علم الله تعالى لا ينافي الاختيار

نصّ الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرجو من سماحتكم إجابتي عن هذا السؤال: إذا كان الله عالماً بكل شيء، ومنها أفعال العباد قبل وقوعها، أفلا يعد ذلك سلباً لاختيار الإنسان؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإنّك إذا علمت بأنّ الشمس سوف تطلع غداً من المشرق، في الساعة الفلانية، فإنّ علمك ليس له تأثير في طلوعها، وكذا لو علمت بأنّ فلاناً سيقتل فلاناً الآخر، فإنّ علمك لا أثر له في القتل، ولا يعتبرك أحد قاتلاً، ولا يطالبك أولياؤه بدمه، ولا يحكم بالقَوَد.
وهكذا يقال بالنسبة لعلم الله تعالى بأفعالنا، فإنّه سبحانه يعلم بأنّنا سنقوم بالفعل الفلاني باختيار منّا، فهو يعلم بالفعل ويعلم بأسباب الإقدام عليه، وأنّه سيكون بالاختيار، وبالقدرات التي نملكها في مجال التنفيذ.
نعم، هناك فيض مستمر منه تعالى على هذا الإنسان، حيث يفيض عليه الوجود والحياة، والقدرة، وكلّ ما يملكه لحظة فلحظة، حتى حين يمارس أفعاله.
ولكن هذا الفيض والعطاء لا يعني أنّه تعالى هو الذي يفعل، أو يجبر على الفعل بل هو يعطي ونحن نأخذ، والآخذ يتصرّف فيما يأخذ كيف يشاء.
وهذا كما لو أعطى الأب ولده أموالاً ليصرفها في حاجاته المشروعة، وحدّد له موارد الصرف، فإنّه قد يصرفها في مواردها، وقد يصرفها في غيرها، فإنّ الوالد لا يلام على إعطائه المال؛ لأنّه قد أعطاه إيّاه على سبيل الإحسان إليه كما أنّه لا يطالب بما يفعله ذلك الولد.
وربّما يمكن أن يمثل لذلك بالطاقة الكهربائيّة التي نحصل عليها من مولّدها، فإنّنا نحن الذين نختار توظيف تلك الطاقة في هذا الفعل أو في ذاك، فنستفيد منها في التدفئة تارة، وفي التبريد أخرى، وفي الإنارة ثالثة، ...إلخ وقد نقتل أو نعذّب بها إنساناً أيضاً.
وفي جميع الأحوال: فإنّنا نحن الذين نختار، ونحن نتحمّل مسؤوليةّ ما نختاره، وليس للمولِّد أو لصاحبه أيّ ذنب في ذلك، ولا يطالبون بآثار اختياراتنا نحن للطاقة التي يضعونها تحت اختياراتنا، كما أنّ المنافع التي نحصل عليها من خلال توظيفنا للطاقة في الموارد النافعة لا يصل إليهم منها شيء.
وفي جميع الأحوال نقول: إنّ الله بكلّ شيء عليم، ولكن علمه هذا ليس له دور في صنع الفعل، بل هو يعلم أنّ الفعل سيتحقّق، عن إرادة واختيار منّا، فهو تعالى يعلم بالفعل، ويعلم بأنّه سيحصل باختيارنا وبإرادتنا له، وهو علم صادق بلا شك، ولكن صدقه لا يعني أنّ له أي تأثير في المعلوم.
والحمد لله ربّ العالمين (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الخامسة»، المركز الإسلاميّ للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (240).
1