بعد معركة بدر لم يكن أبو سفيان وزوجته يفكران في غير الثأر من محمد ، ولم يكن أحد المسلمين ليشفي غليلهما غير محمد وعلي والحمزة ، ووقع اختيارهما على غلام حبشي فتاك يدعى وحشي وكان مملوكا لجبير بن مطعم فجاءته هند واغرته بالمال على أن يغتال أحد الثلاثة ، فقال لها اما محمد فلا حيلة لي به لأن أصحابه يحيطون به دائما ، واما علي فإنه إذا قاتل كان احذر من الغراب ، وأما الحمزة فاني اطمع ان أصيبه ، لأنه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه .
وروى الطبري في تاريخه ان وحشيا كمن للحمزة خلف صخرة كبيرة وقال واللّه اني لأنظر إلى الحمزة يهد الناس بسيفه هذا كالجمل الأورق وإذا بسباع بن عبد العزى قد تقدم نحوه ، فقال له الحمزة : هلم إليّ يا ابن مقطعة البظور فضربه بسيفه ، وكنت قد أعددت حربتي وهو لا يراني فهززتها حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت في أليته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي ولكنه غلب ووقع على الأرض فأمهلته حتى إذا مات جئت إليه وأخذت حربتي وتنحيت ولم يكن لي بغيره حاجة .
وفي رواية ثانية ان الحمزة لما قتل سباع بن عبد العزى نظر إلى وحشي قد سدد حربته واختبأ خلف صخرة وكان بينه وبينه خندق فأقبل عليه الحمزة فزلت رجله ووقع على قفاه وقبل ان ينهض رماه وحشي بحربته فأصابته في أليته .
ولما علمت هند بقتله لم يشفها ذلك وانطلقت هي والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى من المسلمين يجدعن الآذان والأنوف ويقطعن الأيدي والأرجل ، وجعلت هند لنفسها ولمن معها من آذان الرجال وأنوفهم قلائد وأقراطا ، ثم جاءت إلى الحمزة فبقرت بطنه وجذبت بيديها كبده وقطعت منها قطعة ووضعتها في فمها وجعلت تلوكها بأسنانها ، ولكن لم تستطع ان تبتلعها .
وفي رواية شرح النهج عن الواقدي انه لما أخبرها وحشي بقتل الحمزة نزعت ثيابها وحليها وأعطته إياها ، وقالت له : إذا جئت مكة أعطيك عشرة دنانير ، ثم قالت له : أرني مصرعه فأراها مكانه فشقت بطنه وقطعت مذاكيره وأنفه وأذنيه ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدين وأخذت كبده معها إلى مكة .
وجاء أبو سفيان بن حرب إلى الحمزة ( ع ) وهو بتلك الحالة فلم يكتف بما فعلته زوجته ، بل طعنه في شدقه كما نص على ذلك الطبري وغيره فمر عليه الحليس بن ابان أخو بني الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش وهو يضرب في شدقه برأس الرمح ويقول ذق عقق ، فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون ، فقال له أبو سفيان اكتمها علي فلقد كانت زلة .
وفي شرح النهج عن الواقدي ان عمرو بن الجموح كان رجلا اعرج ، فلما كان يوم أحد وقد خرج بنوه الأربعة مع النبي ( ص ) فأراد ان يخرج فحبسه قومه وقالوا له : لقد ذهب بنوك مع النبي وأنت رجل اعرج لا حرج عليك ، فقال لا يكون ذلك أبدا ان أولادي يذهبون إلى الجنة واجلس انا عندكم ما كان ذلك ابدا ، قالت زوجته هند بنت عمرو بن حزام : كأني انظر إليه موليا قد اخذ درقته وهو يقول : اللهم لا تردني إلى أهلي فخرج ولحقه أهله يكلمونه في الرجوع فأبى وجاء إلى النبي ( ص ) فقال : يا رسول اللّه ان قومي يريدون ان يحبسوني عن الخروج معك ، واني لأرجو اللّه ان أطأ بعرجتي هذه الجنة ، فقال له النبي ( ص ) اما أنت فقد عذرك اللّه ولا جهاد عليك فأبى ، فقال النبي لقومه وبنيه لا عليكم ان تمنعوه لعل اللّه يرزقه الشهادة فخلوا عنه .
وكان بعض المسلمين يحدث عنه ويقول : لقد نظرت إلى عمرو بن الجموح حين انكشف المسلمون عن النبي ( ص ) ، ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول لكأني انظر إلى خلفه وهو يعرج في مشيته ويقول انا مشتاق إلى الجنة ، وابنه يعدو في اثره حتى قتلا جميعا .
وقال الواقدي : ان عائشة قد خرجت من المدينة تتطلع الأخبار ومعها نسوة من المدينة فالتقت بهند بنت عمرو بن حزام تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح وابنها خلاد بن عمرو وأخوها عبد اللّه بن عمرو بن حزام أبو جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، فقالت لها عائشة : فما وراءك قالت هند اما رسول اللّه فهو بخير وكل مصيبة بعده جلل ، واتخذ اللّه من المؤمنين شهداء ، فقالت لها عائشة ومن هؤلاء قالت أخي وزوجي وابني ، قالت وأين تذهبين بهم قالت إلى المدينة لأدفنهم فيها .
وبينما هي تسوق بعيرها وإذا به يبرك بهم ، فلما زجرته وقف فوجهته إلى المدينة فعاد وبرك ، فرجعت به إلى أحد فأسرع وكأنه لم يحمل شيئا فرجعت إلى النبي ( ص ) وكان لا يزال في أحد وأخبرته بما جرى ، فقال إنه لمأمور ، هل قال زوجك حينما خرج شيئا ، قالت : نعم انه لما توجه إلى أحد استقبل القبلة ، ثم قال اللهم لا تردني إلى أهلي ، فقال لها النبي : ان منكم يا معشر الأنصار من لو اقسم على اللّه لأبره منهم زوجك عمرو بن الجموح ، ثم دفنهم رسول اللّه وقال لهند ، يا هند لقد ترافقوا في الجنة ثلاثتهم ، فقالت يا رسول اللّه : ادع اللّه ان يجعلني معهم فدعا لها بالخير .
وجاء في رواية ثانية ان رسول اللّه قد امر ان يدفن عبد اللّه بن عمرو بن حزام ، وعمرو بن الجموح في قبر واحد وقد مثل المشركون بهما وكانا متحابين في الدنيا وقد دفنهما مما يلي الجبل فأصاب قبرهما سيل بعد مضي خمسة وأربعين سنة فكشف عنهما التراب فوجدا وكأنهما قد دفنا في ذلك اليوم .
وقال جابر رأيت أبي في حفرته وكأنه نائم لم يتغير من حاله شيء وأكفانه عليه كما هي حينما وضعت عليه وأردت ان أضع عليه طيبا فنهاني أصحاب محمد ( ص ) .
وقال الواقدي ان من النساء اللواتي شهدن أحدا : نسيبة بنت كعب أمّ عمارة ابن غزية ، وكانت قد شهدت مع زوجها غزية وابنها عمارة بن غزية وولدها أيضا عبد اللّه بن زيد وقد خرجت ومعها شن لها في أول النهار تريد ان تسقي الجرحى فقاتلت يومئذ وابلت بلاء حسنا وجرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح وضربة بسيف .
ودخلت عليها أم سعد بنت سعد بن الربيع ، فقالت لها يا خالة حدثيني خبرك ، فقالت خرجت أول النهار إلى أحد وانا انظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول اللّه في الصحابة والدولة للمسلمين ، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول اللّه فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول اللّه بالسيف وارمي بالقوس حتى أصابتني الجراحات ، قالت فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور ، فقلت يا أمّ عمارة من أصابك بهذا الجرح ، فقالت لقد اقبل ابن أبي قميئة وقد ولى الناس عن رسول اللّه ( ص ) وهو يصيح دلوني على محمد لا نجوت ان نجا ، فاعترضه مصعب بن عمير وناس معه كنت فيهم فضربني هذه الضربة ، ولقد ضربته ضربات ولكن عدو اللّه كان عليه درعان .
فقلت لها يدك ما أصابها : قالت أصيبت يوم اليمامة في حرب مسيلمة لما جعلت الأعراب تنهزم بالناس وكنت مع الأنصار حتى انتهينا إلى حديقة الموت فاقتتلنا عليها ساعة وقتل أبو دجانة على باب الحديقة ودخلتها وانا أريد عدو اللّه مسيلمة الكذاب فعرض لي رجل ضرب يدي بالسيف فقطعها فو اللّه اني لم أتوقف حتى وقفت على الخبيث مقتولا وابني عبد اللّه بن زيد المازني يمسح سيفه بثيابه ، فقلت له أقتلته قال نعم وسجدت للّه شكرا وانصرفت .
وقال الواقدي وكان حمزة بن سعيد يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحدا لتسقي الماء فقال سمعت رسول اللّه ( ص ) يقول : لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ، وكان يراها تقاتل يومئذ أشد القتال وانها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا .
وحدث عنها حفيدها عبد الجبار بن عمارة قال قالت أمّ عمارة : لقد رأيتني وقد انكشف الناس عن رسول اللّه فما بقي الا نفر ما يتمون عشرة وانا وأبنائي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون عليه منهزمين فرآني النبي ( ص ) ولا ترس لي ورأى رجلا من المسلمين منهزما ومعه ترس ، فقال يا صاحب الترس الق ترسك إلى من يقاتل به فألقى ترسه فأخذته وجعلت أدافع به عن رسول اللّه وقد فعل بنا أصحاب الخيل الأفاعيل ، ولو كانوا رجالة مثلنا لكنا أصبناهم فأقبل رجل على فرس وضربني فاتقيت ضربته بالترس فلم تصنع شيئا وضربت عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي يقول يا عمارة أمك أمك فعاونني عليه ولدي حتى أوردته شعوبا .
وفي رواية ثانية ان عمارة قال لقد رميت رجلا بحجر وهو على فرس فأصاب الحجر عين الفرس فاضطرب الفرس حتى وقع هو وصاحبه وجعلت اعلوه هو والفرس بالحجارة والنبي ( ص ) ينظر إلي ويبتسم فنظر إلى جرح بأمي على عاتقها فقال أمك أمك اعصب جرحها بارك اللّه عليكم من أهل بيت لمقام أمك خير من مقام فلان وفلان ومقام ربيبك يعني زوج أمك خير من مقام فلان .
وروى نفس هذا المضمون بزيادة بسيطة عبد اللّه بن أبي صعصعة عن الحارث بن عبد اللّه أنه قال سمعت عبد اللّه بن عاصم يقول شهدت أحدا مع رسول اللّه وساق حديثا قريبا في مضمونه من الحديث السابق وفي آخره قال النبي : لمقام أمك خير من مقام فلان وفلان ، ومقام زوج أمك خير من مقام فلان ، ثم دعا لهم بأن يكونوا من رفقائه في الجنة .
وبلا شك ان النبي يعني بفلان الثالث عثمان بن عفان الذي فر حينما بدأت المعركة حتى قطع شوطا بعيدا ولم يرجع إلى النبي الا بعد ثلاث على حد تعبير الراوي ، فقال له النبي ( ص ) لقد ذهبت بها عريضة ، وانما أفرده النبي ( ص ) بالذكر وقارنه بزوج نسيبة الذي لم يبرح المعركة وظل إلى جانب الرسول إلى نهايتها هو وزوجته لأن عثمان كان زوجا لأم كلثوم بنت النبي ( ص ) ، وغزية كان زوجا إلى نسيبة أمّ عمارة ، فلقد قابل بين هذين الرجلين زوج أمّ عمارة الذي كان يكافح ويدافع عن الرسول حتى لا يصل إليه سوء وعثمان بن عفان ختن الرسول على ابنته الذي كان أول الفارين عنه ، هذان الختنان ختن عمارة على أمه وختن الرسول على ابنته كان بينهما تلك المسافة البعيدة التي لفتت نظر الرسول ( ص ) واما فلان الأول والثاني فهما معروفان بين المحدثين والتعبير عنهما بهذا النحو مألوف ومتعارف عليه بين المحدثين ولا أظن أحدا يتردد فيهما .
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : كان على الراوي ان يذكر فلانا وفلانا باسميهما حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة ومن أمانة المحدث ان يذكر الحديث على وجهه ولا يكتم منه شيئا فما باله كتم اسم هذين الرجلين[1].
وجاء في كتب السيرة ان حنظلة بن أبي عامر كان قد تزوج من جميلة بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول فأدخلت عليه في الليلة التي كانت في صبيحتها أحد ، وقد استأذن رسول اللّه ان يبيت عندها فأذن له ، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول اللّه فلزمته جميلة فعاد إليها ونام معها وخرج إلى رسول اللّه مسرعا ولم يغتسل من جنابته ، وقبل خروجه أشهدت عليه أربعة انه قد دخل بها فقيل لها بعد ذلك لم أشهدت عليه ، قالت رأيت في الطيف كأن السماء قد انفرجت فدخل بها ، ثم أطبقت عليه فعلمت انه سيقتل ، وحملت منه بعبد اللّه بن حنظلة وتزوجها من بعده ثابت بن قيس فولدت منه محمد بن ثابت بن قيس .
والتحق حنظلة برسول اللّه وهو يسوي الصفوف ، فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة لأبي سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فقطعه ووقع أبو سفيان إلى الأرض يصيح يا معشر قريش أنا أبو سفيان بن حرب وحنظلة يحاول ان يذبحه بسيفه ، فنظر إليه الأسود بن شعوب فأسرع إلى حنظلة وحمل عليه بالرمح فمشى إليه حنظلة وضربه ثانية برمحه فقتله ، ووجد أبو سفيان ان لديه مجالا للفرار ففر يعدو على رجليه فلحق ببعض القرشيين فأردفه وراءه على فرسه .
وروى الواقدي ان أبا عامر الراهب مر على ولده حنظلة وهو مقتول إلى جانب الحمزة بن عبد المطلب وعبد اللّه بن جحش ، فقال : لقد كنت أحذرك هذا الرجل يعني بذلك رسول اللّه ( ص ) قبل هذا المصرع ، واللّه لقد كنت برا بالوالد شريف الخلق في حياتك ، وان مماتك مع سراة أصحابك واشرافهم فإن جزى اللّه حمزة خيرا ، أو جزى أحدا من أصحاب محمد خيرا فليجزك ، ثم نادى يا معشر قريش حنظلة لا يمثل به وان كان خالفني وخالفكم فمثل المشركون بالقتلى وتركوه .
وجاء في سيرة ابن هشام انه لما انتهى رسول اللّه إلى فم الشعب بعد ان توقف القتال خرج علي بن أبي طالب ( ع ) حتى ملأ درقته ماء من المراس وجاء بها إلى رسول اللّه ليشرب من ذلك الماء فوجد له رائحة فعافه ولم يشرب منه وغسل عن رأسه الدم وصب منه عليه .
وفي تاريخ ابن الأثير انه لما جرح جعل علي ينقل له الماء ليغسل جراحاته فلم ينقطع الدم منها فأتت فاطمة الزهراء ( ع ) وعانقته وبكت ، ثم أحرقت له حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع .
واشرف أبو سفيان على المسلمين وقال أفيكم محمد بن عبد اللّه فلم يجيبوه فظن أنه قد قتل فقيل له انه يسمع كلامك ، فعلم أنه حي وان ابن قميئة كاذب في دعواه ، فقال عند ذلك : اعل هبل ، فقال رسول اللّه اللّه أعلى واجل ، فقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول اللّه : اللّه مولانا ولا مولى لكم ، ثم قال أبو سفيان هذا يوم بيوم بدر والحرب سجال .
وفي رواية ثانية ان رسول اللّه كان يلقن عمر بن الخطاب وهو يجيبه .
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه من أحد ظن كثير من المسلمين انهم سيعرجون على المدينة يعبثون بها بعد ان أصابوا من المسلمين ما أصابوا وعرضوا الأمر على رسول اللّه ولم يكن يظن ذلك ولكنه لكي يطمئن المسلمين ارسل عليا ( ع ) وقال له اخرج في آثار القوم وانظر ما ذا يصنعون فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة ، وان ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة ، ثم قال فوالذي نفسي بيده لأن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم ، قال علي ( ع ) فخرجت في آثار القوم فرأيتهم قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فرجعت إلى رسول اللّه وأخبرته بخبرهم فاطمأن المسلمون بأن قريشا لا تريد المدينة . وقد عرض الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة معركة أحد عرضا موجزا بأسلوبه الذي عرض فيه سيرة الرسول ( ص ) وتجاهل فيه علي بن أبي طالب ومواقفه الخالدة في تلك المعركة مع فئة قليلة ممن وقفوا بحزم وثبات إلى جانب الرسول ( ص ) تلك المواقف التي لولاها لم يبق للاسلام اسم ولا رسم كما يستفاد من كتب التاريخ والسيرة من حيث لا يقصد مؤلفوها ، ولم يرد في عرضه لحوادث تلك المعركة ذكر لعلي الا بمناسبة استشهاد مصعب بن عمير ، وقد ذكره بتلك المناسبة كغيره ممن حضروا المعركة ، ولم يذكر له اثرا يلفت النظر .
فقد قال في ص 303 ومع الخسارة الفادحة التي نالت المسلمين بقتل الحمزة فإن جيشهم القليل ظل مسيطرا على الموقف كله وحمل لواء المسلمين في هذا القتال مصعب بن عمير الداعية العظيم ، فلما استشهد حمل اللواء علي بن أبي طالب واستبق المهاجرون والأنصار في ميدان الشرف .
لقد وصف مصعب بن عمير بما يستحق وبخل على علي ولو بما وصف به مصعب بن عمير ، وادعى بأن الحمزة قد قتل في الجولة الأولى مع المشركين كما يظهر من قوله : ومع الخسارة الفادحة التي نالت المسلمين بقتل الحمزة فإن جيشهم القليل ظل مسيطرا على الموقف .
في حين ان الحمزة قد قتل في الجولة الثانية بعد ان انهزم المسلمون بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وظل هو وعلي ونفر من الأنصار منهم أبو دجانة يجاهدون ويجالدون والحمزة يهد الناس بسيفه هذا على حد تعبير المؤرخين وعلي يدافع عن رسول اللّه كتائب المشركين التي كانت تزحف نحوه بين الحين والآخر ، والمهاجرون وأكثر الأنصار قد فروا عن الرسول وقال بعض المهاجرين من يذهب إلى ابن ابيّ ابن سلول ليكون شفيعا لنا عند أبي سفيان ، ومر عليهم في تلك اللحظات الحاسمة انس بن النضر وقال لهم قوموا فموتوا على ما مات عليه محمد ، فإن كان محمد قد مات فان رب محمد لم يمت ومضى إلى القتال فجاهد حتى اكلته الرماح والسيوف وهم جلوس لا يفكرون الا بمن يشفع لهم عند أبي سفيان واللات والعزى التي يعبدها أبو سفيان كما ذكرنا .
واستشهد الغزالي في ص 277 بحديث مسلم الذي يقول فيه : ان النبي ( ص ) افرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش ، فلما ارهقه المشركون قال من يردهم عني وله الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم عادوا فأرهقوه فقال : من يردهم عني وله الجنة فلم يزل يقاتل حتى قتل السبعة ، والغزالي يعلم أن الرجلين من قريش وأحدهما علي بن أبي طالب ( ع ) كما صرحت بذلك أكثر المصادر الموثوقة وقد نقلنا بعض ما ذكروه في المقام ، ولكن العقد الموروثة منعته من التصريح باسمه حتى لا تكون له ميزة على من فروا عن الرسول واعتصموا برءوس الجبال ، وكنت أتمنى على الأستاذ الغزالي وهو يكتب في سيرة النبي العظيم ان يتحرى الحق أينما كان ولأي جهة كان ولا يحاول تحوير الحقائق لمصلحة من يحب ويهوى .
وعلى اي الأحوال فلقد قتل من المسلمين في معركة أحد نحو من سبعين رجلا كتب اللّه لهم الشهادة ليفوزوا بما وعدهم به الرسول الأمين مع النبيين والصديقين ، وقتل من المشركين ثمانية وعشرون من أبطالهم ، قتل منهم علي بن أبي طالب اثني عشر رجلا كما جاء في المجلد الثالث من شرح النهج ص 401 عن الواقدي وغيره .
وكان لبعض الأنصار والمهاجرين موقف مشكور يدل على ايمانهم القويم واخلاصهم للرسول ودعوته ذلك الإيمان الذي أنساهم في تلك المعارك الضارية أنفسهم وأولادهم وأعز ما يملكون .
كأنس بن النضر الذي ذكرنا مواقعه لأكثر من مناسبة ، وحنظلة بن أبي عامر المعروف بالراهب ، وكان والده ممن التجأ إلى مكة يحرض أهلها على الرسول ، ولكن ولده حنظلة لم يتردد في موقفه المناهض لأبيه وللمشركين ، وترك زوجته جميلة بنت عبد اللّه بن أبي ابن سلول في صبيحة الليلة التي زفت إليه فيها ، والتحق بالنبي ( ص ) وقاتل بشجاعة وايمان حتى قتل ، وعرف فيما بعد بغسيل الملائكة كما ذكرنا ، وعمرو بن الجموح ، وكان قد سقط عنه الجهاد ومع أن أولاده الأربعة كانوا مع النبي ( ص ) ، فقد أبى الا ان يلحق بهم طمعا في الشهادة ، وكان القتل مع النبي أحب إليه من جميع متع الدنيا وملذاتها ، وظل يجاهد بين يدي النبي ويدافع عنه في أدق المراحل واحرجها حتى استشهد ، فحملته زوجته هند مع ولدها خلاد بن عمرو وأخيها عبد اللّه على بعير لها ثلاثتهم لتدفنهم في المدينة كما ذكرنا ، وكانت تسوق بعيرها وهم على ظهره حامدة شاكرة ثابتة الجنان مستبشرة بحسن مصيرهم وسلامة رسول اللّه ( ص ) من كيد أعدائه ، وقدمت بذلك للتاريخ وللأجيال أفضل ما يمكن ان تقدمه امرأة من البذل والتضحية والصبر الجميل في سبيل اللّه .
وغير هؤلاء كأبي دجانة الأنصاري وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير ومصعب بن عمير وغيرهم ممن استشهد أكثرهم في سبيل عقيدتهم ودينهم واستهانوا بالحياة وملذاتها طمعا بما عند اللّه سبحانه .
وذكر الرواة ان عبد اللّه بن جحش كان بين القتلى في تلك المعركة ، ويدعون أنه قال للنبي ( ص ) قبل المعركة : يا رسول اللّه ان هؤلاء القوم قد نزلوا بحيث ترى يحادون اللّه ورسوله ويطمعون ان ينالوا منك ما يريدون ، وقد سألت اللّه وأقسمت عليه ان نلقى عدونا غدا وان يقتلوني ويبقروا بطني ويمثلوا بي ، وأنا أسألك يا رسول اللّه إذا أصبت في هذه المعركة مع أعداء اللّه ان تلي تركتي من بعدي وتتصرف بها كما تريد ، وكان من امره ان قتل ومثلوا به فتولى تركته رسول اللّه واشترى لأمه مالا بخيبر وأقبلت أخته حمنة بنت جحش ، فقال لها رسول اللّه احتسبي يا حمنة ، فقالت من يا رسول اللّه فقال خالك ، قالت انا للّه وانا إليه راجعون غفر اللّه له ورحمه وهنيئا له الشهادة ، ثم قال احتسبي قالت من يا رسول اللّه ، قال أخوك عبد اللّه ، فاسترجعت وقالت هنيئا له الشهادة ، ولما أخبرها عن بعلها مصعب بن عمير صرخت وقالت وا حزناه ، فقال رسول اللّه ( ص ) ان للزوج من المرأة مكانا ما هو لأحد من الناس .
وجاء عن الواقدي ان السمداء بنت قيس احدى نساء بني دينار ، قد أصيب ابناها بأحد مع النبي ( ص ) وهما النعمان بن عبد عمرو وسليم بن الحارث ، فلما نعيا إليها قالت ما فعل رسول اللّه ( ص ) قالوا بخير هو بحمد اللّه صالح على ما تحبين ، فقالت أرونيه انظر إليه فأشاروا لها إليه ، فقالت كل مصيبة بعدك جلل يا رسول اللّه . ولقيتها عائشة فقالت ما وراءك فأخبرتها قالت فمن هؤلاء معك قالت ابناي احملهما إلى القبر ، ويجد المتتبع أمثلة أخرى من هذا الطراز الرفيع بين المؤمنات والمجاهدات في سبيل اللّه وخير الإسلام .
ولما تفرغ الناس للقتلى ودفنهم ، قال النبي ( ص ) من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أو الأموات ، فقال رجل من الأنصار انا أنظر لك يا رسول اللّه فذهب يبحث عنه فوجده بين القتلى وبه رمق ، فقال له : ان رسول اللّه امرني ان انظر له في الأحياء أنت أم في الأموات ، قال : انا في الأموات فأبلغ رسول اللّه عني السلام وقل له ان سعد بن الربيع يقول لك جزاك اللّه خير ما جزى نبيا عن أمته ، وأبلغ عني قومك السلام ، وقل لهم :
ان سعد بن الربيع يقول لكم : انه لا عذر لكم عند اللّه ان خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ، ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور ومات رحمه اللّه فرجع الأنصاري إلى النبي ( ص ) وأخبره بحاله ، فقال رحم اللّه سعدا نصرنا حيا وأوصى بنا ميتا .
ثم قال من له علم بعمي حمزة ، فقال الحارث بن الصمة انا اعرف موضعه يا رسول اللّه فجاء ووقف عليه فوجده بتلك الحالة التي تركته عليها هند لعنها اللّه ، فكره ان يرجع إلى النبي ويخبره بحاله ، فالتفت رسول اللّه إلى علي ( ع ) وقال له : اطلب عمك الحمزة فلما وقف عليه كره ان يخبر النبي بحاله ، فخرج رسول اللّه ( ص ) بنفسه حتى وقف عليه فوجده ببطن الوادي قد بقرت هند بطنه وأخرجت كبده وقطعت مذاكيره وانفه واذنيه وفعلت به ما لا تفعله الوحوش الضارية ، فلما رآه بتلك الحالة بكى وقال واللّه لن أصاب بمثلك ابدا ، وما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا الموقف .
ومضى يقول رحمك اللّه يا عم لقد علمتك فعولا للخير وصولا للرحم ، ثم قال لولا اني أخاف ان تراه صفية بتلك الحالة فتجزع ويصبح ذلك سنة من بعدي لتركته حتى يحشر من أجواف السباع وحواصل الطير ، ولئن اظهرني اللّه على قريش لأمثلن بثلاثين من رجالهم ، وفي رواية بسبعين من خيارهم وقال المسلمون لما سمعوا ذلك لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب فأنزل اللّه سبحانه على النبي بهذه المناسبة الآية :
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ( النحل 126 ) فعفا رسول اللّه وصبر ونهى عن المثلة .
وجاء في السيرة الحلبية عن ابن مسعود أنه قال : ما رأينا رسول اللّه ( ص ) باكيا أشد من بكائه على حمزة ، لقد وقف عليه وانتحب حتى شهق وكاد يغشى عليه وهو يقول : يا عم رسول اللّه وأسد اللّه وأسد رسوله يا فاعل الخيرات يا كاشف الكربات يا ذاب يا مانع عن وجه رسول اللّه ، ثم القى عليه بردة كانت عليه وكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه ، وإذا مدها على رجليه بدا رأسه فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش .
وجاء في شرح النهج عن الواقدي ان صفية بنت عبد المطلب أخت الحمزة لأمه وأبيه قالت لقد صعدنا يوم أحد على الآطام وهي رؤوس التلال وكان معنا حسان بن ثابت وهو من أجبن الناس ونحن في محل مرتفع فجاء نفر من اليهود يرومون التلال التي كانت عليها بعض النسوة ومعهن صفية بنت عبد المطلب فقالت له صفية دونك يا حسان فقال واللّه لا أستطيع القتال ، ثم صعد يهودي إلى محل النسوة ، فقالت صفية فناولني حسان السيف فضربت عنق اليهودي ورميت برأسه إلى رفاقه فانكشفوا من حولنا .
وأضافت إلى ذلك لقد خرجت آخر النهار حتى جئت رسول اللّه وهو في أحد ومعي نسوة من الأنصار فلقيته وأصحابه وأول من لقيني ابن أخي علي بن أبي طالب فقال ارجعي يا عمة فإن في الناس تكشفا فقلت له أخبرني عن رسول اللّه ، فقال : إنه بخير ، فقلت له دلني عليه ، فأشار إليه إشارة خفيفة فاتجهت نحوه ، ولما طلعت عليه ، قال النبي يا زبير اغن عني أمك ، والمسلمون يحفرون لحمزة ، فاستقبلها الزبير وقال لها يا أماه ان في الناس تكشفا فارجعي فقالت ما انا بفاعلة حتى أرى رسول اللّه ، فلما رأته قالت يا رسول اللّه اين ابن أمي حمزة فقال هو في الناس ، قالت لا ارجع حتى انظر إليه فجعل ابنها يقف في طريقها ويشدها إلى الأرض حتى وقفت ، وكان النبي كارها لأن تراه على الحالة التي هو عليها .
وجاء في رواية أخرى ان صفية لما جاءت إلى المعركة حال الأنصار بينها وبين رسول اللّه فقال لهم النبي دعوها فأقبلت حتى جلست عنده فجعلت تبكي والنبي يبكي لبكائها وكان معها فاطمة سيدة النساء ( ع ) ثم قال لصفية وفاطمة ابشرا فإن جبرائيل أخبرني ان حمزة مكتوب في أهل السماوات أسد اللّه وأسد رسوله .
ثم إن النبي ( ص ) امر بدفن القتلى ودفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد وكان كلما اتي بشهيد ليصلي عليه ضم إليه الحمزة وصلى عليهما .
وجاء عن علي ( ع ) انه كبر عليه سبعين تكبيرة فيكون قد صلى عليه مع الشهداء أربع عشرة مرة وفي كل صلاة خمس تكبيرات كما هو رأي الشيعة الإمامية . ولما فرغ من دفن القتلى دعا بفرسه فركبه والتف المسلمون حوله وعامتهم جرحى وكانت الجراح متفشية في بني سلمة وبني عبد الأشهل ، فلما كان بأصل الحرة قال اصطفوا فاصطف الرجال صفين وخلفهم النساء وعدتهن أربع عشرة امرأة فرفع يديه وقال : اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ، ولا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا هادي لمن أضللت ، ولا مضل لمن هديت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مباعد لما قربت ، اللهم إني أسألك من بركتك ورحمتك وفضلك وعافيتك ، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول ، اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف والغنى يوم الفاقة ، وأعوذ بك اللهم من شر ما أعطيت ومن شر ما منعت اللهم توفنا مسلمين وحبب إلينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين وعذب كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك ، وانزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق آمين .
ثم مضى في طريقه حتى نزل ببني حارثة ومنهم إلى بني عبد الأشهل ، وهم يبكون قتلاهم ، فقال لكن حمزة لا بواكي له ، وخرج النساء ينظرن إلى سلامة رسول اللّه وأطلت من بيتها أم عامر الأشهلية وتركت النوح ، فلما نظرت إليه وعليه الدرع كما هي قالت : كل مصيبة بعدك جلل يا رسول اللّه .
وخرجت إليه كبشة بنت عقبة بن معاوية من الخزرج تعدو مسرعة نحوه وهو على فرسه وسعد بن معاذ آخذ بعنانها ، فقال سعد يا رسول اللّه أمي فقال مرحبا بها فدنت منه وتأملته ، ثم قالت : ان رأيتك سالما فقد أشفت المصيبة فعزاها بولدها عمرو بن معاذ ، وقال لها : يا أم سعد أبشري وبشري أهليهم ان قتلاهم في الجنة قد ترافقوا جميعا ، وقد شفعوا في أهليهم ، فقالت رضينا يا رسول اللّه ومن يبكي عليهم بعد هذا ، ثم قالت يا رسول اللّه ادع لمن خلفوا ، فقال : اللهم اذهب حزن قلوبهم وآجر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا .
ثم قال النبي ( ص ) لسعد بن معاذ : ان الجراح في أهل بيتك فاشية ، فمن كان مجروحا فليداو جرحه ولا تبلغوا معي بيتي ، فنادى فيهم سعد بن معاذ ان رسول اللّه يعزم عليكم ان لا يتبعه جريح من بني عبد الأشهل ، فتخلف عنه كل مجروح وكانوا ثلاثين جريحا وباتوا يداوون جراحاتهم .
ومضى سعد بن معاذ مع رسول اللّه إلى بيته ، ثم رجع إلى نسائه فساقهن فلم تبق امرأة الا جاء بها إلى بيت رسول اللّه يبكين بين المغرب والعشاء ، وقام رسول اللّه بعد ان مضى من الليل الثلث فسمع البكاء فقال :
ما هذا قيل نساء الأنصار يبكين على حمزة فقال رضي اللّه عنكن وعن أولادكن وامر النساء أن يرجعن إلى منازلهن ، قالت أم سعد بن معاذ فرجعنا إلى بيوتنا بعد ثلث الليل ومعنا رجالنا فما بكت منا امرأة قط الا بدأت بالحمزة .
وفي بعض المرويات ان معاذ بن جبل جاء بنساء بني سلمة ، وعبد اللّه بن رواحة جاء بنساء بلحرث من الخزرج ليندبن الحمزة ، فقال رسول اللّه : ما ذلك ونهاهن عن النوح وظلت نساء المدينة زمنا طويلا إذا أردن ان يندبن موتاهن يبتدئن بندب الحمزة أولا .
وجاء في رواية المفيد في ارشاده ان النبي ( ص ) لما رجع إلى المدينة استقبلته فاطمة ( ع ) ومعها اناء فيه ماء فغسل وجهه الكريم ، ثم لحقه أمير المؤمنين ( ع ) وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة ( ع ) وقال خذي هذا السيف فلقد صدقني اليوم وانشد يقول :
أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بلئيم
لعمري لقد أعذرت في نصر احمد * وطاعة رب بالعباد عليم
اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأس حميم
وقال لها رسول اللّه : لقد أدى بعلك ما عليه وقتل اللّه بسيفه صناديد قريش .
وحدث ابن هشام في سيرته عن ابن أبي نجيح أنه قال : نادى مناد يوم أحد لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي .
وبات وجوه الأوس والخزرج في تلك الليلة على باب رسول اللّه يحرسونه ، كسعد بن عبادة وسعد بن معاذ والخباب بن المنذر وقتادة بن النعمان وغيرهم .
ويبدو مما رواه ابن أبي الحديد في المجلد الثاني من شرح النهج ان قريشا أرسلت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس قريب عثمان يتجسس لها عن اخبار محمد وأهل المدينة بعد الهزيمة التي لحقت بهم ليعرفوا مدى الوهن والضعف اللذين لحقا بهم وليروا ما إذا كان بامكانهم ان يرجعوا إلى المدينة فيضربوا المسلمين فيها ضربة قاضية لا تقوم لهم بعدها قائمة لا سيما وان لهم أعوانا بالمدينة كابن أبي سلول ومن معه من المنافقين واليهود وحتى من المهاجرين أنفسهم .
فقد جاء في رواية شرح النهج عن البلاذري ان معاوية بن المغيرة كان قد جدع انف الحمزة ومثل به وانه انهزم يوم أحد فمضى على وجهه فبات قريبا من المدينة فلما أصبح دخلها في ظلمة الصباح فأتى منزل عثمان بن عفان بن أبي العاص وهو ابن عمه فضرب بابه فقالت أمّ كلثوم زوجته ابنة رسول اللّه ليس هو هاهنا ، فقال لها ابعثي إليه فإن له عندي ثمن بعير ابتعته منه عام أول وقد جئته به الآن فإن لم يجئ ذهبت فأرسلت إليه وهو عند رسول اللّه ، فلما حضر قال لمعاوية أهلكتني وأهلكت نفسك ما جاء بك فقال يا ابن عم لم يكن أحد أقرب إلي ولا أمس رحما بي منك فجئتك لتجيرني ، فأدخله عثمان داره وخبأه في ناحية منها بحيث لا يراه أحد .
وخرج إلى رسول اللّه ليطلب منه أمانا له ومع وصوله سمع رسول اللّه ( ص ) يقول : ان معاوية في المدينة وقد أصبح بها فاطلبوه ، فقال بعضهم ما كان ليعدو منزل قريبه عثمان بن عفان فاطلبوه فيه فدخلوا منزل عثمان فلم يجدوه فأشارت إليهم أمّ كلثوم ابنة النبي إلى مكانه ، هذا وعثمان على يقين بأنهم لن يعثروا عليه في داره فاستخرجوه من تحت حمارة لهم حيث أشارت إليهم أمّ كلثوم ، وانطلقوا به إلى رسول اللّه ، فلما رآه عثمان في أيديهم قال :
والذي بعثك بالحق ما جئت الا لأطلب له الأمان فهبه لي يا رسول اللّه فوهبه له وأجله ثلاثا وأقسم إذا وجده بعدها يمشي في ارض المدينة وما حولها ليقتلنه .
وخرج عثمان فجهزه واشترى له بعيرا وقال له ارتحل ، وسار رسول اللّه في صبيحة ذلك النهار إلى حمراء الأسد ليلحق بقريش قبل ان ترجع إلى المدينة ، وأقام معاوية إلى اليوم الثالث ليعرف اخبار النبي والمسلمين ويأتي بها قريشا على حد تعبير الراوي ، فلما كان في اليوم الرابع قال رسول اللّه لأصحابه : ان معاوية بن المغيرة أصبح قريبا لم ينفذ فاطلبوه فأجابوه وقد أخطأ الطريق فأدركوه وكان اللذان أسرعا في طلبه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر فوجداه في مكان يدعى الحماء فضربه زيد بالسيف ، وقال عمار ان لي فيه حقا فرماه بسهم فقتله .
وأضاف إلى ذلك في شرح النهج ان الواقدي في كتابه ذكر مثل هذه الرواية ثم نقل عن ابن الكلبي ان معاوية هذا اخذه المسلمون بالقرب من أحد بعد ان فر مع المشركين ، مع العلم بأن الرواية الأولى تقول : بأنه قد جدع انف الحمزة وفر مع المشركين ، والمشركون لم يقتلوا الحمزة الا في الجولة الثانية التي فر فيها المسلمون وكانت الغلبة فيها للمشركين وهذا لا يجتمع مع كونه فر مع المشركين .
والذي أراه وقد المح إليه ابن أبي الحديد ان قريشا بعد ان خرجت من المعركة باتجاه مكة بدا لها ان تبعث إلى المدينة من يتجسس لها اخبارها حتى إذا كان الخوف والضعف والانهيار قد غلب على أهلها ، ترجع إليها لتضرب المسلمين في داخلها ضربة لا تقوم لهم بعدها قائمة ، فأرسلوا معاوية لهذه الغاية ليختبر لهم الموقف بواسطة قريبه فيها ومن ثم يعود إليهم بالنتيجة ، ولكن اللّه سبحانه قد اخبر نبيه بمكانه وبالغاية التي جاء من اجلها فأرسل في طلبه واجله ثلاثا ، ولكنه تأخر إلى اليوم الرابع فأرسل النبي من قتله وهو يحاول انفاذ مهمته .
ومما يؤيد ذلك ان النبي ( ص ) في صبيحة ذلك النهار امر المسلمين بالخروج إلى حمراء الأسد بحجة انه يريد ان يتعقب المشركين ، ويظهر بمظهر القوي الذي لم يتأثر بتلك النكسة التي استبشر بها المنافقون وقدروا انها ستكون سببا لاستخفاف العرب بالنبي وأصحابه والتنكيل بهم حيثما كانوا ، مما دعا النبي إلى الخروج من المدينة في اليوم الثاني والثالث بمن معه من المسلمين ليتعقب قريشا حتى لا يظهر بمظهر المنهزم المتخاذل ويحفظ للمسلمين معنوياتهم وكرامتهم ، ويقطع الطريق على الشامتين من المنافقين واليهود .
وأيد ذلك الطبري ، فقال : انما خرج مرهبا للعدو وليبلغهم انه قد خرج في طلبهم ليعلموا ان الذي أصابهم لم يرهقهم ويشل معنوياتهم .
[1] الظاهر أن هذين الرجلين كانا من وجوه الصحابة الملازمين للنبي ممن لم يباشروا القتال وكانا مع أول الفارين ومع الذين تمنوا ان يشفع لهم ابن أبي ابن سلول عند أبي سفيان ، ولولا انهما من ذوي الجاه والاتباع والسلطان حينما حدث الراوي بهذه الرواية ويخاف منهما أو من اتباعهما لذكرهما باسميهما الصريحين انظر شرح النهج ج 3 معركة أحد طبع مصر .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة