المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

حياة القرآن
14-06-2015
تربية ونظم زراعة النخيل
10-7-2016
النظائر الانزيمية هي نتاج لجينات مرتبطة بقوة
4-6-2021
Expression Systems
8-5-2016
علماء فلك كلدانيون
23-2-2022
طـرق سـداد الأجـور للعامـليـن ومـكونـات الأجـور
2023-10-07


متطلّبات الباحث في فلسفة التاريخ  
  
1694   09:37 صباحاً   التاريخ: 19-4-2019
المؤلف : السيد محمد الحسيني الشيرازي
الكتاب أو المصدر : فلسفة التاريخ
الجزء والصفحة : ص 82- 96
القسم : التاريخ / التاريخ والحضارة / التاريخ /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2017 3546
التاريخ: 19-8-2020 13168
التاريخ: 22-4-2019 4270
التاريخ: 31-1-2018 14008

علاقة الوجدان الاجتماعي بالله سبحانه

إنّ الوجدان الاجتماعي لا يتحقّق في الإنسان إلاّ بالأمور الخارجة عن ذاته وبتفكيره، بالإضافة إلى عوامله الفطرية، مثلاً الوجدان الصحيح إنّما يتكون بعامل الدين، ونتيجة اعتقاد الإنسان بالله الرقيب عليه الذي بيده نفعه وضرّه، وبإيمانه باليوم الآخر حيث يحاسب عليه، وإحساس الإنسان الفطري بذلك.

أمّا ما يقوله بعض الفلاسفة من أن مصدر القيّم الصحيحة والوجدان هو الذات فقط، فهو غير تامٍ، إذ كيف يمكن للوجدان أن يتحقّق بدون الإيمان بالله واليوم الآخر. والعقل وإن كان ينادي بالأشياء الحسنة وترك الأشياء القبيحة، إلاّ أنّه محدود إذا لم يكن هناك ضوء من الخارج، وخوف من الله سبحانه وتعالى، لم يتمكّن العقل من القيادة، ولهذا نشاهد أنّ العقلاء دائماً في العالم موجودون، ومع ذلك تقع المظالم التي لا حدود لها، وقد اعترف بذلك حتّى كبار العلمانيين، ففي كتاب نصر بلا حرب، الذي كتبه نيكسون(1)، الرئيس الأسبق للولايات المتّحدة، جاء فيه هذا النصّ: لقد نهض بتأسيس أميركا أفراد كانوا ينشدون الحرّية الدينية، وأرادوا أن يكون لهم حقّ عبادة الله بطريقتهم الخاصّة، وأن يبحثـوا عن معنىً للحياة حسب شروطهم الخاصّة. وعلينا ألاّ نغفل عن هذا المبدأ الموحى من مبادئ بلادنا، وعلينا ألاّ نسمح لمنافستنا مع موسكو بأن تنحدر، وتصبح سباقاً بين الطرفين على أيّهما يستطيع إنتاج أكبر عدد من القنابل، وأطول العمارات، وأعلى معدّل للدخل الفردي من الناتج القومي الإجمالي، فإنْ كانت الثروة المادّية هـي هدفنـا الوحيد، لـم نختلف فـي شيء عن الشيوعيين. علينا أن نصغي إلى التحذير الذي ساقه ماركس، وكون المادّية مخرّبة أنانيّة تصبغ الروح البشرية بالبيروقراطية في قفص حديدي نقدّمه إلى الغرب. علينا أن نوجّه المنافسة الأمريكية ـ السوفياتية إلى اتّخاذ طريق الحوار حول أفكار الطرفين وأيّتها تسفر لا عن أقوى أو أغنى اقتصاد فحسب، بل تسفر كذلك عن أعدل المجتمعات، والشيوعيون ينكرون وجود الله، ولكنْ ليس هناك من منكر أنّ الشيوعية عقيدة، وفي اعتقادنا أنّها عقيدة زائفة، ولكنّ الردّ على العقيدة الزائفة لا يمكن أبداً أن يكمن في إنكار العقيدة، وإنّما كانت أميركا ضعيفة، وفقيرة، منذ مائتي سنة مضت، كانت عقيدتنا هي التي أبقت علينا، ونحن ندخل القرن الثالث، ونستقبل الألف سنة المقبلة، أن نعيد اكتشاف عقيدتنا، وأن نبثّ فيها الحيوية إلى آخر كلامه.

ولكن يضاف إلى ذلك أنّ العقيدة المسيحية التي كانت عقيدة آباء الأميركيين والأوربيين لم تتمكّن من ردّ الشرور، ولهذا أقاموا الحربين العالميتين في أقلّ من نصف قرن (2)، بالإضافة إلى المليارات من المشاكل الفردية والجماعية التي تموج فيها أميركا وأوربا، ولا علاج إلاّ بالرجوع إلى الإسلام. والإسلام هو ما تدعو إليه المسيحية الصحيحة التي تناسب الوقت الحاضر. ولذا ورد أنّ (الأنبياء أُخوة من أمّهات شتى) (3). وورد في القرآن الكريم: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)} [البقرة: 136] (4). إذ المسيحية بدّلت وغيّرت كثيراً من مفاهيم المسيح (عليه السلام)، فهل قول المسيح المشهور: (إذا ضُربت على خدّك الأيمن فمدّ له خدّك الأيسر، وإذا سلبك العدو شيئاً أعطه شيئاً آخر) (5)، هو المطبّق في الغرب المسيحي، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الاستعمار والاستثمار؟ ولماذا فـي أميركا وحدها فـي الحال الحاضر يوجد 30 مليون فقير كمـا صرّحوا هم بذلك؟ ولماذا؟ ولماذا؟ وما أكثر هذه التساؤلات.

لا يقال: إنّ الرجوع إلى المسيحية الموجودة كاف.

لأنّه يقال: المسيحية حُرّفت، والتحريف هو سبب المشاكل التي لا تعدّ، إضافة إلى أنها تلبي بعض الحاجات، وتغطي بعض الجوانب، ولذا أصبح دين الإسلام كصيغة متكاملة وصحيحة خاتمةً للأديان.

متطلّبات الباحث في فلسفة التاريخ

من ينظر إلى فلسفة التاريخ، يحتاج إلى أمرين: النظر إلى المفردات، والنظر إلى الظروف.

لأنّ كلّ واحد من المفردات، والظروف هي التي سبّبت تلك النظرية، فالإنسان ليس معصوماً ـ إلاّ من عصمهم الله سجانه وهم قلّة ـ حتى يدرك الواقع، فيكتب عنه، فإذا لم يعرف المفردات، لا يعرف الروح العامة، وتلك المفردات، لا تكون معلّقة فـي الفراغ، وإنّما تكون مفردات بظروف خاصّة، زماناً، ومكاناً، وشرائط، وأجزاءً.

فعلـى سبيل المثال: مـن يريد أن يدرس نظرية فلاسفة اليونان، الذين قالوا بشيء، فإنّ مجرّد قراءة النصّ في لغة اليونان، التي تكلّم أولئك الفلاسفة بها ليس كافياً، وإنّما عليه أن يستوعب المشكلة التي تشكّلت بسببها نظريات أولئك الفلاسفة، حيث أرادوا حلّ تلك المشكلة. فعليه أن يدرس مفرداً مفرداً، كنظرية أفلاطون، ونظرية سقراط، ونظرية ديوجنس، وهكذا.. ثمّ يدرس النظريات البديلة التي يمكن أن تقدّم حلاًّ للإشكال نفسه، ثمّ عليه أن يدرس عوامل اختيار أولئك الفلاسفة لتلك النظريات دون سائر البدائل، وهذه الدراسة تحتاج إلى معرفة الزمان، والمكان، والمزايا، والشرائط، والخصوصيات، التي منها نشأت نظريات أولئك الفلاسفة.

ومثال آخر: إذا رأينا عشرة من الفلاسفة قالوا بوحدة الإله، وعشرة قالوا بالاثنينيّة، وعشرة قالوا بالأكثر من ذلك ـ كما نسب شرح التجريد إلى الرّازي أنّه قائل بآلهة خمسة أو على الأصحّ بقدماء خمسة. وأراد الباحث أن يدرس نظرية أولئك الموحّدين على حدة، فيدرس نظرية الأوّل، والثاني، والثالث، والعاشر منهم مفردةً مفردةً، فإنّ نظرية التوحيد أيضاً يمكن أن يكون فيها اختلاف، كما نشاهد أن جماعة من المسلمين، يقولون بالتوحيد ومع ذلك يقولون بالتجسيم، وجماعة يقولون بالتوحيد ولا يقولون بالتجسيم، وهكذا. وبعد ذلك يدرس النظريات البديلة للذين يقولون بالتعدّد أو ما أشبه ذلك، ثمّ يدرس ظروف نظريات القائلين بالتوحيد زماناً، ومكاناً، وشرائط، وخصوصيات. وبذلك يستخلص تلك النظرية التي كانت لأولئك، وذلك الاستخلاص يعطي روح التاريخ، وفلسفته.

وعلى كل حال: فإنّ فهم أفكار الآخرين وتجاربهم، لا يقف عند مجرّد فهم المواقف، والأفكار، والسلـوك، بل اللازم أن يعيش هذا الذي يريـد الوصول إلى فلسفة التاريخ معيشتهم، ويجعل نفسه كأحدهم بشروطه الزمانية والمكانية، حتى يصبح جزءاً مـن كيانهم، وكأنّه عاش فـي ذلك الوقت. مثلاً: يفترض نفسه سقراطاً بزمانه، ومكانه، ومزاياه، وخصوصياته، والنظريات المقابلة لنظريته، وذلك لكـي يبعث الروح فـي رفات ذلك الماضـي، ويكون كأنّه هـو.

ومن الخطأ أيضاً القول: إنّ التاريخ مجرّد دراسة لما وقع، لأنّ الواقع الفعلي يحدّد فكراً لابدّ أن يتمثّله المؤرّخ. ومن ثمّ فكلّ التاريخ تاريخ فكر وعمل، وحيث إنّ العمل إنما ينشأ مـن الفكر أيضاً، يكون التاريخ تاريخ الفكر فـي نهاية الأمر.

ومن الواضح هناك فرق بين دراسة التاريخ للوصول إلى فلسفته، وبين دراسة الأمور المرتبطة بالعلوم الطبيعية، ذلك بأنّه لا خصوصيّة للزمان، والمكان، والمزايا بالنسبة إلى الأمور الطبيعية كالأشجار فضلاً عن الجمادات، فإنّ الجمادات والأشجار لا حرّية لها حتّى تتغيّر وتتبدّل بخصوصيّاتها. ولذا نجد أنّها جامدة لا تغيّر فيها، وإن كان بعض العلماء قالوا بأنّ المستقبل البعيد جداً مثلاً مليون من السنوات يمكن أن تتغيّر الأشجار، ويمكن أن تتغيّر الحيوانات في مناهجها ـ مثلاً: النحل يبني بيوته مثمّناً عوض المسدّس، وأنّ شجرة البرتقال تعطي برتقالاً بشكل الرمّان وهكذا، بل قال ابن سينا (6): إنّ الحيوانات قابلة للنطق لكنّها تحتاج إلى جهود كبيرة كعشر سنوات أو عشرين سنة من التدريب.

وقد تمكن البعض من تدريب بعض الحيوانات على بعض الأصوات المفهومة.

وقد ذكر بعض علماء الغرب أنّه من الممكن أن تصبح الذئاب كالكلاب، مأنوسة بالناس فتأتي إلى البيوت، ولهذا جماعة منهم أخذوا يربّون الذئاب، ويعيشون معها لعلهم يصلون إلى هذه النتيجة.

الدراسة التاريخية تجربــة حدسيــة

إنّ من ينشد فلسفة التاريخ، يحتاج إلى جمع المفردات، إذ الدراسة التاريخية تجربة حدسية مباشرة، تجعل شخصيات الماضي جزءاً من التجربة الحاضرة للمؤرّخ الذي يدرسها، فإنّـه ينبغي أن يكـون موضوع المؤرّخ موضوعاً اندماجياً ذاتياً، فإنّا إذا انتقلنا من الفرد إلى المجتمع، وجدنا الماضي ماثلاً في الحاضر على نطاق أكثر اتساعـاً، متّخذاً شكل تراث مـن أنظمة، وعقائد، وفكر، ومعرفة، وتكنولوجيا، وبذلك الماضي الماثل يتميّز تراث الأمم، ومن ثمّ تتشكّل شخصيّاتها الكلّية السارية في الماضي، والحاضر، والمستقبل، ولذا نستكشف المستقبل أيضاً، ولكن الاستكشاف كما ذكرناه ليس قطعياً بل ظنّياً، حيث إنّ الاستقراء لا يكون تاماً، والذي يفيد هو الاستقراء التامّ، وأمّا الاستقراء الناقص فلا يفيد إلاّ ظناً. وعلى مبنى الاستقراء الناقص، بنى العالم الغربي كما هو المشاهد في اتّخاذهم نتائج من فحص مئات، أو ألوف، أو أقلّ من ذلك البشر في ناحية خاصّة ثمّ يحكمون على البشرية من تلك الناحية، ولابدّ أن تكون للمؤرّخ حاسّة تاريخية؛ كي يدرك ذلك، ومن ثمّ يتجنّب النظر إلى الماضي باعتباره صورة مكرّرة، أو مماثلة للحاضر، وتتّضح خلفية هذه الحاسّة أخلاقها حين يعالج مثلاً مسميات من الدولة الرومانية، مثل الشريف، والنبيل والرقيق، والعبد، والسيد، وما أشبه ذلك، فإنّه لا يصحّ أن تفهم هذه المسمّيّات كما نفهمها الآن، وذلك ما ذكروه في الأصول حيث قالوا: يلزم علينا أن نعرف مفاهيم الألفاظ في زمان المعصومين (عليه السلام)، وكثيراً ما يكون مفهوم لفظ في زمان غير مفهوم لفظ في زمان آخر.

كما أنّ الأمم أيضاً تختلف في المفاهيم ـ مثلاً ـ لفظ النجس بالنسبة إلى الهندوسي عبارة عن أنّه إذا نظر إليه تنجس بصره، أو مسّه بلا رطوبة، تنجست يده، بينما مفهوم النجس عند المسلمين غير ذلك، وهذا هو الذي يسبّب التشويش التاريخي، ويقع فيه كثير من الناس.

وقد قال الحاج السبزواري:

فلازم للفيلسوف المنطقي*** أن ينظر اللفظ بوجهٍ مطلق (7)

لكن ما ذكره خاصّ بالمنطق، وإلاّ فالشأن كذلك بالنسبة إلى الفيلسوف التاريخي، أو الفيلسوف الرياضي، أو الفيلسوف الفيزيائي، وإن كان الإطلاق سيكون نسبياً حينئذٍ، وليس ينظر إلى اللفظ فقط، وإنّما تكون النسبة للمنحى الذي يقصده من التاريخ، أو الرياضيات، أو الفيزياء، أو غير ذلك.

التجرّد من الأهواء فـي دراسة التاريخ

يجب على من يريد تحليل التاريخ وتناول فلسفته، التجرّد عن العواطف، والأهواء، والميول، والاتّجاهات السابقة، وإلاّ فالإنسان بطبعه يميل إلى الأهواء، والتبرير، وبذلك لا يتمكّن من تناول فلسفة التاريخ تناولاً واقعياً، وإنّما يفسّر التاريخ حسب نظره وبعيداً عن المنطق.

فالموضوعية مطلوبة في كلّ شيء، وخصوصاً في التاريخ، ولذا نشاهد أنّ الشيوعيين، يفسّرون التاريخ استناداً للعامل الاقتصادي، وفرويد (8)، يفسّر التاريخ حسب نظره إلى قضايا الجنس (9)، والبروتستانت، يفسّرون التاريخ حسب نظر مارتين لوثر(10) الإصلاحي، والكاثوليك، يفسّرون التاريخ على عكس ذلك، وهكذا نشاهد بين المسلمين من يفسّر التاريخ حسب وجهة نظر ابن خلدون(11)؛ لأنّهم يأخذون بمذهبه فـي التاريخ، بينما هناك من يرفض آراء ابن خلدون، ويفسّرون التاريخ خلاف ذلك، فتعارض التفسيرات التاريخية هو نتيجة اختلاف وجهات النظر بين المؤرّخين، لكن الواقع لا يحمل إلاّ شكلاً واحداً، لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً، وهذا صحيحاً، والصحيح إمّا في شيء ثالث، أو في أحدهما فقط، أو يكون بينهما عموم من وجه، فالبعض من هذا، والبعض من ذاك، أو البعض من هذا، والبعض من الأمر الثالث.

وليس الخلاف بين المؤرّخين ومن يذكرون التاريخ التحليلي هو نتيجة اختلاف العقائد، والأفكار، والمذاهب، والآراء، والاتّجاهات فقط سواء كان الأمر مرتبطاً بالاقتصاد، أو السياسة، أو الاجتماع، أو التربية، أو الفكر، أو ما أشبه ذلك. وقد ورد أنّ الإمام الصادق (عليه السلام)، كتب إلى ثلاثة من تلاميذه كلمة جيم، ففهم أحدهم من الجيم جلاء الوطن والأمر بترك الوطن. وفهم الثاني الذهاب إلى الجبال. وفهم الثالث الجنون، حتّى لا يُعتقلوا أيّام الخلفاء الجائرين.

والحاصل: أن التجرّد عن الميول، والأهواء، والاتّجاهات المسبقة، من الشروط الأساسية لذكر فلسفة التاريخ. وقد روي أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ ليقوم الرسول بنهي ابنها عن أكل التمر، فأرجأه الرسول إلى وقت آخر. ثمّ جاءت المرأة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) مع ولدها، فنهاه الرسول عن أكل التمر؛ لأن التمر كان مضراً له، ولمّا سألت المرأة عن سبب الإرجاء؛ علل الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه في ذلك اليوم الذي جئتي إليَّ كنت قد أكلت التمر، ومن فعل شيئاً لا يؤثّر كلامه في الآخرين، إذا أراد نصيحتهم في ذلك الشيء، فبناءً على صحة هذه الواقعة، فإنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أراد تعليم الناس، وتذكيرهم بأنّ لا فائدة من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إذا لم يلتزم الشخص عملياً بالأمر والنهي، يقول الشاعر:

لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثله*** عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ(12)

ونقل أنّ الشيخ مرتضى الأنصاري (13)، سئل عـن مسألة، فأرجأ الجواب. فسألوا عن سبب إرجائه مع أنّه يعلم جواب المسألة، فقال: لأنّي أميل إلى هذا الجانب، وما قصدت أن أذكر جواباً يمكن أن يصدر عن ميل، وإنّما أردت مراجعة المسألة مرّة ثانية، للتدقيق فيها، حتّى أقول الجواب المجرّد عن الميول، وإن كانت الميول ميولاً فقهية (14).

فاللازم على من يريد تحليل التاريخ، أن يتجرّد عن ميوله، وينظر إلى الواقع بما هو واقع. وهذا وإن كان صعباً بالنسبة إلى غير المعصوم، لكنّه صعب يجب سلوكه، كما قال الشاعر:

لابدّ من صنعا***وإن طال السفر

وقول بعض علماء الغرب: إنّ تعارض التفسيرات التاريخية نتيجة اختلاف وجهات نظر المؤرّخين، لا يلغي بعضها بعضاً، وإنّما يكمّل بعضها البعض، وذاك أمرٌ ضروري طالما لا يمكن تحقيق الإجماع على قبول وجهة نظر معيّنة، وطالماً أنّ التاريخ تاريخ فكر لا وقائع؛ لا يخلو من التأمل.

إذ من الواضح أنّ هذا غير صحيح، فهل يمكن أن يكمّل المتناقضان أحدهما الآخر، أو المتضادان، أو فيما كانت النظريتان على طرفي ارتفاع النقيضين.

وعلى هذا، يلزم على الباحث أن يعرف وجهة نظر المؤلّف، وفكره، ومبادئه، وعقائـده، واتّجاهاتـه، ومناحـي نظرياته قبل فهم المادّة التاريخية التي يحرّرها، وكلّما كان الإنسان أقرب إلى البحث، والفحص، والتفتيش، والمناقشة، والمباحثة، وما أشبه ذلك، يكون أقرب إلى الموضوعية، والواقعية، وفلسفة التاريخ، وهذا الأمر هو الذي يقرّب الإنسان إلى الواقع في العلوم التي ليست كالهندسة، والرياضيات، وما أشبـه ذلك مـن الأمـور القطعية أمثال بعض مباحث علم الفلك.

اختلاف المقتضي

ولمّا كانت المقتضيات تختلف عند المؤرّخين المختلفين، الذين كتبوا الكتب التاريخية، فاللازم أن يحتاط الإنسان في النظر إلى آرائهم سواء كانوا يسردون التاريخ سرداً، أو يحلّلون تحليلاً. فإنّ السرد أيضاً يأتي فيه ذلك. إذ السارد، يحذف بعض التاريخ، ويزيد في البعض الآخر، ـ مثلاً ـ نشاهد أنّ الذين رووا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اتّكأ على الفضل وعلي (عليه السلام)، عند مجيئه إلى المسجد في المرّة الأخيرة، يذكر بعضهم الفضل لا عليّاً، ويقولون رجلٌ آخر، ويذكر بعضهم اسم علي لا الفضل؛ لأنّه من العباّسيين، وهم لا يحبّون العباسيين، ويذكر بعضهم ـ الحياديون ـ كليهما، ويذكر الرابع الشخصين مجهولاً، فيقول: اتكأ على نفرين من أصحابه. ولذا اشترط في راوي الحديث أن يكون ثقة؛ كما قال (عليه السلام): (لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا) (15). بل قال قبل ذلك القرآن الحكيم: ((إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) (16)، على ما يفصّله الأصوليون في بحث الخبر الواحد(17).

والانحراف في تفسير التاريخ، أو نقض التاريخ، قد يكون بسبب العاطفة الذاتية، إزاء من يؤرّخ لهم من الشخصيات، أو المطالب والقضايا، وأحياناً بسبب انتماء المؤرّخ إلى حزب معيّن، أو طبقة معينّة، أو اتّجاه خاص. ولذا فاللازم على من يريد تحليل التاريخ أن يتجرّد عن الأمرين، حتّى يأتي تاريخه موافقاً للواقع، أو أقرب إلى الواقع، وكذلك بالنسبة إلى تحليل التاريخ.

أمّا إذا كانت عقلية المؤرّخ وانتماؤه إلى طبقة معيّنة، فذلك يعني أن هناك خلفيّة تشكّل الطبقة التاريخية لذهن المؤرخ وعقله، ومن الطبيعي حينئذ أن يتميّز، ويتخيّر الوقائع والأفراد التي تؤيّد وجهة نظره، ويتجاهل، أو على الأقلّ يبخس من قيمة الوقائع، والأشخاص الذين لا يؤيدون وجهة نظره.

وقد قرأت في كتاب كتبه أحد الأشخاص، الذين كانوا لا يؤيّدون المشروطة اسم الآخوند الخراساني (18) بلفظة كاظم الهروي عليه ما عليه، بينما المشروطة والمستبدّة اتجاهان سياسيان، تزعّم أحدهما الآخوند الخراساني، والآخر السيّد اليزدي(19) قدس الله سرّهما، ونشأ هذا الاختلاف في الاتجاه السياسي نتيجة الاختلاف في الاجتهاد(20).

وقد ورد فـي الحديث: (إن للمصيب أجرين وللمخطئ أجراً واحداً)(21)، وبغـض النظـر عـن كونـه حديثـاً يطابـق الواقـع، فإنّ المصيب حيث سلك الطريق فله أجر، وحيث أصاب الواقـع لـه أجـرٌ ثـانٍ، بينمـا المخطئ حيـث ســلك الطـريق لــه أجـر، وحيث لـم يُصب الواقع لـم يكـن لـه أجـر ثـان. وهذا مـا نشاهده في الأحـزاب أيضـاً، كمـا رأينـا ذلـك فـي العراق قبـل أربعين سنة، حيث كانت الأحزاب الحـرّة، مثـلاً حـزب الأمّـة وحـزب الـدستور(22)، كان لهما اتجاهان، وكلّ واحد منهما يفسّر الأمور حسب نظر حزبه. كما أنّه يؤيّد، أو يبعّد الأفراد حسب أفراد حزبه، وعدم كونه من أفراد حزبه.

الصدق والكذب في التوريخ

ثمّ لا يخفـى: إنّ الصدق صدق، والكذب كذب، سواء عرفهما الناس أو لم يعرفهما، وسواء كان الذي لا يعرف على نحو الجهل المركّب، أو على نحو الجهل البسيط، وللشيء الواحد يقال صدقٌ؛ لأنّه يطابق الواقع، ويقال له حقّ؛ لأنّ الحقّ مطابق له على ما ذكره بعض العلماء.

ومـن الواضح: إنّنـا قـد لا نتمكّن أن نحكم على الدعوة التاريخية، أو غير التاريخية مثـلاً الاقتصاديـة، أو السياسيـة، أو الاجتماعيـة، أو العقائديـة، أو ما أشبه ذلك بأنّها صادقة، أو أنّها كاذبة، لكن من الواضح أنّ الإنسان قد يكون جاهلاً مركباً، فيرى الصدق كذباً، أو الكذب صدقاً، وهذا لا يضرّ بالواقع أعني كون الكذب كذباً، والصـدق صدقــاً، وعمـل المـؤرّخ إنّمــا هـو تسجيل الواقـع بدقّـة وأمـانـة كبيـريـن، فاللازم أن يلاحظ هل هذه الوثيقة صادقة، أم كاذبة؟. وهل نسبتها إلى راويها أو كاتبها مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع؟ فما وقع، يكون صادقاً، إذا رويناه كما وقع، وما لم يقع، يكون كاذباً، إذا رويناه باعتبار أنّه واقع. فالواقع واقع وإن لم يؤرّخ له مؤرّخ، أو لم يكتب له كاتب، أو لم يروِ له راوٍ.

نعم، لاشكّ أنّنا لم نؤت من العلم إلاّ قليلاً، والوثائق التاريخية قليلةٌ حتّى أقل من واحد، بالنسبة إلى مليار جزء سواء كان من الحوادث القديمة، أو الحوادث المتأخرة. هذا بالإضافة إلى أنّ كثيراً من الوقائع التاريخية المعاصرة تكتمها الحكومات خوفاً من إفشائها، وحتّى لا يطَّلع عليها الناس إطلاقاً، إمّا لهدف سياسي، أو لهدف اقتصادي، أو لهدف اجتماعي. فهنا أمران بالنسبة إلى المؤرّخ: هل وقع الشيء الفلاني أم لم يقع؟، والمشكلة الثانية هي في الأمر الثاني، وهو في التعرّف على ما لم يقع.

مثالية الفكر والواقع

أمّا ما يتصوّر أنّ الواقع لا مثالية له، وإنّما الفكر له مثالية، فهذا غير صحيح، وقد شبهوا لذلك بالإنسان الذي لا يدرك أنّ وراءه أفعى، فإنّ عدم إدراكه، سبب لعدم تحرّكه، وعدم فراره، بينما الإنسان الذي يدرك أنّ وراءه أفعى، يفرّ وإن لم تكن الأفعى واقعاً موجودة. فقول بعضهم حيث قال: أنا أقول على المنضدة التي أكتب عليها إنّها توجد، أي إني أراها وأحسّها، وعندما يقال إنّ هناك رائحة، فالمقصود أنّها تشمّ، وأن هناك صوتاً، فالمقصود أنّه يسمع؛ غير صحيح.

الإدراك وعلاقته بالواقع

وقد أشكل الحسّيون على انفصال الواقع عن الإدراك بقولهم: إنّ وجود الأشياء غير المفكّر فيها وجودٌ مطلقٌ دون أيّة صلّة بكونها مدركة، فذلك ما يتصور على الإطلاق، فوجود الأشياء هو كونها مدركة بإحدى الحواس الخمس من بصر، وسمع، وشمّ، وذوق، ولمس.

أقول: وهذا الكلام خلط واضح بين الإدراك وبين الواقع، فالواقع واقع أُدْرِكَ أو لـَمْ يُـدْرَكْ. والمُـدْرَكُ مـُدْرَكٌ قـد يكـون واقعـاً وقـد لا يكون واقعاً، وإن اسـتدلّ بهذا بعض الإسلاميين من خلال الآية الكريمة: ((وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)) (23)، مع أنّهم كانوا يقولون: إنّك لرسول الله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) واقع، ولكن حيث لم يدركوه، قيل: إنَّهم كاذبون.

لكن أجيب عن ذلك(24) بأنّ المراد بكذبهم أنّهم لا يقولون ذلك عن عمق وعقيدة والتزام، لا أنّهم كاذبون بالمعنى المصطلح للكذب، حيث لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نظرهم رسولاً، ولذا تداركه الله سبحانه وتعالى بقوله: ((وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)) (25).

والحاصل أنّ هناك ثلاثة أشياء:

1. الواقع الذي يسمّى بالحقّ.

2. الإدراك

3. الوثيقة التاريخية.

فقـد تكـون الوثيقـة التاريخيـة التي ندركهـا واسطـة للوصـول إلـى الواقع، وقد لا تكون واسطة، فالوثيقة قد تكون طريقاً، وقد لا تكون طريقاً، حالها حال المقدّمة التي قد تكون موصلة، وقد لا تكون موصلة، فالتاريخ كما هو سواء كان حادثاً أو غير حادث، كقولنا: إنّ الله لا شريك له، فإنّ ذلك ليس بحاجة بل هو حقيقة إذا عرفناها، فقـد وجدنا السبيل إلى معرفته، فإنّ السلب يعرف كما أنّ الإيجاب يعرف، فأمّا الذي لا يقول ذلك فإنّه يتكلّم حول المعرفة واللامعرفة، والذهن واللاذهن.

نعـم، يترتّب علـى المعرفة واللامعرفة، الثواب والعقاب، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رُفع ما لا يعلمون)(26)، فليس المراد بالرفع مطلقاً، بل الرفع في الجملة الذي منها رفع العقاب قطعاً، إذا لم يكن مقصِّراً بالمقدّمات، سواء كان عقاباً دنيوياً أو أخروياً.

نعم، يمكن أن يكون هناك أثر القضاء، والكفّارة، وما أشبه ذلك، كمن لا يعلم بخروج الوقت عن قريب، فلا يصلّي لا أنّه يريد العصيان، وإنّما يريد الصلاة بعد ساعة، بينما هو جاهل بأنه بعد ساعة يخرج الوقت، أو بعض أقسام كفّارات الحجّ أو ما أشبه ذلك.

______________

(1) ريتشارد ميلهو نيكسون، ولد سنة 1913م، ومات سنة 1994م. سياسي أمريكي، تزعم الحزب الجمهوري وأصبح رئيساً للجمهورية سنة 1969م،، ويعدُّ الرئيس رقم 37، وأعيد انتخابه سنة 1972م، واستقال سنة 1974م ؛ إثر فضيحة ووتر غيت السياسية.

(2) الحرب العالمية الأولى التي ابتدأت سنة 1914م بين المانيا والنمسا والمجر من جانب، وفرنسا وانجلترا وبلجيكيا واليابان وأمر يكا من جانب آخر، وانتهت في سنة 1918م. والحرب العالمية الثانية التي ابتدأت سنة 1939 م بين دول المانيا وإيطاليا واليابان من جانب، وفرنسا وإنجلترا وروسيا وأمريكا والصين من جانب آخر، وانتهت سنة 1945م، وقد قتل في الحرب العالمية الأولى تسعة عشر مليون إنسانٍ، وفي الحرب العالمية الثانية ما يقارب خمسين مليون إنسانٍ.

(3) فقد ورد في بعض الكتب عن الرسول (ص): (الأنبياء أخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى) كنز العمال: ج14 ص 336 ح38566، تفسير القرطبي: ج16 ص106، جامع البيانِ: ج3 ص396، وقريب منه في مسند الطيالسي: ج1 ص355 وتفسير ابن كثير: ج2 ص67 وتحفة الأحوذي: ج10 ص14 ومصنف إبن أبي شيبة: ج7 ص 499.

(4) سورة البقرة: الآية 136.

(5) وقد ورد في الأمالي للصدوق: ص519 المجلس 78 عن عيسى (ع): ( وإن لُطم خدك الأيمن فاعطِ الأيسر)، وفي تحف العقول: ص532 (ومن لطم خده منكم فليمكّن من خده الآخر).

(6) الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا البلخي، ولد في بخارى سنة 371ه‍ (981م)، فيلسوف، وطبيب وشاعر، يعرف بالغرب باسم (آفيسين)، تقلّد منصب وزير الدولة، وكان كثير الاهتمام بالدرس والبحث والتأليف رغم مشاغله بالوزارة، وكان له تضلع بالتحليل النفسي والعصبي، فكان يرى أنّ للعوامل النفسية والعقلية كالحزن، والخوف، والقلق، والفزع، وما أشبه لها تأثيراً على أعضاء الجسم ووظائفه، ويعد أول من وصف التهاب السحايا، والسكتة الدماغية عن كثرة الدم، وهو أول من أشار بوضع كيس الثلج في قطعة من القماش وتغطية الرأس به، وهو أول من فرّق بين الحصى الكلوية والحصى في المثانة. تزيد مؤلفاته عن المائة في حقل الطب، والفلسفة، والرياضيات، والنفس، والمنطق، والإلهيات، والفلك، والطبيعيات، وعلم طبقات الأرض، وله نظريات مهمة في الفلسفة، ولا زالت كتبه تدرَّس في الجامعات الغربية، من أشهر كتبه الطبية: (القانون)، والفلسفية (الشفاء)، (النجاة)، (الحكمة المشرقية)، (الإشارات والتنبيهات، وله قصيدة في (النفس. توفي سنة 428ه‍ (1037م) عن عمر يناهز 57 سنة ودفن بهمدان.

ترجمه أعيان الشيعة: ج6 ص298 وموسوعة المورد: ج1 ص 223.

(7) شرح منظومة السبزواري، قسم المنطق، مباحث الألفاظ: ص21 للمؤلف.

(8) زيغموند فرويد، طبيب وعالم نفساني، يهودي الأصل، ولد في النمسا سنة 1856م، ومات في لندن سنة 1939م، له نظرية في التحليل النفسي، عرضها في كتابه (عالم الأحلام، له عدة مؤلفات، منها: المدخل إلى التحليل النفسي، ثلاث محاولات في نظرية الجنس، محاولات في التحليل النفسي، مقدمة عامة للتحليل النفساني، ولا يخفى أن فرويد يُرجع كل الميول والآداب الدينية والخلقية والأسرية الى الغريزة الجنسية ؛ كي يبطل قداستها ويُخجل الإنسان منها ويسلبه إيمانه بسموها ما دامت راجعة إلى أدنى ما يرى في نفسه.

(9) في القرن الماضي، برزت عدة نظريات، تقوم على تفسير الأحداث، والوقائع، من بعد واحد، ويعبر عنها بنظريات العامل الواحد، نذكر بعضها على نحو الإجمال :

1- النظرة المادية أو الاقتصادية: والتي دعا إليها ماركس، وتنص على أن التاريخ، يعيش في صراع، وتبدل في قيمه، وموازينه حسب تبدل وسائل الإنتاج وتطورها.

وقد ناقش الإمام المؤلف هذه النظرية في كتابه ?الفقه الاقتصاد، وكتاب ?نقد المادية الديالكتيكية.

2- النظرة المثالية: والتي دعا إليها هيجل، وتنص على أن التاريخ، يشرف على الأحداث من وجهة نظر كلية، غير خاضعة للزمن، وهي وجهة نظر عقلية، لأن العقل في نظره جوهر التاريخ، والعقل كما يراه هيجل هو الذي يحكم العالم.

وقد ناقش بعض المفكرين هذه النظرية، وأوردوا عليها بعض الإيرادات.

3- النظرة القومية والعرقية: وتنص على أن الأحداث التاريخية، وبواعثها، تنشأ من اللغة والتجمع الواحد، فمثلاً ينظرون إلى التاريخ الإسلامي على أنه حلقة من حلقات تأريخ العرب ؛ ولذا يفسرون أحداثه على أساس صراع قومي.

وقد ناقش الإمام المؤلف هذه النظرية في كتابه ?القوميات في خمسين سنة.

4- النظرة الغريزية الجنسية: والتي دعا إليها فرويد، وتنص على أن الدوافع الجنسية هي المفسرة للتاريخ.

وقد ناقش الإمام المؤلف هذه النظرية في كتابه ?نقد نظريات فرويد.

5- النظرة الحضارية: والتي دعا إليها أرنولد توينبي، وتنص هذه النظرية على أن نشوء الحضارات، يعتمد على التحدي، والاستجابة، ويفسر الأحداث التاريخية على أساس الجانب المادي، والروحي.

وإن هذه النظرية لا تخلو من مناقشة، حيث تفقد لبعض مقومات الحدث التاريخي، إضافة إلى الفهم المشوش لعناصر الحدث.

(10) زعيم الإصلاح الديني ومؤسس مذهب البروتستانت، ولد سنة 1483م، ومات 1546م، انتقد أفعال الكنيسة كسلطة البابا ـ وكان في عهد البابا لاون العاشر، والغفران، وإكرام القديسين، والنذور الرهبانية، والمطهر، والقداس.

(11) عبد الرحمن بن محمد الكندي، الملقب بولي الدين، والمشهور بابن خلدون، فيلسوف ومؤرخ، له باع في علم الاجتماع، ولد في تونس سنة 732ه‍ (1332م)، وتوفي في القاهرة سنة 808ه‍ (1406م)، شغل مناصب رفيعة في دولة بني مرين، فشغل منصب القضاء على المذهب المالكي في عهد السلطان أبي سالم، نزح إلى الأندلس وأخذ يمتهن الخطابة والتدريس، وكان من المقرّبين لثالث ملوك بني الأحمر، أبي عبد الله ؛ والذي كلفه بالانكباب على كتابة التاريخ، كما استأثر بعدّة وظائف حكومية وقضائية في الأندلس خلال خمس وعشرين سنة، له عدة مؤلفات، منها: (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، والذي اشتهر ب‍(مقدمة ابن خلدون، وله كتاب في الحساب، ورسالة في المنطق.

(12) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج7 ص168، تأويل الآيات: ص124.

(13) ولد في مدينة دزفول 1214 هـ، وتوفي في النجف الأشرف سنة1281 هـ، ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، تتلمذ عند السيد المجاهد، وشريف العلماء، والنراقي، والشيخ موسى كاشف الغطاء، والشيخ علي جعفر كاشف الغطاء، والشيخ الجواهري، آلت إليه المرجعية سنة 1266هـ بعد وفاة صاحب الجواهر، من مؤلفاته: الرسائل، المكاسب، الاجتهاد والتقليد، التسامح في أدلة السنن.

ترجمه الكنى والألقاب: ج2 ص 359، مصفى المقال: ص455 و456، إيضاح المكنون: ج2 ص181، الفوائد الرضوية: ص664 و665.

(14) ونظير هذا حدث للعلامة الحلي، عندما أراد أن يبحث في طهارة ماء البئر الذي تنجس بالقليل، فردم البئر الموجود في منزله، ثم بحث في أدلة المسألة.

(15) وسائل الشيعة: ج1 ص38 ب2 ح61 وج27 ص 150 ب11 ح33455، رجال الكشي: ج2ص816.

(16) سورة الحجرات: الآية 6.

(17) للمزيد راجع كتاب رسائل الشيخ الأنصاري بحث الظن أية النبأ وكتاب كفاية الأصول للآخوند وكتاب الأصول الجزء السادس بحث الأدلة العقلية ص20 للإمام المؤلف.

(18) الشيخ محمد كاظم بن حسين الهروي الخراساني، زعيم الحركة الدستورية في إيران، ولد في مشهد الرضا سنة 1255ه‍ (1839م) وتوفي في النجف الأشرف سنة 1329ه‍ (1911م)، هاجر إلى العراق سنة 1279ه‍ (1862م)، تتلمذ عند الشيخ الأنصاري والسيد محمد حسن الشيرازي، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد الشيرازي سنة 1312ه‍ (1895م)، له مواقف سياسية عديدة، فقد تزعم الحركة الدستورية والحكم النيابي في البلاد التي كان يسودها الحكم الديكتاتوري، حيث شكل سنة 1908م مجلساً من العلماء يضم 33 مجتهداً ثم أصدر فتوى بوجوب إسقاط الشاه ـ محمد علي ـ وحرمة دفع الضـرائب للدولـة، وأدت جهوده إلـى إسقاط الشاه محمد علـي القاجـاري وإعـلان الدسـتور والحيـاة النيابيـة، ومـن مواقفـه أيضاً مساندتـه للشـعب الليبي فـي صراعـه مـع الاحتلال الإيطـالي ؛ فأصـدر فتـوى بالجهـاد المقـدس، كمـا وجـه دعـوة الجهاد ضد الـروس الذين أرادوا احتلال إيران، وتحـرك ومعـه جمع من العلماء إلى إيران لمقاومة الغزو الروسي وبينما هو يستعد لذلك اغتاله الروس بالسم، من أهم مؤلفاته: (كفاية الأصول والذي عليه مدار التدريس في الحوزات العلمية والذي عليه قرابة مائتي شرح وتعليقة.

(19) السيد محمد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي اليزدي، ولد سنة 1247ه‍ (1831م)، توفي في النجف الأشرف سنة 1337ه‍ (1918م)، تتلمذ عند الشيخ مهدي نجل الشيخ كاشف الغطاء والشيخ راضي النجفي والسيد محمد حسن الشيرازي، رفع لواء المستبدّة ومعه بعض العلماء المساندين له كالشيخ فضل الله النوري، من مؤلفاته: (العروة الوثقى.

(20) وقد سعى الإنجليز والروس إلى تعميق هذا الاختلاف بين الاتجاهين للقضاء على حركة الشعب الإيراني.

(21) حاشية سلطان العلماء على المعالم: ص80.

(22) إن حزب الأمة الاشتراكي، أُجيز تأسيسه في 24 حزيران 1951م برئاسة صالح جبر، وكان للحزب جريدتان إحداهما باسم ?الأمة، والثانية ?النبأ. وإن النظام الداخلي للحزب، يتكون من خمسة فصول، ذكرها بالتفصيل عبد الرزاق الحسني في كتابه (تأريخ الأحزاب السياسية العراقية) ص243- ص252.

أما حزب الاتحاد الدستوري فأجيز تأسيسه في الرابـع والعشرين مـن تشرين الثاني سنة 1949م برئاسة نـوري السعيـد. ومنهـاج الحـزب يتكون مـن أربعة فصول، ذكرها عبـد الرزاق الحسنـي فـي كتابـه (تاريـخ الأحزاب السياسيـة العراقيـة): ص232-238.

(23) سورة المنافقون: الآية 1.

(24) عن استدلال بعض الإسلاميين بالآية.

(25) سورة المنافقون: الآية 1.

(26) ونص الحديث: (رفع عن أمتي تسع: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لايعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة). انظر تحف العقول: ص50، الخصال: ص417ح27، التوحيد: ص353 ح24 ( بالمعنى).




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).