واختلاف التابعين أيضا فيما بينهم، وقدح بعضهم في بعض، فلينظر في كتاب النظام (48)، قال الجاحظ: كان النظام أشد الناس إنكارا على الرافضة، لطعنهم على الصحابة، حتى إذا ذكر الفتيا وتنقل الصحابة فيها، وقضاياهم بالأمور المختلفة، وقول من استعمل الرأي في دين الله، انتظم مطاعن الرافضة وغيرها، وزاد عليها، وقال في الصحابة أضعاف قولها.

قال: وقال بعض رؤساء المعتزلة: غلط أبي حنيفة في الأحكام عظيم، لأنه أضل خلقا، وغلط حماد (49) أعظم من غلط أبي حنيفة، لأن حمادا أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع، وغلط إبراهيم أغلظ وأعظم من غلط حماد، لأنه أصل حماد وغلط علقمة (50) والأسود (51) أعظم من غلط إبراهيم لأنهما أصله الذي عليه اعتمد، وغلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعا، لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه، وهو الذي قال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني.

قال: واستأذن أصحاب الحديث على ثمامة (52) بخراسان حيث كان مع الرشيد بن المهدي، فسألوه كتابه الذي صنفه على أبي حنيفة في اجتهاد الرأي، فقال: لست على أبي حنيفة كتبت ذلك الكتاب، وإنما كتبته على علقمة والأسود وعبد الله بن مسعود لأنهم الذين قالوا بالرأي قبل أبي حنيفة.

قال: وكان بعض المعتزلة أيضا إذا ذكر ابن عباس استصغره وقال: صاحب الذؤابة يقول في دين الله برأيه.

وذكر الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب التوحيد أن أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ولم يكن علي (عليه السلام) يوثقه في الرواية، بل يتهمه، ويقدح فيه، وكذلك عمر وعائشة (53).

وكان الجاحظ يفسق عمر بن عبد العزيز ويستهزئ به ويكفره، وعمر بن عبد العزيز وإن لم يكن من الصحابة فأكثر العامة يرى له من الفضل ما يراه لواحد من الصحابة.

وكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد من الصحابة عدل، ومن جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص! وكفاك به عدوا مبغضا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)! ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب، ومنهم حبيب بن مسلمة الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية، وبسر بن أبي أرطأة عدو الله وعدو رسوله، وفي الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس، وقال كثير من المسلمين: مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يعرفه الله سبحانه كل المنافقين بأعيانهم، وإنما كان يعرف قوما منهم، ولم يعلم بهم أحدا إلا حذيفة فيما زعموا، فكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد ممن صحب رسول الله أو رآه أو عاصره عدل مأمون، لا يقع منه خطأ ولا معصية، ومن الذي يمكنه أن يتحجر واسعا كهذا التحجر، أو يحكم هذا الحكم! قال: والعجب من الحشوية وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء، ويثبتون أنهم عصوا الله تعالى، وينكرون على من ينكر ذلك، ويطعنون فيه، ويقولون: قدري معتزلي، وربما قالوا: ملحد مخالف لنص الكتاب، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادل في هذا الباب، فتارة يقولون: إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة، وتارة يقولون: إن داود قتل أوريا لينكح امرأته، وتارة يقولون: إن رسول الله كان كافرا ضالا قبل النبوة، وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر.

فأما قدحهم في آدم (عليه السلام)، وإثباتهم معصيته ومناظرتهم من يذكر ذلك فهو دأبهم وديدنهم، فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص أو في معاوية وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح، احمرت وجوههم، وطالت أعناقهم، وتخازرت أعينهم، وقالوا: مبتدع رافضي، يسب الصحابة، ويشتم السلف، فإن قالوا: إنما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب، قيل لهم: فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب، فإنه تعالى قال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] ، وقال: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، وقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

ثم يسألون عن بيعة علي (عليه السلام) هل هي صحيحة لازمة لكل الناس؟ فلا بد من بلى ، فيقال لهم: فإذا خرج على الإمام الحق خارج أليس يجب على المسلمين قتاله حتى يعود إلى الطاعة؟ فهل يكون هذا القتال إلا البراءة التي نذكرها لأنه لا فرق بين الأمرين، وإنما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم، فيمكننا أن نقاتل بأيدينا، فقصارى أمرنا الآن أن نبرأ منهم ونلعنهم، وليكون ذلك عوضا عن القتال الذي لا سبيل لنا إليه. قال هذا المتكلم: على أن النظام وأصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في الإجماع، وأنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ والمعصية، وعلى الفسق، بل على الردة، وله كتاب موضوع في الإجماع يطعن فيه في أدلة الفقهاء، ويقول: إنها ألفاظ غير صريحة في كون الإجماع حجة، نحو قوله: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115].

وأما الخبر الذي صورته: لا تجتمع أمتي على الخطأ (54) فخبر واحد، وأمثل دليل للفقهاء قولهم: إن الهمم المختلفة، والآراء المتباينة، إذا كان أربابها كثيرة عظيمة، فإنه يستحيل اجتماعهم على الخطأ، وهذا باطل باليهود والنصارى وغيرهم من فرق الضلال.

هذه خلاصة ما كان النقيب أبو جعفر علقه بخطه من الجزء الذي أقرأناه (55).

_______________

(1) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: ج 16 ص 79.

(2) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين، أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي، ولد في جوين - من نواحي نيسابور - سنة 419 ه‍، سافر إلى بغداد ولقي بها جماعة من العلماء ثم خرج إلى الحجاز، وجاور بمكة أربع سنين وكان بالمدينة يدرس ويفتي، ولهذا سمي إمام الحرمين، ثم عاد إلى نيسابور، وبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية فيها، له مصنفات كثيرة، توفي سنة 478 ه‍، وقيل: إنه بعد وفاته حزن الناس عليه حتى كسروا منبره، وقعد الناس لعزائه حتى أن تلامذته كسروا محابرهم وأقلامهم حزنا عليه وأقاموا على ذلك عاما كاملا. راجع ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 3 ص 167 - 170 ترجمة رقم: 378، الأعلام للزركلي: ج 4 ص 306.

(3) مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 266، تاريخ بغداد: ج 1 ص 209، مجمع الزوائد: ج 10 ص 15.

(4) ميزان الاعتدال: ج 1 ص 413، إتحاف السادة المتقين: ج 2 ص 223، كشف الخفاء: ج 1 ص 147 ح 381، لسان الميزان: ج 2 ص 118، التفسير الكبير للرازي: ج 27 ص 167.

(5) هذا الحديث على فرض صحته لا يمكن أن يكون المقصود به هم عامة الصحابة، إذ لا يمكن أن يتحقق الاهتداء بكل واحد منهم لا على التعيين، إذ نقطع بوجود الخلاف والنزاع فيما بينهم حتى حصل في ما بين بعضهم القتل والقتال، وقد شتم بعضهم بعضا، وحيث أن الحق واحد فكيف يتحقق الاهتداء بالاقتداء بكل واحد منهم، والذي يؤيد هذا ما ورد عن محمد بن موسى بن نصر الرازي عن أبيه، قال: سئل الرضا (عليه السلام) عن قول النبي (صلى الله عليه وآله): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وعن قوله (صلى الله عليه وآله): دعوا لي أصحابي، فقال (عليه السلام): هذا صحيح يريد من لم يغير بعده ولم يبدل، قيل: وكيف يعلم أنهم قد غيروا وبدلوا؟ قال: لما يروونه: من أنه (صلى الله عليه وآله) قال: ليذادن برجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي؟ فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: بعدا لهم وسحقا لهم، أفترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 93، والجدير بالذكر هو إنه قد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) التعبير عن أهل البيت (عليهم السلام) بالأصحاب أيضا كما عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 31 ح 2، بسنده عن إسحاق بن عمار عن - أبي عبد الله - جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فخذوه، فإنما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم فبأيها أخذ اهتدى، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة، قيل: يا رسول الله ومن أصحابك قال: أهل بيتي. فهم الذين بلا شك من اتبعهم اهتدى ونجا ومن تخلف عنهم غرق وهوى، كما هو صريح حديث السفينة، وبعض الأخبار مثل قوله (صلى الله عليه وآله): ألا أن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة. عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 182. وحديث الثقلين أيضا الذي هو أشهر من أن يذكر - أوصيكم بالثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي... لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما الخ فهو واضح الدلالة وصريح العبارة كالشمس التي لا تخفى - في دلالته على أن الاهتداء لا يتم إلا عن هذين الطريقين ويكون في مأمن من الضلالة بلا ريب بخلاف اتباع غيرهما فبعد هذا كله فهل يمكن الجزم بحصول الهداية من غير هذين الطريقين، الكتاب والعترة؟!

(6) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 438، صحيح البخاري: ج 3 ص 224 وج 8 ص 113، حلية الأولياء للإصفهاني: ج 8 ص 391، السنن الكبرى للبيهقي: ج 10 ص 74، الترهيب والترغيب للمنذري: ج 4 ص 8 ح 11.

(7) الكتاب المصنف لابن أبي شيبة: ج 14 ص 384 ح 18573، مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 80، صحيح البخاري: ج 8 ص 32، المعجم الكبير للطبراني: ج 12 ص 99 ح 12592.

(8) الحشوية: هم طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظواهر، لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روي من الأحاديث المتناقضة، أو لأنهم قالوا بحشوا الكلام مثل قولهم في الإمامة: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يستخلف على دينه من يقوم مقامه في لم الشعث ولم الكلمة في أمور الملك والرعية، كما ذهبوا إلى أن طريق معرفة الحق هو التقليد، وإن البحث والنظر حرام، ولم يعثر على أصل مبناهم في حظر الاجتهاد ولا على أصل التوجيه بهذا الحظر، فهم يمنعون من تأويل الآيات الواردة في الصفات، ويقولون بالجمود على الظواهر. راجع: معجم الفرق الإسلامية للأمين: ص 97 - 98.

(9) راجع: مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 358، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 181، تاريخ الطبري: ج 4 ص 469.

(10) راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 19.

(11) إشارة إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني... الخ وقد تقدمت تخريجاته.

(12) راجع: فضائل فاطمة الزهراء (عليها السلام) لابن شاهين: ص 34 - 35 ح 13، مشكل الآثار: ج 1 ص 50، حلية الأولياء: ج 2 ص 42، ذخائر العقبى: ص 43.

(13) تقدمت تخريجاته.

(14) تقدمت تخريجاته.

(15) راجع: الإمامة والسياسة: ج 1 ص 17، تاريخ الطبري: ج 3 ص 222.

(16) راجع: تاريخ الطبري: ج 3 ص 278، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2 ص 358 - 359.

(17) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 482، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 4 ص 111.

(18) صحيح مسلم: ج 3 ص 1316 ح 11 - (1689)، السنن الكبرى للبيهقي: ج 8 ص 281.

(19) تاريخ الطبري: ج 2 ص 610 - 619، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2 ص 195 - 199.

(20) تقدمت تخريجاته.

(21) الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق، على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، خربت في سنة تسع عشرة وثلاثمائة على يد القرامطة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - واسمه جندب بن جنادة، وكان قد خرج إليها مغاضبا لعثمان بن عفان فأقام بها إلى أن مات في سنة 32. راجع: مراصد الاطلاع: ج 2 ص 601، سفينة البحار للقمي: ج 1 ص 500.

(22) تقدمت تخريجاته.

(23) تقدمت تخريجاته.

(24) تقدمت تخريجاته.

(25) الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 28 - 29، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 160، نهج الحق وكشف الصدق: ص 286، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1 ص 187.

(26) صحيح البخاري: ج 8 ص 208 - 210، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2 ص 326 - 327، نهج الحق ص 264، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 51.

(27) راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 17، تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 124، الرياض النضرة: ج 1 ص 237.

(28) البداية والنهاية لابن كثير: ج 8 ص 106، سير أعلام النبلاء: ج 2 ص 600.

(29) تقدمت تخريجاته.

(30) راجع، تخوين الخليفة لبعض عماله أمثال أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص: في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 42 - 43.

(31) تقدمت تخريجاته.

(32) راجع: وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 6 ص 364 - 367، الأغاني لأبي فرج الإصفهاني: ج 16 ص 95 - 99، فتوح البلدان للبلاذري: ص 339 - 340، البداية والنهاية لابن كثير: ج 7 ص 81، تاريخ الطبري: ج 4 ص 69 - 72، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 231 - 239، الغدير للأميني: ج 6 ص 137 - 143.

(33) تقدمت تخريجاته.

(34) راجع: السنن الكبرى للبيهقي: ج 8 ص 312 - 313، تاريخ بغداد للخطيب: ج 5 ص 455 - 456، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 105 - 106، الغدير للأميني: ج 6 ص 316.

(35) تقدمت تخريجاته.

(36) راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 24، مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 301، نهج الحق وكشف الصدق: ص 265.

(37) العقد الفريد للأندلسي: ج 5 ص 20.

(38) الرياض النضرة للطبري: ج 1 ص 260.

(39) ورد هذا الحديث بألفاظ متفاوتة، راجع: الإحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 157، ذخائر العقبى: ص 58 - 60، الرياض النضرة: ج 3 ص 111، بناء المقالة الفاطمية: ص 327، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 251، الإستيعاب: ج 3 ص 1095.

(40) راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 253، التفسير الكبير للرازي: ج 10 ص 50، الدر المنثور للسيوطي: ج 2 ص 486، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج 5 ص 130 وفيه أيضا روى عن عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده.

(41) الموطأ لمالك بن أنس: ج 2 ص 972 ح 22.

(42) مجمع الزوائد: ج 5 ص 104.

(43) الملل والنحل للشهرستاني: ج 1 ص 31.

(44) المهراس: إناء مستطيل منقور يتوضأ فيه.

(45) تقدمت تخريجاته.

(46) مسند أحمد: ج 2 ص 161 وج 5 ص 306، تاريخ بغداد للخطيب: ج 3 ص 243 وج 7 ص 414 وج 11 ص 218 وج 13 ص 187، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني: ج 4 ص 172، مجمع الزوائد: ج 7 ص 242، البداية والنهاية لابن كثير: ج 2 ص 217، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 38.

(47) راجع: تاريخ الطبري: ج 5 ص 140، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 3 ص 383 - 385.

(48) راجع آراء النظام في بعض الصحابة في: الملل والنحل للشهرستاني: ج 1 ص 59.

(49) هو: حماد بن أبي سليمان.

(50) علقمة بن قيس.

(51) الأسود بن يزيد.

(52) ثمامة بن أشرس.

(53) راجع: كتاب (أبو هريرة) للسيد شرف الدين: ص 188، وما بعدها.

(54) المروي هكذا: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) راجع: الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة للسيوطي: ص 143 ح 459، كشف الخفاء للعجلوني: ج 2 ص 470 ح 2999، الأسرار المرفوعة للقساري: ص 52 ح 163، بحار الأنوار: ج 2 ص 225 ح 3 وج 5 ص 20 ح 30 وص 68 ح 1، وج 28 ص 104 ح 3.

(55) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 20 ص 10 - 34.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.