الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإنسان الواحد مع تعدد الملكات
المؤلف:
د. بلال نعيم
المصدر:
التربية والتعليم في القران الكريم
الجزء والصفحة:
ص 59 ــ 62
2025-03-09
106
من خصوصيات النظرة القرآنية إلى الإنسان والتي تنعكس حكماً في تربيته وتعليمه أن هذا الإنسان واحد وإن تعددت ملكاته (العقل، النفس، الجسد)، وكذلك هو واحد وإن تعددت حواسه التي عن طريقها يحصل العلم والمعرفة: (من فقد حساً فقد علماً)، (السمع، البصر ...)، فالله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، أي كان الانسان الواحد عنه مسؤولا (عن كل ذلك مسؤولاً).
والمسؤولية هنا تعني رعاية الحق وحسن الاستخدام وأداء وظيفة الطاعة والشكر على النعمة وعلى الهبة وغير ذلك، لكن على الصعيد التربوي فهم هذه الوحدة في الملكات والتفاعل بينها يؤدي إلى وضع منهج أو مخطط تربوي شمولي يلحظ هذا التفاعل وهذا الاندكاك؛ فالإنسان ليس مصنفاً من عدة جوارير، وليس خزانة من عدة طبقات، وليس كياناً مجزأ، إنما تتداخل الملكات فلا فواصل بينها ولا حدود، فعندما نريد أن نربي هذا الإنسان يجب أن نأخذه كلاً لا يتجزأ، في نفس الوقت الذي يجب ان نلحظ فيه كل الملكات وحالتها وخصوصياتها، فلا يستطيع أحد، بحسب هذه النظرة، أن يدخل علماً إلى عقل الطفل إذا كان مريضاً جسدياً، أو يعاني من اضطرابات نفسية، كما لا يستطيع من يعاني من مشاكل نفسية، أن يقوم بوظائف جسدية صحيحة وسليمة. فالصحة الجسدية والنفسية والعقلية مطلوبة كمقدمة للقيام بأي وظيفة تربوية، كما أن المفاهيم العلمية والمعرفية ليست منفصلة عن آثارها التربوية والعاطفية ولا يمكن الكسر والانكسار في هذا الموضوع، فالمعلم إذا كان يدرّس مادة علمية لا يمكنه أن يعطي الأمثلة التي يريد كيف يشاء حتى لو كانت صادقة على المستوى التطبيقي، ومدرّس الآداب لا يمكنه أن يعطي الأمثلة التي تخالف المرتكزات العلمية، ولا يمكن لأي مدرس أن يعزل نفسه عن خصوصيات الطباع المتشكلة في المرحلة العمرية المحددة.
إذاً وحدة الإنسان مع تعدد الملكات تفرض نفسها على ساحة التربية والتعليم، وهي مقدمة ضرورية لفهم الإنسان الذي هو محور عملية التربية والتعليم؛ لأنه بعد فهمه يمكن لكل معلم، أياً تكن المادة التي يدرسها، أن يشكل حيزاً إيجابياً منسجماً مع بقية الأساتذة والمعلمين من أجل صناعة تلك اللوحة الجميلة في نفس الإنسان من دون أن تكون خطوط كل مادة متباينة ومتخالفة مع خطوط المواد الأخرى، بما ينتج منه تعقيدات واضطرابات، بل إن كل مادة يجب أن تترك بصماتها المتجانسة مع المواد الأخرى لتشكل بمجموعها الألوان الجميلة في داخل اللوحة المتجانسة الجميلة.
وأهمية هذه النظرة الوجودية إلى الإنسان في أن التكامل لا يحصل مع التشتت والترقي والتسامي لا يتم مع التفرق في الملكات. فلا بد من جمع الملكات وضبطها وتوحيدها ورصها وتوجيهها في اتجاه قبلة واحدة، كمقدمة ضرورية لحصول التكامل الذي هو الناتج الطبيعي للتربية الصحيحة، فلو كانت الملكات تتجه في اتجاهات مختلفة فإمكانية حصول التكامل أمر في غاية الصعوبة.
من هنا، كان لا بد من إبعاد وطرد كل المؤثرات التي تجعل الإنسان مصروف الذهن أو متوتراً نفسياً أو متعباً قبل البدء في عملية التعليم أو التربية، لأن ذلك بمثابة تهيئة المناخ المناسب لذلك. وذلك بمثابة الأذان والإقامة قبل الدخول في الصلاة حيث الحاجة إلى رص الملكات في صف واحد تجاه قبلة واحدة قبل الانطلاق في الصلاة المعراجية: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} [عبس: 26]، أي هيأناها للزراعة.
فقبل عملية الزرع للبذار لا بد من شق الأرض ثم الزرع ثم السقاية، وبعد ذلك نبدأ برؤية الشطء الذي يتم إخراجه وبعد ذلك المؤازرة والاستغلاظ والاستواء على السوق.