ينبغي عدّ مَن يُنكر الرجوع إلى العقل من البهائم
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص 232-235
2025-08-23
408
يجب إسقاط أيّ مذهب أو مدرسة لاهوتيّة تنفي الشهود والوجدان، أو التفكّر والتعقّل، أو العِلم والواقع من حيّز الاعتبار. فذلك المذهب أو تلك المدرسة باطل مدحوض.
لقد جَبَلَ الله سبحانه وتعالى جلّ شأنه وجودَ الإنسان وصاغه على أساس اصول معيَّنة بحيث تعتمد كلّ علومه الحقّة الحقيقيّة على تلك الاصول. فلو أنكرنا العقل واعتبرنا الرجوع إليه أو إلى المسائل العقليّة باطلًا، ونفينا امتناع اجتماع الضِّدَيْنِ أو النقيضَينِ، ودَحضنا الوجود؛ فلن يبقى في أيدينا شيء مهمّ يُعتَمد عليه؛ لا عِلماً ولا مدرسةً لاهوتيّة ولا مذهباً ولا دراسة...! لن يبقى في أيدينا أيّ شيء إطلاقاً! وحينئذٍ ستُعلّق علومنا ملابسها (كما يقال) على شُجُب البطلان! وذلك لأنّ أساس جميع العلوم كائن على استخدام العقل والقوى العاقلة باعتبارها آلات للاستفادة من تلك العلوم.
فلو أنكرنا الوجود والاختيار والعقل في عالَم الوجود هذا، وأنكرنا كذلك كلّ البديهيّات والضروريّات الأوّليّة، فإنّ جميع العلوم، سواء أ كانت علوماً تطبيقيّة أم طبيعيّة أم فلسفيّة، وحتى علوم التفسير والحديث والتأريخ والفلك والنجوم...، وما إلى ذلك، والتي لا تقوم إلّا على أساس البديهيّات واليقينيّات والأوّليّات والحدسيّات والمشاهدات، كلّها ستكون باطلة لا محالة. وعلى هذا لن يستقيم هناك عمود أو تثبت دعامة، ولن يتأسّس في عالَم العلوم علمٌ يُذكَر. لن يُقبَل قول من أيّ أحد كان، ولن يدوم أيّ عِلم أو تَعلُّم على الإطلاق.
إن نفي الاختيار عنّا وعن المبدأ تعالى معناه إضفاء صفة الجبر على الموجودات والممكنات وعلى المبدأ الواجب على السواء. لذا فإنّ هذا باطل أيضاً.
لا جَرَم أن الأشاعرة وكلّ الجبريّين في العالَم لم يعرفوا الله؛ فهم قابعون في زاوية مُظلمة من زوايا بيوتهم يحاولون إصدار هُويَّتَيْنِ، واحدة لهم وأخرى للّه سبحانه؛ يا لها من هُويّة يصدرها عميان! هم عُميٌ فظنّوا الله والعياذ بالله مغلولًا وأعمى وسجيناً وبائساً مثلهم، فشرعوا في إصدار هُويّة بائسة له كبؤسهم. وهُويّة كهذه لا تُقبَل حتى في أتعس دائرة للأحوال المدنيّة! إن هويّة الحقّ تعالى وجلّ شأنه هي سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
نعم، لقد بيّن الله سبحانه هُويّته وسِجلّه الكامل على لسان نبيّه في القرآن الكريم وبالصورة التالية: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، (أي المقصود المصمود؛ أو الذي لا جوف له) لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.[1]
إن معنى الصمديّة يُبيّن بوضوح أن الله سبحانه له الاختيار التامّ وأنّه ليس مجبوراً أو مضطرّاً.
وقال شيخنا الأقدم والمُفسّر الأعظم أكبر علماء الإماميّة في القرن السادس الهجريّ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ والمُلقّب ب- «أمين الإسلام» في تعليقه على هذه السورة ما يلي: « (هذه السورة) مكّيّة. وقيل: مدنيّة. وسُميت سورة التوحيد، لأنّه ليس فيها إلّا التوحيد، وكلمة التوحيد تُسمّى: الإخلاص. وقيل إنّما سُمّيت بذلك، لأنّ مَن تمسّك بما فيها اعتقاداً وإقراراً، كان مؤمناً مخلصاً. وقيل: لأنّ مَن قرأها على سبيل التعظيم أخلصه الله من النار، اي أنجاه منها. وتسمّى أيضاً: سورة الصمد. وتسمّى أيضاً: بفاتحتها.
وتسمّى أيضاً: نِسْبَةُ الرَّبِّ. وروي في الحديث: لِكُلِّ شَيءٍ نِسْبَةٌ، ونِسْبَةُ الرَّبِّ سُورَةُ الإخْلَاصِ.
وفي الحديث أيضاً أنّه كان يقول لسورتَي: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، «المُقَشْقِشَتان».
سُمّيتا بذلك لأنّهما يُبرئان من الشرك والنفاق.
يُقَالُ: تَقَشْقَشَ المَرِيضُ مِنْ عِلَّتِهِ، إذَا أفَاقَ وبَرِئَ. وقَشْقَشَهُ: أبْرَأهُ كَمَا يُقَشْقِشُ الهِنَاءُ[2] الجَرَبَ.[3]
وقال البيضاويّ في تفسير هذه السورة: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الضمير للشأن، كقولك هُوَ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، وارتفاعه بالابتداء وخبره الجملة، ولا حاجة إلى العائدة لأنّها هي هُوَ أو لما سُئل عنه، اي الذي سألتموني عنه هو الله.
إذ روي أن قريشاً قالوا: يَا مُحَمَّدُ! صِفْ لَنَا رَبَّكَ الذي تَدْعُونَا إلَيْهِ! فَنَزَلَتْ.
وأحَدٌ بدل أو خبر ثانٍ يدلّ على مجامع صفات الكمال، كما دلّ الله على جميع صفات الكمال، إذ الواحد الحقيقيّ ما يكون منزّه الذات عن أنحاء التركيب والتعدّد[4].
[1] - سلسلة العلوم والمعارف الإسلاميّة، القسم (2)، «معرفة الإمام» ج 16 و17، الدرس 241 إلى 255.
[2] - تمام السورة 112: الإخلاص.
[3] - جاء في «أقرب الموارد» الهِنَاءُ بالكسر: القِطْران. و: عِذْق النَّخلة، لغةٌ في الإهان. و«يضَع الهِناءَ موضعَ النُّقْب» مَثلٌ يُضرَب لمن يضَع الشَّيءَ في موضعِه ويُطبِق مفصلَ الصَّواب في حُجَّته. وجاء أيضاً: القَطْرَانُ بالفتح والكسر، والقَطِرَانُ بفتح القافِ وكسر الطَّاء: سَيَّال دُهنيّ يؤخَذ من شجَرة الأبْهَل والأرْز ونحوِهما.
[4] «مجمع البيان» ج5 ، ص560 ، طبعة صيدا، مطبعة العرفان.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة