الاشاعرة قائلون بالجبر في المبدأ والخلقة والإنسان
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص228-231
2025-08-23
470
يقول الأشاعرة: أن الله سبحانه وتعالى قد خلقَ العالم حرّاً يفعل ما يشاء. فالله أوّلًا في ذاته مقهور في عمله، فهو غير مُخيّر (لا اختيار له). وما الاختيار الذي وهبه هو إلى الإنسان إلّا صورة لا واقعيّة لها. فجميع أفراد البشر مجبورون ومضطرّون في أداء أفعالهم وأعمالهم. وعلى هذا فالجبر عنصر أساس في أعمال البشر، والله كذلك مجبور في عمله؛ سَواء ما يتعلّق بهذا الخَلق أم عمله في ما يتعلّق بعالَم الخِلقة.
ويقول الأشاعرة أن جميع الأعمال التي يؤدّيها الإنسان على أنّها نابعة من اختياره، من صلاة وصوم وحجّ وعُمرة وجهاد وكسب في جانب الطاعات، وكذلك من زِناً ومُعاقرة الخمر والقمار والسرقة والاعتداء على النواميس والقوانين والقتل والإغارة وسائر الجنايات وأعمال الخيانة التي تسمّى بالمعاصي؛ كلّ تلك الأعمال تستند إلى الله ولم يكن الإنسان يوماً حُرّاً أو مختاراً في فعل أيّ من تلك الأعمال. أن الفعل حقّ وأن البشر مجبر على أدائه والإتيان به وإن بدا له أثناء ارتكابه ذلك الفعل أنّه حُرّ ومُخيَّر إلّا أن هذا الاختيار أو تلك الحرّيّة ليست إلّا ظنّ وخيال. ذلك أن كلّ شيء هو تحت قوّته القاهرة وسيطرته وهيمنته ويجب أن تتحوّل إلى حركة سواء أ رَضِيَ أم لَم يَرضَ.
ومن ناحية أخرى فإنّ الله نفسه غير مُخيّر في بعض الأفعال التي قد تصدر عنه. وهذه الأفعال هي عبارة عن ترشُّحات ذاته وهو أمرٌ مُلازِم لوجوده.
ولهذا يجب القول: أن الله مجبور ومضطرٌ في خلق السماوات والأرض وما بينهما وعالَم المُلك والملكوت- سواء أ كان ذلك في بِدء الخليقة أم في بقائها واستدامتها-؛ وكذلك جميع الخلائق من ملائكة وجنّ وإنس وحيوانات وسائر الموجودات التي لم نتمكّن من تصوّرها لحدّ الآن؛ كلّ اولئك مجبورون مضطرّون في أعمالهم وتصرّفاتهم، مَثلهم في ذلك كمثل عقرب الساعة الذي يتحرّك ويدور دون اختيار منه في ذلك، أو كمثل حجر الطاحونة التي تعمل الرياح أو الماء على تحريكها ودورانها، أو كسائر الآلات التي تعمل تلقائيّاً في المعامل والمصانع وتُؤدّي الغرض المرسوم لها والمبرمجة على أدائه.
هذه هي إحدى أهمّ النواحي التي يعتقد بها الأشاعرة وهو ما يميّزهم عن الإماميّة.
وأمّا الناحية الأخرى في عقيدتهم فهي مسألة العدل. فهم يعتقدون أن الله والعياذ بالله ليس عادلًا! ولا يمكن للعدل أن يكون صفة من صفاته. فهم يقولون: أن عدالته تتناقض مع صفته الأخرى التي تتمثّل في كونه فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ وحَاكِمٌ لِمَا يُرِيدُ، ومع الآية الكريمة: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ.[1]
ويقول الأشاعرة كذلك: أن الله ذاتٌ، وأن جميع الموجودات مرتبطة بذاته، وهو كذلك قائم بذاته. ولا أحد يقف في وجه ما يريد فعله أو القيام به أو منعه من ذلك؛ ومن هنا لا يصحّ إضفاء صفة العدل عليه. أن كلّ ما يفعله هو صحيح وإن بدا لنا ظُلماً.
ويجوز ارتكاب القبائح والشرور من قِبَل الله، لأنّ ذلك صادر عنه ولا إشكال ولا بأس في ذلك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن آية الله العلّامة الحسن بن يوسف المطهّر الحلّيّ قدّس الله نفسه قد عالج بحوثاً وافية وكافية في مقالات واعتقادات الأشاعرة في كتابه الموسوم ب«نهج الحقّ وكشف الصدق»[2] لإبطال عقائد سخيفة كهذه بهمّة عالية. وقد قُمنا بنقل بعض النصوص من الكتاب المذكور في سلسلة دروس «معرفة الإمام»[3]، وندعو القرّاء الكرام إلى مراجعة كتاب «معرفة الإمام» وعلى الأخصّ الكتاب القيّم لسماحة العلّامة ومطالعة ذلك.
وأخيراً نقدّم المثال البديهيّ التالى بصورة موجزة لإنهاء هذه المسألة: إن هناك فرقاً بين إنكار الاختيار ووجوده، وعدم فعل القبيح والشرّ على أساس المصلحة وقاعدة أصل الحِكمة.
والآن تَصوّروا أنّنا جميعاً جالسون في مجلس بهيّ رائع تسيطر علينا سِمة الأدب والدماثة فهل تعتقدون أن أيّاً منّا قادر في تلك الحال على القيام وخلع ملابسه جميعاً حتى الملابس الداخليّة، ثمّ والدوران حول الحضور وهو يُطلق بعض الصفّارات، ثمّ يختمها بالخروج مسرعاً من بين ذلك الجمع إلى الخارج؟! هل يستطيع أيّ واحد منّا القيام بهذا العمل أم لا؟! طبيعيّ أن ذلك ممكن الحصول! إلّا أنّنا لا نجد أحداً يفعل ذلك أو كان قد فعله من قَبْل أو حتى التفكير للقيام به. وليس ذلك من باب أنّه لا يملك الحرّيّة أو الاختيار لفعله أو القدرة على ذلك، أو أن عمله مقتصر على الجلوس جانباً في ذلك المجلس وعدم أدائه لذلك الفعل؛ فهو ليس مجبراً على الجلوس وتفادي القيام واللفّ والدوران حول الجالسين والركض وما إلى ذلك، إلّا أنّنا نرى ذلك محالًا عليه فعله، لأنّه عاقل وحكيم، وأفعاله لا تمت إلى العَبَث أو اللغو أو الباطل. فلو قتلوه وقطّعوه إرباً إرباً ما كان ليقوم بعملٍ كهذا وما كان لهذا العمل أن يصدر عنه.
[1] - يقول:« على العاشقين أن يسلّموا رقابهم لسيف العشق بفرحٍ ووجد؛ لأنّ عاقبة كلّ مقتول وشهيد في سبيل المحبوب ستكون محمودة.
لقد تعلق القلب بضفيرتك لينجو من جبّ نحرك؛ ويا للأسف فقد نجا من الجبّ ولكنّه سقط في الفخّ. إن لابسي المسوح كلّهم محترفين في شرب الخمر وعاشقين؛ لكنّ حافظ وحده من بين هؤلاء الذي انكشف عشقه وبان أمره». «ديوان شمس الدين محمّد حافظ الشيرازيّ» أعلى الله مقامَه، ص 79 و80، الغزليّة رقم 177، طبعة پژمان.
[2] - الآية 23، من السورة 21: الأنبياء وتسبقها الآية الشريفة القائلة: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.
[3] - طبعة مؤسّسة دار الهجرة إيران- قم، سنة 1407 ه.
الاكثر قراءة في فرق واديان ومذاهب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة