ومن الايات الكريمة النازلة في بعض الصحابة قوله تعالى: (أفَمَن كانَ مُؤمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لايَستَوونَ) السجدة، 18.
(أفمن كان مؤمنا)، مصدقا بالله عارفا به وبأنبيائه عاملا بما اوجبه الله عليه وندبه اليه (كمن كان فاسقا) منافقا منحرفا عن جادة الهدى عابثا خارجا عن طاعة الله بارتكاب المنكرات، وجاء بالاستفهام على وجه الانكار، ثم اخبر تعالى شانه بأنهم (لا يستوون) ابدا، لا في الدنيا بكل مراحلها ولا في الاخرة بكل مراتبها.

نزلت هذه الآية في الاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة، قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط للاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: (أنا أحدّ منك سناناً، وأبسط منك لساناً).

فقال له الاِمام علي عليه السلام: اسكت، فإنّما أنت فاسق، فنزلت الآية، قال عبدالله بن عباس: (يعني بالمؤمن عليّاً، وبالفاسق الوليد بن عقبة)، اسباب النزول للواحدي، ص363.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وفي علي نزل (أفمن..) في قصتهما المشهورة ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن (في ذلك)، وممن ذكر من علماء السنة ومفسريهم ومؤرخيهم انها نزلت في امير المؤمنين عليه السلام والوليد بن عقبة: ابن عساكر في تاريخ دمشق (ترجمة أمير المؤمنين والوليد)، والسيوطي في شواهد التنزيل والدر المنثور، والقرطبي والبغوي، والخطيب في "تاريخ بغداد"، وروى الطبري بإسناده عن عطاء بن يسار قال: نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بين الوليد وبين علي كلام، فقال الوليد بن عقبة: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأرد منك للكتيبة، فقال علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، كما أشار البلاذري إلى تفصيل القصة في ترجمة الوليد من أنساب الاشراف، وكذا ابن عدي في الكامل، وابن المغازلي في مناقبه، والحاكم الحسكاني، وأبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني، وهؤلاء كلهم من علماء المدارس السلطانية المخالفة لاهل البيت الا انهم ذكروا سبب النزول ونصوا عليه، اما الشيعة اعزهم الله سبحانه فقد ذكروا في مصادرهم وتفاسيرهم التي تعرضوا فيها للاية المباركة سبب النزول المذكور، والغريب ان السيد محمد حسين فضل الله لم يتعرض لبيان سبب النزول، وهذه من جملة المؤاخذات على هذا السيد والله العالم.
فاتفقوا ان المراد بالفاسق هو الصحابي الوليد بن عقبة، وفي هذا الفاسق نزلت آية اُخرى، سمته فاسقاً، اعني قوله تعالى: (يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا إن جاءكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَّنُوا أن تُصيبُوا قَوماً بِجهالةٍ فَتُصبِحُوا على ما فَعَلتُم نادِمِينَ)، الحجرات، 6.
وسبب النزول أنّ النبي صلى الله عليه واله بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه، فرجع للنبي صلى الله عليه واله وسلم، واخبره بانهم ارتدوا ومنعوا الزكاة، فجاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه واله وأخبروه بعدم صحة قول الوليد، فنزلت الآية. وهي محل اتّفاق بين المفسرين والمؤرخين في نزولها في الوليد بن عقبة، وفي تسميته فاسقاً
وهذا الرجل - الوليد بن عقبة - كان مشهوراً بالفسق والفجور وقد ازداد غيه وفسقه بعد رحيل النبي صلى الله عليه واله، والمشكلة الاكبر ان عثمان بن عفان استعمل الوليد أميرا على الكوفة، فعاث في الارض فسادا حتى ضجت الكوفة من مجونه واستهتاره وتذمر الناس من سوء سيرته حتى انه شرب الخمر، ثم صلّى بالناس جماعة صلاة الصبح اربع ركعات وهو سكران، وكان يقول في ركوعه وسجوده اشرب واسقني ثم قاء في المحرب والتفت الى الناس قائلا: هل ازيدكم
فقال له ابن مسعود لا زادك الله خيرا ثم اخذ فردة نعله وضرب بها وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر وهو يترنح.
قال الحطيئة الشاعر المعروف:
شَهِدَ الحُطَيئَةُ حينَ يَلقى رَبَّهُ
أَنَّ الوَليدَ أَحَقُّ بِالعُذرِ
نادى وَقَد كَمُلَت صَلاتُهُمُ
أَأَزيدُكُم ثَمِلاً وَما يَدري
لِيَزيدَهُم خَيراً وَلَو قَبِلوا
لَقَرَنتَ بَينَ الشَفعِ وَالوِترِ
فَأَبَوا أَبا وَهَبٍ وَلَو فَعَلوا
زادَت صَلاتُهُمُ عَلى العَشرِ
وقد نفى الدكتور طه حسين زيادة الوليد في الصلاة الا ان نفيه هذا مجرد تخيل او تقوَل من يريد ان يذكروه بشيء ما ولو كان على حساب الحقيقة.
فقد اخرج القصة مسلم في صحيحه الجزء الثالث - كتاب الحدود - باب حد الخمر، ص1331. واشار اليها البخاري في التاريخ الاوسط والصغير وابن حنبل والطبراني والبيهقي والصنعاني وغيرهم، فلا يلتفت الى مثل قول من لا يرى.
وقال ابن حجر العسقلاني في الاصابة ج6، ص482: (وقصة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرجة، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضاً مخرجة في الصحيحين) .
فاذا كان مثل هذا الفاسق بنص القران الكريم والسنة المطهرة بين الصحابة كيف يدعى انهم عدول كلهم
سبحانك اللهم ان هذه جرأة على رسولك وكتابك وانت احكم الحاكمين.