أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2019
1038
التاريخ: 19-8-2019
462
التاريخ: 20-8-2019
2162
التاريخ: 17-8-2019
421
|
مناظرة التيجاني (1) مع أحد العلماء في الجبر:
قلت لبعض علمائنا بعد استعراض كل هذه المسائل (2): إن القرآن يكذب هذه المزاعم، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن! قال تعالى في شأن الزواج: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فهذا يدل على حرية الاختيار، وفي شأن الطلاق: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وهو أيضا اختيار، وفي الزنا قال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] وهو أيضا دليل الاختيار، وفي الخمر قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وهي أيضا تنهى بمعنى الاختيار.
أما قتل النفس فقد قال فيها: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } [الأنعام: 151] وقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] فهذه أيضا تفيد الاختيار في القتل.
وحتى بخصوص الأكل والشرب فقد رسم لنا حدودا فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] فهذه أيضا بالاختيار.
فكيف يا سيدي بعد هذه الأدلة القرآنية تقولون بأن كل شيء من الله، والعبد مسير في كل أفعاله؟؟.
أجابني: بأن الله سبحانه هو وحده الذي يتصرف في الكون واستدل بقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26].
قلت: لا خلاف بيننا في مشيئة الله سبحانه، وإذا شاء الله أن يفعل شيئا، فليس بإمكان الإنس والجن ولا سائر المخلوقات أن يعارضوا مشيئته! وإنما اختلافنا في أفعال العباد هل هي منهم أم من الله؟؟
أجابني: لكم دينكم ولي ديني، وأغلق باب النقاش بذلك، هذه هي في أغلب الأحيان حجة علمائنا.
وأذكر أني رجعت إليه بعد يومين وقلت له: إذا كان اعتقادك أن الله هو الذي يفعل كل شيء، وليس للعباد أن يختاروا أي شيء، فلماذا لا تقول في الخلافة نفس القول، وأن الله سبحانه هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة؟ فقال: نعم أقول بذلك، لأن الله هو الذي اختار أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي (عليه السلام)، ولو شاء الله أن يكون علي هو الخليفة الأول ما كان الجن والإنس بقادرين على منع ذلك. (3)
قلت: الآن وقعت.
قال: كيف وقعت؟
قلت: إما أن تقول بأن الله اختار الخلفاء الراشدين الأربعة، ثم بعد ذلك ترك الأمر للناس يختارون من شاؤوا.
وإما أن تقول: بأن الله لم يترك للناس الاختيار، وإنما يختار هو كل الخلفاء من وفاة الرسول إلى قيام الساعة؟
أجاب: أقول بالثاني {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ... } [آل عمران: 26].
قلت: إذا فكل انحراف وكل ضلالة وكل جريمة وقعت في الإسلام بسبب الملوك والأمراء فهي من الله، لأنه هو الذي أمر هؤلاء على رقاب المسلمين؟
أجاب: وهو كذلك، ومن الصالحين من قرأ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] أي جعلناهم أمراء.
قلت متعجبا: إذا فقتل علي (عليه السلام) على يد ابن ملجم، وقتل الحسين بن علي (عليه السلام) أراده الله؟؟
فقال منتصرا: نعم طبعا - ألم تسمع قول الرسول لعلي: أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه حتى تبتل هذه، وأشار إلى رأسه ولحيته (4) كرم الله كما في الأخبار.
وكذلك سيدنا الحسين (عليه السلام) قد علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمقتله في كربلاء، وحدث أم سلمة بذلك (5)، كما علم بأن سيدنا الحسن سيصلح الله به فرقتين عظيمتين من المسلمين (6)، فكل شيء مسطر ومكتوب في الأزل، وليس للإنسان مفر، وبهذا أنت الذي وقعت لا أنا.
سكت قليلا أنظر إليه وهو مزهو بهذا الكلام، وظن أنه أفحمني بالدليل، كيف لي أن أقنعه بأن علم الله بالشئ لا يفيد حتما بأنه هو الذي قدره وأجبر الناس عليه، وأنا أعلم مسبقا بأن فكره لا يستوعب مثل هذه النظرية.
وسألته من جديد: إذا فكل الرؤساء والملوك قديما وحديثا والذين يحاربون الإسلام والمسلمين نصبهم الله؟! قال: نعم بدون شك.
قلت: حتى الاستعمار الفرنسي على تونس والجزائر والمغرب هو من الله !؟
قال: بلى، لما جاء الوقت المعلوم خرجت فرنسا من تلك الأقطار.
قلت: سبحان الله! فكيف كنت تدافع سابقا عن نظرية أهل السنة بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات وترك الأمر شورى بين المسلمين ليختاروا من يشاؤون؟
قال: نعم، ولا زلت على ذلك، وسأبقى على ذلك إن شاء الله!
قلت: فكيف توفق بين القولين: اختيار الله واختيار الناس بالشورى؟
قال: بما أن المسلمين اختاروا أبا بكر فقد اختاره الله!
قلت: أنزل عليهم الوحي في السقيفة يدلهم على اختيار الخليفة؟
قال: أستغفر الله، ليس هناك وحي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) (والشيعة كما هو معروف لا يعتقدون بهذا وإنما هي تهمة ألصقها بهم أعداؤهم).
قلت: دعنا من الشيعة، وأقنعنا بما عندك! كيف علمت بأن الله اختار أبا بكر؟ قال: لو أراد الله خلاف ذلك لما تمكن المسلمون، ولا العالمون خلاف ما يريده الله تعالى.
عرفت حينئذ أن هؤلاء لا يفكرون، ولا يتدبرون القرآن، وعلى رأيهم سوف لن تستقيم أية نظرية فلسفية أو علمية (7).
____________________
(1) هو: الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون - باريس، وكان على مذهب الإمام مالك بن أنس، وأخيرا اعتنق المذهب الشيعي بعد بحث طويل في تحقيق مسائل الخلاف بين المذاهب الإسلامية وقد جرت بينه وبين العلماء مناظرات كثيرة في المسائل الخلافية وقد شرح كيفية استبصاره، والأسباب التي دعته إلى الأخذ بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في كتابه الشهير (ثم اهتديت).
(2) يعني المسائل المرتبطة بمسائل الجبر.
(3) من الواضح أنه خلط بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، ولم يفرق بينهما - حتى لجأ للقول بمقالة المجبرة - والفرق بينهما إن متعلق الإرادة التكوينية لا يتخلف عنها في الخارج أبدا، قال تعالى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] ، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } [يونس: 99] ، فلا يتخلف المراد فيها عن الإرادة، أما الإرادة أو المشيئة التشريعية فهي تتعلق بالمكلفين وأفعالهم، فليست خارجة عن إرادتهم واختيارهم، فبقدرتهم إطاعة الله تعالى غير ملجئين عليها فيثيبهم الله، وبإمكانهم معصيته باختيارهم غير مجبرين عليها فيعاقبهم الله، ولو أن الله تعالى أجبر العباد على الطاعة أو على المعصية - تعالى الله عن ذلك - لبطل الثواب والعقاب، بل أمرهم ونهاهم تشريعا لا تكوينا.
أما بالنسبة للمثال المذكور في المناظرة، فنقول: إن الله تعالى أراد أن يكون الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الخليفة الشرعي للنبي (صلى الله عليه وآله) تكوينا، فلا بد أن يكون الإمام بإرادة الله تعالى ومشيئته، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا! وأما اتباع الناس له وطاعتهم له فهو متعلق بالإرادة التشريعية : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فلا جبر فيها، فشأن أولئك الذين خالفوا أمر الله تعالى في أوليائه وأوصيائه، شأن تلك الأمم السالفة التي عصت الرسل وكذبوهم بل هناك من الأمم من قتلت أنبياءها، كما حصل في بني إسرائيل الذين قتلوا سبعين نبيا في ساعة واحدة، فهل يقال: إن الله تعالى أراد من بني إسرائيل قتل الأنبياء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، هذا وكل شيء بمشيئته غير خارج عنها بمعنى أنه لو أراد تكوينا عدم وقوعها في الخارج لما وقعت، وجرت حكمته تعالى في خلقه أن يمتحنهم بعدما هداهم السبيل {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان: 3] غير مكرهين على الفعل ولا مجبورين على عدمه، بل هو أمر بين أمرين .
(4) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 3 ص 342 ح 1389 - 1392، بحار الأنوار للمجلسي: ج 42 ص 195 ح 13.
(5) راجع: مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 159 - 163، ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ص 247 - 259 ح 221 - 228 وص 270 ح 236.
(6) راجع: بحار الأنوار: ج 43 ص 293 ح 54، فرائد السمطين للجويني: ج 2 ص 115 ح 418، ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ص 83 ح 143 وص 125 - 134 ح 200 - 223.
(7) مع الصادقين للدكتور التيجاني السماوي: ص 133 و138.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|