ردّ الرواية لمنافاة مضمونها لما هو ثابت من التاريخ بالعلم واليقين / المثال الثاني
المؤلف:
السيد علي حسن مطر الهاشمي
المصدر:
منهج نقد المتن في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة:
ص 49 ــ 52
2025-10-28
44
ثانيًا: الرواية الواردة في فضائل أبي سفيان.
وفيها كان المسلمون لا ينظرون الى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبيّ (صلى الله عليه وآله): يا نبي الله ثلاث أعطنيهنّ قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: نعم. قال: وتأمرني حتّى أقاتل الكفّار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم.
ال أبو زميل: ولولا أنّه طلب ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله) ما أعطاه ذلك؛ لأنّه لم يكن يسأل شيئًا إلّا قال: نعم (1).
وعقّب عليها النووي بقوله: هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال ووجه الإشكال: أنّ أبا سفيان إنّما أسلم يوم فتح مكّة سنة ثمان من الهجرة وهذا مشهور لا خلاف فيه وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تزوّج أم حبيبة قبل ذلك بزمن طويل(2).
وقال القاضي عياض: والمعروف أنّ تزويج النبي (صلى الله عليه وآله) لها كان قبل الفتح والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدًّا عند أهل الخبر (3).
وقال ابن حجر: ولا خلاف أنّه (صلى الله عليه وآله) دخل على أم حبيبة قبل ‘سلام أبي سفيان (4).
وقد حاول بعض العلماء توجيه هذه الرواية وتصحيحها، ومن ذلك:
1 ـ ما ذكره ابن الصلاح من احتمال أنّ أبا سفيان سأل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) تجديد عقد النكاح؛ تطييبًا لقلبه؛ لأنّه ربّما كان يرى عليه غضاضة في رياسته ونسبه أن تُزوّج ابنته بغير رضاه (5).
ولا يخفى ما في هذا التوجيه من تكلّف واضح، ومجافاة لما يفهمه العرف من تعبير الرواية.
2 ـ ما ذكره ابن القيّم من توجيه آخر لا يخلو من تكلّف أيضًا، قال: وقالت طائفة: بل الحديث صحيح، لكن وقع فيه الغلط والوهم من أحد الرواة في تسمية (أم حبيبة)، وإنّما سأل أن يزوّجه (رملة)، فهذه هي التي عرضها أبو سفيان على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمّاها الراوي من عنده (أمّ حبيبة).
وهذا الجواب حسن، لولا قوله في الحديث: (فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما سأل) (6)، فيُقال حينئذٍ: هذا اللفظ وهم من الراوي؛ فإنّه أعطاه بعض ما سأل، فقال الرواي: أعطاه ما سأل (7).
3 ـ ما قاله بعض المعاصرين: يبدو أنّ استجابته (صلى الله عليه وآله) لأبي سفيان عند طلبه هذه الأمور بقوله لعد كلّ واحد منها: (نعم)، من باب الاستماع إليه ومؤانسته.
وليس معنى (نعم) دائمًا الإجابة، وإنّما قد ترد بمعنى (سمعتك) أو بمعنى الاستزادة من القول (8).
ويُلاحظ عليه:
أنّه توجيه تبرّعي، يردّه أنّ كلمة (نعم) ليست موضوعة لغة لمعنى (سمعت) أو الاستزادة، وإنّما يقول العربيّ إذا أراد ذلك: إيهٍ، أو زِدني.
على أنّه إذا لم يكن بمعنى الاستجابة، لم تثبت به فضيلة لأبي سفيان، خلافًا لما فهمه مسلم من الرواية وإيراده لها في باب الفضائل.
_____________________
(1) صحيح مسلم، الحديث 6304.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16/63.
(3) إكمال المعلّم بفوائد مسلم، القاضي عياض، 7/546.
(4) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، 7/653.
(5) راجع: صحيح مسلم بشرح النووي، 16/ 63 – 64.
(6) وذلك لحرمة الجميع بين الأختين شرعًا.
(7) زاد المعاد، ابن قيّم الجوزيّة، 1 / 28.
(8) نقد الحديث بالعرض على الوقائع والمعلومات التاريخيّة، سلطان العكايلة، ص 127.
الاكثر قراءة في مقالات متفرقة في علم الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة