x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإسلام والمحبة
المؤلف: جماعة من العُلماء
المصدر: نحو حياة أفضل
الجزء والصفحة: ص 63 ــ 69
2023-12-31
1249
اهتم الإسلام ـ وهو دين خالد قائم على أساس الفطرة والإشباع الصحيح لكل الإحتياجات الإنسانية اهتم بموضوع حب الآخرين واعتبر ذلك أمراً مقدساً.
انه يرى كل الأفراد ترجع إلى أصل واحد، ويرفض كل الامتيازات الخاطئة العنصرية منها والقبلية والمادية وغيرها، فما دام كل الناس مخلوقين لله وقد ولدوا جميعاً من أب واحد وأم واحدة، فهم اهل للإحترام والمحبة والهداية.
ولهذا رأى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ان اعلان الإسلام للحرية الإنسانية لا يختص بمجموعة دون غيرها بل هي لجميع الناس فقال (صلى الله عليه وآله): تحبب إلى الناس يحبوك (1).
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده محمد بن الحنفية (أحسن إلى جميع الناس كما تحب ان يحسن إليك وارض لهم ما ترضاه لنفسك واستقبح لهم ما تستقبحه من غيرك وحسن مع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنو إليك وإذا مت بكوا عليك) (2).
وهكذا نرى ان الإسلام لم يحترم بني آدم فحسب، بل أوصل الحب الإنساني للآخرين إلى درجة طلب فيها من اتباعه ان يحبوا لغيرهم السعادة والنصر كما يحبون ذلك لأنفسهم.
ان المسلم الواقعي يخدم المجتمع دائماً ويعمل - بكل ما يستطيع - على امداده بالمعونة الفكرية، والعقائدية والأخلاقية، والإقتصادية.
ونفس هذه الاحساسات والمحبة الأصيلة هي التي جعلت وظيفة الإرشاد والتوجيه وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً ثقيلاً على كاهل المسلمين، ومن هنا فليس للمسلم ان لا يبالي أنى كان سلوك الآخرين.
وقد سئل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من أحب الناس إلى الله؟ قال أنفع الناس للناس) (3).
ويقول: (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) (4).
وإذا كنا لا نستطيع هنا ان نعرض إلى كل الخطط والتنظيمات الإنسانية السامية في الإسلام حول موضوع حب الإنسانية، فأننا نستطيع ان نعرف الأسلوب التربوي الإسلامي من هذا المجال من خلال هذه النماذج القصيرة لنعلن بعد ذلك ان الإسلام هو (دين المحبة).
المحبة للكافرين:
وهنا يثار هذا التساؤل وهو: ان كان الإسلام هو دين المحبة للبشرية فلماذا منع المسلمين من ان يوادوا غير المسلمين؟ ولماذا لا يستطيع المسلمون ان يربطوا أنفسهم برباط المحبة مع المجموعات المعادية للإسلام والكفار؟
وللقرآن في هذا المجال تعبيرات كثيرة وتوضيحات أساسية فهو يقول: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57].
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
وهنا لابد ان نعرف المدى الذي منع فيه الإسلام والقرآن من حب الكافرين والمجموعات المضادة للإسلام.
فهل يقول الإسلام: لا تحسنوا إلى الكفار؟ أو لا تهدوا الكفار؟ أولا تسعوا في سبيل سعادتهم وحياتهم المعنوية؟ كلا، فان ذلك ليس أبداً منطق الإسلام الذي بعث نبيه رحمة للعالمين والذي هو دين البشرية جمعاء.
وانما يجب ان يقال: ان كل هذه الآيات وأمثالها في هذا المجال انما هي انذار وتنبيه للمسلمين لكي لا يقربوا إلى درجة يشكل المسلم والكافر جسدين حلت فيهما روح واحدة... إذ أنه في مثل هذه الأنماط من المحبة التي تذوب فيها الفوارق. يحصل تناسخ خلقي وإرادي وعملي وعقائدي فيكون الطرفان متجهين إلى هدف واحد. واضح ان مثل هذه المودة مع أعداء الإسلام لا يكون لها تأثير عميق على روحية المسلمين ودور هام في خلق تزلزل عندهم في العقيدة الإسلامية والتوحيد فحسب، بل لها أثرها في إعاقة المجتمع الإسلامي عن التحرك باتجاه التكامل هذا بالإضافة إلى ان العدو يراقب التحركات والثغرات ويتحين الفرصة المناسبة ليستفيد منها ويوجه ضربات شديدة إلى الطرف المقابل له.. وأية فرصة هي أكثر سنوحاً من الروابط العاطفية التي تنشأ من مثل هذه الأنواع من المحبة الشديدة؟!
ومن هنا فان الإسلام قد نبه المسلمين لان يكونوا دائماً يقظين حذرين واعين، وان يحتاطوا في سلوكهم مع العدو، وان لا يعقدوا الصداقات وأنواع المودة القوية التي توجب اتباع الأعداء وتفكك عرى المجتمع الإسلامي.
فلم يقل الإسلام ان على المسلمين ان يقطعوا كل روابطهم مع المجاميع غير المسلمة وان لا يعاملوهم بإحسان وعطف، الا ان مثل هذه الروابط يجب ان يصحبها وعي تام ونظرة عميقة، واحتياط دائم لكي لا يستطيع العدوان أن ينفذ من خلال هذه الثغرة العاطفية ويستفيد من هذه الحالة لصالحه وما صالحه الا تلك المخططات الاستعمارية اللاإنسانية.
فإذا قال الإسلام: لا تعقدوا أواصر المودة مع العدو فليس معنى ذلك انه يمنع الاحسان والتودد بالنسبة لغير المسلمين إذ انا علمنا ان الإنسان بما هو إنسان أهل للمحبة والإحسان والإسلام نفسه هو في طليعة المبادىء الإنسانية الأصيلة.
وانما كان المنع في المبدأ الإسلامي الأصيل يختص بذلك النوع من المودة التي يحصل في ظلها اتباع للكفار في المجال العقائدي والسلوكي وكيفية الحياة... فيجب على المسلمين في هذا الصدد ان يكونوا محتاطين دقيقين وان يعلموا انهم إذا كانوا أعضاء في المجتمع الإسلامي فعليهم ان لا يعقدوا روابط مع أعدائه والأجانب عنه بشكل يوجه لطمة لوحدة هذا المجتمع وعقيدته واستقلاله، ان القرآن يقول بكل وضوح: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8، 9].
وبتعبير مختصر فان الإسلام يعلم أتباعه أن كل إنسان أهل للمحبة والإحسان ما لم يقم ضد المبدأ الإسلامي الإنساني بواقعه، فإذا قام ضده فليس أهلا لذلك (5).
ومن هذا المنعطف ينطلق الإسلام ليقول: (بانه لا يمكن التعلق العاطفي وعقد أواصر المحبة مع الظالم الجاني، لأن الإسلام يعتبر من يحب الظالمين ظالماً مثلهم) (6).
نبي الرحمة:
وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وباقي القادة الحقيقيين للإسلام يدعون أبناء العالم لمثل هذا الأسلوب من التعامل الإنساني كما كان سلوكهم يؤكد هذا المعنى... وتكفي نظرة لحياة النبي (صلى الله عليه وآله) الرائعة لنعرف السر الذي سمي على أساسه بـ (نبي الرحمة).
فقد كان هناك شاب يأتي النبي كثيراً ولربما استخف بالنبي (صلى الله عليه وآله) لعدم اعتقاده لعظمته... ومع ذلك فان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحبه ويتحنن عليه كان الشاب يستعين في اقامة أود حياته اليومية بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا يقول التاريخ:
ولأيام عدة لم ير الرسول هذا الشاب فسأل عنه فقال له قائل تركته في آخر يوم من أيام الدنيا فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله) في أناس من أصحابه وكان (صلى الله عليه وآله) بركة لا يكاد يكلم أحداً في حاجة الا اجابه فقال: يا فلان! ففتح عينيه وقال لبيك يا أبا القاسم قال (صلى الله عليه وآله): (أشهد ان لا إله الا الله واني رسول الله) ولعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحس بما يحدَّث الشاب به نفسه من إكبار لشمم وكرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم انه لم يكن ليحترمه الإحترام اللائق.
(فنظر الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئاً ثم ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثانية وقال له مثل قوله الأول فالتفت الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئاً ثم ناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الثالثة فالتفت الغلام إلى أبيه فقال أبوه ان شئت فقل وان شئت فلا، فقال الغلام أشهد ان لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله) ومات مكانه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرج عنا ثم قال لأصحابه اغسلوه وكفنوه وأتوني به أصلي عليه ثم خرج وهو يقول الحمد لله الذي أنجى بي اليوم نسمة من النار) (7).
ان هذا نموذج صغير من محبة النبي (صلى الله عليه وآله) بالنسبة للمجتمع الإنساني.
الا انه متى ما كانت المسألة مسألة مقابلة مع الكفار واتخاذ موقف من المعاندين فانه لم يكن ليرفض المحبة والحنان والتودد فحسب بل إذا استدعت الضرورة فإن السيف يتخذ موقعه من الرقاب بدل العطف.
وهذه هي معالم المبدأ العالمي الأصيل حيث يجعل الهدف والعقيدة نصب عينيه ويقدمهما على كل شيء حتى على النفس الغالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة، ج 8، ص 433.
2ـ المصدر السابق، ص 541.
3ـ أصول الكافي، ج 2، ص 164.
4ـ المصدر السابق.
5ـ كتاب الخلافة والولاية ـ من ص 339 إلى ص 349.
6ـ البحار، ج 75، ص 369 فما بعد.
7ـ جامع أحاديث الشيعة، ج 1، ص 241.