خير المال وشره
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 261 ــ 263
2025-11-04
31
ان حاجة المرء للمال تعتبر حاجة طبيعية لإدارة شؤون الحياة لا سيما وأنه يتحمل مسؤولية ثقيلة تتمثل في عياله.
ولا ينطوي المال والثروة أو الكسب والتجارة بذاتها وبعيداً عن تدخل الانسان على أي نوع من الخير والشر.
على سبيل المثال، أن الحديد يعتبر من الأملاك وهو يمتاز بإمكانية تصنيعه، اذ تصنع منه مختلف الآلات، إلا أنه مادام بعيداً عن تصرف الانسان فهو يعتبر مادة صماء تفتقد للخير والشر، فإذا ما وقع بيد مؤمن عاقل ذي نفس كريمة يتحول آنذاك إلى وسيلة خير، أما إذا وقع بيد شرير أناني فإنه يتحول إلى اداة للشر.
فعندما وقع الحديد بيد ابن ملجم أقدم على قتل امام الموحدين ومولى المتقين وسيد العارفين، وهو في محرابه في ليلة القدر فأصبح مصداقاً لأشقى الأشقياء، إذن، تحول الحديد بيده - نظراً لوضعه الباطني - إلى مصدر للشر والفساد والخسران حيث تسبب بخسارة لا تعوض أبداً.
وعندما وقع الحديد بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) أصبح وسيلة لبقاء الدين وانتشار نور الهداية، وفضلت ضربة من ضرباته على عبادة الثقلين إلى يوم القيامة كما عبر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال: (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين).
ان الأموال وما تدره التجارة تعتبر بالنسبة لمن توسم الآداب الالهية وعشق الحق تعالى، منطلقاً للعروج نحو الملكوت ووسيلة لبلوغ القرب من رب العالمين وسبباً في نزول صلواته ورحمته وموجباً لنيل الثواب العظيم والنعم الأبدية.
نعم، فالمال بالنسبة للمؤمن الذي تحلّى بالجود والكرم والرأفة وتخلق بأخلاق الله سبحانه، يعتبر رأس مال للاتجار من أجل الآخرة ووسيلة للسفر نحو النعيم الأبدي، ومنبع خير في الدنيا والآخرة.
أولم يعبر الباري تعالى في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] عما يتركه المؤمن بعد رحيله من الدنيا بـ (الخير)؟
نعم، أن رمز ايمان المؤمن وكرمه وجوده ورأفته يتمثل في وصيته بأمواله حيث ينفق ثلث منها في أعمال البر وفقاً لوصيته، أما الثلثان الآخران فيكونان من حصة الورثة طبقاً لما يقره القرآن الكريم.
وفي بيانه لمضمون الآية الكريمة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201].
يقول الامام الصادق (عليه السلام): (رضوان الله والجنة في الآخرة، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا) (1).
بناء على ذلك، يعتبر المال والثروة بمثابة المصنع الذي يدر برضى الله والجنان على المؤمنين، اذ ان المؤمن يكسب المال عن طريق الحلال ومن خلال اتباعه للجوانب الشرعية بعيداً عن التعامل المحرم ملتزماً بما خُلل من المعاملات، وباختصار مستظلاً بظلال طاعة الله سبحانه، ثم ينفقه على عياله ويؤدي ما عليه من واجبات كالخمس والزكاة، ويبادر إلى اعانة السائل والمحروم، يأخذ بيد الضعيف والمظلوم، ويعين الأقربين والمعارف.
وفي الحقيقة فإن أنفاق المال المكتسب عن طريق الحلال في هذه الموارد الشرعية والطبيعية يعتبر طاعة وعبادة، وكما عبر القرآن الكريم عنه بخير الدنيا والآخرة، ومن هنا عبر في كتاب الله عن المال والثروة بالخير أو الحسنة، وكسبه وانفاقه كالعبادة بالنسبة للمؤمن ومدعاة للحصول على الأجر العظيم والثواب الأبدي.
وما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن وقوع المال بأيدي من لا دين له ومن وقع اسيراً لهواه جدير بالاستماع، اذ يقول (عليه السلام): (المال مادة الشهوات، المال نهب الحوادث، المال يقوي الآمال، المال سلوة الوارث، المال يكرم صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة) (2).
وقال رسول (صلى الله عليه وآله): (ان الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مُهلكاكم) (3).
وقال (صلى الله عليه وآله): (ان لكل أمة عجلاً وعجل الأمة الدينار والدرهم) (4).
نعم، فمن ضعف ايمانهم ينحدرون من خلال المال في الشهوات وطغيان الطموحات وخزي الدنيا والآخرة، وكما يعبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم يصابون بعبادة العجل ولكن بصورة عبادة المال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البحار: ج 71، ص 383.
2ـ مران الحكمة: ج 9، ص 277، 278.
3ـ المصدر السابق.
4ـ المصدر السابق.
الاكثر قراءة في النظام المالي والانتاج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة