أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2016
1787
التاريخ: 24-10-2016
1291
التاريخ: 18-7-2018
1763
التاريخ: 18-7-2018
2781
|
الســـلالة السرجونيــــة
حكم من بعد شليمنصر الخامس الملك الشهير "سرجون" الذي لا يعرف اسمه الحقيقي ولا أصله، فإنه انتحل الاسم التأريخي المشهور "سرجون" (Sharru-Kin) أي "الملك الصادق "، الذي كان، كما مر بنا، أول من تسمى به سرجون الآكدي قبل أكثر من ألف وستمائة عام، ثم تسمى به أحد الملوك الآشوريين من العصر الآشوري القديم (في مطلق الألف الثاني ق.م). وكذلك لا تعرف علاقته بالملك السابق شليمنصر الخامس، هل كان احد أبنائه أو من ذوي قرباه أو أنه اغتصب العرش عن طريق الانقلاب. ومهما كان الامر فأن سرجون أسس سلالة حاكمة من الملوك كان حكمها آخر عهود التاريخ الآشوري، حيث حكم من بعده أبناؤه وأحفاده، هم سنحارب وأسرحدون وآشور بانيبال. وعلى هذا تسمى هذه السلالة الحاكمة باسم الأسرة أو السلالة السرجونية.
حكم سرجون ثمانية عشر عاماً (705 – 721ق.م)، وقضى السنة الأولى من حكمه في إخماد بعض الاضطرابات التي ظهرت في بلاد آشور، نفسها، ولا تعلم ماهية تلك القلاقل سوى ان سرجون نفسه يخبرنا بأنه، حرر أهل آشور من التجنيد القسري ومن جباة الضرائب"، وهي العبارة الي وردت في النص التاريخي الذي اصطلح عليه اسم "براءة او ميثاق آشور" (1). وتفرع من بعد ذلك لمعالجة قضايا مهمة في الأقاليم التابعة (2)، نشأ البعض منها من جراء تبدل الحكم، ونتج البعض الآخر، وهو الأهم، عن فتوحات الملك السابق ثجلاثبليزر البعيدة في بلاد إيران وتضييق الخناق على الدولة العيلامية. كما ان الاستيلاء على سورية وفينيقية وفلسطين انتزع من الدولة المصرية اهم مصادر مواردها الاقتصادية واتصالاتها البرية والبحرية، مضافاً إلى كل ذلك أن الدولة الأرمينية كانت تتحين الفرص للتخلص من النفوذ الآشوري. كل هذا جعل من هذه الدول الثلاث حلفاء طبيعيين ضد الآشوريين. وبدات بوادر ذلك في تدحل الدولة العيلامية في شؤون بلاد بابل، وتدخل الدولة المصرية في بلاد سورية الساحلية بتحريض أهلها على الثورة، وقد أثمرت سياسة التدخل والتحريض ثمارها، الأمر الذي جعل من حكم سرجون سلسلة متتابعة من الحملات الحربية لإخماد ثورات الأقاليم التابعة إلى الدولة الآشورية.
ففي بلاد بابل استطاع أحد زعمائها المدعو "مردوخ ــ ابلاــ ادنا" (مردوخ بلادان المذكور في التوراة) أن يستقل في مملكة بابل بتحريض العيلاميين ومساعدتهم، واعتلى العرش البابلي في العام الذي جاء فيه سرجون إلى الحكم (721 ق.م)، فصمم سرجون على ضرب هذا الثائر، وبدأ بغزو بلاد عيلام نفسها في العام 720 ق.م، ولكن تشير مجريات الأحداث إلى أن نتيجة المعركة التي نشبت عند مدينة "دير"، (عند الحدود العراقية الإيرانية بالقرب من بلدة بدرة) لم تكن في صالح سرجون رغم ادعاء المصادر الآشورية خلاف ذلك، وكذلك التناقض ما بين الرواية البابلية الواردة في كتابة مردوخ بلادان وبين الرواية الآشورية. وقد عثر على نص مردوخ بلادان في أثناء التنقيبات الحديثة التي تمت في كالح "نمرود" (3). والطريف ذكره بهذا الصدد أن سبب وجود نص مردوخ بلادان مرده إلى تزوير التأريخي متعمد من جانب الملك الآشوري سرجون نفسه، فإنه تقل ذلك النص الذي وجده في مدينة الوركاء إلى مدينة نمرود ووضع بدلاً منه نصاً آخر يختلف تمام الاختلاف عن النص الذي نقله إلى نمرود. ومما يؤيد ذلك أن مردوخ بلادان استمر في الحكم في بلاد بابل زهاء أحد عشر عاماً (711 – 721 ق.م). والمرجح كثيراً أن سرجون اضطر إلى الانسحاب من بلاد بابل لمعالجة الموقف الناجم من الثورات التي اندلعت في سورية، إذ بادر بإرسال حملة ضخمة في عام 720 ق.م إلى تلك الجبهة، واستطاع أن يسحق حلفاً عسكرياً بزعامة ملك حماة المسمى (ابلو ــ بعدي) واشتراك جيش مصري.
وجرد سرجون في عام 713 ق.م حملة أخرى إلى بلاد إيران فاستولى على جملة أقاليم ومدن مهمة في إقليم "كرمنشاه" و "همذان". وفي حدود ذلك الزمن ثارت القبائل الإيرانية بتحريض الدولة الأرمينية ومساعدتها في عهد ملكها المسمى "روساس". فقاد سرجون بنفسه في عام 714 ق.م حملة كبيرة على تلك الأقاليم ونال نصراً كبيراً، وهذه هي الحملة التي عرفت باسم حملة سرجون الثامنة (في عام حكمه الثامن). وقد دنت اخبارها المفصلة وجاءت على هيئة رسالة أرسلها الملك إلى الإله آشور والآلهة الاخرى على انها تقرير حربي من سرجون بصفته القائد الأعلى لجيوش الإله آشور. وتعد هذه الرسالة على قدر كبير من علو الأسباب الأدبي، كما يتجلى ذلك بوجه خاص في الوصف الشعري الرائع للجبال والأنهار والغابات التي مرت بها جيوش سرجون وما لاقته هذه الجيوش من أهوال ومصاعب (4).
ومن الحملات العسكرية المهمة تلك التي أرسلها في العام 717 ق.م على دولة "كركميش" (جرابلس) وقضى على استقلالها، كما أرسل في خلال الخمس سنوات التالية جيوشاً إلى آسية الصغرى وقضى على استقلال جملة دويلات فيها مثل كيليكية (قوئي (Que) في المصادر الآشورية) وفريجية (موسكي (Muski) في الأخبار الآشورية) وجاء اسم ملكها على هيئة "ميتا" (وهو ميداس في المصادر الكلاسيكية). والمرجح ان سرجون تسلم، وهو في آسية الصغرى، هدايا من ملوك "ياتنانا" السبعة، أي من أمراء جزيرة قبرص على ما يرى الباحثون، ولعل مما يؤيد ذلك المسلة العائدة لعذا الملك التي وجدت في"لرناكا" (Larnaka) (في قبرص).
وخلاصة القول أصبح سرجون في العام 710 ق.م سيد الموقف من بعد انتصاراته في مختلف الميادين، وخضعت له بلاد الشام وازال دولة إسرائيل من الوجود ونقل الكثير من اهلها أسرى وأسكنهم في بلاد ماذى، وجلب بدلاً منهم جماعات من بلاد بابل ولا سيما من منطقة "كوثي". كما تغلب على "مردوخ بلادان" وأعاد بلاد بابل إلى سلطة الدولة الآشورية.
دور ــ شروكين (خرسباد):
لم يستقر سرجون في عاصمة واحدة من العواصم الآشورية، فقد اتخذ في أول حكمه مدينة آشور القديمة مركز الحكمة ثم انتقل إلى نينوى، بالإضافة إلى العاصمة العسكرية "كالح" (نمرود) حيث جدد فيها بناء القصر الذي شيده "آشور ناصر بال". ثم اتجه أخيراً إلى تأسيس مدينة جديدة فأختار لذلك موضعاً بكراً، عند قرية قديمة اسمها "مكانبا"، على بعد نحو 15 ميلاً شمال شرقي نينوى، بالقرب من القرية المسماة "خرسباد"، فشرع في وضع أسس المدينة الجديدة في عام 717 ق.م، وقد سماها باسمه أي" دور ــ شروكين"، وجعل شكلها مربعاً تقريباً، كل ضلع منه زهاء الميل الواحد (ومساحتها بالضبط 1760×1675 متراً مربعاً) وسورها بسور ضخم جعل له سبعة أبواب، كل منها سمي باسم إله آشوري على غرار بوابات، وتزينها منحوتات من الثيران المجنحة ذات الرؤوس البشرية، وكانت هذه بمثابة الملاك الحارس (Lamassu)، وجعلت شوارع المدينة مستقيمة متعامدة على نظام الـ (Grid) المتبع في المدن الرومانية. وشيد قصره فوق دكة او مصطبة ارتفاعها (50) قدماً، وهو قصر واسع يحتوي على نحو مائتي حجرة وثلاثين ساحة، كما شيد في المدينة معابد للآلهة وبرجاً مدرجاً ذا سبعة طوابق، كل طابق منها ملون بلون خاص، ويرقى إليه بسلم حلزوني بدور حوله على غرار سلم المأذنة في سامراء التي يرجح اقتباسها من برج "خرسباد". وزين القصر الملكي بأنواع الزخارف مثل القاشاني المزجج الأزرق، والمزخرف بالصور والرموز المقدسة، بالإضافة إلى الثيران المجنحة التي كانت تزين المداخل، وألواح المنحوتات الحجرية الكثيرة المنحوتة بالمشاهد المختلفة والمنقوشة بالكتابات المسمارية. وقد قدر طول هذه المحوتات، لو صفت الواحدة إلى جنب الأخرى، زهاء الميل ونصف الميل (5).
إن ما اكتشف في مدينة سرجون أضاف أشياء مهمة إلى معرفتنا بما بلغه في فن البناء والعمارة وخطط المدن وفن النحت وسبك المعادن وصناعة التزجيج، أي الاجر المزجج. ويكفي ان نورد للتدليل على البذخ في تشييد هذه المدينة أن (26) ثوراً مجنحاً وجدت فيها، يزن كل منها معدل أربعين طناً، وتوجد نماذج جميلة منها في المتاحف العالمية. وقد بلغت المهارة في سبك المعادن وصبها درجة كبيرة، ولا سيما سيك معدن البرونز الذي صنعت منه الأسود والثيران. وعثر في مخازن القصر على آلات وادوات حربية من الحديد تبلغ زنتها زهاء (200) طن. وقد أكمل بناء المدينة في مدة عشر سنوات، ولكن لم يتمتع بانيها بالسكن فيها اماً طويلاً، إذ إنه توفي من بعد إتمام بنائها بعام واحد (705 ق.م)، والمرجح ان سرجون لم يستطع السكنى فيها، كما أنه لم ينتقل إليها أحد من أبنائه الملوك الذي خلقوه، بل هجروها، ولعل بعضهم نقل جزءاً من منحوتاتها إلى قصورهم. اما نهاية سرجون فلا نعلم على وجه التأكيد، والمرجح انه اغتيل، وحكم من بعده خلفاؤه من أسرته، وقد دامت السلالة التي أسسها زهاء القرن الواحد. ونوجز فيما يأتي أحداث التأريخ الآشوري في عهود خلفاء سرجون.
_____________
(1) ARAB, II, 132-5.
(2) فيما يلي المصادر الأساسية عن حكم سرجون:
(1) ARAB, II, I – 230.
(2) Gadd, in IRAQ, XVI (1954). 172 ff.
(3) Lie, The Inscriptions of sargon… The Annals (1929).
(4) Tadmor,"The Campaigns of Sargon" in JNES, (1958).
(5) Thureau – Dangin, Une relation de la Huiteme capagne de Sargon.
(3) انظر: IRAQ, XV (1953), 123 ff
(4) حول الترجمة راجع المصدر الخامس في الهامش رقم (30)، والتعليق على الحملة في:
Wright, in JNES, (1943), 173 ff
(5) كانت خرسباد كما ذكرنا في تاريخ التنقيبات والتحريات من أولى المواقع التي تحرى فيها أوائل المنقبين (من جابن الفرنسيين) في منتصف القرن التاسع عشر:
Bota, Flandin, Les Monuments de Ninive (1949-50).
V. Place, Ninive et LAssyrie (1867-70).
Loud, Khorsabad, (1936-8).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|