أقرأ أيضاً
التاريخ: 30/11/2022
![]()
التاريخ: 15-8-2020
![]()
التاريخ: 12-8-2020
![]()
التاريخ: 2023-03-26
![]() |
لا ريب في تجرد النفس و بقائها بعد مفارقتها عن البدن , أما الأول (و المراد به عدم كونها جسما و جسمانية) فيدل عليه وجوه : (منها) أن كل جسم لا يقبل صورا و أشكالا كثيرة لزوال كل صورة أو شكل فيه بطريان مثله ، و النفس تقبل الصور المتعددة المختلفة من المحسوسات و المعقولات من دون أن تزول الأولى بورود الأخرى ، بل كلما قبلت صورة ازدادت قوتها على قبول الأخرى ، و لذلك تزيد القوة على إدراك الأشياء بالرياضيات الفكرية و كثرة النظر فثبت عدم كونها جسما.
و (منها) أن حصول الأبعاد الثلاثة للجسم لا يتصور إلا بأن يصير طويلا عريضا عميقا و حصول الألوان و الطعوم و الروائح له لا يتصور إلا بأن يصير ذا لون و طعم و رائحة و هي تحصل للنفس و قوتها الوهمية بالإدراك من غير أن تصير كذلك ، و أيضا حصول بعضها للجسم يمنع من حصول مقابله له ، و لا يمنع ذلك في النفس بل تقبلها كلها في آن واحد على السواء.
و (منها) أن النفس تلتذ بما لا يلائم الجسم من الأمور الإلهية و المعارف الحقيقية ، و لا تميل إلى اللذات الجسمية و الخيالية و الوهمية ، بل تحن أبدا إلى الابتهاجات العقلية الصرفة التي ليس في الجسم و قواه فيها نصيب ، و هذا أوضح دليل على أنها غيرهما ، إذ لا ريب في أن ما يحصل لبعض النفوس الصافية عن شوائب الطبيعة من البهجة و السرور بإدراك العلوم الحقة الكلية و الذوات المجردة النورية القدسية ، و بالمناجاة و العبادة و المواظبة على الأذكار في الخلوات مع صفاء النيات لا مدخلية للجسم فيها و قواه الخيالية و الوهمية و غيرهما ، إذ النفس قد تغفل في تلك الحالة عنها بالكلية ، و ربما استغرقت بحيث لا تشعر بالبدن و لا تدري أن لها بدنا فكأنها منخلعة عنه ، فهذا يدل على أنها من عالم آخر غير عالم الجسم و قواه ، إذ التذاذهما منحصر بالملائمات الجزئية التي تدركها الحواس الظاهرة و الباطنة.
و (منها) أن النفس تدرك الصور الكلية المجردة فتكون محلا لها ، و لا ريب في أن المادي لا يكون محلا للمجرد إذ كل مادي ذو وضع قابل للانقسام ، و كون المحل ذا وضع قابل للإنقسام يستلزم أن يكون حاله أيضا كذلك كما ثبت في محله ، و المجرد لا يمكن أن يكون كذلك و إلا خرج عن حقيقته، فالنفس لا تكون مادية و إذا لم تكن مادية كانت مجردة لعدم الواسطة.
و (منها) أن القوى الجسمية الباطنية لا تكتسب العلوم إلا من طريق الحواس الظاهرة إذ ما لم يدرك الشيء بها لم تتمكن الحواس الباطنة أن تدركه و هذا وجداني و ضروري.
و النفس قد تدرك ما لا طريق لشيء من الحواس إلى إدراكه كالأمور المجردة و المعاني البسيطة الكلية ، و أسباب الاتفاقات و الاختلافات التي بين المحسوسات ، و الضرورة العقلية قاضية بأنه لا مدخلية لشيء من الحواس في إدراك شيء من ذلك.
و أيضا نحكم بأنه لا واسطة بين النقيضين ، و هذا الحكم غير مأخوذ من مبادئ حسية إذ لو كان مأخوذا منها لم يكن قياسا أوليا ، فمثله مأخوذ من المبادئ الشريفة العالية التي تبني عليها القياسات الصحيحة.
و أيضا هي حاكمة على الحس في صدقه و كذبه و قد تخّطئه في أفعاله و تردّ عليه أحكامه كتخطئته للبصر فيما يراه أصغر مما هو عليه في الواقع أو بالعكس ، و فيما يراه مستديرا و هو مربع ، أو مكسورا و هو صحيح، أو معوجا و هو مستقيم ، أو منكوسا و هو منتصب ، أو مختلفا في وضعه الواقعي ، و في رؤيته للأشياء المتحركة على الاستدارة كالحلقة و الطوق ، و كتخطئته للسمع فيما يدركه في المواضع الصقيلة المستديرة عند الصدى ، و للذوق في ادراكه الحلو مرا و مثله ، كذا الحال في الشم و اللمس ، و لا ريب في أن تخطئة النفس الحواس في هذه الإدراكات و حكمها بما هو المطابق للواقع إنما يكون مسبوقا بالعلم الذي لا يكون مأخوذا من الحس ، لأن الحاكم على الشيء أعلى رتبة منه فلا يكون علمه الذي هو مناط الحكم مأخوذا عنه.
و مما يؤكد ذلك أنها عالمة بذاتها و بكونها مدركة لمعقولاتها , و معلوم أن هذا العلم مأخوذ من جوهرها دون مبادئ أخر.
و (منها) أنا نشاهد أن البدن و قواه يضعفان في أفعالهما و آثارهما ، و النفس تقوى في إدراكاتها و صفاتها ، كما في سن الكهولة ، أو يكونان قويين في الأفعال مع كونها ضعيفة فيها كما في سن الشباب ، فلو كانت جسما أو جسمانيا لكانت تابعة لهما في الضعف و القوة.
(فإن قلت) الإدراك و سائر الصفات الكمالية للنفس يضعف أو يختل بضعف البدن أو اختلاله كما نشاهد في المشايخ و المرضى و تجردها ينافي ذلك.
(قلنا) الضعف أو الاختلال إنما يحدث في الإدراك و الأفعال المتعلقة بالقوي الجسمية ، و أما ما يحصل للنفس بجوهرها أو بواسطة القوى الجسمية بعد صيرورته ملكة لها فلا يحصل فيه اختلال و ضعف ، بل يصير ظهوره أشد و تأثيره أقوى.
و أما الثاني أعني بقائها بعد المفارقة عن البدن فالدليل عليه بعد ثبوت تجردها أن المجرد لا يتطرق إليه الفساد لأنه حقيقة و الحقيقة لا تبيد كما صرح به المعلم الأول و غيره ، و وجهه ظاهر.
|
|
"إنقاص الوزن".. مشروب تقليدي قد يتفوق على حقن "أوزيمبيك"
|
|
|
|
|
الصين تحقق اختراقا بطائرة مسيرة مزودة بالذكاء الاصطناعي
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تطلق النسخة الحادية عشرة من مسابقة الجود العالمية للقصيدة العمودية
|
|
|