المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16450 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الموظف نفرحات.
2024-05-16
الفرعون أمنحتب الثالث.
2024-05-16
الموظف حوي.
2024-05-16
الموظف حقر نحح.
2024-05-16
قبر الموظف بنحت.
2024-05-16
بتاح مس.
2024-05-16

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


عدّة نكات مهمّة في التعزيرات الإسلامية  
  
1745   07:04 مساءاً   التاريخ: 6-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج10 ، ص173- 182.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

1- وحدة القرار

إنّ حرّية القضاة في تعيين مقدار التعزير وإن كانت امتيازاً ونقطة قوة مضيئة تمنحهم إمكان تعيين التعزيرات المناسبة للمجرمين كلٌ بحسب جرمه ، ولكن هذه المسألة تصير سبباً أحياناً في اختلاف القضاة في المناطق المختلفة في كمية التعزيرات للجرم الواحد ، وهذا الأمر لم يكن يشكل مشكلة في الزمن الماضي حيث كانت المناطق متصلة بعضها عن البعض الآخر ، ولكن اليوم وبالالتفات إلى‏ الاتصالات السريعة والواسعة بين المناطق المختلفة ، يشكل ذلك مشكلة حقيقية.

ولهذا الدليل ، فلا مانع من أن يجلس أهل النظر والقضاة البارعون في جلسات مشتركة لتعيين حدود للتعزيرات ، ولكن ينبغي أن لا تكون تلك التعزيرات معينة وإنّما كحدٍ أعلى‏ وحدٍّ أدنى‏ كالحبس والغرامة المالية والعقوبات الإسلامية وامثال ذلك لتكون التعزيرات على‏ نسق واحد في المناطق المختلفة.

وهذا الأمر ينسجم تماماً مع الموازين الإسلامية ، وعلى‏ أقل تقدير يمكن الاستدلال على‏ مشروعيته بالعناوين الثانوية.

2- عدم اقتصار التعزير على الجلد

التعزير- وكما أسلفنا- له معنى‏ واسع يشمل كل ردع وتأديب ، ولا يوجد أي دليل على‏ أنّ هذا المعنى‏ قد تغيّر في الشرع الإسلامي المقدس أو في اصطلاح الفقهاء (وبالاصطلاح ليس له حقيقة شرعية أو متشرعية) ، كما أنّه لم ينقل إلى‏ معنى‏ جديد في اصطلاح الفقهاء ، وإن كان كثير من الفقهاء وتبعاً للروايات اعتمدوا على‏ مصداق خاص منه (الجلد) ، ولكن بيان هذا المصداق المعروف لا يُعدُّ دليلًا على‏ انحصار مفهوم التعزير بالجلد ، وإن توهّم بعضٌ أنّ التعزير مساوٍ للضرب والجلد.

ولكن التحقيق والتدقيق في كلمات الفقهاء يثبت بطلان هذا التصور.

يقول العلّامة الحلّي- قدس سرّهُ الشريف- في «التحرير» بعد أن يبيّن أنّ التعزير ورد للجنايات والذنوب التي لم يرد فيها حدٌّ معين :

«وَهُوَ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَالحَبْسِ وَالتُّوبِيخِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَلا جَرْحٍ وَلا أَخْذِ مالٍ» (1).

قول في كتاب‏ «الْفقه على المذاهب الأربعة» بعد نقل كلام «ابن القَيِّم» وإن ظاهر عبارته أن الحاكم له تعزير المجرمين بأي طريقة يرى‏ فيها الصلاح- سواءً الحبس أو الضرب- : «وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّعزِيرَ باب واسع يُمْكِنُ لِلْحاكِمِ أنْ يَقْضي بِه‏ عَلَى‏ كُلِّ الْجرائم الَّتي لَمْ يَضَعِ الشّارِعُ لَها حدّاً أَوْ كَفّارَةً عَلَى أنْ يَضَعَ العقُوبَة المُناسِبَةَ لكلِّ بَيئةٍ ولكلِّ جَرِيْمَةِ مِنْ سَجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ نَفيٍ أَوْ تَوبيخٍ أَوْ غَيْرِ ذلِك» (2).

هذهِ مقتطفات من كلمات فقهاء الخاصة والعامة.

ومضافاً إلى‏ ذلك ، فإنّ روايات كثيرة وصلتنا في ابواب مختلفة من الفقه ، تدلُّ بوضوح على‏ سعة معنى‏ مفهوم ومصداق التعزير يطول المقام بذكرها هنا ، ومن رغب في الوقوف عليها لابدَّ له من مراجعة بحث التعزير في كتاب الحدود والتعزيرات.

ومن مجموع ما ورد في كتب «اللغة» و «كلمات الفقهاء» و «الروايات الإسلامية» في أبواب الفقه المختلفة ، يمكن الاستنتاج بوضوح أن الحاكم الإسلامي غير مقيد بانتخاب نوعٍ معين من أنواع التعزير ، والموارد ادناه كلها من جملة التعزيرات ، بشرط رعاية حال المجرم‏ والمحيط الاجتماعي وكمية وكيفية الذنب وسائر الجهات :

1- الضرب بأشكال مختلفة.

2- الحبس بكيفية وكمية متفاوتة.

3- الغرامة المالية ، أي أخذ مقدار من المال ، وتوقيف أموال المجرم لمدة معينة (كحجز سيارات المتخلفين عن قوانين المرور).

4- التوبيخ العلني والسرّي.

5- النفي إلى‏ منطقة اخرى‏ لمدّة طويلة أو قصيرة ، وترك المراودة ، أو ترك التعامل مع المجرمين.

6- المنع من السفر إلى‏ خارج البلدة ، أو الدولة ، أو حتى‏ الإقامة الجبرية في المنزل.

7- المنع من التكسب والاشتغال لمدّة معينة.

8- حرمانه من العمل في بعض المناصب ، والحقوق الاجتماعية.

9- التشهير بالمجرم عن طريق وسائل الاعلام بشكل محدود أو موسع.

10- حرمانه من بعض الامتيازات ، كمنعه من ارتداء زي الروحانيين ، بالنسبة إلى‏ الأفراد الذين يرتدون ذلك الزي.

وامور اخرى‏ يمكنها أن تردع المتخلفين والمجرمين ، وتحدَّ من تكرار تلك الذنوب من قبلهم ومن ارتكابها من قبل الآخرين.

3- معنى‏ تخيير الحاكم في التعزيرات‏

هناك كلام طويل بين الفقهاء في مقدار التعزيرات التي يُخيّر فيها القاضي ، ولكنهم متفقون على‏ أن التعزير لابدّ أن يكون اقلَّ من الحدِّ وإن اختلفوا في الحدِّ الذي لابدّ أن يكون التعزير أقلَّ منه ، وهل هو حدُّ الزنا ، أم أقل الحدود ، أم أنّه يتناسب مع الذنب المرتكب؟

وما ينبغي التنبيه عليه هنا هو أنّ المراد من تخيير القاضى في انتخاب كمية وكيفية التعزير ، لا يعنى أنّه يتبع ميوله الشخصية في ذلك ، بل المراد في التخيير هو فسح المجال‏ للقاضي لكي يأخذ بنظر الاعتبار مناسبات «الجرم» و «الجريمة» من كل الجهات ، فالقاضي وإن كان ظاهراً مخيرٌ في تعيين التعزير إلّا أنّه في الحقيقة ليس مخيراً ، لأنّه يُعيّن لكل جرم مقداراً من العقوبة يتناسب مع ذلك الجرم ، بمعنى‏ أنّ الجرم إذا كان يقتضي الحبس لمدة شهر من الزمان ، أو عشرين جلدة فلا يمكنه زيادة تلك المدّة أو عدد الجلدات حتى‏ يوماً واحداً أو جلدة واحدة ، أو فلساً واحداً في الغرامة المالية.

4- التعزيرات في القرآن الكريم‏

ذكرت في القرآن الكريم بعض موارد التعزير يمكن أن تكون نموذجاً للحكم الكلي الإسلامي :

أ) قصة المتخلفين عن غزوة تبوك‏

وتوضيحه : نقرأ في قوله تعالى‏ :

{وَعَلَى‏ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى‏ اذَا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا انْ لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ الَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا انَّ اللَّهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ}. (التوبة/ 118)

فقد بُيِّنَ في هذه الآية بنحو الإشارة ، وفي الروايات والتفاسير بنحو التفصيل ، التعزير العجيب الذي مارسه النبي الأكرم صلى الله عليه و آله في حق أولئك النفر الثلاثة الذين تخلفّوا عن غزوة تبوك (والذين لم يأتمروا بأمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتركوا الجهاد بدون عذر وجيه).

وهؤلاء الثلاثة طبقاً لتصريح بعض الروايات هم «كعب بن مالك» و «مرارة بن ربيع» و «هلال بن اميّه» ، ومع أنّهم لم يكونوا من المنافقين ولكنهم تخاذلوا عن الجهاد في تبوك ، ثم انتبهوا إلى‏ أنّهم ارتكبوا ذنباً عظيماً ، وندموا على‏ ذلك.

وعندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه و آله من غزوة تبوك ، جاء هؤلاء الثلاثة إليه وقدموا الاعتذار ، ولكن الرسول صلى الله عليه و آله لم يكِّلمْهُمْ وأمر المسلمين بأن لا يكلّموهم ، فلم يكلّمهم أحدٌ وقاطعهم الناس حتى‏ أنّ نساءهم وأولادهم جاءوا إلى‏ النبي صلى الله عليه و آله وطلبوا منه الرخصة في الانفصال عنهم ، فلم يسمح لهم الرسول صلى الله عليه و آله بالانفصال التامِّ عنهم وإنّما أمرهم بعدم مقاربتهم.

وعندما وجَدَ هؤلاء المتخلفون أنفسهم في حصار اجتماعي رهيب وضاقت عليهم الآفاق على‏ سعتها اضطروا إلى‏ ترك «المدينة» هرباً من الفضيحة والذلّ ، والتجأوا إلى‏ الجبال في أطراف المدينة ، فكان أهلوهم يأتونهم بالطعام ولكن كانوا لا يكلمّونهم حتى‏ بكلمة واحدة!

وحينئذٍ قال أحدُهم لصاحبيه : والآن وقد قاطعنا الناس تعالوا ليقاطع أحدُنا الآخر ، فلعلَّ اللَّه يقبل توبتنا!

وتحقق هذا الاقتراح عملياً ، وبعد خمسين يوماً من التضرع والتوبة إلى‏ اللَّه ، قبلت توبتهم ونزلت الآية الآنفة الذكر (3).

وبمختصر تدقيق في هذه الحادثة التاريخية العجيبة ، يتضح لنا أنّ هذا الأمر في الواقع نوع مهمّ من التعزير ، وإنّه سجن معنوي شديد مقترن بالتحقير والتشهير والطرد المؤقت من المجتمع ، وقد ترك أثراً بليغاً في نفوس المسلمين وفي نفوس هؤلاء المجرمين الثلاثة ، وصار سبباً في ترك مثل هذهِ الذنوب في المستقبل.

وهذهِ القصة شاهد حيٌّ آخر على‏ عمومية مفهوم التعزير وعدم اختصاصه بالجلد بالسياط ، وتدلّ أيضاً على‏ أنّ بعض أنواع التعزيرات لها تأثير أقوى‏ وأبلغ بكثير من الجلد بالسوط ، وإنّه يكون موجباً للنهي عن المنكر بشكل أوسع في المجتمع.

ب) قصة ثعلبة

والمورد الآخر هو قصة أحد الأنصار (ثعلبة بن حاطب) والتي ورد ذكرها في الآيات وهي قوله تعالى‏ :

{وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَولَّوْا وَّهُمّ مُعرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوْهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الغُيُوبِ} (التوبة/ 75- 78).

يعتقد كثير من المفسرين أنّ هذهِ الآيات نزلت في شأن أحد الأنصار واسمه «ثعلبة بن حاطب» ، لقد كان هذا الرجل فقيراً ، يأتي إلى‏ المسجد دائماً ويطلب من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يدعو اللَّه أن يعطيه مالًا كثيراً ، فكان النبي صلى الله عليه و آله يقول له : «قليلٌ تؤدّي شُكْرَهُ خيرٌ من كثير لا تُطيقُهُ» ، ولكن ثعلبة كان يصرُّ ويلِحُّ على‏ النبي صلى الله عليه و آله ، ويُقسم بأنّه سيؤدّي كل ما عليه من حقوق فيما لو أعطاه اللَّه المال الكثير ، فاضطر النبي صلى الله عليه و آله إلى‏ أن يدعو اللَّه أن يعطيه مالًا كثيراً.

لم تمض فترة طويلة إلّا ومات ابن عمّ ثعلبة وكان غنيّاً ، فورث ثعلبة ثروة طائلة ، وكانت ثروته تزداد يوماً بعد آخر ، فصار يملك قطعاناً من الأنعام.

وعندما حان موسم الزكاة بعث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله الجباة لجمع الزكوات ، فلم يمتنع ثعلبة الذي ذاق لتوّه لذَّة المال عن دفع الحق الإلهي فحسب ، بلْ أخذ يُشكل على‏ أصل تشريع الزكاة أيضاً! وادّعى‏ أنّها «شبيه الجزية» التي تؤخذ من أهل الكتاب! (عاد مأمور رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صفر اليدين ، فنزلت الآيات المذكورة أعلاه في ذمِّ ثعلبة وبخله ونفاقه ونقضه العهد!).

نزول هذهِ الآيات بنفسه يُعدُّ تعزيراً شديداً في حقه ، لأنّها فضحت افعاله القبيحة.

وطبقاً لبعض الروايات فإنّ ثعلبة ومن أجل استعادة حيثيته وجبر هذهِ الخسارة الاجتماعية الفادحة ، جاء بنفسه إلى‏ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأعلن عن استعداده لدفع زكاة أمواله ، ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله رفض قبولها منه!

رَحَل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى‏ جوار ربّه ، فجاء ثعلبة ثانية إلى‏ الخليفة الأول ليؤدّي زكاة ماله ، فلم يقبلها منه الخليفة الأول!

وفي زمن الخليفة الثاني والثالث جاء ثعلبة ليدفع زكاة أمواله ، فكان جواب كل منهما له‏ هو : لا نقبل منك لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يقبل منك ، ومات ثعلبة في آخر أيّام خلافة عثمان‏ (4).

ففي الآيات الآنفة الذكر ، وإن لم يُصرَّح بمسألة التعزير ، ولكن نفس هذا الأمر (نزول الآيات في ذم فعل ثعلبة وفضحه ، ومعاملة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله والخلفاء لثعلبة بتلك الكيفية) ، يعتبر من مصاديق التعزير ، وقد ترك ذلك أثراً عميقاً في نفسه ونفوس الآخرين ، ولا يراد من التعزير إلّا ردع المذنبين سواءً بالعقاب المادي أو المعنوي.

ج) آية الايذاء

وكما أشرنا سابقاً ، فإنّ القرآن قد أمر بمعاقبة الرجال والنساء (الذين لا أزواج لهم) ويرتكبون الزنا ، حيث يقول تعالى‏ : {والَّذَانِ يَاْتِيَانِهَا مِنكُم فَآذُوهُمَا ...} (النساء/ 16).

فإن كان المراد من الايذاء هنا هو نفس الحدّ الشرعي الوارد في الآية 2 من سورة النور :

{الزَّانِيَةُ والزَّانى ..} ، فحينئذٍ لا علاقة له ببحث التعزيرات بل يدخل في بحث الحدود ، ولكن متى‏ ما قلنا أنّ المنظور من‏ «الايذاء» هو العقاب بنحو مطلق والذي ليس له حدُّ وحدود معينة مذكورة وإنّه يرتبط بما قبل نزول حدِّ الزِنا- كما قاله جمع من المفسرين- فإنّه حينئذٍ سيرجع إلى‏ التعزيرات ، لأنّه عقاب غير معين في حق الزناة غير المحصنين كان موجوداً في الإسلام قبل تشريع حدّ الزنا.

وقد ذكر المرحوم «الطبرسي» في مجمع البيان معنيين لجملة «آذوهما» كلاهما يتلائم مع التعزيرات ، الأول : هو أنّ المراد منها توبيخهما بالألفاظ وضربهما بالنعل! والثاني : هو أنّ المراد منها توبيخهما بالكلام فقط (5).

د) آية النشوز

نلاحظ في القرآن الكريم حكماً يرتبط بالنساء الناشزات ، ويعتبر هو الآخر من مصاديق التعزيرات ، مع أنّ الأزواج قد امروا بمراعاة الاحتياط في إجراء هذا الحكم ، يقول عزوجل :

{وَالَّلاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَانْ اطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}. (النساء/ 34)

والمراد بالناشزات أولئك النسوة اللاتي يمتنعن عن أداء وظائف الزوجية ، واللاتي تظهر فيهنَّ علامات عدم الوئام المختلفة (6).

ففي الآية أعلاه ، ذكرت ثلاثة أنواع من التعزير لمثل هؤلاء النسوة ، الأول : الوعظ والنصيحة (ويجب أن لا ننسى‏ بأنّ الوعظ في كل مورد يعدُّ من مراتب التعزير ، لما له من الأثر الرادع) ، الثاني : الهجر والابتعاد عنهُنَّ في المضاجِع ، الثالث : العقاب البدني ، وكل من المرحلتين الثانية والثالثة إنّما تجري مع عدم نجاح المرحلة السابقة لها في التأثير.

فإن سُئلنا : هل يجري ذلك في الرجل إذا نشز وطغى‏؟

قلنا في الجواب : نعم! ولكن لما كان مثل هذهِ العقوبات خارجة عن طاقة النساء ، فإنّها أوكلت إلى‏ الحاكم الشرعي ، فيكلف الحاكم بمعاقبة الرجال الناشزين بوعظهم ونصيحتهم أو ضربهم في موارده.

وقصة الرجل الذي أجحف بحق زوجته ولم يقبل الرضوخ إلى‏ الحق فأجبره الإمام عليّ عليه السلام على‏ التسليم بكل الطرق حتى‏ اضطر إلى‏ تهديده بالسيف ، معروفة.

ومن هنا يتضح الجواب عن السؤال الذي قد يخطر في أذهان الكثير من الناس عند ذكر هذهِ الآية وهو : كيف يمكن أن يسمح الإسلام للرجال بضرب نسائهم ، في حين أنّ هذا الأمر يسي‏ء إلى‏ كرامة الإنسان وخصوصاً شريك الحياة ، وذلك :

«أولًا» : أنّ المراد من الضرب والعقاب البدني هنا ليس أن يأخذ الرجل السوط وينهال على‏ زوجته ضرباً حتى‏ يختلط لحمها بدمها ، ولا أن يضربها بكفّه على‏ وجهها حتى‏ يسودّ وجهها ، فإنّ كل ذلك غير جائز في شرع الإسلام المقدس ، بل وعليه الدّية لو فعل ذلك ، بل‏ المراد هو الضرب الخفيف الذي لا يؤدّي إلى‏ الجرح ولا إلى‏ احمرار واسوداد الجسم ، حتى‏ قال بعض المفسرين في توضيح الآية : ضرب كضرب اليد بالسواك! أو ما شابه ذلك ممّا يؤدّي إلى‏ ايلامها ، ولكن ينبغي أن لا يكون شديداً فيجرحها.

«ثانياً» : يجب أن لا ننسى‏ أنّ النساء على‏ أربعة أقسام :

القسم الأول : النساءٌ المؤمنات الصالحات ، الواقفات على‏ مسؤوليتهنَّ في الأسرة وذلك على‏ أثر اللياقات الذاتية والتربوية المكتسبة عندهُنَّ ، ومثل هؤلاء النسوة لابدّ من احترامهن من قبل أزواجهن على‏ أتمِّ وجه ، وهُنَّ مصداق الآية : {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعَرُوفِ}. (النساء/ 19)

والقسم الثاني : أولئك النسوة اللاتي يتخلفن عن أداء وظائفهنَّ في محيط الأسرة ، فيتسبَبْنَ في ايذاء أزواجهنَّ ، ولكن تخلفهن ليس عميقاً وفاحشاً ، بل يمكن أن يتأثرن بالوعظ والنصيحة خوفاً من اللَّه ، ويرجعن إلى‏ الحق لتقواهُنَّ ، فهؤلاء مشمولات بقوله :

{فعِظوهُنَّ} في الآية المذكورة.

والقسم الثالث : النسوة اللاتي يكون نشوزهُنَّ عميقاً ، ولا ينفع معهن الوعظ ولكن ولأرواحهنَّ الشفافة يؤثر فيهن الهجر ، فانّهن لا يرغبن إلّافي العيش بصلح وصفاء ، فهؤلاء يشملهنّ : {وَاهجُرُوهُنَّ فىِ المَضَاجِعِ} (النساء/ 34).

فيبقى‏ القسم الرابع : فقط من النساء اللاتي يتمردنَّ على‏ أزواجهن ويمتنعن عن أداء وظائفهنَّ ، ويتمادَين في غيهن وعنادهنَّ ، ولجاجتهنَّ ، فلا تقوى‏ عندهن فتمنعهن عن ذلك ، ولا وعظ ينفع ويؤثر فيهن ، ولا هجر في مضجع يكدِّر أرواحهن ، فلا سبيل إلّا الشدّة ، ومن هنا فإنّ الإسلام في هذا المورد فقط يجيز للزوج أن يؤدب زوجته بالضرب الخفيف ويعزّرها ، وهذا الأمر رائج حتى‏ في المجتمعات الشرقية والغربية المعاصرة ، حتى‏ أنّ المعترضين على‏ هذا القانون الإسلامي يمارسون ذلك بأنفسهم أيضاً في مثل هذهِ الظروف والحالات ، فمع تلك الظروف التي بيّناها لا يُعدُّ هذا الأمر عجيباً لا يتلائم مع احترام كرامة الإنسان.

«ثالثاً» : هذا الأمر لا يختص بالنساء ، بل يشمل الرجال إذا ما نشزوا وامتنعوا عن أداء وظائف الزوجية ، وبنفس تلك المراحل المذكورة ، ففي البدء لابدّ من وعظهم ونصيحتهم ، فإن لم يؤثر ذلك ، فالتعزير المعنوي كالهجر وعدم الاكتراث بهم في المجتمع حتى‏ يرجعوا عن غيهّم ، فإن لم يؤثر ذلك ، فلابدّ من اتباع سبيل الضرب وأمثاله من العقوبات ، ولكن وكما قلنا سابقاً : بما أنّ هذا العمل لايمكن للنساء القيام به وأنّ سلطة الرجل تحول دونه ، أرجع الأمر إلى‏ الحاكم الشرعي فهو المكلف بإيقاف هؤلاء الرجال عند حدّهم.

وبالالتفات إلى‏ النكات الثلاثة السابقة ، لا نظن أن منصفاً يعترض على‏ هذا الحكم ويدعي أنّه خلاف كرامة الإنسان.

ولابدّ من التنبيه إلى‏ أنّه ورد في ذيل هذهِ الأحكام الثلاثة مباشرة قوله تعالى : {فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (النساء/ 34).

________________________
(1) التحرير ، ج 2 ، ص 239.

(2) الفقه على‏ المذاهب الأربعة ، ج 5 ، ص 400.

(3) تفسير مجمع البيان؛ وتفسير روح الجنان ، ذيل الآية مورد البحث؛ وسفينة البحار.

(4) القسم الأول من هذهِ الرواية نقله كثير من المفسرين ، والقسم الأخير منها ذكر في تفسير الكبير ، ج 16 ص 138؛ وتفسير روح الجنان ، ج 6 ، ص 74.

(5) تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 21.

(6) «نشوز» من مادة «نشز» على‏ وزن «نذر» وفي الأصل بمعنى‏ الأرض المرتفعة ، وإذا اطلق على‏ أحد الزوجين كان معناه طغيان ذلك الزوج وامتناعه عن أداء وظيفته تجاه زوجه.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اختتام الأسبوع الثاني من الشهر الثالث للبرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسية
راية قبة مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) تتوسط جناح العتبة العباسية في معرض طهران
جامعة العميد وقسم الشؤون الفكرية يعقدان شراكة علمية حول مجلة (تسليم)
قسم الشؤون الفكريّة يفتتح باب التسجيل في دورات المواهب