جاء في كتابِ (أخلاقِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلام)
للسيد مُحمد صادق مُحمد رضا الخِرسان
قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السَّلام-:
(الصّبرُ صبرانِ.. صبرٌ على ما تكرهُ، وصبرٌ عمّا تُحِبُّ)
إنَّ الصّبرَ مِنَ الأمورِ الواضحةِ المعنى جماهيرياً، المجهولةُ القَدرِ، الصّعبةُ الحصولِ والتّطبيقِ؛ لأنَّ الإنسانَ لوجودِ بعضِ القِوى المُحرّكةِ للغضبِ والمثيرةِ نحوَ الانتقامِ تقِلُّ لديهِ فرصةُ التّجلّدِ وضبطِ النَّفسِ وعدمِ الشّكوى مما ألَمَّ بهِ مِن نوائبِ الدّهرِ، بلْ يُستثارُ بسُرعةٍ وتتأجَّجُ بداخلِهِ شُعلةُ حُبِّ الانتصارِ والإرغامِ للخَصمِ فلا يَصبِرُ وهذا بشَكلٍ عامٍّ.
وقدْ وردَ في القرآنِ الكريمِ ما يَحُثُّ على الصبرِ في عِدّةٍ مِنَ الآياتِ المباركةِ، وأيضاً وردَ في السُّنّةِ النبويّةِ الشريفةِ ما يُعزِّزُ الأمرَ ذاتَهُ بما يدعَمُ الفِكرةَ لتترسّخَ لدى المسلمينَ، فلا يتعرَّضوا لحالاتِ الضَّعفِ والاهتزازِ بما يُطوِّرُ الوضعَ إلى مالا تُحمَدُ عاقِبتُهُ ومالا تُرضى أواخِرُهُ.
ولما كانَ حصولُ الصّبرِ بالحالةِ الثابتةِ لدى النّفسِ، بحيثُ لا يجِدُ الإنسانُ كثيرَ مُعاناةٍ لو أرادَ التّحلّي بهِ، كانَتِ الدّعوةُ إلى بيانِ الصّبرِ، وإنّهُ في موقِفَينِ:
الموقِفُ الأوّلُ: عندَما يواجِهُ الإنسانُ حالةً يكرهُها ولا يريدُ الدّخولَ في تفاصيلِها، وللكراهةِ هذهِ أسبابٌ تختلفُ باختلافِ الزّمانِ والمكانِ والحالةِ والخصوصياتِ الأُخرى التي تَترُكُ آثاراً على الحالةِ بحيثُ يكرَهُها الإنسانُ. فإذا أَرغَمَ الإنسانُ نفسَهُ على التّحمُّلِ وتمريرِ الحالةِ وتجرُّعِ الآلامِ النفسيّةِ وغيرِها – أحياناً – بما يُحقِّقُ معنى الصبرِ، يفوزُ بما وعدَ اللهُ تعالى بهِ الصابرينَ مِنَ الأجرِ والمثوبةِ والبُشرى و{إنَّ اللهَ معَ الصّابرينَ}.
الموقفُ الآخَرُ: عندَما يكونُ الإنسانُ في خيارٍ بينَ أنْ ينفتِحَ على ما يُحبُ فيحصلُ لهُ ما يتمَنّى ويُحبُّ، أو يصبرَ عن ذلكَ ليحوزَ على رضا ربّهِ تعالى أو مَن أُمِرَ بمُداراتِهِ كالأبوينِ مَثلاً أو غيرِهم، فإذا تغلَّبَ على هَواهُ، وعَزفَ عَن مُرادِهِ وما يُحبُّهُ، وحاولَ التعامُلَ معَ ما لا يرغبُهُ تحقيقاً لرغبةِ المأمورِ بمُداراتِهِ فسوفَ ينالُ أجرَ الصّابرينَ ويكونُ في درجتِهم يوم َ القيامةِ.
وقدْ بَيّنَ (عليهِ السلامُ) أنَّ الصبرَ إنّما هو في هذينِ الموقِفينِ، فإذا صَبَرَ الإنسانُ فيهِما على ما يكرهُهُ، وعما يحبُّهُ ويرغَبُهُ فهو الصابرُ حقاً الذي وُعِدَ بكُلِّ خيرٍ.