مع بزوغِ فجرِ يومِ الحادي عشر من شهر ذي القعدة تتوارى الشمس حياءً وخجلاً من سطوع نورٍ عظيمٍ لشمس من شموس البيت العلوي، وخير أنيس للنفوس، والذي تشرّفت بمرقده أرض طوس الإمام الثامن علي بن موسى الرضا "عليه السلام" والضامن لشيعته ومحبيه وزائريه الجنة، وابتهاجاً بهذه المناسبة المباركة أقامت العتبة الكاظمية المقدسة حفلها المركزي في رواق عبد الله بن عبد المطلب "عليه السلام"، بحضور عن الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة فضيلة الشيخ عَدِي الكاظمي وأعضاء مجلس الإدارة وأمين عام العتبة الحسينية المقدسة، وممثلي العتبات المقدسة العلوية والعسكرية والعباسية والمزارات الشيعية الشريفة، وعدد من الشخصيات الدينية والحكومية والاجتماعية وجمع غفير من زائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".
استهل الحفل بتلاوة آيٍ من الذكر الحكيم شنّف بها أسماع الحاضرين السيد عبد الكريم قاسم، تلاها كلمة العتبة الكاظمية المقدسة بهذه المناسبة العطرة وألقاها عن أمينها العام فضيلة الشيخ عَدي الكاظمي قائلاً: ( ونَحن نَشَهد هذه الأيام المباركة، وخاصة مولد إمامنا الرضا "عليه السلام"، الإمام الرحيم الرؤوف، الذي تُستسقى من حياتهِ الشريفة الدروس وتأخذ العبر على مرّ التاريخ، ولعل من أهم تلك الدروس التي نستطيع أن نفهمها، وأن تكون درساً مهماً في حياة المؤمن هما أمران، الأول: مسألة الإمامة والمأموم، وهي أصل ثابت بحقّ مواليّ أهل البيت "عليهم السلام"، إذ أن هناك مرحلة جديدة في حياة الإمام الرضا "عليه السلام" من خلال استقدامه من المدينة المنورة نحو طوس، وتعيينه بفرض وتهديد قَسري من قبل المأمون العباسي بأن يكون ولياً للعهد، فهنا محل الدَرس ألا وهو ما ثبت ان هناك إماماً ليس منفصلاً عن المدّ السماوي الإلهي، فدور المأمومين هنا لا بد من الطاعة والانصياع، لا المناقشة والاعتراض، إذ أراد الإمام "عليه السلام" من هذا الأمر وأسس إليه تعليم الأمة درساً جديداً، وهو بما أنكم تؤمنون بإمام معصوم فلا نقاش في ذلك ولا أمر لكم إلا أن تنصاعوا فيما أسلكه في هذا الطريق. فدرس معرفة القائد والمقود، والزعيم والتابع ينبغي أن يكون حاضراً بيننا، من خلال تمسكنا بالمرجع وهو نائب الإمام، والالتزام بقرار التسليم والانقياد والابتعاد عن الخصوم والاعتراض، ليتسنى له بناء قاعدة متينة رصينة، وهذا ما شهدناه واثبته أخواننا وأبنائنا جزاهم الله خير الجزاء حين ضحوا بأرواحهم ودمائهم، وبالغالي والنفيس لأجل الدفاع عن عراق المقدسات.
وأشار فضيلته إلى الأمر الثاني: ألا وهو الرأفة والرحمة التي تجسّدت في شخصية الإمام الرضا "عليه السلام" حين كان يقابل الإساءة بالاحسان، مهتماً بشؤون المسلمين، كجده رسول الله "صلّى الله عليه وآله وسلّم" وما تعرّض إليه في فتح مكة، فهنا يعلمنا الإمام "عليه السلام" قاعدة الصفح والمسامحة والخُلق العالي هي كفيلة بإصلاح ما افسد العلاقة بينك وبين الأخرين.
بعدها ارتقى المنصة فضيلة الشيخ منير الكاظمي وأشار إلى أهمية انعقاد هذه المجالس والمحافل المباركة في ذكر أهل البيت "عليهم السلام" مستشهداً بقوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)، كما استعرض في بحثه القيم ما وَرَدَ على لسان العُلماء المُسلمين من شهادات في حقّ الإمام علي بن موسى الرضا "عليه السلام"، وفضل زيارته مستنداً إلى قول رسولنا الأكرم "صلّى الله عليه وآله وسلّم": ( سَتُدفَنُ بَضْعَةٌ منِّي بِأَرضِ خُرَاسانَ ما زَارَهَا مَكْرُوبٌ إِلا نَفَّسَ اللهُ كُرْبَتَهُ وَ لا مُذْنِبٌ إِلا غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ).
كما شهد حفل المولد الشريف مشاركة لفرقة الجوادين الإنشادية بمجموعة من الأناشيد الإسلامية، ومشاركة للشاعر عامر عزيز الانباري بقصيدة ولائية رائعة صدح فيها صوته حباً وولاءً ومنها هذه الأبيات:
عليُّ .. مثلُ جدِّك في العلاءِ *** عليٌّ في المكارمِ والسّخاء
شموس الكون تؤذن بانطفاءٍ *** وشمسكَ ليس تؤذن بانْطفاءِ
دعاكَ لأنْ تكون وليَّ عهْدٍ *** وأنْت وليُّ أفلاكِ السَّماءِ
واختتم الحفل بمشاركة للرادود الحسيني كرار الكاظمي بالأهازيج والرّدات التي ترنّمت بحقّ صاحب الذكرى "عليه السلام".