كانت معركة بدر وما تلاها من الغزوات ، وما رافق ذلك من الغنائم والانتصارات تدعو إلى الاطمئنان ومع ذلك كله فلم يطمئن النبي على مصير الإسلام ، ولم ينخدع بتلك الانتصارات ، ما دامت قريش على موقفها المتصلب ، وكان على اتصال دائم بأخبارها واستعدادها لطلب الثأر وتجهيز جيش قوي تشترك فيه مكة وغيرها ، وتعهدت بتحويل المحاربين وتجهيزهم بما يحتاجون إليه .
وكانت العير التي كانت من اجلها معركة بدر هي النواة الأولى ، ولا تزال في دار الندوة ينتظرون بها ساعة المعركة ، وأخيرا تولى جماعة بيع الأموال التي بها وعزلوا أرباحها للحرب ، وحشدت مكة جيشا مؤلفا من ثلاثة آلاف مقاتل منها ومن غيرها من الأعراب ، بينهم سبعمائة دارع وقادوا معهم مائتي فرس وثلاثة آلاف بعير .
واختلفت قريش بينها في اخراج النساء معها فمن قائل ان خروجهن يلهب النفوس ويبعث فيها الحماس ، فعارض أصحاب هذا الرأي نوفل بن معاوية ومعه جماعة من المشركين وقالوا يا معشر قريش : ليس من الرأي ان تعرضوا حرمكم لعدوكم ولا نأمن أن تكون المعركة لغير صالحكم فتفتضحوا في نسائكم .
وفيما هم في جدال واخذ ورد حول هذه الناحية وإذا بهند بنت عتبة تصيح بأعلى صوتها وتقول لنوفل بن معاوية ، انك سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك ، واللات والعزى اننا سنخرج ولا نسمح لأحد ان يردنا كما رددتم القيان حينما سرتم لبدر فقتل الأحبة ، ولم يكن معهم من يحرضهم على القتال واستقر الرأي بعد اصرار هند وتصلبها في موقفها على اشتراك النساء في هذه المعركة وكانت هند من أشد قريش حرصا على الثأر لأبيها وعمها وأخيها .
وجاء في بعض كتب السيرة ان اللواتي اشتركن من النساء في معركة أحد كن خمس عشرة امرأة منهن هند بنت عتبة ، وأم الحكيم بنت الحارث بن هشام زوجة عكرمة بن أبي جهل وسلافة بنت سعد زوجة طلحة بن أبي طلحة ، وقد قتل زوجها في تلك المعركة وأربعة من أولادها ، وريطة بنت منبه بن الحجاج زوجة عمرو بن العاص وخناس بنت مالك كانت مع ابنها أبي عزيز بن عمير وابنها مصعب بن عمير كان إلى جانب المسلمين وقتل معهم ، وعمرة بنت علقمة بن الحارث الكنانية زوجة غراب بن سفيان ، وهي التي أقدمت على لواء المشركين وحملته بعد ان سقط إلى الأرض ، فتراجعت قريش والتفت حول اللواء وفيها يقول حسان بن ثابت :
ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون بالأسواق بالثمن البخس
إلى غير ذلك من النساء اللواتي خرجن مع أزواجهن وأولادهن .
وخلال الفترة التي كانوا يستعدون فيها للخروج كان العباس معهم يطلع على كل صغير وكبير من امرهم ، ولم يكن قد تجاهر بالاسلام ، بل كان يبطنه ويحاربهم في ظاهر الحال ، ولكنه في واقعه كان مخلصا ووفيا للاسلام ، وبقاؤه بينهم وبخاصة بعد ان أسر في بدر واعلن اسلامه في المدينة لعله كان برأي النبي لمصلحة الاسلام .
وبلا شك فإن إيمانه بمحمد ورسالته من جملة الدوافع التي دفعته إلى اعلام النبي بتحركاتهم واستعداداتهم لتلك المعركة ، فقد كتب إليه كتابا وصف له به صنيعهم واجتماع كلمتهم وعدتهم وعددهم ودفعه سرا إلى رجل غفاري ليوصله إلى النبي ( ص ) وأوصاه بالكتمان وان يجد السير ليلا ونهارا .
ومضى الغفاري بالكتاب ولا همّ له الا ايصاله للنبي ، ومضت قريش في طريقها إلى غزوا النبي ( ص ) في المدينة وبلغت الأبواء وفيها قبر آمنة بنت وهب أم النبي ( ص ) ، فدفع الحماس بعض القرشيين الطائش إلى التفكير في نبشه وألحت على ذلك هند بنت عتبة وكادت تبرك في مكانها لا تبرحه حتى تنفذ لها قريش ما تريد ، ولكن بعض زعماء قريش حال بينهم وبين ما يريدون ، وقال لهم ان ذلك لو تم لأصبح عادة عند العرب ، وما يمنع خزاعة وبنو بكر ان تنبش قبور موتى قريش أيضا .
ومضى الغفاري ومعه رسالة العباس يجد السير حتى بلغ المدينة في ثلاثة أيام فوجد النبي ( ص ) بقباء على باب المسجد فدفع إليه الكتاب ، فدفعه النبي إلى أبي بن كعب فقرأه عليه فأمره النبي ان يكتم الخبر ولا يحدث أحدا بما فيه .
وعاد النبي ( ص ) إلى المدينة وقصد دار سعد بن الربيع وقص عليه ما بعث به العباس وامره بالكتمان ، فقال واللّه اني لأرجو ان يكون في ذلك خير ، فلما خرج النبي ( ص ) قالت له امرأته ما قال لك رسول اللّه ، فقال ما لك ولذلك لا أم لك ، فقالت كنت استمع عليكم وأخبرته الخبر واسترجع واخذ بيدها ولحق النبي فأخبره خبرها فقال خفت ان يفشو الخبر فترى اني انا المفشي له ، فقال له النبي ( ص ) خلّ عنها .
وتابعت قريش مسيرتها حتى بلغت العقيق ونزلت في سفح جبل على خمسة أميال من المدينة ، ثم ساروا حتى نزلوا في مقابل المدينة بذي الحليفة وذلك لخمس بقين من شوال فتركوا خيلهم وإبلهم ترعى في زروع المدينة المحيطة بها .
وبعث رسول اللّه انس ومؤنس ابني فضال يستطلعان له الخبر فألفياهم وقد قاربوا المدينة وأطلقوا الخيل والإبل في الزروع ، وبعث بعدهما الحباب بن المنذر بن الجموح سرا وقال له : إذا رجعت فلا تخبرني بخبرهم بين الناس ، الا ان ترى فيهم قلة ، فذهب حتى دخل بينهم ووقف على عددهم وعدتهم فرجع واخبره بحالهم وقال له : ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا والخيل فوق المائتين ورأيت دروعا ظاهرة فوق الثياب واحسب انها سبعمائة ، فقال له النبي لا تذكر من امرهم شيئا حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، اللهم بك أصول وبك اجول .
وبات وجوه الأوس والخزرج سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ليلة الجمعة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول اللّه حتى أصبحوا خوفا عليه من المشركين ، وتولى جماعة حراسة المدينة ، وفي صبيحة يوم الجمعة صعد النبي المنبر وقال : رأيت البارحة في منامي اني أدخلت يدي في درع حصينة ورأيت بقرا تذبح ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما واني أردفت كبشا وقد اولتها بأن الدرع الحصينة هي المدينة والبقر التي تذبح أناس من أصحابي يقتلون واما الثلم في سيفي فرجل من أهل بيتي يقتل ، واما الكبش فكبش الكتيبة يقتله اللّه ، فإن رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام ، وان هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها فإنا اعلم بها منهم ، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية ، فكان رأي رسول اللّه على حد زعم بعض الرواة ان لا يخرج من المدينة تشاءما من تلك الرؤيا ، وأحب ان يوافقه المسلمون على رأيه .
ثم استشار أصحابه في الخروج ، فأشار عليه عبد اللّه بن أبيّ ابن سلول ان لا يخرج من المدينة ، وقال يا رسول اللّه : أقم بالمدينة ولا تخرج منها فو اللّه ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا دخلها الا أصبنا منه ، فدعهم يا رسول اللّه فإن أقاموا أقاموا بشر منزل ، وان دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وان رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا وكان ذلك رأي كبار المهاجرين كأبي بكر وعمر وبعض الأنصار .
ولكن فتيان المهاجرين والأنصار وبعض الشيوخ ممن لم يشهدوا بدرا وبعض من شهدها منهم وذاقوا حلاوة النصر وامتلأت بالايمان قلوبهم ظنوا انهم لا يغلبون فأحبوا الخروج إلى العدو وملاقاته حيث نزل بأرضهم مخافة ان يتهموا بالخوف والجبن .
وقال اياس بن أبي أوس أحد بني عبد الأشهل اني يا رسول اللّه لا أحب ان ترجع قريش إلى قومها لتقول حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها فتكون هذه جرأة لقريش وها هم قد وطئوا سعفنا فإذا لم نذب عن عرضنا وزرعنا فلم نزرع ؟
وقد كنا يا رسول اللّه في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا فنحن اليوم أحق إذ أمدنا اللّه بك وعرفنا مصيرنا فلا نحصر أنفسنا في بيوتنا .
وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال : يا رسول اللّه ان قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن اتبعها من أحابيشها ثم جاءونا قد قادوا الخيل واعتلوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا فيجرئهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا ويصيبوا اطلالنا ويضعوا العيون والأرصاد علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن حريمنا وعسى اللّه ان يظفرنا بهم فتلك عادة اللّه عندنا ، أو تكون الأخرى فهي الشهادة ، لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت عليها حريصا ولقد بلغ من حرصي ان ساهمت ابني في الخروج فرزق الشهادة وقد كنت حريصا على الشهادة وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول :
الحق بنا ترافقنا في الجنة فقد وجدت ما وعدني ربي حقا وقد واللّه أصبحت يا رسول اللّه مشتاقا إلى مرافقته في الجنة وقد كبرت سني ودق عظمي وأحببت لقاء ربي فادع اللّه يا رسول اللّه ان يرزقني مرافقة سعد في الجنة فدعا له رسول اللّه بذلك فقتل مع من قتل في تلك المعركة .
وقال الحمزة بن عبد المطلب : والذي انزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة وكان الحمزة صائما يومي الجمعة والسبت حينما التقى مع المشركين كما جاء في شرح النهج المجلد الثالث .
وجاء في الكتاب المذكور ان الحمزة وسعد بن عبادة ، والنعمان بن مالك وغيرهم من الأوس والخزرج من أهل النية الحسنة وأهل السن قالوا لرسول اللّه :
انا نخشى يا رسول اللّه ان يظن عدونا انا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا ، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل فأظفرك اللّه بهم ونحن اليوم بشر كثير نتمنى هذا اليوم وندعو اللّه له وقد ساقه اللّه إلينا في ساحتنا هذه .
وتتابع الناس كل يدلي برأيه وبما عنده ورسول اللّه يبدو كارها للخروج فلم يزالوا به حتى اظهر موافقته لهم وكانوا الأكثرية الغالبة من المقاتلين ، فلما جاء وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى بالناس وصعد المنبر فوعظهم وحثهم على الجد والاجتهاد والصبر وأخبرهم بأن النصر سيكون حليفهم إذا صبروا وأخلصوا في جهاد أعداء اللّه وأعداء رسوله ، ثم امرهم ان يتجهزوا للقاء العدو ، فاستبشر أكثرهم لهذا القرار .
ولما حان وقت العصر صلى بهم وكانوا قد احتشدوا حول النبي ليعرفوا رأيه النهائي وحضر أهل العوالي ، ولما فرغ من صلاته دخل منزله ووقف الناس ينتظرون خروجه ، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير : لقد استكرهتم رسول اللّه على الخروج فاتركوا الأمر إليه ، وكان قد خرج لابسا لأمته ، وقد تعمم ولبس الدرع وتقلد سيفه وتنكب القوس ووضع الترس في ظهره ، ولما رأوه بتلك الحال اقبل عليه جمع ممن كانوا قد تحمسوا للخروج وقد ندموا على موقفهم مخافة ان تنزل بهم آية من عند اللّه فقالوا يا رسول اللّه ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك والأمر إلى اللّه وإليك فإن خرجت خرجنا وان أقمت أقمنا ، فرد عليهم النبي بقوله : لقد دعوتكم لذلك فأبيتم ، وما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته ان يضعها حتى يحكم اللّه بينه وبين أعدائه انظروا ما آمركم به فاتبعوه والنصر لكم ما صبرتم .
هذه الصورة الموجزة لما دار بين النبي ( ص ) وبين المسلمين على اختلاف طبقاتهم حول البقاء في المدينة بانتظار ان يلتقوا مع قريش فيها ، وبين الخروج إليهم حيث نزلوا ومقابلتهم في خارجها كما رواها جميع المؤرخين والمؤلفين .
ويبدو أن جميع المؤلفين في السيرة قد خرجوا من هذا الحوار وهم على قناعة تامة بأن الرسول كان يرى رأي ابن سلول وغيره من شيوخ الصحابة ويفضل الاعتصام بالمدينة ، ولكن حماس الأكثرية قد اضطره إلى النزول على رغبتهم .
والذي أراه ان النبي من أول الأمر لم يكن يفضل ملاقاة المهاجمين في المدينة على ملاقاتهم خارجها ، وقد استشارهم أولا ليختبر نواياهم وهو يعلم علم اليقين ان ملاقاتهم داخل المدينة سيمكنهم من احتلالها خلال ساعات معدودات لأنهم سيجدون من المنافقين والمرتابين وهم عدد كبير بين سكان المدينة وكانوا على اتصال دائم بهم سيجدون منهم أعوانا على محمد واتباعه ، ومن غير المعقول ان يخلص عبد اللّه بن أبي ومن معه من المنافقين والمرتابين من المهاجرين والأنصار للدفاع عن محمد ورسالته ، وهم يلتقون مع الغزاة التقاء كاملا ، وكان عبد اللّه بن أبي أول المشيرين على النبي بالاعتصام بالمدينة ووافقه على ذلك بعض شيوخ المهاجرين وأدرك النبي ( ص ) الغاية التي يقصدها المنافقون ، ولكنه بقي يتظاهر بالموافقة على رأي ابن سلول ليختبر بقية المسلمين ويكتشف نواياهم .
وبلا شك انه لقد كان بين من وافقوا ابن أبي سلول من مهاجرين وأنصار جماعة لا يتطرق الشك إلى حسن نواياهم كما كان منهم مرضى النفوس والمتآمرون ، ولما وقف على نوايا الجميع ومحصهم تمحيصا دقيقا اعلن عن رأيه الذي كان قد انطوى عليه منذ اللحظة الأولى حينما اتصلت به اخبار قريش .
ومما يرجح انه لم يتبن رأي ابن أبي سلول ومن معه من المنافقين والمرتابين ، وانه يعلم بأنهم سيكونون أعوانا لقريش عليه ، أنه لما خرج خرج معه ابن أبي سلول في نحو من ثلاثمائة وخمسين من اتباعه المنافقين وبعض اليهود وقطعوا معه أميالا خارج المدينة في طريقهم لملاقاة الغزاة ثم رجعوا بلا سبب .
وفي رواية ثانية انه هو امرهم بالرجوع وقال : لا نحارب المشركين بالمشركين كما جاء في بعض المرويات .
وسواء كان رجوعهم بناء لرغبتهم أم كان بناء لطلب النبي فذلك يشكل دليلا قاطعا على سوء نواياهم وانه كان يتخوف منهم عندما تحتدم المعركة ان ينضموا إلى المشركين وهم يشكلون قوة لا يستهان بها ، وإذا كان في ريب من امرهم وهم خارج المدينة فكيف يوافقهم على مقابلة الغزاة في داخلها ويطمئن لاخلاصهم في الدفاع على أبوابها وفي شوارعها .
وإذا كان ابن أبي سلول صادقا في قوله بأنه سيدافع عن المدينة إذا هاجمها الغزاة فلما ذا رجع من الطريق وهو يعلم بأن جيش النبي في أمس الحاجة إلى المساعدة والمساندة . والذي أراه ان التدبير الذي اتخذه النبي ( ص ) كان تدبيرا حكيما وحازما من الناحية السياسية والعسكرية ، وأرجح انه لو بقي في المدينة لوجد المشركون من كانوا على رأيهم في المدينة أعوانا لهم على احتلالها وانتقال الحرب إلى شوارعها وإذا انتهت بما انتهت إليه في أحد يصبح النبي واتباعه تحت رحمة المشركين والمنافقين خلال ساعات معدودات .
ومهما كان الحال فلقد استخلف النبي ( ص ) على المدينة ابن أمّ مكتوم ليصلي بالناس وعقد ثلاثة ألوية فاعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب ، ولواء الأوس إلى أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ، وقيل أعطاه إلى سعد بن عبادة الأنصاري ، ثم ركب فرسه وخرج في ألف من المقاتلين بينهم مائة دارع ومعهم فرسان وقيل أكثر من ذلك ، وخرج السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة امامه والناس عن يمينه وعن شماله ، فلما انتهى إلى رأس الثنية التفت فنظر إلى كتيبة خشناء لها زجل خلفه فقال ما هذه ؟ قيل له : حلفاء ابن أبي من اليهود ، فقال لا نستنصر بالشرك على أهل الشرك فرجع ابن أبي وجماعته .
وفي رواية ابن إسحاق انه لما بلغ الشوط وهو مكان بين المدينة واحد انخذل عنه عبد اللّه بن أبي ابن سلول بثلث الناس ، وقال أطاعهم محمد وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ورجع بمن اتبعه من المنافقين والمرتابين ، واتبعهم عبد اللّه بن عمر بن حزام أخو بني سلمة يقول : يا قوم أذكركم اللّه الا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر مع عدوه ، فقالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما اسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال ، فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف عنهم قال : أبعدكم اللّه أعداء اللّه فسيغني اللّه نبيه عنكم[1].
وهذه الرواية تؤيد ما ذكرنا من أن عبد اللّه بن أبي كان في رأيه الذي أشار به على النبي ينوي الغدر بالمسلمين ومساعدة المشركين من حيث لا يشعر المسلمون بذلك .
ثم إن رسول اللّه ( ص ) قال لأصحابه : من رجل يخرج بنا على القوم من كثب ومن طريق لا يمر بنا عليهم ، فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث انا يا رسول اللّه ، فنفذ به في أرض لبني حارثة وبين املاكهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا أعمى البصر ، فلما سمع حس رسول اللّه ( ص ) ومن معه من المسلمين قام يحثو التراب في وجوههم ويقول : ان كنت رسول اللّه فلا أحل لك ان تدخل حائطي واخذ حفنة من التراب وقال : واللّه لو اعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فنهاهم رسول اللّه وقال : انه لأعمى القلب والبصر ، وضربه سعد بن زيد على رأسه فشجه ، وذلك قبل ان ينهاهم رسول اللّه عن التعرض له .
ومضى رسول اللّه مع الصبح حتى بلغ أحدا فاجتازوا مسالكها وجعلوها بين أظهرهم وجعل يصف أصحابه ويعدهم للقتال ووضع منهم خمسين رجلا على شعيب في الجبل ، وقال لهم : تحموا لنا ظهورنا فانا نخاف ان يجيئونا من ورائنا ، وأكد عليهم ان يلزموا مكانهم حتى ولو قتل المسلمون عن آخرهم ، وأضاف إلى ذلك ان عليكم ان ترشقوا خيلهم بالنبل إذا رأيتموها تحاول الإغارة علينا من ورائنا ، لأن الخيل لا تقدم على النبال ، ثم نهى المسلمين ان يقاتلوا القوم حتى يأمرهم بالقتال ، وكان المسلمون كما تنص على ذلك كتب السيرة سبعمائة مقاتل في مقابل ثلاثة آلاف أو يزيدون ومعهم النساء تحرضهم على الثأر لقتلى بدر .
وكان حينما استعرض جيشه ارجع غلمانا من المسلمين قد استصغرهم منهم عبد اللّه بن عمر وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت أحد بني مالك بن النجار وأسيد بن ظهير ، ورد سمرة بن جندب ورافع بن خديج إلى الجيش بعد ما أمرهما بالانصراف وهما ابنا خمس عشرة سنة ، وكان سبب ارجاعهما انهما يجيدان الرمي بالنبال بعد ان قيل له عنهما ذلك .
وأقبل المشركون فاستدبروا المدينة في الوادي واستقبلوا أحدا وصفوا صفوفهم فاستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد ، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وعلى الخيل صفوان بن أميّة ، وعلى الرماة عبيد اللّه بن أبي ربيعة وأعطوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار .
وصاح أبو سفيان بن حرب يحرض بني عبد الدار ويقول : يا بني عبد الدار انكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم ، وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم فإذا زالت زالوا فإما ان تكفونا لواءنا واما ان تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فإنا قوم مستميتون موتورون نطلب ثأرا حديث العهد ، وإذا زالت الألوية فما قوام الناس وبقاؤهم بعدها ، فغضب بنو عبد الدار ، وقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا ابدا ، واما المحافظة عليه فسترى ، ثم اسندوا الرماح إليه وأحدقت به بنو عبد الدار وأغلظوا القول لأبي سفيان ، فقال أبو سفيان فنجعل لواء آخر فقالوا نعم ، ولكن لا يحمله الا رجل من بني عبد الدار لا كان غير ذلك ابدا .
ولما عبأ النبي ( ص ) أصحابه سأل من يحمل لواء المشركين فقيل بنو عبد الدار ، وكان اللواء مع علي ( ع ) فأخذه منه وأعطاه إلى مصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار ، فلما قتل مصعب بن عمير رجع اللواء إلى علي ( ع ) فكان معه هو والراية كما جاء في رواية الشيخ المفيد في ارشاده ، وقيل في مقام الفرق بينهما ان الراية هي العلم الأكبر واللواء دونها .
ووقف النبي ( ص ) تحت راية الأنصار .
وفي رواية الطبري انه جعل الزبير على الخيل ومعه المقداد بن الأسود وخرج الحمزة بالجيش بين يديه ، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل ، فبعث رسول اللّه الزبير ، وقال له : استقبل خالد بن الوليد وكن بإزائه حتى أؤذنك بالحرب .
ثم إنه ( ص ) وقف خطيبا في أصحابه فقال : أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به اللّه في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه ، ثم انكم بمنزل اجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ، ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط ، فإن جهاد العدو شديد كريه ، قليل من يصبر عليه الا من عزم له على رشده .
ان اللّه مع من أطاعه وان الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا اعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم اللّه ، وعليكم بالذي آمركم به فاني حريص على رشدكم ، ان الاختلاف والتنازع والتثبيط من امر العجز والضعف وهو مما لا يحبه اللّه ولا يعطي عليه النصر والظفر .
أيها الناس إنه قد قذف في قلبي انه من كان على حرام فرغب عنه ابتغاء ما عند اللّه غفر اللّه له ذنبه ، ومن صلى على محمد صلى اللّه عليه وملائكته عشرا ، ومن أحسن إلى مسلم وقع اجره على اللّه في عاجل دنياه أو في آجل آخرته ، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة ، إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا ، ومن استغنى عنها استغنى اللّه عنه واللّه غني حميد ، ما اعلم من عمل يقربكم إلى اللّه الا وقد أمرتكم به ، ولا اعلم من عمل يقربكم إلى النار الا وقد نهيتكم عنه ، وانه قد نفث الروح الأمين في روعي انه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وان أبطأ عنها .
فاتقوا اللّه ربكم وأجملوا في طلب الرزق ، ولا يحملنكم استبطاؤه على أن تطلبوه بمعصية ربكم ، فإنه لا يقدر على ما عنده الا بطاعته ، لقد بين لكم الحلال والحرام غير أن بينهما شبها من الأمر لم يعلمها كثير من الناس الا من عصم ، فمن تركها حفظ عرضه ودينه ، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك ان يقع ويفعله ، وليس ملك إلا وله حمى ، ألا وان حمى اللّه محارمه ، والمؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر الجسد والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته[2].
وجاء في سيرة ابن هشام وغيرها ان أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة كان قد خرج إلى مكة ومعه خمسون غلاما من الأوس وخمسة عشر رجلا غيرهم كما جاء في بعض المرويات ، وكان مواليا لقريش وقد وعدها انه لو لقي قومه من الأوس لم يختلف عليه اثنان ، وخرج مع قريش إلى أحد ، فلما التقى الناس كان أبو عامر أول من قابل الأوس بالأحابيش وعبدان مكة ، فنادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر ، فقالوا لا أنعم اللّه بك علينا يا فاسق ، وكان يكنى في الجاهلية بالراهب فسماه رسول اللّه الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم ورضخهم بالحجارة .
ثم اخرج رسول اللّه سيفا وقال من يأخذ هذا السيف بحقه فقام إليه رجال فأمسكه عنهم منهم عمر بن الخطاب كما جاء في رواية ابن كثير وغيره وما زال ينادي ويردد قوله ، حتى قام أبو دجانة الأنصاري ، سماك بن خراشة من بني ساعدة ، فقال وما حقه يا رسول اللّه ، فقال حقه ان تضرب به العدو حتى ينحني ، قال انا آخذه يا رسول اللّه فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ويعتصب بعصابة له حمراء ، فإذا اعتصب بها عرف الناس انه عازم على الحرب .
وجاء في شرح النهج عن الواقدي ان أحد المنافقين في المدينة وكان يدعى قزمان قد تخلف عن أحد ، فلما أصبح عيره نساء بني ظفر ، وقلن له يا قزمان لقد خرج الرجال وبقيت الا تستحي بما صنعت ما أنت الا امرأة وما زلن يؤنبنه حتى دخل بيته ولبس لأمته وخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول اللّه ( ص ) وهو يسوي صفوف المسلمين فجاء من خلف الصف حتى انتهى إلى الصف الأول فانضم إليه ، وحينما بدأت المعركة كان أول من رمى بسهم من المسلمين وجعل يرسل النبال كأنها الرماح ، ثم اخذ السيف وفعل الأفاعيل وأخيرا قتل نفسه ، وذلك أنه لما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول : الموت أحسن من الفرار . يا للأوس قاتلوا عن الأحساب واصنعوا مثل ما اصنع ، فكان يدخل بالسيف في وسط المشركين حتى يقال لقد قتل ، ثم يخرج من بينهم ويقول : انا الغلام الظفري حتى قتل منهم سبعة رجال واصابته جراحات كثيرة فضعف عن القتال وهوى إلى الأرض فمر به قتادة بن النعمان ، فقال له يا ابا الغيداق ، قال قزمان لبيك : قال هنيئا لك الشهادة .
قال قزمان : واللّه ما قاتلت يا أبا عمرو الا على الحفاظ حتى لا تسير قريش فتطأ سعفنا ، ولما آذته الجراحة قتل نفسه ، فقال النبي ( ص ) ان اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .
ثم التحمت المعركة وقام الرماة بدورهم يرمون خيل المشركين بالنبل فولت هاربة فقال بعض المسلمين : واللّه لقد رأيت نبلنا يومئذ ما رأيت سهما واحدا مما يرمى به خيلهم يقع على الأرض إما في فرس أو في رجل ، ودنا القوم بعضهم من بعض ، وقدم المشركون طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم وأقاموا النساء خلف الرجال يضربن بين أكنافهم بالطبول والدفوف وهند ومن معها يحرضن الرجال ويذكرن بقتلى بدر ويقلن :
نحن بنات طارق * نمشي على النمارق
مشي القطا البوارق * المسك في المفارق
والدر في المخانق * ان تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق
وجاءوا بطلحة بن أبي طلحة حامل اللواء فصاح من يبارز ، فقال له علي ( ع ) هل لك في مبارزتي ؟ قال : نعم فبرزا بين الصفين ورسول اللّه جالس تحت الراية وعليه درعان ومغفرة وبيضة ، فالتقيا فضربه علي ( ع ) ضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته وانتهى إلى لحيته فوقع كالثور يخور بدمه وانصرف عنه علي ( ع ) ، فقيل له هلا ذففت عليه ، فقال لما صرع استقبلني بعورته وسألني الرحم .
وفي رواية ثانية ان طلحة ضرب عليا بسيفه فاتقاه علي بالدرقة ولم يصنع شيئا فحمل عليه علي ، وعلى طلحة درع ومغفر فضربه بالسيف فقطع ساقيه وخر إلى الأرض ، فلما قتل طلحة كبر رسول اللّه تكبيرا عاليا وكبر معه المسلمون ثم شد أصحاب رسول اللّه على كتائب قريش يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم .
وفي سيرة الواقدي وغيرها انه لما قتل طلحة حامل اللواء جاء اخوه عثمان بن أبي طلحة وانشد . . .
ان على رب اللواء حقا * ان يخضب الصعدة أو ينقدا
فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف فحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مئزره فبدا سحره ورجع ، فقال الحمزة انا ابن ساقي الحجيج ، وحمل اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد بن أبي طلحة فحمل عليه علي فقتله ، وقيل رماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته وكان دارعا وعليه مغفر وعلى رأسه بيضة فأدلع لسانه ادلاع الكلب .
وجاء عن الواقدي انه لما حمل اللواء وتقدم به نحو المسلمين قام النساء خلفه يقلن :
ضربا بني عبد الدار * ضربا حماة الأدبار
ضربا يصل بالثار
فلما حمل عليه سعد بن أبي وقاص ضربه على يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء باليد اليسرى ، ثم حمل عليه فقطع يده اليسرى ، فأخذ اللواء بذراعيه ، ثم حمل عليه ثالثة فقتله وأراد سلبه فمنعه عنه سبيع بن عوف ونفر معه ، وكان سعد بعد ذلك يتحسر حيث فاته سلبه .
وفي شرح النهج عن الواقدي ، ثم حمل لواء المشركين مسافع بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح فقتله فحمل إلى أمه سلافة بنت سعد بن الشهيد وهي مع النساء بأحد ، فقالت من أصابك قال لا أدري ولكني سمعته يقول خذها وانا ابن الأفلح ، فقالت : افلحي هو واللّه وكان وإياها ينتميان إلى الأوس ، ونذرت يوم ذاك أمه سلافة ان تشرب في قحف رأس عاصم بن ثابت الخمر ، وجعلت لمن جاءها برأسه مائة من الإبل ، فلما قتله المشركون في غزوة الرجيع أرادوا ان يأخذوا رأسه طمعا في الجائزة من سلافة فحمته الدبر يوم ذاك ولم يستطع أحد ان يدنو منه فتركوه إلى الليل ظنا منهم ان الدبر لا تجتمع عليه ليلا ، وبدخول الليل جاء الوادي بسيل فحمله ولم يجدوا له اثرا .
ثم حمل اللواء اخوه كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام ، ثم اخذه اخوه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد ، ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب ، ثم حمله غلام لبني عبد الدار فقتله علي ( ع ) ، وتعاقب حملة اللواء من بني عبد الدار حتى قتل منهم تسعة من خيرة ابطال المشركين .
ولما قتل أصحاب الألوية انكشف المشركون منهزمين لا يلوون على شيء حتى أحيط بنسائهم ووقع الصنم الكبير الذي حملوه معهم يتيمنون به من فوق الجمل الذي كان يحمله ومن خلال الهودج الذي كان يحويه .
وجاء في شرح النهج وغيره عن الواقدي أنه قال : ان النصر الذي تهيأ لمحمد ( ص ) يوم أحد بمشيئة اللّه لم يتهيأ له في موطن قط وظل النصر بجانبهم حتى عصوا الرسول وتنافسوا على الغنائم .
وأضاف إلى ذلك ان كثيرا من الصحابة الذين حضروا أحدا كانوا يقولون : واللّه لقد كنا ننظر إلى هند وصواحبها منهزمات مادون اخذهن شيء لمن ارادهن ، ولكن لا مرد لقضاء اللّه ، فلقد أصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي ( ص ) من ورائه ليحموا ظهورهم بنبالهم إذا هوجموا من جهة الخيل التي تلي ظهورهم ، وحاول خالد بن الوليد أكثر من مرة ان يهاجمهم من تلك الجهة فلم يستطع حتى فعل ذلك مرارا ، وقد كان النبي ( ص ) في منتهى الحكمة والمهارة في قيادته حين امر تلك الحامية المؤلفة من خمسين رجلا تقريبا ان لا تبرح مكانها حتى ولو انهزم المسلمون وقتلوا ، ولكنهم لما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون حتى اجلوهم عن المعسكر واخذوا يستولون على ما فيه من الغنائم قال بعضهم لبعض : لم تقيمون هنا وقد هزم اللّه المشركين وهؤلاء اخوانكم يستولون على عسكرهم فأدخلوا عسكر المشركين مع اخوانكم ، فقال لهم جماعة : ألم تعلموا ان رسول اللّه قال لنا : احموا ظهورنا وان رأيتمونا غنمنا أو قتلنا فلا تبرحوا مكانكم فقالوا لم يرد رسول اللّه ذلك : وقد أذل اللّه المشركين وهزمهم ، فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد اللّه بن جبير وامرهم بطاعة رسول اللّه فعصوه وانطلقوا نحو العسكر يتسابقون إلى الغنيمة ، ولم يبق معه سوى نفر قليل لا يتجاوزون العشرة والحارث بن أنس ينادي فيهم يا قوم اذكروا عهد نبيكم وأطيعوا أميركم فلم يلتفت إليه أحد وانكشف ظهر المسلمين للمشركين وفي ذلك نزلت الآية :
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ، وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( آل عمران 152 ) .
هذا والمشركون منهزمون شر هزيمة قد دب الرعب في قلوبهم وتركوا معسكرهم وهند ومن معها قد لذن بالفرار ولو أراد المسلمون اسرهن لما وجدوا من يمنعهم من ذلك ، وكان خالد بن الوليد قد ولى بخيله هاربا ، ونظر إلى الجبل الذي كان حريصا على أن يجد منه منفذا ليهاجم المسلمين من ورائهم ، نظر إليه في تلك الحالة وقريش قد انهزمت وتركت أمتعتها وكل ما معها غنيمة للمسلمين ، وقد كان يراقبه دائما ليجد منه منفذا فوجده خاليا إلا من أولئك النفر القلائل الذين ظلوا متمسكين بأمر الرسول ، وأدرك خالد بن الوليد ان الحامية التي كانت قد تفرقت ومن بقي منها لا يغني شيئا ، فرجع بخيله إلى تلك الحامية واصطدم بها فرموه بالنبل حتى لم يبق معهم من النبال شيء ، فسلوا سيوفهم واقبلوا على تلك الخيل يضربون وجوهها ودافعوا حتى النفس الأخير وخلال تلك الفترة من الكفاح البطولي الذي قام به عبد اللّه بن جبير ومن معه من الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ، نظر المنهزمون من المشركين إلى خيلهم فوجدوها رجعت لتهاجم المسلمين من الوراء ، وعلموا انها قد وجدت منفذا للهجوم المعاكس على المسلمين وهم منصرفون إلى الغنائم والسلب ، وقد ألهتهم تلك الغنائم حتى عن التفكير بالنبي ( ص ) وعادوا من حيث ذهبوا وخالد بن الوليد قد اقبل من ناحية الجبل بعد ان أباد تلك الحامية التي تتألف من عدة أنفار ، فما أحس المسلمون الا والعدو قد تغلغل في أوساطهم وأصبحوا كالمدهوشين يتعرضون لضرب السيوف وطعن الرماح أينما اتجهوا ، واشتد الأمر عليهم حتى ضرب بعضهم بعضا وهم يحسبون انهم يضربون أعداءهم .
وجاء في كتب السيرة ان اليمان أبا حذيفة وثابت بن قيس قد تخلفا في المدينة بأمر من الرسول لأنهما شيخان كبيران ، وخلال المعركة قال أحدهما للآخر أفلا نأخذ أسيافنا ونلحق برسول اللّه فاتفقا على هذا الرأي وأقبلا مسرعين نحو المعركة فصادف ان وصلا في تلك اللحظات الحرجة ولم يعرفا معسكر المسلمين من غيره ، فدخلا من جهة المشركين فالتفت جماعة من المشركين بثابت بن قيس وقتلوه ونفذ أبو حذيفة حتى أصبح بين المسلمين وهم لا يعرفون المسلم من غيره ، فاتجه إليه بعض المسلمين وضربه بالسيف وابنه حذيفة يصيح : إنه أبي يا قوم ، ولكن الزحام ووقع الحديد قد حالا دون وصول صوته إلى سمع القاتل فوقع قتيلا ، فدفع رسول اللّه بعد ذلك ديته ، وتصدق بها ولده حذيفة على المسلمين ، هذا وعلي وجماعة من المسلمين قد أحاطوا بالرسول يدفعون عنه السهام والنبال والسيوف ويجالدون بين يديه حتى قتل حامل اللواء مصعب بن عمير ، فدفع النبي ( ص ) اللواء إلى علي ( ع ) وتفرق عنه أكثر أصحابه وحمل عليه المشركون وكان كل ما يهمهم ان يقتل النبي ( ص ) ولكن عليا والحمزة وابا دجانة وسهل بن حنيف ونفرا غيرهم جالدوا وكافحوا كفاحا لم يشهد له التاريخ مثيلا ، هذا ورسول اللّه ثابت في مكانه يرميهم بقوسه ويطعن كل من دنا منه حتى نفدت نبله وانقطع وتر قوسه واصابته بعض الجراحات وأغمي عليه .
قال الشيخ المفيد في إرشاده : بسنده إلى ابن مسعود ان الذين ثبتوا مع رسول اللّه هم علي وأبو دجانة وسهل بن حنيف فقد وقفوا حول رسول اللّه يدفعون عنه غارات قريش . وتؤكد أكثر المصادر ان طلحة قد وقف موقفا سليما في ذلك اليوم ، ولما افاق الرسول من غشيته وفتح عينيه قال لعلي ( ع ) ما فعل الناس ، فقال له لقد نقضوا العهد وولوا الدبر ، وفيما هو يخاطبه ويقص عليه اخبار المنهزمين وإذا بكتيبة من المشركين قد اتجهت نحو النبي ( ص ) فقال يا علي اكفني هؤلاء فانقض عليهم علي كالصقر فانهزموا بين يديه وفيما هو يطاردهم وإذا بكتيبة أخرى قد اتجهت نحو النبي وكادت ان تبلغ منه غايتها لولا ان عليا سمع النبي ثانية يقول : يا علي اكفني هؤلاء فانقض عليهم وفرقهم ، وعادوا إليه من ناحية أخرى فكر عليهم علي وفرقهم عنه .
وجاء في شرح النهج عن محمد بن حبيب في أماليه ان رسول اللّه ( ص ) لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد تكاثرت عليه كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة ، ثم من بني عبد مناة من كنانة وفيها أكثر من خمسين فارسا فقال يا علي اكفني هذه الكتيبة ، وكان ( ع ) راجلا وهم على خيولهم فما زال يضربهم بسيفه حتى فرقهم عن الرسول ، ثم جاءته كتيبة أخرى ففعل فيها مثل ما فعل في الأولى ، وتجمعوا عليه مرارا وعلي يصدهم عنه حتى قتل عشرة من بني سفيان بن عوف ، فنزل جبريل على رسول اللّه ( ص ) وقال له يا محمد : ان هذه المواساة لقد عجبت منها الملائكة ، فقال وما يمنعه من ذلك وهو مني وانا منه ، فقال جبريل وانا منكما ، وسمع ذلك اليوم من قبل السماء مناد لا يرى شخصه ينادي لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي ، فسئل رسول اللّه عن ذلك فقال هذا جبرائيل .
وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الأخبار المشهورة وأضاف في النهج اني قد وقفت عليه في بعض نسخ مغازي ابن إسحاق ، وسألت عنه شيخي عبد الوهاب بن سكينة ، فقال هو من الأخبار الصحيحة ، قلت فما بال الصحاح لم تشتمل عليه ، قال أو كلما كان صحيحا تشتمل عليه الصحاح ، لقد اهمل جامعو الصحاح كثيرا من الأخبار الصحيحة[3].
ورواه الطبري في تاريخه ص 17 من المجلد الثاني وروى هذا الحديث بالنحو الذي ذكرناه وانهم سمعوا صوتا ينادي :
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي رواه الحافظ أبو جعفر المحب الطبري في الرياض النضرة ج / 2 ص 172 وعلي بن سلطان في مرماته جلد 5 ص 568 ، وأخرجه أحمد في المناقب والهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني وغيرهم[4].
هذا والحمزة بن عبد المطلب في وسط القوم لا يدنو منه أحد الا بعجه بسيفه .
وفي رواية ابن كثير في بدايته انه كان كالجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ، وهم يفرون بين يديه ، واتى ابن قميئة الحارثي أحد بني الحارث بن عبد مناة فرمى رسول اللّه ( ص ) بحجر أصاب وجهه الشريف فكسر انفه ورباعيته وشق شفته ، ودخلت حلقتان من المغفر في جبهته فسال الدم على وجهه فأخذ يمسحه ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو مع ذلك يدعوهم إلى اللّه .
وجاء في رواية الطبري انه قد تفرق عن رسول اللّه أصحابه من المهاجرين والأنصار وفر عثمان بن عفان حتى انتهى إلى مكان بعيد عن المعركة ، وكان ممن تفرق عنه عمر بن الخطاب ، وأضاف إلى ذلك الطبري بسنده إلى محمد بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ان أنس بن النضر ، قال لعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد اللّه في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ناحية ما يجلسكم هنا فقالوا لقد قتل محمد رسول اللّه ، فقال وما تصنعون بالحياة من بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه ، ثم تركهم واستقبل القوم فقاتل حتى قتل .
ومضى الطبري يقول في ص 20 الجزء الثالث من تاريخه انه قد فشا في الناس ان محمدا قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة ممن فروا عن النبي ( ص ) والتجئوا إليها وفيهم عمر بن الخطاب كما هو مفاد الرواية وأبو بكر كما جاء في حياة محمد لهيكل حيث عده من الفارين الذين التجئوا إلى الصخرة ، فقال بعض من على الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد اللّه بن أبي ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، يا قوم ان محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل ان يأتوكم فيقتلوكم ، فقال لهم انس بن النضر : يا قوم ان كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد ( ص ) .
ثم قال اللهم إني اعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاءوا به ، ثم شد بسيفه على المشركين وقاتل قتالا شديدا حتى قتل بعد ان أصيب بسبعين ضربة ولولا ان أخته عرفته لم يعرفه أحد من المسلمين .
ومقتضى هاتين الروايتين ان عمر بن الخطاب وأبا بكر كانا على الصخرة مع من تمنى شفاعة عبد اللّه بن أبي عند أبي سفيان ، ولم يحدث بأن أحدا منهما ولا ممن كان معهما انكر على القائل مقالته إذا استثنينا انس بن النضر الذي أنكرها واعتذر إلى اللّه منها كما ذكرنا .
ويدعي بعض المؤلفين في السيرة ان الآية :
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ( آل عمران 144 ) .
واحتمال ان يكون أبو بكر مع أصحاب هذه المقالة الذين كانوا من الفارين مصدره رواية هيكل في كتابه حياة محمد .
اما رواية الطبري فلم تذكر غير عمر وجماعة من الصحابة ، كما وان أصحاب السير لم يذكروا لأبي بكر اسما مع المقاتلين في أحد ، غير أن ابن أبي الحديد في المجلد الثالث من شرح النهج روى أنه خلال الجولة الأولى مع المشركين برز بين صفوفهم عبد الرحمن بن أبي بكر وطلب البراز ، وكان أبو بكر إلى جانب النبي ( ص ) ، فقال انا له يا رسول اللّه ، فالتفت إليه النبي وقال اجلس ومتعنا بحياتك يا أبا بكر .
ومما يؤيد انه كان مع الفارين عن رسول اللّه ما جاء في شرح النهج حيث قال حضرت عند محمد بن معد العلوي الموسوي الفقيه في داره بدرب الوداب ببغداد في سنة ثمان وستمائة وقارىء يقرأ عنده مغازي الواقدي فقرأ حدثنا الواقدي عن ابن أبي سير عن خالد بن رياح عن أبي سفيان مولى ابن أبي احمد قال سمعت محمد بن مسلمة يقول : سمعت أذناي ورأت عيناي رسول اللّه يقول يوم أحد وقد انكشف عنه الناس إلى الجبل وهو يدعوهم ولا يلوون عليه سمعته يقول : إليّ يا فلان إليّ يا فلان أنا رسول اللّه فما عرج عليه أحد منهما ومضيا مع من مضى انه ، فأشار ابن معد إلي أي اسمع فقلت وما في هذه فقال هذه كناية عنهما فقلت له ويجوز ان لا يكون عنهما لعله عن غيرهما ، فقال ليس في الصحابة من يحتشم يستحي من ذكره باسمه بالفرار وما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية الا هما ، قلت هذا وهم ، فقال دعنا من جدلك ومنعك ، ثم حلف باللّه ان الواقدي ما عنى غيرهما ولو كان غيرهما لذكره صريحا وبان في وجهه التنكر من مخالفتي له[5].
واما عثمان فقد جاء في رواية الطبري وغيره انه فر ومعه رجلان من الأنصار حتى بلغوا الجلعب وهو جبل بناحية المدينة مما يلي الأغرض فأقاموا بها ثلاثا ، ولما رجعوا إلى المدينة بعد رجوع رسول اللّه إليها قال لهم : لقد ذهبتم بها عريضة .
وفي رواية الواقدي انهم انتهوا إلى مكان يسمى الأغرض ، فلما رجعوا إلى المدينة قال لهم رسول اللّه لقد ذهبتم بها عريضة .
وعلى اي الأحوال فتكاد الروايات تتفق انه لم يثبت مع رسول اللّه في احرج ساعات المحنة الا علي والحمزة وثلاثة من المهاجرين والأنصار .
وقال الأستاذ هيكل : وكان أكبر همّ كل مسلم ان ينجو بنفسه الا من عصم اللّه أمثال علي بن أبي طالب .
واستطاع أمير المؤمنين علي ( ع ) ومن معه ان يفرقوا تلك الجموع التي تدفقت لقتل رسول اللّه ، وجعل رسول اللّه يدعو الناس ويقول : إليّ عباد اللّه يكررها ثلاثا فلم يستجب له الا نفر قليل من المسلمين .
وفي شرح النهج عن الواقدي انه روى كثير من المحدثين ان النبي حين سقط ثم أقيم قال لعلي اكفني هؤلاء الجماعة فحمل عليهم وفرقهم وقتل منهم عبد اللّه بن حميد من بني عبد العزى ، حملت على النبي كتيبة أخرى فقال لعلي اكفنيهم فحمل عليهم وفرقهم عنه وقتل منهم أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ولما تراجع بعض المسلمين أحاطوا بالنبي فأصيب بسهم في يده فيبست ، وأقبل ابن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن محمدا ، فقال النبي ( ص ) بل انا اقتله ثم طعنه في جيب الدرع فجرح جرحا خفيفا ووقع يخور خوار الثور فجاء إليه المشركون واحتملوه وقالوا ليس بك جراحة فما هذا الجزع ، فقال أليس محمد قال لأقتلنك ولو قالها لجميع ربيعة ومضر لقتلهم فلم يلبث الا يوما أو بعض يوم ومات من ذلك الجرح .
وجاء في تاريخ الطبري ان رسول اللّه ( ص ) جعل يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة من المهاجرين والأنصار وفيهم عمر بن الخطاب كما اجمع على ذلك المؤرخون ، وأبو بكر بن قحافة كما جاء في بعض الروايات ، وكانوا قد فكروا ان يوسطوا ابن أبي ابن سلول ليكون لهم شفيعا عند أبي سفيان كما ذكرنا ، فلما كان النبي قريبا من الصخرة وضع رجل سهما في قوسه وأراد ان يرمي النبي ( ص ) وهو يظنه أحد المشركين على زعم الراوي .
وما أدري هل خفي عليهم انه الرسول كما زعموا أم عرفوه ولعل ذلك هو الأقرب وأرادوا قتله بحجة انهم ظنوه بعض المشركين ، وقد علم الرسول بتلك المحاولة فصاح به ويحك انا رسول اللّه ففرحوا بذلك وكانوا يظنون أن الرسول قد قتل على حد تعبير الراوي ، كما فرح رسول اللّه بمن رأى من أصحابه وهو يحسب أنه سيمتنع بهم من قريش على حد تعبير ابن جرير .
ثم اقبل أبو سفيان ومعه جماعة حتى اشرف عليهم ، فلما نظروا إليه نسوا الذي كانوا عليه من الفرح بحياة رسول اللّه وخافوا من أبي سفيان وجماعته ، فقال رسول اللّه ليس لهم أن يعلونا ، اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد أبدا ، ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى انزلوهم ، فقال أبو سفيان : اعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم بيوم بدر يشير بقوله حنظلة بحنظلة إلى حنظلة الراهب ، وكان قد قتل في ذلك اليوم وغسلته الملائكة لأنه كان جنبا وأصبح يعرف بغسيل الملائكة ، والذي اراده أبو سفيان ان حنظلة هذا في مقابل حنظلة بن أبي سفيان الذي قتل يوم بدر .
[1] انظر ج 3 من شرح النهج ص 364 .
[2] انظر ج 3 من شرح النهج ص 365 .
[3] انظر شرح النهج ص 322 غزوة أحد .
[4] انظر فضائل الخمسة ج 1 ص 343 .
[5] انظر ص 390 من المجلد الثالث شرح النهج طبع مصر دار الكتب العربية الكبرى .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة