ليس من الصعب التعرف على هوية الجثة ان كانت غير متفسخة او في دور تفسخ بدائي بحيث لازالت مميزاتها ظاهرة للعيان وفي مثل هذه الحالة تحفظ في ثلاجة خاصة لعرضها بين حين وآخر على من يعنيهم الامر لتشخيصها ، وفي حالة عدم وجود ثلاجة يدون المحقق العلامات المميزة ويحتفظ بصورة ضوئية وبطبعه أصابع الجثة ويدون الطبيب في تقريره مفردات الملابس ومظاهرها ويثبت العلامات المشخصة للجثة ولادية كانت هذه العلامة - شامة . اصبع زائد .. تشوه عظمي . كسر قديم . مرض جلدي . او مصنوعة كالوشم وينبغي ان يصور ثم تدفن بعد الانتهاء من الفحص حسب الاصول .لقد سبق أن فحصنا عدة مئات من جثث مجهولة الهوية وبحالة متقدمة من التفسخ أثر بقائها في النهر أو قبرها لمدة أسابيع أو شهور عديدة وأحيانا لعدة سنين وطلب الينا ابداء رأي يتعلق بتشخيص الجثث وتثبيت علامتها المميزة التي تساعد على تعرف الهوية ثم القول فيما اذا كانت جثة زيد أو عمر ، والاسلوب الذي اتبعناه في معالجة مثل هذه الوقائع والذي ساعد كثيرا على انجاز المهمة على الوجه الاكمل اقتصر على توجيه اسئلة معينة ، مدونة في استمارات أعدت من قبلنا لهذا الغرض ، الى المحقق ليجيب عليها تتعلق بايضاح مفردات الملابس التي كان يرتديها الشخص وقت فقده ومميزاتها ومظاهر الجسم وما فيه من علامات ولادية او معمولة كالوشم وندوب العمليات الجراحية واثر الختان وعدد الاسنان ونوعها طبيعية كانت او صناعية وفيما اذا كانت مكسوة بالمعدن او محشوة ، مضافا الى ذلك بيان طول وعمر الشخص المفقود ولو بصورة تقريبية ويقوم الطبيب بالبحث بدقة في الجثة للتأكد من وجود العلامات المميزة المزودة له وفيما يلي اسس الفحص الذي اتبعناه : ــ

1 ـ الملابس : ــ تفتش الملابس بحثا عما تحتويها من محافظ جلدية او اوراق او بطاقة هوية او دفتر نفوس او مفكرة او اجازة حمل سلاح او سوق بسيارة او مفتاح سيارة او خزانة او صور ضوئية او رقم هاتف وعلى الطبيب الفاحص تدوين كل هذه الامور في تقريره واعادة ما يعثر عليه الى المحقق بعد تغليفه ختمه حسب الاصول ، ففي وقائع غير قليلة استطاع المحقق بعد الاتصال بالمصور المثبت اسمه في الوجه الخلفي للصورة الضوئية تمثل الشخص المفحوص او احد معارفه ، وفي وقائع اخرى امكن تثبيت الهوية باستعانة ما يعثر عليه من مواد في ملابس الجثة .

 تستنتج امور كثيرة من مظاهر الملابس ، اذ انها تختلف شكلا تبعا لاختلاف المهن فملابس العسكريين والشرطة والمستخدمين في مصلحة البريد ومصلحة نقل الركاب وأمانة العاصمة متباينة المظهر وبالاضافة لهذا فأن الملابس قد تحوي على وسم خاص يساعد على استباط معلومات اخرى كأن نشاهد علامة خاصة بمهنة الطب أو الهندسة أو الطيران الخ ... كما أن سعة الملابس وشكلها تكون للفاحص فكرة واضحة عن العمر أو الجنس والحالة الاجتماعية فملابس البدويين تختلف عن المدنيين وملابس الصباغين والقصابين والبنائين والعمال والآليين تحوي في العادة على تلوثات دهنية او دموية او بقايا مواد انشائية .أمكن التعرف في وقائع عالجناها على هوية متوفي لوحظت في باطن سترته رقعة قماشية كتب فيها اسم الخياط وفي موضع آخر من الملابس شاهدنا رقعة كتب فيها اسم المتوفي ولقبه وفي وقعة ثانية أمكن تثبيت هوية شخص دفنت جثته لمدة جاوزت السنة الواحدة بعد عرض القطع القماشية المتهتكة من السترة على خياط معروف ببغداد نقش فيها اسمه وعنوان محله ، وقد عثر على مفتاح صغير في جيب السترة هذه وتبين انه هو مفتاح الخزانة الحديدية الرسمية العائدة له بصفة الوظيفة ، وفي وقعة ثالثة أمكن التعرف على هوية شخص دفنت جثته لبضع شهور بواسطة ساعة يدوية ذات سلسلة معدنية كانت في موضعها حول عظام الرسغ وقد علاها الصدأ وتراكمت عليها الاوساخ وأمكن تنظيفها وقراءة اسم المصنع السويسري والرقم التسلسلي للساعة وتبين للمحقق بعد أن اخبرناه بالموضوع ان الوكيل لبيع هذه الساعات يحتفظ بسجل يكتب فيه اسم وعنوان كل من يشتري منه ساعة وكان اسم المتوفي مسجلا في سجله المذكور ازاء الرقم التسلسلي للساعة .

2- البقع الموتية : - يستنبط من شكل البقع أحيانا رأي يفيد للكشف عن الهوية أو الحالة الاجتماعية للمتوفي فمظاهر انتشارالبقع توضح للفاحص من أن المتوفى كان يشد ساعة برباط معدني في يده وقد ظهرت آثار انطباع الرباط أو يلف حزاما جذعه أوان المتوفاة تستعمل حمالة ثدي او مشد جذع .

3- العلامات الولادية : يفيد وجود الخال والتشوه العظمي او الاظفري او بروز الاسنان او وجود اصبع زائد او تلونات جلدية في تثبيت الهوية . وفي وقعة عالجناها أمكن التعرف على هوية قتيلة بواسطة خال جوار حلمة ثديها صور موقعة من قبل مصور المعهد ثم عرضت الصورة الضوئية على شخص كان قد راجع مركز الشرطة ببغداد بعد أن قرأ في الصحف المحلية خبر العثور على أشلاء جثة مجهولة الهوية وبدون رأس مفيدا انه افتقد امرأة لها خال قرب ثديها فأتصل المحقق بنا مستفسرا عن مشاهدتنا لمثل هذه العلامة الولادية فأخبرته بإننا نحتفظ بصورة ضوئية لها ، اطلع الشخص على الصورة وعرضت عليه الملابس التي كانت على القتيلة فعرفها ذاكرا بانها اهديت اليها من قبله وقد زود المحقق باسم القتيلة وباسم زوجها الذي تبين بعد بانه قتلها لسوء سلوكها .

4- العلامات المعمولة : - تستنتج من شكل النقوش الوشمية آراء لكلمة (يا الله) و (يا محمد) و (يا علي ) او نقول على هيئة صليب او على شكل قلب يخترقه سهم وقد نقش تحته اسم شخص معين ، وفي وقعة من الوقائع أمكن التعرف على هوية شخص وشم اسمه الكامل ومسقط رأسه في عضده وكان قد ركب سيارة انقلبت فمات الاشخاص الخمسة الذين كانوا فيها وبواسطة ذوي المتوفى المذكور

أمكن التعرف على الباقين ، كما أمكن على آخر كان قد دفن بضعة أيام بعد مشاهدة نقش وشمي باللونين الازرق والاحمر على ساعده يمثل فتاة تحمل بيدها علم العراق . وقد تدل النقوش الوشمية على السقوط الاخلاقي ولا زلت أتذكر وقعة امرأة زانية قتلت من قبل ذويها في المبغى العام في بغداد - لقد اغلقت السلطات المؤولة دور البغاء منذ أكثر من 15 سنة . - وقد كتبت وشماً في المنطقة العانية من جسمها : (ادخله بسلام) .

ومن العلامات المعمولة أيضا آثار الختان الذي تجري عمليته في الغالب للمسلمين واليهود وندوب العمليات الجراحية ومواضعها والتي توحي بصورة تقريبية عن طبيعة العملية الجراحية ، وفي وقعة من الوقائع اخبرنا المحقق بأن ذوي المتوفى يدعون بأن فقيدهم كان قد اصيب بضربة سيف أبان الحرب العالمية الاولى أدت الى تشوه اصبع البنصر وقد تأكد لنا ذلك أثناء الفحص .