المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16439 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{وان هذا صراطي‏ مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل}
2024-05-15
{ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي‏ هي احسن}
2024-05-15
{قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم}
2024-05-15
{قل هلم شهداءكم}
2024-05-15
معنى الخرص
2024-05-15
معنى الشحوم و الحوايا
2024-05-15

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آفات التفسير بالمأثور : مبدأ نشر الاسرائيليات  
  
2211   05:48 مساءاً   التاريخ: 14-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب
الجزء والصفحة : ج2 ، ص628-638.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الأثري أو الروائي /

قد عرفت منع النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) من مراجعة أهل الكتاب ، منعه البات ، حتى الاستنساخ من كتبهم فضلا عن الرجوع الى اقاويلهم ومن ثم لم يكن يجرأ احد من الصحابة ان يراجع أهل الكتاب او يأخذ عنهم شيئا من الاخبار ، وذلك مادام النبى على قيد الحياة .

وفي حديث عمر الانف ، لما زجره النبى (صلى الله عليه واله وسلم ) على استنساخه عن كتب القوم ، قام وقال متندما على ما فرط منه : (رضيت باللّه ربا ، وبالإسلام دينا ، وبك رسولا ) (1) .
وهـكـذا انـتـهج المسلمون منهجا سليما عن شوب أكدار أهل الكتاب ، مدة حياته (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومدة ايام ابي بكر ، وطرفا من ايام عمر.

ثـم لـمـا توسعت رقعة الاسلام وفاضت بلاد المسلمين بكثرة الوافدين ، وفيهم الاجانب عن روح الاسـلام ، ممن لا معرفة له بأصول الشريعة ، نرى ان هذا السد المنيع قد ازيل ، وجعلت اكاذيب أهل الكتاب تتسرب بين المسلمين ، ولم تزل تتوسع دائرتها مع توسع البلاد. هـذا كـعب الاحبار ، اتى بخزعبلاته في هذا العهد ، وابدى عبداللّه بن عمرو بن العاص بمفترياته عـن زامـلـتـيـه ايضا في هذا العهد ، كما كظ ابو هريرة بمخاريقه في هذا الدور المتأخر عن حياة الـرسـول وهـكـذا نرى عمر بن الخطاب قد اذن لتميم بن اوس الداري ان يقص قصصه قائما في الـمـسـجـد النبوي ، عـلانية على رؤوس الاشهاد في هذا العهد (2)  ، كما اصاخ بإذنيه لـمـخـاريق كعب يقول ابن كثير بعد ما ساق الروايات في ان الذبيح هو اسحاق : وهذه الاقوال كلها مأخوذة عن كعب الاحبار ، فانه لما اسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر عن كتبه قديما ، فربما استمع له عمر ، فترخص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا ما عنده عنه ، غثها وسمينها ، وليس لهذه الامة حاجة الى حرف واحد مما عنده (3)  .

فـقـد كـان الـعقد الثاني بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) عهد رواج القصص الاسطورية والاسرائيليات ، حـسـبـمـا قـال الـدكـتـور ابـو شهبة : ان بدعة القص قد حدثت في آخر عهد الفاروق : عمر بن الخطاب (4)  .

وهل كان هناك نكير على هذا الفعيل ؟.

كان عمر بين حين وآخر يشدد النكير على هذا الصنيع ، ولكن من غير تداوم عليه ، فكان هناك ـ رغـم تشديد عمرـ اناس يقومون بنسخ او ترجمة كتب العهد القديم ، والتحديث عنها بين المسلمين ، اما المراجعة الى أهل الكتاب والقص على الناس فقد تعارف وشاع ذلك العهد. اخـرج الـحافظ ابو يعلى الموصلي عن خالد بن عرفطة ، قال : كنت جالسا عند عمر ، اذ اتي برجل مـسـكنه السوس (5) فقال له عمر : انت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم قال : وانت النازل بـالـسوس ؟ قال : نعم فضربه بقناة معه فقال الرجل : ما لي يا امير المؤمنين ؟ فجلس ، فقرا عليه : {بسم الله الرحمن الرحيم الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف : 1 - 3]  ، فقرأها عليه ثلاثا وضربه ثلاثا فقال له الرجل : ما لي يا امير المؤمنين ؟ فقال : انت الذي نسخت كتاب دانيال ؟ قال : مرني بأمرك اتبعه ، قال : انطلق فامحه بالحميم والصوف الابـيض ، ثم لا تقرأه ولا تقرئه احدا من الناس ، فلئن بلغني عنك انك قرأته او أقرأته أحداً من الناس لا نهكتك عقوبة .

ثـم قال له عمر : اجلس ، فجلس بين يديه ، فقال : انطلقت انا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ، ثم جئت بـه في اديم فقال لي رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) : ما هذا في يدك يا عمر؟ الـى علمنا ، فغضب رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) حتى احمرت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الانصار : اغضب نبيكم ؟ ، السلاح السلاح فجاؤوا حتى احدقوا بمنبر رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقال : (يا ايها الناس انـي قـد اوتـيـت جـوامـع الـكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصارا ، ولقد اتيتكم بها بيضا نقية ، فـلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون ) قال عمر : فقمت وقلت : رضيت باللّه ربا وبالإسلام دينا وبك رسولا ، ثم نزل رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم).

ويقرب من ذلك ما اخرجه الحافظ احمد بن ابراهيم الاسماعيلي عن جبير بن نضير ، حدثهم ، قال : ان رجلين كانا بحمص في خلافة عمر ، فارسل اليهما في من ارسل من أهل حمص ، وكانا قد اكتتبا مـن الـيهود صلاصفة  (6)  ، فأخذاها معهما يستفتيان فيها امير المؤمنين ، يقولون : ان رضيها لنا امير المؤمنين ازددنا فيها رغبة ، وان نهانا عنها رفضناها فلما قدما عليه قالا : انا بارض أهل الكتاب ، وانا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا ، أفنأخذ منه او نترك ؟ فقا : لعلكما كتبتما منه شيئا : لا قال عمر : سأحدثكما   :

انـطـلـقت في حياة النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) حتى اتيت خيبر ، فوجدت يهوديا يقول قولا اعجبني ، فقلت : هل انت مـكـتـبـي مما تقول ؟قال : نعم ، فأتيت  بأديم فاخذ يملي على حتى كتبت في الاكراع (7) فلما رجـعت ، قلت : يا نبي اللّه ـ واخبرته ـ قال : ائتني به فانطلقت ارغب عن الشي رجا ان اكون جئت رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) ببعض ما يحب فلما اتيت به قال : اجلس اقرا علي فقرات ساعة ، ثم نظرت الى وجه رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) فاذا هو يتلون فتحيرت من الفرق  (8)  ، فما استطعت ان اجيز منه حرفا فلما رأى الذي بي رفعه (9) ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه ، وهو يقول : لا تتبعوا هؤلاء فانهم قد هوكوا وتهوكوا )10)  ، حتى محاه عن آخره حرفا حرفا.
قـال عمر : فلو علمت انكما كتبتما شيئا جعلتكما نكالا لهذه الامة قالا : واللّه ما نكتب منه شيئا ابدا فخرجا بصلاصفتهما ، فحفرا لها ، فلم يألوا ان يعمقا ، ودفناها ، فكان آخر العهد منها (11) .

و لكن هل اثر تشديد عمر في الحد عن مراجعة أهل الكتاب ؟.

انه لم يشدد على مراجعتهم ، وانما شدد على الكتابة من كتبهم كما شدد على كتابة الحديث ومن ثم نـراه قـد اجاز للداري ان يقص على الناس ، كما شاع القص في مسجد النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) فضلا عن سائر المساجد ذلك العهد.

وهـكذا سار على منهجه في اجازة القص في المساجد ، من جاء بعده من الخلفاء واصبح ذلك مرسوما اسلاميا فيما بعد ، كما حث عليه معاوية في اجازته لكعب ان يقص على الناس حسبما عرفت .
وبـعـد ، فان عصر الصحابة وهي الفترة بين وفاة النبى (صلى الله عليه واله وسلم ) وظهور التابعين في عرصة الفتيا والـتفسير كان عصر نشؤ الاسرائيليات وتسربها في التفسير والحديث ، فضلا عن التاريخ ، ذلك ان غـالبية الشؤون التاريخية كانت مما يرجع عهدها الى تاريخ الامم الماضية والأنبياء الماضين ، وكان المرجع الوحيد لدى العرب حينذاك لمعرفة احوالهم وتواريخهم هي التوراة وأهل الكتاب ، فكانوا يراجعونهم ويأخذون عنهم بهذا الشأن . قـال الاسـتـاذ الذهبي : نستطيع ان نقول : ان دخول الاسرائيليات في التفسير ، امر يرجع الى عهد الـصـحابة ، وذلك نظر الاتفاق القرآن مع التوراة والانجيل في ذكر بعض المسائل (12) مع فـارق واحد ، هو الايجاز في القرآن والبسط والاطناب في التوراة والانجيل ولقد كان الرجوع الـى أهل الـكـتـاب ، مـصـدرا من مصادر التفسير عند الصحابة (13) فكان الصحابي اذا مر عـلـى قـصـة مـن قـصص القرآن يجد من نفسه ميلا الى ان يسال عن بعض ما طواه القرآن منها ولم يتعرض له ، فلا يجد من يجيبه على سؤاله سوى هؤلاء النفر الذين دخلوا في الاسلام ، وحملوا الى أهله ما معهم من ثقافة دينية ، فالقوا اليهم ما القوا من الاخبار والقصص (14) .

ونـحـن اذ نصادق الذهبي في ان الصحابة ـ على وجه الاجمال ـ كانوا يراجعون أهل الكتاب ، فيما ابهم عليهم من قصص القرآن ، وكان اولئك يلقون اليهم ما كان لديهم من قصص واساطير. لـكن لا نصادقه في حكمه ذلك على الصحابة على وجه العموم ، اذ كان علماء الصحابة يأبون الرجوع الـى غـيرهم من ذوي المعلومات الكاسدة ، بل كانوا يستنكرون من يراجعهم في قليل او كثير ، حيث وفرة المعلومات الصحيحة لدى علما الاصحاب الكبار وقد كان مستقاها مسائلة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) مهبط الـوحـي ومـعـدن علوم الاولين والاخرين ، فلم يدعوا صغيرة ولا كبيرة الا سالوا عنها الرسول الكريم .

هـذا ابـن عـباس حبر الامة وترجمان القرآن ينادي برفيع صوته : هلا من مستفهم او مستعلم ويـسـتنكر على اولئك الذين يراجعون أهل الكتاب ولديهم الرصيد الاوفر من ذخائر العلوم فقد كان ابن عباس يسي الظن باهل الكتاب حتى المسلمة منهم .
روى البخاري باسناده الى ابن عباس ، كان يقول :
(يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب ، وكتابكم الذي انزل على نبيه (صلى الله عليه واله وسلم ) احدث الاخبار باللّه تقرأونه لم يشب (15) و قد حدثكم اللّه ان أهل الكتاب بدلوا ما كتب اللّه وغيروا بأيديهم الكتاب ، فقالوا هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا افلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلتهم ، ولا واللّه ما رأينا منهم رجلا قط يسألكم عن الذي انزل عليكم ) (16) .
وهـذا امـيـر الـمؤمنين على بن ابي طالب ، سفط العلم وباب مدينة علم الرسول ، وكذا عبداللّه بن مسعود وابي بن كعب وامثالهم من اوعية العلم ، لم يحتمل بشأنهم الرجوع الى  كتابيّ قط وهذا معلوم بالضرورة من التاريخ .

نـعـم انـما كان يراجع أهل الكتاب من الاصحاب ، من لا بضاعة له ولا سابقة علم ، امثال عبد اللّه بن عمر بن العاص ، وعبد اللّه بن عمرو بن الخطاب ، وابي هريرة واضرابهم ، من المفلسين المعوزين .

و قد سمعت مراجعة عبد اللّه بن عمرو بن العاص الى أهل الكتاب ولاسيما زاملتيه اللتين زعم انه عثر عليهما في واقعة اليرموك ، وكذا ابو هريرة تربية كعب الاحبار. وقد ذكر اصحاب التراجم : ان عبداللّه بن عمر بن الخطاب كان ممن نشر علم كعب ، وكان راوية له .

هـذا عـمـاد الدين ابن كثير عند كلامه عن قصة هاروت وماروت يحكم بوضع هذه القصة ، وان منشأها روايات اسرائيلية تدور حول ما نقله عبد اللّه بن عمر بن الخطاب عن كعب الاحبار ، وهي مما ألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام ، وان روايات الرفع الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) غريبة جد ا ، قال : (و اقرب ما يكون في هذا انه من رواية عبداللّه بن عمر عن كعب الاحبار لا عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) كما قـال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الاحبار وهكذا روى ابن جرير باسناده الى سالم انه سمع ابن عمر يحدث عن كعب الاحبار) (17) .

و هذا ابو هريرة يراجع كعبا وعبداللّه بن سلام في معرفة الساعة في يوم الجمعة ، لا يوافقها عبد مـسلم وهو قائم يصلي ، يسال اللّه تعالى شيئا الا اعطاه اياه – كما في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) - (18)  ،   فيسألهما عنها : اهي في جمعة بخصوصها ، واي ساعة من ساعاتها ؟

فيجيبه كعب بأنها في جمعة واحدة من السنة . وعندما يتعرض عليه أبو هريرة نظراً وهكذا يجيبه ابن سلام بأنها آخر ساعة من يوم الجمعة ، فيرد عليه أبو هريرة بأن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) نهى عن الصلاة فيها ، فكيف وهو يدعو في صلاته حينذاك ؟ !

فيقول له ابن سلام : " من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاة .. " (19) . وهكذا تداومت مراجعة كتب العهدين وأهل  الكتاب على عهد التابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم ، على اثر تساهل السلف في ذلك ، وصارت مهنة القص على الناس عادة مألوفة بين المسلمين على طول التاريخ .

فقد كانت هناك فئة تقص بالمساجد ، وتذكر الناس بمواعظها وترغبهم وترهبهم ولما كان هؤلاء ـ عـلـى امثال اسلافهم المعوزين ـ ليسوا أهل علم ودراية ، وكان غرضهم استمالة العوام ، فجعلوا يـختلقون القصص والاساطير الخرافية ، وروجوا الاباطيل وفي هذا الكثير من الاسرائيليات والخرافات العامية ، ما يتصادم مع العقيدة الاسلامية ، وقد تلقفها الناس منهم ، لان من طبيعة العوام الميل الى العجائب والغرائب .

يقول ابن قتيبة بشان القصاصين وشعوذتهم :

انـهم يميلون وجه العوام اليهم ، ويستدرون ما عندهم بالمناكير والاكاذيب من الاحاديث ومن شان الـعـوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول ، او كان رقيقا يحزن القلوب فـان ذكر الجنة قال : فيها الحوراء من مسك او زعفران ، وعجيزتها ميل في ميل ، ويبوئ اللّه وليه قصرا من لؤلؤة بيضا ، فيها سبعون الف مقصورة ، في كل مقصورة سبعون الف قبة ، ولايزال هكذا في السبعين ألفاً ، لا يتحول عنها (20) . ومـن هؤلاء الـقـصـاص ، من كان يبتغي الشهرة والجاه بين الناس ومنهم ، من كان يقصد التعيش والارتـزاق ومـنهم ، من كان سيئ النية خبيث الطوية ، يقصد الافساد في عقائد الناس ، وربما حجب جمال القرآن وتشويه سمعة الاسلام ، بما  يأتي  من تفاسير باطلة وخرافات تتنافى العقول .
قـال ابو شهبة : وقد حدثت بدعة القص في آخر عهد عمر ، وفيما بعد صارت حرفة ، ودخل فيه مـن لا خلاق له في العلم ، و قد ساعدهم على الاختلاق ، انهم لم يكونوا من أهل الحديث والحفظ ، وغالب من يحضرهم جهال فجالوا وصالوا في هذا الميدان واتوا بما لا يقضي منه العجب (21) .
و يظهر انه اتخذ القصص اداة سياسية ورا ستار التذكير والترهيب ، يستعين بها ارباب السياسات في دعم سياساتهم وتوجيه العامة نحوها ، كالتي نشاهدها وقد حدثت في عهد معاوية ، وهو اول من ابدع مزج السياسة بالوعظ الارشادي ، ومن ثم ارتفع شان القصص حتى اصبح عملا رسميا يعهد الى رجـال رسميين يعطون عليه اجرا وفي كتاب (القضاة ) للكندي ان كثيرا من القضاة كانوا يعينون قـصـاصـا ايـضا واول من قص بمصر سليمان بن عتر التُجيبي في سنة (38هـ) ، وجمع له القضاء والقصص ، ثم عزل عن القضاء وافرد بالقصص .
وهكذا امر معاوية ـ في هذا الوقت ـ رجالا يقصون في المساجد بعد صلاة الصبح وبعد المغرب ، يدعون له ولأهل ولايته كل صباح ومساء  .

وصـورة الـقـصـص : ان يجلس القاص في المسجد وحوله الناس ، فيذكرهم اللّه ويقص عليهم حـكـايـات واحاديث وقصصا عن الامم السالفة ، واساطير ونحو ذلك ، ولا يتحرون الصدق مادام الـغـرض هو الترغيب والترهيب والتوجيه الخاص ، مهما كانت الوسيلة ، جريا مع قاعدة (الغاية تبرر الواسطة ).

قـال الـلـيـث بن سعد : هما قصصان : قصص العامة ، وقصص الخاصة فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع اليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه .
وامـا قـصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ، ولى رجلا على القصص ، فاذا سلم من صلاة الصبح جـلـس وذكـر اللّه وحمده ومجده وصلى على النبي ، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده ، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة (22) .
وقـد نما القصص بسرعة ، لانه كان يتفق وميول العامة ، فضلا عن اتفاقها مع الاتجاهات السياسية الـظـالـمـة فـي الاغـلب وقد اكثر القصاص من الاكاذيب والافتعالات ، يصحبها كثير من التهم والافتراءات ، فاتوا بالطامات الكبرى وضلالات .
وقد عد الغزالي ذلك من منكرات المساجد المحرمة والمبتدعات الباطلة ، قال : فلا يجوز حضور مـجلسه ، الا على قصد اظهار الرد عليه ، فان لم يقدر فلا يجوز سماع البدعة ، قال اللّه تعالى لنبيه : {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام : 68] (23) .
وقد عرفت ان الامام امير المؤمنين (عليه السلام)  طردهم من المساجد (24) . ومن صفاقاتهم في ذلك ، ما روي انه صلى احمد بن حنبل ، ويحيى بن معين بمسجد الرصافة فقام بين ايـديـهم قاص ، فقال : حدثنا احمد بن حنبل ويحيى بن معين ، قالا : حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن قـتـادة عن انس ، قال : قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) : (من قال : لا اله الا اللّه خلق اللّه من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ) واخذ في قصة نحوا من عشرين ورقة .

فجعل احمد ينظر الى يحيى ، ويحيى ينظر الى احمد ، يسال احدهما الاخر : هل انت حدثته  بهذا؟ قال : واللّه ما سمعت بهذا الا هذه الساعة .

فلما انتهى الخطيب القاص اشار اليه يحيى ، فجا متوهما نوالا ، فقال له : من حدثك بهذا؟ قال : احمد بـن حنبل ويحيى بن معين فقال يحيى : انا يحيى بن معين وهذا احمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول اللّه فان كان ولابد من الكذب فعلى غيرنا فقال القاص : لم ازل اسمع ان يحيى بن معين واحمد بن حنبل احمقان ، ما تحققته الا الساعة فقال له يحيى : وكيف ؟ قال : كانه ليس في الدنيا احمد بـن حـنـبـل ويـحيى بن معين غيركما لقد كتبت عن سبعة عشر احمد بن حنبل ويحيى بن معين فما كان منهما الا ان رضيا من النقاش بالسلامة (25) . ومـن يـدري ، فلعلهما لو اطالا معه القول ، لنالهما ما نال الشعبي ، فقد دخل مسجدا ، فاذا رجل عظيم اللحية ، وحوله اناس يحدثهم ، وهو يقول : ان اللّه خلق صورين ، في كل صور نفختان قال : فخففت صـلاتي ، ثم قلت له : اتق اللّه يا شيخ ، ان اللّه لم يخلق الا صورا واحدا فقال لي : يا فاجر ، انا يحدثني فلان وفلان ، وترد على قلت لهم : ان اللّه خلق ثلاثين صورا في كل صور نفختان (26) .
و هكذا كان القصاص مصدر شر وبلا على الاسلام والمسلمين .
____________________
1- حـدث عـمـر عـن نفسه ، قال : انتسخت كتابا من اهل الكتاب ، ثم جئت به في اديم ، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ما هذا في يدك يا عمر ؟ قلت : كتاب نسخته لنزداد به علماً الى علمنا ، فغضب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حتى احمرت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقال : يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصاراً . ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون . فقمت وقلت : رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك نبياً (تفسير ابن كثير ، ج2 ، ص467).

وروى أحمد بإسناده عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطاب الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : يا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك ! قال : فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه واله  وسلم) .قال عبد الله بن ثابت : فقلت لعمر : ألا ترى ما بوجه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين (مسند أحمد ، ج4 ، ص265-266).
2- سير اعلام  النبلاء ، ج2 ، ص 447.
3- راجع تفسير ابن كثير ، ج4 ، ص 17.
4- الاسرائيليات والموضوعات ، ص 89.
5- سوس : مدينة شوش التي بها قبر دانيال ، من ارض خوزستان .
6- صلاصفة : جمع صلصفة هي الصحيفة .
7- الاكراع : جمع الكرع : مقدم عظم الساق ، والمقصود : العظام الرقيقة .
8- الفرق : الفزع .
9- اي اخذه مني .
10- الهوك : الحمق .
11- راجع : تفسير ابن كثير ، ج2 ، ص 467 ـ 468.
12- للأستاذ عبدالوهاب النجار في (قصص الانبياء) محاولة في استخراج قصص القرآن من التوراة ،ومقارنة بين ما جاء في القرآن بصورة موجزة ، وجاءت في التوراة (العهد القديم) مبسطة .
13- لا نصادقه في هذا الراي ، وانما كان يراجع اهل الكتاب من قلت بضاعته من الاصحاب .
14- التفسير والمفسرون ، ج1 ، ص 169.
15- لـم يـشـب ، اي كـان محفوظا عن الدس فيه ، فهو كلام اللّه الخالص ، من غير ان تشوهه يد التدليس .
16- راجـع : صـحـيـح الـبـخاري ، (باب لا يسأل اهل الشرك عن الشهادة) ، ج9 ، ص 237 وج3 ، ص136 (باب لا تسألوا أهل الكتاب).
17- تفسير ابن كثير ، ج1 ، ص 138 وراجع تاريخه البداية والنهاية ايضا ، ج1 ، ص 37 ؛ تفسير الطبري ، ج1 ، ص363 ، (حيث يحدث ابن عمر عن كعب صريحاً ).
18- جامع البخاري ، ج2 ، ص 16.
19- إرشاد الساري للقسطلاني في شرحه لحديث الساعة ، ج2 ، ص190 ؛ راجع : التفسير والمفسرون ، ج1 ، ص170-171 ؛ الإسرائيليات والموضوعات ، ص103-104 . ولا بن حجر إشارة الى ذلك في فتح الباري ، ج1 ، ص345.
20- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ، ص 279ـ280.
21- الاسرائيليات والموضوعات ، ص89-90.
22- الخطط المقريزية ، ج2 ، ص199، منشورات دار العرفان ، مطبعة الساحل الجنوبي – شياح – لبنان ؛ فجر الاسلام ، ص160.
23- احياء العلوم لابي حامد الغزالي ، ج2 ، ص 331 ، ط 1939 الانعام / 68.
24- فجر الاسلام ، ص 159 ـ 160.
25- راجع : تفسير القرطبي ، ج1 ، ص 79.
26- الاسرائيليات والموضوعات ، ص 90. 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



شعبة التوجيه الديني النسوي تختتم دورة تعليم مناسك الحج
العتبتان المقدستان العلوية والعباسية تبحثان تعزيز التعاون في مجال خدمة الزائرين
منها الشبابيك والأبواب.. أعمال فنيّة عدّة ينفذها قسم الصناعات والحرف
قسم شؤون المعارف يصدر العدد الخامس عشر من مجلة تراث البصرة