أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) على أهمّية دور الإعلام في نقل الشعائر الإسلاميّة المهمّة لكونها من موارد الحكمة والقوّة، مشيراً الى أنّ الإعلام من الركائز الأساسيّة التي أولاها الشارعُ المقدّس اهتماماً كبيراً.
جاء ذلك أثناء إلقاء سماحته كلمةً في الحفل الذي أقامته إذاعةُ الكفيل النسويّة في ذكرى عامها الثاني عشر صباح اليوم الجمعة (21 ذي الحجّة 1440هـ) الموافق لـ(23 آب 2019م).
حيث جاء في كلمة سماحته (دام عزه): "بسم الله الرحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير البشر النبيّ المصطفى وعلى آله الطيّبين الطاهرين، السلام عليكم في هذا اليوم المبارك يوم الجمعة، سائلين الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا وإيّاكم دائماً لما فيه سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
هذه الإذاعة الكريمة -إذاعة الكفيل- التي خُصّصت للخطاب النسويّ وخطاب الطفل، أُنشئت لقناعتنا بأنّ هذين العنصرين خصوصاً في البلدان الشرقيّة من أهمّ ما يُمكن أن يُخاطبا به، وأنتم تعلمون جيّداً بأنّ الإعلام من الوسائل المهمّة والأساسيّة في إيصال الفكرة، سواءً كانت فكرة جيّدة أو -لا قدّر الله- فكرة غير جيّدة، واليوم العالم يُنفق أموالاً طائلة على الإعلام بجميع الوسائل المتاحة، ومعنى الإعلام باختصار هو أنّ الذي لا يعلم نجعله يعلم، قَبِل الفكرة أو لم يقبلها هذا شيءٌ آخر، لكن الإعلام يُعتبر من الركائز الأساسيّة وقد أولاه الشارع المقدّس اهتماماً كبيراً، حتّى عندنا بعضُ الشعائر الإسلاميّة المهمّة من موارد الحكمة التي أُنشِئت -لا أقول العلّة من ورائها- هو الجانب الإعلاميّ، صلاة الجماعة مثلاً مظهرٌ من مظاهر القوّة، إحياء بعض مناسبات أهل البيت(عليهم السلام) مظهرٌ من مظاهر القوّة، في بعض الزيارات الأئمّة(عليهم السلام) كانوا يشجّعون أتباعهم على أن يكونوا في هذا المشهد، مثلاً يوم الغدير احرص على أن تكون عند أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض الروايات، هذا كلّ حكمته مظهر من مظاهر هذا الإعلام، وعندما تتطوّر الدنيا والمجتمع أيضاً هذه الوسائل تأخذ مساحةً من التطوّر، فلذلك لابُدّ أن نبقى يقظين وملتفتين ونماشي بعض جوانب التطوّر في الآليّات لا في الأفكار، أرجو أن يكون هناك مائز، نتطوّر مع الآليّات يعني آليّات الإيصال لابُدّ أيضاً أن نبحث عنها، أمّا الأفكار والمبادئ وجوهر المبادئ فهذه أمور بالقواعد العامّة والمبادئ هي أمورٌ ثابتة، نعم.. تحتاج الى صياغات قد تكون جديدة مع الحفاظ على روح هذه المبادئ وإيصالها الى الآخرين.
حقيقةً هذه التجربة تجربة الإذاعة هي من التجارب الفريدة وفي عين الوقت من التجارب الناجحة، وهذا لا يعني أنّ خطاب الأخوات أن يكتفين بما عندهنّ، لا وإنّما ذكر ذلك من باب التحفيز على إيجاد الأفضل دائماً، الإنسان لديه قدرة على أن يبقى يعمل الى أن يصل الى أفضل حالة، والذي يأتي بعده يعمل أيضاً ويصل الى أفضل حالة، هذه المفاهيم المنطقيّة التشكيكيّة والمقصود بالمفاهيم التشكيكيّة يعني التي فيها تفاضل دائماً، صيغة أفضل في اللغة العربيّة هذا طويل وهذا أطول هذا فاضل وهذا أفضل، صيغة التفضيل هذه موجودة في اللغة العربيّة، ودائماً الإنسان يبحث عنها ويبحث عن الحالة الأفضل.
اليوم بحمد الله تعالى هذه الإذاعة وصلت الى مدياتٍ واسعة، سواءً عن طريق البث المباشر أو وسائل الاتّصال الأخرى، وردود الفعل التي تأتي وتصلنا بمقدار ما نطّلع عليه أيضاً جيّدة بحمد الله تعالى، ويُقال الإعلام يُغني عن البرهان بمعنى أنّ واقع هذه الإذاعة فرض نفسه على الوسط الإعلاميّ بهذه الخصوصيّة، خصوصيّة الكادر النسويّ الذي لا يكتفي فقط في الإذاعة كمذيع وإنّما كبرنامجٍ تامّ للإذاعة، تبدأ من بدايتها الى جميع ما يتعلّق بالإعداد والبرامج والقضايا الفنيّة التي تتبنّاها المرأة، هذا المقدار يعزّز نظريّتنا باعتبار أنّ المرأة لها مساحة من العمل مهمّة جدّاً، وإذا توفّرت لها البيئة الشرعيّة المناسبة الموافقة للآداب فإنّها ستُنتج، وظيفتُنا في الواقع أن نهيّئ الأجواء المناسبة لأن ترى المرأةُ مجالها، وما هذا المكان -مكان مركز الصدّيقة الطاهرة(عليها السلام)- إلّا بداية لهذا المعنى، أردنا أن نجمع جميع النشاطات النسويّة في هذا المكان، وبحمد الله تعالى أصبح هذا المركز مَعلماً مهمّاً من خلال نشاطات كلّ الدوائر النسويّة العاملة الموجودة فيه، بحيث وصل العمل الى خارج العراق.
المأمول أيضاً وهناك أملٌ كذوب -والعياذ بالله- وهناك أملٌ مشروع، ونحن نتحدّث عن الآمال المشروعة، الإنسان لابُدّ أن تكون عنده همّة، أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: (ربّ همّةٍ أحيتْ أمّة)، المأمول -من الآمال المشروعة- أن تتعزّز هذه التجربة شيئاً فشيئاً وأن نُكثر من الموارد والمواطن والمواقع التي تتميّز فيها المرأة ويكون العمل نسويّاً بحتاً، نعم العتبة المقدّسة في مقام الإسناد والدعم لكن العنصر النسويّ لابُدّ أن يفرض نفسه، لأنّ الكثير من الموارد تحتاج واقعاً العنصر النسويّ، وتسمية هذا المركز بـ(مركز الصدّيقة الطاهرة) وأنتم تعرفون الحياة المباركة للصدّيقة الطاهرة على قِصَرها لكنّها أصبحت خالدة (سلام الله عليها)، والإنسان عندما يقرأ بعضاً من سيرتها العطرة يجد أنّها مارست أدواراً قد لا يُمكن لغيرها أن يُمارس هذا الدور، وأيضاً من بعدها ابنتها زينب الحوراء(سلام الله عليها) أيضاً مارست أدواراً لا يُمكن لغيرها أن يُمارس هذا الدور، وخلدت مواقفُ أمير المؤمنين وخلدت مواقفُ سيّد الشهداء من مجموعة عناصر، من جملتها عنصر الزهراء وعنصر الحوراء زينب(عليهما السلام).
فإذن هناك حاجة حقيقيّة في بعض الحالات لا يغطّي المجال إلّا المرأة، إذا توفّرت لها العناصر المهمّة وكانت هي أيضاً بمستوى المسؤوليّة وبمستوى أن تتمتّع ببصيرة قويّة تفهم موارد التكليف، وأعتقد أنّ هذه النقطة مهمّة فنحن جميعاً مخاطبون بأنّنا لابُدّ أن نكون من أهل البصيرة، المقصود من البصيرة -بإشارة موجزة- هي قدرة الإنسان ووعي الإنسان على فهم ما يدور، أي لا يتمتّع ببساطةٍ وسذاجة ويكون مستوى تفكيره بمقدار ما يقع عليه نظره، بالعكس لابُدّ أن يكون بعيد الغور ويفهم الأمور بشكلٍ دقيق جدّاً وله القدرة على أن يربط المقدّمات بعضها مع بعض حتّى يصل الى نتائج معيّنة.
أعتقد أنّ الإذاعة جزءٌ من مهمّتها هو إحداث هذه البصيرة في الجهة المخاطَبة، سواءً كان الأطفال منذ الصغر أو أخواتنا المؤمنات أينما كنّ، وهذه البصيرة مهمّة جدّاً، فعلى الإنسان أن يفهم ما يدور حوله ويفهم تكليفه بشكلٍ دقيق جدّاً، حتّى ورد أنّ الإمام الباقر(عليه السلام) عندما كان يقول: (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا)، المراد لعلّه هو الفهم لأنّ الفقه بمعناه اللغويّ هو الفهم، حتّى يتفقّهوا يعني حتّى يفهموا، ربّ فقيهٍ أو ربّ حامل فقهٍ الى من هو أفقه منه.
الإنسان أحياناً يردّد حديثاً أو كلمةً إلّا أنّه لا يفهم معناها، العمق مطلوب والبصيرة مطلوبة، هذه الإذاعة نتمنّى لها دوام التوفيق إن شاء الله تعالى، وهذه بداية طيّبة وإن كان قد مضى عليها اثنا عشر عاماً، لكنّها أيضاً بداية، نأمل من الله تعالى أن يُرينا فيها كلّ خيرٍ في المستقبل، وأن يمتدّ عمر هذه الإذاعة المباركة الى ما شاء الله تعالى.
تجربة الكادر النسويّ مع توفّر كلّ الظروف الملائمة له، نحن عندنا أكثر من تجربة في العتبة، يعني بالإضافة الى الإذاعة عندنا أكثر من موردٍ نسويّ خاصّ، وبحمد الله تعالى النشاطات تأتينا بين فترة وأخرى، التقارير مشجّعة على ذلك وبدأت تشغل مساحةً كبيرة من حياة وأوقات بناتنا وأخواتنا في كلّ مكان، أنا أعتقد أنّ تعزيز هذه التجربة مهمّ جدّاً، وتوسيع دائرة الاهتمام بالمرأة بهذا المقدار أيضاً مهمّ، نتمنّى للأخوات كلّ التوفيق ونشكر الحضور الكريم من أخواتنا اللاتي يشاركن أخواتنا في الإذاعة في هذه المناسبة المباركة، سائلين الله تبارك وتعالى دوام التوفيق والتسديد للجميع، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين.