شرع الخالق -عز وجل- العبادات لهدف كبير وغرض سام، وليس من الصحيح ممارسة تلك العبادات بلا فهم لمقاصد المشرع ومعرفة بالأهداف الكبرى من ورائها. فإن المؤمن لا يبلغ حقيقة العبادة مالم تكن عن فقه ومعرفة. كما أن بلوغ الكمالات الروحية متعلق بعمق التفكير بأسرار العبادة وتذوق حلاوتها. ولذا جاء عن النبي الأكرم والعترة الهادية ما يشير الى أن الفقه روح العبادة ومن دون التفقه تبقى العبادة كالجسد من دون روح، وكالقشر دون لب، ويقصد بالفقه هنا، أعم من تعلم الأحكام الشرعية الفرعية، أي هو فهم أصول الدين وفروعه ومعرفة القيم الأخلاقية من زاوية الإسلام.
وردت روايات عديدة تؤكد تلك المعاني وتوضح حقيقة العبادة ومصاديقها المطلوبة، منها: -
- إن المعيار في صوابية العبادة وكونها مقربة الى الله –عز وجل- ليس كثرتها فقط، وإنما صدورها عن قلب واع وعقل مدرك لأسرارها، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: (قليل الفقه خير من كثير العبادة).
- لا قيمة للمظهر إن لم يرتكز على الجوهر، فإن من وراء أي عمل عبادي ثمرة يعبر عنها بــ(الخير) فما لم تنل تلك الثمرة، فإن الإنسان سيحرم خيرها؛ روي عن الإمام علي -عليه السلام-: (لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في علم ليس فيه تفكر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر).
- التفقه في الدين مفتاح للوعي، وبه تكتمل القربات وتدرك الغاية من العبادة؛ عن الإمام موسى الكاظم -عليه السلام- قال: (تفقهوا في دين الله، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا... ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا).
- يرجح النبي الأكرم في مقام التفاضل بين العبادات: التفقه؛ فهو علامة المتدين الناضج؛ فيقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أفضل العبادة الفقه).
- لطف الله تعالى بالمؤمن يكون بأن يوفقه للتعلم والتفقه؛ فهو منحة وجائزة يكرم بها بعض الصالحين من عباده، قال الإمام الصادق -عليه السلام-: (إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين).
- الباحث عن الكمال الروحي والطالب للمقامات المعنوية الرفيعة إنما يحصل على كل ذلك بالتفقه في الدين فهو رأس كل الفضائل، قال الإمام الباقر -عليه السلام-: (الكمال كل الكمال التفقه في الدين).