1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : علم الحديث : مقالات متفرقة في علم الحديث :

الحصار في الشعب.

المؤلف:  الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.

المصدر:  عمّار بن ياسر.

الجزء والصفحة:  ص 50 ـ 54.

2023-10-15

1759

حيث يئس المشركون من الوصول إلى محمد (صلى الله عليه وآله) لقيام أبي طالب دونه، أجمعوا على أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم صحيفة مقاطعة يتعاقدون فيها على أن لا يناكحوهم ولا يبايعونهم ولا يجالسوهم! فكتبوها وعلقوها في جوف الكعبة تأكيداً على أنفسهم فلما فعلوا ذلك انحاز بنو هاشم وبنوا المطلب فانضموا كلهم إلى أبي طالب ودخلوا معه الشعب فاجتمعوا إليه ما عدا أبي لهب فانّه خرج إلى قريش وظاهرها على قومه.

استمر الحصار مضروباً زهاء ثلاث سنوات مما أضر ببني هاشم فضاق عليهم الأمر حتى أنهم عدموا القوت إلا ما كان يحمل إليهم سراً وخفيةً، وأخافتهم قريش حتى لم يكن يظهر منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد وكان ذلك أشد ما لاقاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دعوته في مكة. حتى أنّ حكيم بن حزام حمل قمحاً لعمّته خديجة فلقيه أبو جهل وأراد منعه من ذلك وقال له: أتحمل الطعام إلى بني هاشم، والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك في مكة: فأقبل العاص بن هشام فقال: ما لك وإيّاه؟ قال: إنّه يحمل الطعام إلى بني هاشم! فقال العاص: يا هذا إنّ طعاماً كان لعمته عنده بعثته إليه فيه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خلّ سبيل الرجل! فأبى أبو جهل حتى نال كلٌّ منهما من صاحبه، فأخذ العاص لحى بعير فضربه به فشجّه ووطأه وطأً شديداً فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول الله وبنو هاشم بذلك فيشمتوا.

وهيّأ الله سبحانه الأسباب لإِبطال الصحيفة وفكّ الحصار، وذلك: أنّ هشام بن عمرو بن الحارث كان ذا شرف في قومه، فكان يأتي بالبعير ليلاً وقد أوقره طعاماً وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب فيدخل به إليهم ثم يعود ويأتي مرةً أخرى وقد أوقره تمراً، وفي ذات يوم أقبل إلى زهير بن أمية المخزوميّ فقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب وأخوالك حيث قد علمت! يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا يواصلون ولا يزارون، أما إنّي أحلف لو كان أخوال أبي الحكم ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك أبداً! فقال: ويحك يا هشام، فماذا أصنع؟ إنّما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة. قال: قد وجدتَ رجلاً. قال: من هو؟ قال: أنا. قال زهير: ابغنا ثالثاً. فذهب زهير إلى المطعم بن عدي فقال: يا مطعم، أرأيت أن يهلك بطنان من عبد مناف جوعاً وجهداً وأنت شاهد على ذلك، موافق لقريش فيه!؟ أما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدّن قريش إلى مساءتكم في غيره سريعة. قال: ويحك، ماذا أصنع، إنّما أنا رجل واحد! قال: وجدت ثانياً، قال: من هو؟ قال: زهير بن أمية. فصاروا ثلاثة. فقال له المطعم: ابغنا رابعاً. فذهب إلى أبي البختري بن هشام وقال له مثلما قال للمطعم، قال: هل من أحد يعين؟ قال نعم ثم عدد له الأسماء، فقال له: فابغنا خامساً. فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب فكلمه فقال: وهل يعين على ذلك أحد؟ قال: نعم، ثم عدد له القوم وسماهم، فاتفقوا أن يلتقوا في مكان يقال له حطم الحجون ليلاً بأعلى مكة فأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها. قال زهير: أنا أبدأكم وأكون أولكم يتكلم، فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي أمية وعليه حلّة له، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى!! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة، وكان أبو جهل في ناحية المسجد، فقال: كذبت والله لا تُشق. فقال زمعة بن الأسود لأبي جهل: والله أنت أكذب، ما رضينا بها والله حين كُتبت، فقال أبو البختري معه: صدق والله وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها وممّا كتب فيها، وقال هشام بن عمرو مثل قولهم. فقال أبو جهل: هذا أمر قُضي بليل. وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة وشقها فوجد الأرضة (1) قد أكلتها إلا ما كان من "باسمك اللهم".

أمّا كاتبها منصور بن عكرمة فشلّت يده (2) وبذلك فرّج الله سبحانه عن رسوله وعن الهاشميين فعادوا إلى ديارهم ومنازلهم لولا أنّ الأمور لم تقف عند هذا الحد كما سيأتي لقد كان هدف قريش من الحصار هو إخضاع محمدٍ (صلى الله عليه وآله) ومن معه لمشيئتهم وإرادتهم، والحد من نشاطهم وبالتالي تحجيمهم والقضاء عليهم، وانتهى الحصار وانتهت معه تلك الأحلام اليائسة، غير أنّ ذلك لم يمنعهم من مواصلة التفكير في إيجاد خطة تسمح لهم بالقضاء على محمدٍ دون ضجة، وبالفعل فقد وجدوا الوسيلة لتحقيق ذلك لولا أنّ الله سبحانه أراد غير ما أرادوا، فقد اجتمعوا فيما بينهم واستقر رأيهم على أن يختاروا من كل قبيلة فتىً من فتيانها الأشداء مزوداً بسلاحه الكامل يجتمعون ثم يقتحمون على النبي (صلى الله عليه وآله) داره فيضربونه وهو على فراشه ضربة رجلٍ واحد، وبذلك يضيع دمه بين القبائل وينتهي كل شيء وعندها يكون بنو هاشم أمام خيارين إمّا مقاتلة كل العرب، أو الاستسلام للأمر الواقع والسكوت على ما يحصل، ولا شك أنهم سيختارون الثاني.

واستعد القوم لتنفيذ الخطة، وأحاطوا بالدار، وأعلم الله نبيه بذلك فأمر علياً (عليه السلام) أن ينام في فراشه ويتشح ببرده الأخضر وأمره أن يؤدي ما عنده من وديعة وأمانة وغير ذلك، ثم خرج (صلى الله عليه وآله) من أمامهم وهم لا يرونه وهو يتلو قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}(3) واندفع الفتية نحو البيت سالّين سيوفهم واقتحموا المكان الذي ينام فيه النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أنّهم فوجئوا بعليٍّ يتمدد على الفراش وقد اشتمل ببرد النبي وأسقط ما في أيديهم وتراجعوا ببرودٍ وتخاذل، وأنزل الله سبحانه في تلك المناسبة {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (4) .

تابع النبي (صلى الله عليه وآله) سيره، وتابعت قريش كيدها فجعلت لمن يأتي به مائة ناقة. وكان معه أبو بكر، فاستأجرا عبد الله بن أرقد من بني الديل يدلهما على الطريق فتبعهم سراقة بن مالك بن جشعم المدلجي فلحقهم وهم في أرضٍ صلبة، فقال أبو بكر: يا رسول الله أدركنا الطلب! فقال: لا تحزن إن الله معنا، ودعا عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فارتطمت فرسه إلى بطنها وثار من تحتها مثل الدخان، فقال: ادعُ لي يا محمد ليخلصني الله ولك على أن أرد عنك الطلب! فدعا له، فتخلص. فعاد يتبعهم، فدعا عليه الثانية، فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى، فقال: يا محمد قد علمت أنّ هذا من دعائك علي، فادعُ لي ولك عهد الله أن أرد عنك الطلب. فدعا له فخلص، وقرب من النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: يا رسول الله، خذ سهماً من كنانتي وان إبلي بمكان كذا فخذ منها ما أحببت، فقال: لا حاجة لي في إبلك. فلما أراد سراقة أن يعود قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف بك يا سراقة إذا سوّرت بسواري كسرى ؟! قال: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم، فعاد سراقة فكان لا يلقى أحداً يريد الطلب إلا قال: كفيتم. ما ههنا! ولا يلقى أحداً إلا ردّه (5).

فلمّا رجع إلى مكة أخبرهم بما جرى فكذبوه، وكان أشدهم له تكذيباً أبو جهل فقال سراقة:

أبا حكمٍ والله لو كنت شاهداً       

لأمر جوادي حيث ساخت قوائمه

علمتَ ولم تشكك بأن محمداً      

رسول وبرهان فمن ذا يكاتمه (6)

وهكذا تابع النبي (صلى الله عليه وآله) سيره نحو المدينة حتى وصل إلى قباء لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول (7) حيث ولد في هذا العالم تأريخ جديد اسمه الهجرة.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأرضة: باصطلاح العامة العثْ.

(2) شرح النهج: 2 / 313.

(3) يس: 9.

(4) الأنفال: 30.

(5) الكامل: 2 / 105.

(6) اليعقوبي: 2 / 40.

(7) الكامل: 2 / 106.

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي