نور الدين الأشموني
المؤلف:
د. محمد المختار ولد أباه
المصدر:
تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة:
ص375- 378
29-03-2015
3552
و بعد محمد بن أبي بكر الدماميني لمعت في أرض الكنانة عدة أعلام، منها محمد بن سليمان الرومي الكافيجي (ت 879 ه) و هو من أشياخ الإمام السيوطي، درّس في الشيخونية و غيرها، و يقول الدكتور شوقي ضيف إنه لا يشق غباره في الفلسفة و المنطق و النحو، و له شرح على قواعد الإعراب لابن هشام(1).
و كذلك الشيخ خالد الأزهري، تلميذ الشمني، و له المقدمة الأزهرية في علم العربية و شرح الأجرومية، و قواعد ابن هشام، و توضيحه، بكتابه التصريح، و هو من المراجع المتداولة.
و في القرن العاشر طلع في الأجواء المصرية نور الدين علي بن محمد بن عيسى الأشموني، و هو ممن أخذ عن الكافيجي، فاشتهر بالتقشف و الزهد و الانقطاع إلى التدريس، و قد ألف شرحا على ألفية ابن مالك من أنفع ما كتب عنها، و لقد كان صادقا حيثما قال عنه: هذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك مهذب المقاصد واضح المسالك، يمتزج بها امتزاج الرّوح بالجسد، و يحل منها محل الشجاعة من الأسد، تجد نشر التحقيق من أدراج عباراته يعبق، و بدر التدقيق من أبراج إشاراته يشرق، خلا من الإفراط الممل، و علا عن التفريط المخل، و كان بين ذلك قواما، و قد لقبته بمنهج السالك إلى ألفية ابن مالك، و لم آل جهدا في تنقيحه، و تهذيبه و توضيحه و تقريبه(2).
و قد أولى الأشموني عناية فائقة لتوضيح عبارة المصنف، و بيان أخذ حدّ النحو من ابن عصفور. قال: أنه العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها(3).
ص375
و قد كان منهجه قريبا من منحى ابن عقيل، إلا أنه زاد عليه في تنبيهاته و خواتمه، و كانت آراؤه مشدودة بعرى اختيارات ابن مالك، فكثيرا ما كان يصحح اجتهاده، و ينتصر له، و في مواضع قليلة. يتعقب رأيه، أو يصوبه و يظهر هذا في الفقرات التالية، عند قول ابن مالك:
كذاك خلتنيه و اتصالا اختار، غيري اختار الانفصالا
علل اختيار ابن مالك بأنه الأصل، و له شاهد من الحديث و الشعر.
و كان صلّى اللّه عليه و سلّم قال في ابن صياد: «إن يكنه فلن تسلط عليه، و الا يكنه فلا خير لك في قتله» . و قال أبو الأسود:
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمها بلبانها
و منه أيضا قول الشاعر:
بلغت صنع أخ برّ إخالكه إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا
و أما غير ابن مالك و هو سيبويه فقد اختار الانفصال، لأن الضمير في البابين خبر في الأصل و حق الخبر الانفصال و كلاهما مسموع. مثل قول عمر بن أبي ربيعة:
لئن كان إياه لقد حال بعدنا عن العهد و الإنسان قد يتغير
و قول الآخر:
أخي حسبتك إياه و قد ملئتأ رجاء صدرك بالأضغان و الإحن
ثم نبه الأشموني على أن ابن مالك وافق سيبويه في التسهيل على اختيار الانفصال في «خلتنيه» لأنه خبر مبتدإ في الأصل و قد حجزه عن الفعل منصوب آخر، بخلاف هاء كنته، فإنه مبتدأ في الأصل، و لكنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع، و المرفوع كجزء من الفعل، ثم قال إن الناظم في هذا وافق الرماني و ابن الطراوة (4).
و صحح قول الناظم، و لو كان مخالفا لسيبويه، مثل قوله في «حاشا» ، الجر بحاشا هو الكثير الراجح، و لذلك التزم سيبويه و أكثر البصريين حرفيتها و لم يجيزوا النصب، لكن الصحيح جوازه، فقد ثبت بنقل أبي زيد، و أبي عمرو الشيباني، و الأخفش و ابن خروف، و اجازه المازني، و المبرد و الزجاج و منه قوله:
حاشا قريشا فإن اللّه فضلهم على البرية بالإسلام و الدين
و قوله: اللهم اغفر لي و لمن يسمع، حاشا الشيطان و أبا الأصبع (5).
ص376
و في مسألة لزوم عود الخافض لدى عطف على ضمير الخفض ذكر الأشموني أنه رأي يونس و الأخفش و الكوفيين، و قد سبق أن ذكرنا موقف الأخفش منها في مجاز القرآن:
و مما استدل به الأشموني قول الشاعر:
نعلق في مثل السواري سيوفنا و ما بينها و الكعب غوط نفانف (6)
و استشهد بقراءة «حمزة» ، و نسبها لابن عباس و الحسن و غيرهما و هي: (تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحٰامَ) (النساء-الآية 1) . و حكى عن قطرب، ما فيها غيره و فرسه، و قال إنه قد يكون، منه: (وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ) (البقرة-الآية 217) . إذ ليس العطف على السبيل لأنه صلة المصدر و قد عطف عليه «كفر» ، و لا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته.
و أيد ابن مالك في قوله «و المصروف قد لا ينصرف» فقال إن الكوفيين أجازوه و كذلك الأخفش و الفارسي و أباه سائر البصريين. و الصحيح الجواز.
و اختاره الناظم لثبوت سماعه، و ساق الشواهد المعروفة و هو قول "العباس بن مرداس":
و ما كان حصن و لا حابس يفوقان مرداس في مجمع
و قول دوسر القريعي:
و قائلة ما بال دوسر بعدنا صحا قلبه عن آل ليلى و عن هند
و قول الأخطل:
طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت بشبيب غائلة النفوس غدور (7)
و عند قول ابن مالك:
و لا تجئ مع أول قد اهملا بمضمر لغير رفع أهّلا
بل حذفه الزم إن يكن غير خبر و أخرنه إن يكن هو الخبر
فشرحه بقوله: لا يجوز ضربته و ضربني زيد، و لا مررت به و مرّ بي عمرو، و من الضرورة قوله:
إذ كنت ترضيه و يرضيك صاحب جهارا فكن للغيب احفظ للود
«و ألغ أحاديث الوشاة فقلما يحاول واش غير إفساد ذي عهد
و إن كان المضمر خبرا لم يحذف لأنه عمدة و لا يقدم، لئلا يقع الإضمار قبل الذكر بل يؤخر. فتقول كنت و كان زيد قائما إياه. و ظننى و ظننت زيد عالما إياه. ثم ذكر الأشموني أن
ص377
دعوى ابن الناظم الاتفاق على منع الإضمار مقدما، فيها نظر لأن جوازه ظاهر كلام التسهيل، و الكافية.
غير أن الأشموني أورد بعد هذا عدة تنبيهات فيها تعديل و تصويب لكلام ابن مالك، و ابنه، فذكر أن ابن الناظم صوب قوله فقال:
و احذفه ان لم يك مفعولا حسب و ان يكن ذاك فأخره تصب
و أما تصويبه هو فقوله إن الأجود أن يقول:
بل حذفه إن كان فضلة حتم و غيرها تأخيره قد التزم
و لتفادي اللبس قوله:
و احذفه لا إن خيف لبس أو يرى لعمدة فجيء به مؤخرا
و من هذا التنبيهات قوله ان المازني قاس المتعدي إلى ثلاثة على المتعدي إلى إثنين، و عليه مشى في التسهيل. فتقول عند إعمال الأول: أعلمني و أعلمته إياه زيد عمرا قائما و في إعمال الثاني تقول: أعلمني و أعلمت زيدا قائما إياه إياه. و أعلمت و أعلمني زيد عمرا قائما إياه إياه (8)
و من تنبيهاته في هذا التنازع أنه لا يتناول الحال و التمييز خلافا لابن معطي (9)
هذا و لقد وضع محمد بن علي الصبان حواشي على شرح الأشموني وصفها بأنها «شريفة، و تقريرات جليلة منيفة، و تدقيقات رائقة "(10) نطقت بدقائق هذا الشرح و نكاته و كشفت النقاب عن وجوه مخدراته و مخبئاته، و أوضحت في مكنونات أسراره ما خفي على الواقفين، و أبرزت من عرائس ابكاره ما احتجب عن الناظرين" (11)
و ذكر الصبان في مقدمة حاشيته أنه اعتمد على شيوخ عدة منهم العلامة المدابغي، و السيد البليدي، و الفهامة الفاضل يوسف الحنفي (12). و قال إنه كمل هذه الحاشية عام 1193 ه (13). و هذه الحاشية من المراجع المتداولة في محاظر شنقيط.
ص378
_______________________
(1) المدارس النحوية:358،
(2) شرح الأشموني:1 / 5-6 (حاشية الصباني على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، ط. دار الفكر) .
(3) شرح الأشموني:1/ 15.
(4) شرح الأشموني:1 / 118-120.
(5) المصدر نفسه:2/ 165.
(6) شرح الأشموني:3 / 114-115.
(7) المصدر نفسه:3/ 175.
(8) شرح الأشموني:2 /104-107.
(9) المصدر نفسه:2/ 108.
(10) حاشية الصبان:1 / 3.
(11) المصدر نفسه:4 /357.
(12) المصدر نفسه:1 /3.
(13) المصدر نفسه:4 /357.
الاكثر قراءة في أهم نحاة المدرسة المصرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة