ورد في الحديث الشريف عن النبي (ص): «الناس أعداء ما جهلوا»[1]، يشير هذا الحديث إلى أن أهم وأعم مصادر العداوة هو الجهل حيث يجعل الصديق عدواً. فكشف بعض الحقائق التي لا يتحملها الجاهل بها يؤدي به إلى إنكارها؛ لأن عقله - مثلاً – لا يستوعبها وإذا أنكرها فإنه ينكر العقل الذي يحملها، وبالتالي ينكر الشخص الذي يحملها.
والذي تتولد عداوته لك من خلال إنكاره ما تحمل من علم مع أنه كان صديقاً حميماً - سابقا - أو لا أقل لم يكن من الأعداء، وتكون عداوته أشد لعدة عوامل:
أولاً: لأنه عدو خفي، بإعتبار أنك تعتقد أنه في سلم وسلام معك، وإذا به يفاجئك في يوم من الأيام بعداوته لك.
ثانياً: أنه قد يعين أعداءك الحقيقيين على قتلك أو محاربتك.
ثالثاً: أنه يقتلك مادياً أو معنوياً - ويحسب أنه يحسن صنعاً -، ويتقرب بقتلك إلى الله.
رابعاً: أنه إن لم يقتلك مادياً فإنه بالتأكيد سيقتلك معنوياً لأنه يعتقد إنك باطل.
فإن الإنسان لعله بنفسه يحدث الفتنة على نفسه من خلال إظهار مالا يصح إظهاره وإذاعة مالا يصح إذاعته، ومن هنا ينصح بعدم التعسف في استخدام الحق رغم أن الحق إلى جانبك، بل بالرفق واللين، ولذلك ورد عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله (ص): «ما وضع إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه ولا نزع عن شيء إلا شانه»[2].
ومن هنا ورد قوله تعالى: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ وَ أَوْلاٰدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[3]، فإن القرآن لم يقل أقتلوهم وإنما قال أحذروهم، والحذر أنواع ومراتب أهمها عدم أظهار مالا يصح إظهاره؛ لأجل أدارة وتدبير الشؤون الحياتية، وهذا معنىً آخر من معاني ما ورد: من جواز الكذب على الزوجة، فليس الكذب بمعناه المعهود، إنما هو بمعنى عدم إظهار كل الحقيقة؛ لأن البيان الكامل يؤدي إلى العداوة.
ومادام الإنسان في معركة مع عدوٍ داخلي وهو النفس، وعدو خارجي مخالف له في فهم الحقائق والأفكار، فإنه يسوغ له استعمال الخدعة - بقدر الضرورة - لأجل أن يخادع خداعهم ويوهم جانب الجهل فيهم فإن: «الحرب خدعة»[4] كما في الحديث الشريف، فينبغي استخدام الخدعة بقدر الضرورة وبقدر مستوى العداوة ونوع العداوة.
فينبغي بالإنسان أن يخطط بخفاء لمواجهة مستوى الخداع أو الجهل الموجود في النفس الأمارة بالسوء أو الجهل الموجود عند الأزواج أو الأولاد أو الأعداء الحقيقيين، وهذا يحتاج إلى ضابط وميزان لا يسقط فيه التدبير إلى الإزدواجية، بل يبقى على الإستقامة بتدبير خفي يحرس فيه الأمن، ولذلك حذرالمعصوم (ع) المؤمنين من استخدام التقية في غير موطنها، كما في إحتجاج الحسن العسكري (ع) - في حديث - أن الرضا (ع) جفا جماعة من الشيعة... فقال لهم: «وتتقون حيث لا تجب التقية، وتتركون التقية حيث لابد من التقية»[5].