حكم الشريعة الاسلامية في الاستثمار في البورصة 2
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص64 - 67
2025-12-07
32
الحاجة إلى الإسهام في الشركات
أكد الإسلام على أن الأصل في العبادات المنع إلا ما جاء به نص، حتى لا يبتدع الناس في الدين ما لم يأذن به الله، إنما الأصل في المعاملات الإذن والإباحة، فالأصل في البيع الحل وأحل الله البيع ، والأصل في العقود والشروط هو الإباحة، أي من حق الناس أن يستحدثوا من العقود والشروط ما يحقق مصالحهم، وكما جاء في الحديث و المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ، فالناس يمكن أن تبتكر من الشروط أو من العقود ما يحقق لها المصلحة ويدرأ المفسدة، وهذه الشروط أو العقود تختلف باختلاف العصور، فمن أجل ذلك وجدوا أنهم في حاجة إلى الإسهام في الشركات . ولقد اتفق علماء الدين في مجلس "مجمع الفقه الإسلامي" المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 - 12 ذي القعدة 1412هـ، الموافق 9 - 14 مايو 1992م، بخصوص موضوع الشركات المساهمة والتعامل في الأسواق المالية على أن الشركة المساهمة عبارة عن شركة عنان – باتفاق جمهور العلماء المعاصرين - و شركة العنان هي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتجزأ فيه والربح بينهما، ولا يُشترط فيها المساواة في رأس المال ولا في التصرف ولا في الربح، فذلك بحسب الاتفاق، وعند الخسارة يتحملانها بنسبة رأس المال والأصل في الشركة المساهمة "الجواز" إذا كانت خالية من الربا والتعامل المحرم، فالمساهمون فيها يتحقق فيهم معنى الشركاء حيث أنهم يقدمون أسهمهم حصصاً في رأس المال، فيشتركون في رأس المال ويقتسمون الأرباح والخسائر فيكونون شركاء بمجرد توقيع عقد الاكتتاب في الشركة فيعتبر ذلك إيجاباً وقبولاً لأن الإيجاب والقبول لا يُشترط فيها التلفظ بل يصحان بالكتابة، وهؤلاء الشركاء يوكلون مجلس إدارة الشركة بالقيام بالعمل، وهو توكيل صحيح، فالشركات تقسم رأسمالها إلى أسهم، يكتب فيها من يريد، وتكون أسهمه عرضة للخسارة أو الربح تبعاً لنشاط الشركة، ولا ريب في جواز المساهمة في الشركات بملكية عدد من أسهمها لتوفر الشروط الشرعية فيها، إذ أن لها حقها من الربح وعليها نصيبها من الخسارة، فالربح يُستحق تارةً بالعمل وتارة بالمال، ولا شيء من الربا وشبهته في هذه العملية. إن تقسيم رأسمال الشركة إلى حصص وأجزاء واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية والقواعد العامة للشركة في الفقه الإسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضي عقد الشركة.
بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمات الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وتحت قول الرسول: المسلمون عند شروطهم وفي رواية: و المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، و هذا المعني هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة .. ، وهذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الإسلامية الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع أو مضار ومفاسد. إذن .. تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز، وبالتالي المساهمة فيها بشراء أسهم
جائز، بما أن الأصل في المعاملات هو الحل، ويجب أن تكون أغراض الشركة مشروعة ولا يتضمن النظام الأساسي والعقد التأسيسي أي غرض حرام، الأدلة الشرعية تضافرت من الكتاب والسنة والسيرة على أن الإسلام يقوم على التيسير ورفع الحرج.
قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي
خلص المجلس في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع إلى القرار التالي:
1 - غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعاً وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء ولا يعرفون حقيقة الأسعار ولا يعرفون من هو المحتاج إلى البيع ومـن هـو المحتاج إلى الشراء، ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعاً والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها، بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري في كل واحدة منها على حدة.
2 - إن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض فيما يشرط له القبض بمجلس العقد شرعاً هي عقود جائزة ما لم تكن عقوداً على محرم شرعاً، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه. - بالنسبة لحكم عمل السماسرة في البورصة أقر "مجمع الفقه الإسلامي" بأنه حلال في ضوء الضوابط الموضوعة والمتفق عليها بالإجماع على التعامل بالأسهم، ويجب حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها، حيث أجاز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم بأن لا يتم إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل، لأن هذا من التصرفات الرسمية السليمة والتي تضمن أن تكون محققة لمصالح مشروعة، كما أجاز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية، لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
إذن .. هناك اتفاق عام على شرعية الاستثمار في البورصة نظراً لأهميتها كأداة من الأدوات المالية التي تضمن للفرد حياة كريمة، ولا تعتبر البورصة قمار.
فتوى شيخ الأزهر عن المضاربة في البورصة
أفاد شيخ الأزهر الدكتور "محمد سيد طنطاوي" في 2007/12/26م عن المضاربة في البورصة (1) وما إذا كانت تعد نوعاً من المقامرة المحرمة شرعاً بأن المضاربة في البورصة من الأمور الاقتصادية المباحة شرعاً ولا شيء فيها، وهي نوع من المعاملات الاقتصادية الحديثة التي فرضتها الظروف الراهنة وتطورات المجتمعات والمؤسسات الاقتصادية، ولا تُعد المضاربة في البورصة من الربا، وإنما هي معاملة مباحة شرعاً وليست مقامرة، بل استثمار لأموال وهذا جائز شرعاً. أما موضوع القمار هذا مختلف تماماً عما نحن بصدده فالقمار عبارة (2) عن أن يدخل إنسان في شيء يكون على خطر الحصول أو عدم الحصول عليه، فإما أن يحصل على ماله وأموال الآخرين أو أن يُحرم من الكل، فهذا هو القمار الذي حرمه الله سبحانه وتعالي لأنه أكل لأموال الناس بالباطل، أما البورصة فهي تجارة، بيع وشراء السلعة موجودة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- حوار لشيخ الأزهر لمجلة "المصارف نقلته جريدة "القبس" الكويتية - الأربعاء 2007/12/26م.
2- ندوة "الاستثمار في الأسهم وأحكام التداول في البورصة" - د. يوسف القرضاوي - الدوحة - قطر - مساء الثلاثاء 5 أبريل 2005م - بالتعاون مع مؤسسات مصرفية قطرية.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة