Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
معزوفة المزامير الخرساء

منذ 10 سنوات
في 2016/05/05م
عدد المشاهدات :3561
مسك صديقي حميد يد طفلته المولودة قبل سويعات لاول مرة احس بنعومة يدها تخترق كفه الخشنة .. كزنبقة تنبت بين الصبار. لم يشعر باثر نعومة يدها في كفه فحسب بل راحت تجري في داخله قوس قزحا . وصلت لعيونه فرأى العالم اخضر اللون و الى اذنيه حيث سمع الترانيم البنفسجية من كل مكان و الى عيونه وشفاهه حيث انبثقت اشعة صفراء نحو السماء . شعر صديقي بسعادة لم يشعرها في حياته من قبل .
لقد طال انتظار صديقي حميد لقدوم طفلته الاولى 12 عاما كاملا كافح خلالها للحصول على ذرية . لم يترك مكانا مقدسا مزارا او حرما او كنيسة الا ونذر لها نذرا ثقيلا . من مشفى الى مشفى و من مركز للاخصاب المجهري الى آخر . يذهب في كل مرة لهذه المراكز بجيوب مليئة بالنقود و يرجع بجيوب فارغة و لكن لم يفرغ قلبه من الامل يوما .
مسك حميد يد طفلته و احس انه يمسك على معاناة الاعوام السابقة كلها و انها تتبدل فرحا و هلاهل و قبلات .
- مبروك صديقي حميد ...
قلتها له عبر الهاتف النقال اجابني بصوت مرتجف ..
- شكرا ..
و لم يزد على ذلك حرفا واحدا مرات كثيرة لايمكن لحميد ان يعبر عن مايدور ف يصدره بسهولة فيركن للصمت .. فقط الصمت.
و الان يا قارئي العزيز ارجوك ان تحتفظ بهذه الصورة في ذهنكمهما حدث لحميد او لطفلته او زوجته او لي انا ففرحة كبيرة مثل هذه تستحق ان تبقى في ركن امين من الذاكرة بعيدا عن هجمات النسيان لماذا ننسى افراحنا في موجات الحزن الصعبة التي تجتاح حياتنا
وبعد عام من هذا اليوم جلسا حميد و زوجته امام الطبيب ..
قال الطبيب بعد معاينة التقارير وبصوت هادئ فيه مسحة حزن :
- للاسف ... ابنتكما مصابة بالعمى ..و كذلك بكماء وصماء لايمكنها السماع ولا التكلم ولا الرؤية . نتيجة وجود مشاكل في تكوينها في رحم الام .
بكت الام و احتضنت طفلتها بقوة .. انهمرت الدموع ثم لطمت خدها مزقت ملابسها .. قذفت الطفلة جانبا .. صرخت بجنون ..هرع لها الممرضون و حقنوها بحقنة مهدئة .
لكن حميد كان صامتا رمق طفلته.. احتضنها و ضغط صدره على صدرها حتى راح يحس بنبضات قلبها وانفاسها المتسارعة ثم خرج دون كلام .
في تلك الليلة لم ينم صديقي .. انتظر حتى نامت الطفلة وبدأ الصراخ صرخ بكل قوته . و تابع الصراخ منتظرا ردفعل من طفلته النائمة بهدوء وصل دوي صراخه المجنون الى الشارع سمعه الجيران . ولكن لم يوقف حميد صراخه حتى شعر بالدم يتدفق من حنجرته و يفور مع صراخه لم تسمعه الطفلة كانت تنام بهدوء ... بهدوء تام .
و في اليوم التالي وحين فتحت الطفلة عيونها مع اولى اغاني الشمس . كان صديقي يرقص نعم .. يرقص لكن لم تكن رقصة بالمفهوم المعروف لم تكن حركاته موزونة بل كانت اشبه بمن يمشي على طريق من جمروشوك باقدام حافية . كان يقفز ثم ينام على الارض ثم ينقلب على ظهره ثم يعاود القفز امام الطفلة . منتظرا ضحكة الطفلة او ابتسامتها او استغرابها او بكاءها وخوفها . اي شيء يدل انها احست به . لكنها كانت هادئة وتنظر بعيون ليس لها معاني الى نقطة واحدة و تدير رأسها بحركات عشوائية .

وبكى صديقي ..بكى بحرقة ..لاهثا بفم يجري دم و حنجرة مجروحة . بكى واحتضن طفلته .
و استمر صديقي كل ليلة يصرخ ادمن وجبات صراخه الليلية..وفي الصباح يرقص مثل طير مذبوح يصرخ مفجوعا و يرقص موجوعا . اعتقد في داخله ان لايمكن لطفلته ان لاتسمعه وتراه الى الابد لايمكن لهذه الصرخات ان لاتخترق اذانها ذات ليلة ولايمكن لرقصته المذبوحة ان لا تنطبع على عيونها الى الابد لابد انها ذات مرة ستبتسم له. فاستمر ..استمر لاشهر يصرخ ويرقص ويطيل النظر الي طفلته متوقعا ابتسامتها في اي لحظة وفي كل مرة كان يخيب أمله .

قلت لك يا قارئي العزيز فيماسبق ان قلب صديقي حميد ربما يكون اكبر مستودع للامل لا يفرغ بسهولة
تمكنت من رؤيته بعد ان حبس نفسه والطفلة في الغرفة لاشهر . كان بلاصوت بوجه شاحب و سحنة باهتة . نحف كثيرا و طالت لحيته و ابيضت بشكل غريب . قلت له :
- صديقي ..الاف الاطفال بل مئات الالاف يولدون هكذا ..ليس وحدك انت اما سمعت ان هناك مدارس و معاهد مخصصة لهم وانهم اليوم قادرون على ان يستمرون بالحياة ويدخلون المدارس والجامعات
لم يقل صديقي شيئ .. كان جامدا شعرت اني احاول عبثا حفر قلب في جدار و جعله ينبض.
لا اعرف ما الصورة التي تشكلت في مخيلة صديقي في تلك اللحظة و ماذا سمع و لكني عرفت ان هناك دويا مكتوما في صدره وانعكاسات مرعبة تتولد فيه . ولكن كما تعرفون انه يصمت في المواقف الصعبة .
هل شاهدتم في نشرات الاخبارية الحرائق العملاقة التي تحدث في الغابات الكبيرة هي لاتتوقف بسهولة ..تستمر بالتهام الاغصان الخضراء والسنابل ..لاتتوقف رغم حشود رجال الاطفاء تستمر تلتهم تستطعم الزهور والاوراق الخضراء تستمر الى آخر غصن الا اذا مرت غيمة حبلى بقطرات الخلاص و امطرت هنا ينتهي الحريق و تنجو الغابة بنفسها .. فهل سيمطر صديقي حميد

ذات يوم رجع صديقي ..مصابا بموجة من الجنون الى البيت وربما كان سبب هذه النوبة ان تزامن عبوره في الشارع مع خروج طلاب المدراس في المنطقة . دلف غرفته كثور هائج و بدأت الصرخات بدأت بشكل اقوى من كل مرة و راح يرقص هذه المرة و يصرخ . قذف بنفسه ارضا و انقلب . استمر لساعة كاملة . حين شعر بلسعات الدم في حنجرته القى بنفسه على الارض قرب طفلته النائمة بهدوء دون ان تصدر اي صوت او تشعر بالعاصفة التي تجتاح المكان .
مد صديقي يديه نحو الطفلة ولمس بها رقبة طفلته الناعمة كالقطن .. ثم احكم قبضته حشرجت الطفلة و غصت . ولكنها كانت ماتزال هادئة . ضغط على رقبتها بقوة . كان يلهث و يمكنه ان يسمع صوت خفقات قلبه تلعنه مع كل نبضة احس ان الشيطان يتقمصه في تلك اللحظة . احكم قبضته على رقبة الطفلة وضغط بكل قوته هذه المرة ..فتحت الطفلة عيونها .

لم ار صديقي حميد منذ آخر لقاءنا قبل سنوات .. اللقاء الذي تكلمت لكم عنه . انتقلت الى مدينة اخرى للعمل و لكن كلما رأيت طلاب المدراس الابتدائية حاملين حقائبهم على ظهورهم او في سيارات الباص المخصصة لنقلهم او كلما سمعت اصواتهم الفرحة المنطلقة من المدرسة القريبة . اقول في نفسي : اين الان طفلة صديقي حميد بالتاكيد كان يمكنها ان تكون بينهم ..ولكن هل هي بينهم الان من يدري ربما نعم ..ربما لا

اعضاء معجبون بهذا

حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 3 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 3 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 3 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )