أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2017
1038
التاريخ: 23-5-2018
2715
التاريخ: 4-7-2017
904
التاريخ: 23-5-2018
6916
|
وتكاد أغلب الروايات التأريخية تجمع على أن محنة العلويين تجلت في عهد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن العباس المنصور (136-158هـ/ 753-775م). فقد صبّ عليهم أنواع العذاب، ونكل بهم أشد التنكيل.
وجدّ المنصور في طلب محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، وعندما فشل الوالي زياد بن عبد الله في العثور عليهما عزله وقبض ماله، وولّى مكانه محمد ابن خالد القسري، وما لبث المنصور أن عزله وأتهمه بالتباطؤ والتهاون في تنفيذ مهمته وعيّن ثالثاً عرف بالشده والقسوة، هو (رياح بن عثمان بن حيان المرّي)، ولمّا لم يقدر الأخير على الظفر بهما، أشار عبد العزيز بن سعيد (1) على المنصور أن يحبس آل الحسن، فمادام آل الحسن طلقاء فلا سبيل إلى الظفر بهما، فكتب إلى رياح بحبسهم (2) .
لم يراعِ المنصور أية حرمة للقرابة والنسب، بحبس أشراف العلويين، ونقلهم من حبس المدينة إلى حبس العراق والقيود في أعناقهم وأرجلهم، على الرغم من مناداة وتذكير عبد الله بن الحسن للمنصور، بأن هذا مقابل ما صنعوه بأسراهم يوم بدر (3)، ولكن المنصور كان قد صمّ أذنيه عن كل ذلك، وكان يرى نفسه خليفة يهون كل شيء أمامه في سبيل المُلك (4) .
لقد ساءت أحوال آل الحسن (عليه السلام) أثناء الحبس، وتوفي من توفي منهم. ويروي الطبري (ت 310هـ/922م) أن الحبس قد ضاق بآل الحسن حتى أن رياح بن عثمان المرّي والي المنصور على المدينة سأل الخليفة بأن يأذن له بشراء دار جديدة لحبسهم فأذن له (5). وكان أبو إسحاق أبراهيم (6)، أول من توفي من أولاد الإمام الحسن (عليه السلام) في سجن المنصور، وهو ابن سبع وستين سنة (7).
قال ابن الأثير (ت 630هـ/1232م): - "دعا المنصور محمد بن عبد الله العثماني وكان أخاً لأبناء الحسن من أمهم، فأمر بشق ثيابه، حتى بانت عورته، ثم ضرب مئة وخمسون سوطاً، فأصاب سوط منها وجهه فقال: ويحك أكفف عن وجهي، فقال المنصور للجلاد: الرأس الرأس، فضربه على رأسه ثلاثين سوطاً وأصاب إحدى عينيه سوطٌ فسالت على وجهه، ثم قتله (8). وأحضر المنصور محمد بن ابراهيم بن الحسن، وكان أحسن الناس صورة، فقال له: أنت الديباج الأصفر، لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً، ثم أمر به فبني عليه أسطوانة، وهو حيُّ، فمات فيها" (9).
كان معاوية بن أبي سفيان يدفن الأحياء خنقاً تحت الأرض، وكان المنصور يقيم عليهم البناء فوق الأرض، وهذا هو الفارق الوحيد بين خليفة الشام، وخليفة العراق، بين الأموي والعباسي، على أننا لا نعرف أموياً واحداً سجن جماعة تحت الأرض، وتركهم يموت الواحد منهم بعد الآخر بين الفضلات والقذارات (10)، ولهذا قال الشاعر:
والله ما فعلت أمية فيهم *** معشار ما فعلت بنو العباس (11)
قال المقريزي (ت 845هـ/1441م): أنه كان للقاسم بن ابراهيم طباطبا ضيعة بالمدينة يقال لها (الرس)، فلم يسمح له المنصور بالمقام بها حتى صلبه، ففرّ إلى السند وقال:
لم يروه ما أراق البغي من دمنا
في كل أرض فلم يقصر من الطلب
ولم يصف غليلاً في حشاه سوى
أن لا يرى فوقها ابن لبنت نبي
وكان يفر من بلدٍ الى بلد، يسير حافياً، والدم يسيل من قدميه، ومن قوله وهو مشرّد:
عسى جابر العظم الكسير بلطفه
سيرتاح للعظم الكسير فيجبرْ
عسى الله لا تيأس من الله أنه
ييسر منه ما يعز ويعسرْ (12)
ويروي لنا المقريزي أن المنصور عند وفاته أستحلف المهدي بأن لا يفتح بيتاً عرضه له إلا بعد وفاته، وبعد هلاكه فتحه المهدي، فإذا به رؤوس من قتل من الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وفيهم أطفال (13) .
قال المقريزي: "أين هذا الجور والفساد من عدل الشريعة المحمدية، وسيرة أئمة الهدى؟ أين هذه القسوة الشنيعة مع القرابة القريبة من رحمة النبوة، وتالله ما هذا من الدين في شيء، بل هو من باب قول الله سبحانه: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد: 22، 23] (14).
هذا عمل من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر، والكتاب العزيز، وأنه أمير المؤمنين، وخليفة ربُّ العالمين، وابن عم سيد المرسلين. وهكذا يفعل ما لا تفعله الوحوش والذئاب من ينتحل الألقاب، ويتوكأ على الأنساب.
__________________
(1) كان عيناً من عيون المنصور، ووالياً على الصدقات، وعند وفاته عيّن فليح بن سليمان محلهُ.
(2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، جـ 2، صص 262-263؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 413؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، جـ 18، صص 268-269 .
(3) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 416؛ ابن كثير، البداية والنهاية، جـ 10، ص88 .
(4) الطويل، تاريخ العلويين، ص 171 .
(5) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 414 .
(6) هو: أبو إسحاق ابراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أمه فاطمة بنت الحسن (عليه السلام)، كان أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)، توفي في سنة خمس وأربعين ومائة في حبس المنصور .
(7) البخاري، سر السلسلة العلوية، ص 15 .
(8) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ 5، صص 144-145 .
(9) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ 5، ص 146 ؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 418 ؛ الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 200؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، جـ 6، ص 214 .
(10) البيشوائي، مهدي، سيرة الأئمة، ص 347 .
(11) المحقق النوري، حسين بن محمد تقي الطبرسي المازندراني (ت 1320هـ/1902م)، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط1، (قم، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1408هـ/1987م)، جـ 1، ص 15 .
(12) المقريزي، النزاع والتخاصم، صص 55-56 .
(13) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، صص 541-542؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، ص 56؛ الجندي، عبد الحليم، الإمام جعفر الصادق، ص 91 .
(14) سورة محمد- الآيتان: (22-23) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|