بين بدر وأحد
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص369-371
2025-11-08
37
مما لا شك فيه ان النتائج التي انتهت إليها معركة بدر قد تركت جرحا بليغا في نفوس القرشيين والمنافقين واليهود ومن على شاكلتهم من الأعراب الذين كانوا لا يزالون على شركهم ، ولكنهم لم يكونوا متحمسين للوقوف في وجه الدعوة الاسلامية ذلك الحماس الذي ظهر في مواقف قريش وحلفائها من اليهود والمنافقين ، هذا الجرح الذي كان ينزف من قلوبهم دما وسيبقى ينزف إلى أن يجيء اليوم الذي يثأرون فيه من محمد واتباعه ، فأخذت قريش من جانبها تعد العدة ليوم الثأر .
وعادت تبكي قتلاها بعد ان منعت من البكاء والنحيب ورأت ان البكاء يلهب النفوس ويثير المشاعر وجعل النساء ينحن الليل والنهار وجززن شعورهن ، وكن مع ذلك يأتين براحلة الرجل أو فرسه فينحن حولها ويذكرن بدرا وما جرى فيها ، ومضت قريش على ذلك لا هم لها إلا الاستعداد للثأر وتعبئة النفوس من اجل المعركة ، ولكن هندا بالرغم من أنها أصيبت بأبيها وأخيها وعمها قد أبت ان تبكي أو ان تظهر بمظهر الحزين الجازع مخافة ان يشمت بها محمد وصحبه على حد تعبيرها ، وأعطت العهد على نفسها ان لا تبكي حتى تصيب ثأرها من محمد وأصحابه .
واحتبست قريش العير التي كانت من اجلها معركة بدر في دار الندوة وكانت ألف بعير مع حمولتها ، فمشى عبد اللّه بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أميّة وغيرهم من أشراف قريش ومن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم إلى أبي سفيان ومن كان له سهم في تلك الأموال ، فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك فيه ثأرنا بمن أصاب منا ونحن طيبو النفس ، وإنا نريد ان نجهز جيشا بربح هذا المال لحربه ، فقال أبو سفيان : أنّا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي وكانت العير ألف بعير فباعوا أموالها فصارت ذهبا خمسين ألف دينار ، فأخذوا منها الربح وهو خمس وعشرون ألف دينار وردوا رأس المال على أصحابه وكان الدينار يربح دينارا ونزلت فيه هذه الآية :
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ( الأنفال 36 ) .
وبدأت قريش تستعد من ساعتها للغزو واخذ الثأر ووزعت رسلها خارج مكة تندد بمحمد وأصحابه وتدعو العرب إلى نصرتها والقضاء عليه قبل ان يستفحل خطره ، وقام بمهمة الدعاية والاعلام جماعة من مكة منهم عمرو بن العاص وهبيرة بن وهب وابن الزبعرى وأبو عزة الجمحي ، ومسافع بن عبد اللّه الجمحي ، وكان أبو عزة ومسافع يجيدان الشعر ، وللشعر اثره يوم ذاك في التأثير على الجماهير وإلهاب المشاعر ، وأبو عزة كان مع المشركين في بدر ووقع أسيرا في أيدي المسلمين فاستغاث بالنبي ( ص ) فمن عليه وأطلقه على شرط ان لا يعين أحدا عليه ولا يشترك في حرب ضد المسلمين ، فجاءه صفوان بعد ان أطلقه النبي ( ص ) وقال له إنك لشاعر فأعنا بلسانك ولك علي ان رجعت ان أغنيك وإن أصبت اجعل بناتك مع عيالي فقال له : إن محمدا قد منّ علي واخذ علي عهدا أن لا أظاهر أحدا عليه ، قال فأعنا ، ولو بلسانك ، وما زالوا به حتى اقنعوه فخرج من تهامة ودعا بني كنانة وحرضهم بشعره على مساعدة قريش ، كما خرج مسافع بن عبد اللّه الجمحي إلى بني مالك وحثهم على النهوض مع قريش وذكرهم بما كان بينهم وبين قريش من التحالف .
وجاء في تاريخ ابن سعد ان أبا عزة وقع أسيرا في أيدي المسلمين في معركة أحد فأمر النبي بقتله فاستغاث به كما صنع يوم بدر ، فقال النبي ( ص ) لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين قد مننا عليك من قبل وأخذنا منك عهدا ان لا تعين أحدا علينا ولم تف بما عاهدت عليه ولا ندعك اليوم ترجع إلى مكة تمسح عارضيك وتقول سخرت بمحمد مرتين .
ومضت قريش تعد العدة لغزو النبي في المدينة وكانت معركة أحد من آثار الفشل الذريع الذي لحق بقريش ولم يقتصر اثر الانتصار الذي حققه المسلمون في بدر على تماسك قريش وتصميمها على الثأر من محمد وأصحابه ، بل كانت له آثاره في المدينة نفسها فقد شعر اليهود والمنافقون بعد بدر ان هذا الانتصار قد امد المسلمين بالقوة ووجدوا هذا الرجل الذي وفد عليهم قبل عامين فارا بمن معه من بلده يزداد قوة وتتسع هيبته يوما بعد يوم ، وسيكون في المستقبل القريب إذا ترك وشأنه صاحب الكلمة العليا في المدينة وغيرها من انحاء الجزيرة ، وكان اليهود قبل بدر بدءوا يتحسسون خطر الاسلام على مكانتهم السياسية والاقتصادية .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة