غزوة حمراء الأسد
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص425-427
2025-11-11
37
قال ابن هشام في سيرته ، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال اذن مؤذن النبي ( ص ) بطلب العدو وقال لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ، ومن ذلك يبدو ان خروجه كان في اليوم الثاني أو الثالث لرجوعه إلى المدينة ، وقد كلمه جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حزام ، فقال : يا رسول اللّه ان أبي كان قد خلفني على أخوات لي سبع ، وقال لي يا بني لا ينبغي لي ولا لك ان تترك هؤلاء النسوة ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول اللّه ( ص ) على نفسي فتخلف مع أخواتك فتخلفت عليهن ، فأذن له رسول اللّه ( ص ) فخرج معه واعطى اللواء إلى علي . وخرج معه المسلمون والجراح فيهم فاشية حتى أن أخوين من الأنصار وهما عبد اللّه بن سهل ورافع بن سهل كانا معه في أحد ورجعا جريحين ، فلما اذن مؤذن النبي بالخروج في طلب العدو قال أحدهما للآخر : أتفوتنا غزوة مع رسول اللّه ( ص ) ، واللّه ما لنا دابة نركبها وما منا إلا جريح بجرح ثقيل ، ومع ذلك فقد خرجا مع النبي ( ص ) فقال عبد اللّه لقد كنت أيسر جرحا من أخي ، فكنت إذا غلب حملته حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون ومضى رسول اللّه بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلى مكان يدعى حمراء الأسد ، وهو على ثمانية أميال من المدينة فأقام بها ثلاثا .
وحمل سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا من التمر وساق جزرا فنحروا منها في يوم الاثنين والثلاثاء وامرهم رسول اللّه بجمع الحطب فكانوا إذا أمسوا أوقدوا النار فيوقد كل رجل نارا على حدة حتى ترى من المكان البعيد .
ومر بهم معبد بن أبي معبد الخزاعي وهو يومئذ مشرك ، وكانت خزاعة مسلمها وكافرها مسالما للنبي ( ص ) فقال معبد : يا محمد عز علينا ما أصابك في نفسك وفي أصحابك ووددنا ان اللّه تعالى أعلى كعبك وان المصيبة كانت بغيرك ومضى في طريقه حتى التقى بأبي سفيان ومن معه بالروحاء وكانوا يفكرون في الرجوع إلى المسلمين بالمدينة ويقولون لقد أصبنا محمدا وأصحابه ، وليس من الرأي ان نرجع قبل ان نستأصلهم فنكر على بقيتهم ونفرغ منهم ، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال إن محمدا خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم ار مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا .
فقال أبو سفيان ويلك ما تقول يا معبد : قال واللّه ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ، فقال واللّه لقد اجمعنا الكرة عليهم حتى نستأصل بقيتهم ، فقال إني أنهاك عن ذلك وقد حملني ما رأيت أن قلت فيهم أبياتا :
كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردي بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت عدوا أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
اني نذير لأهل البسل ضاحية * لكل ذي إربة منهم ومعقول
من جيش احمد لا وخش قنابله * وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه[1].
وجاء في رواية أخرى ان صفوان بن أميّة نهاهم عن الرجوع إلى المدينة وقال لهم : ان القوم قد غضبوا ونخشى ان يكون لهم قتال غير الذي كان فرجعوا واتجهوا إلى مكة ، فقال النبي ( ص ) وهو بحمراء الأسد حين بلغه انهم هموا بالرجعة والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كالأمس الذاهب .
ومضى النبي لما بلغه انهم قد عدلوا عن الرجوع مضى راجعا إلى المدينة وقد أعاد للمسلمين ثقتهم بأنفسهم واسترد لهم مكانتهم التي تزعزعت في أحد ، ومع ذلك فقد ظل المنافقون واليهود يرفعون رؤوسهم ضاحكين يحاولون تشكيك المسلمين برسالة محمد ( ص ) ويقولون ما محمد الا طالب ملك ولو كان نبيا ما أصيب هكذا ولم يصب نبي في نفسه وأصحابه بمثل ما أصيب .
ومرة يقولون : إذا كانت بدر آية من آيات اللّه على رسالة محمد فما عسى أن تكون أحد وما دلالتها ؟ وأحس النبي ( ص ) بحراجة الموقف ودقته لا في المدينة وحدها بل عند سائر القبائل العربية ، فمن ارعبتهم نتائج معركة بدر ، فقد ردت عليهم معركة أحد من السكينة والطمأنينة ما يشجعهم على معارضته ، وحتى على غزوة في داخل المدينة ، لذلك فقد اتجه إلى العمل لإرهاب المشركين وقطع الطريق على من يحاول بعث الشكوك وإلى التعويض عما فقده المسلمون في تلك المعركة .
[1] انظر الطبري جزء 3 ص 28 و 29 .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة