المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16450 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الموظف نفرحات.
2024-05-16
الفرعون أمنحتب الثالث.
2024-05-16
الموظف حوي.
2024-05-16
الموظف حقر نحح.
2024-05-16
قبر الموظف بنحت.
2024-05-16
بتاح مس.
2024-05-16

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الاتّساق بين النصّ والمخاطب‏  
  
2274   06:06 مساءاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : خلود عموش
الكتاب أو المصدر : الخطاب القرآني
الجزء والصفحة : ص300-310.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /

ورد في كثير من المواضع استحضار دور المخاطب في صياغة الخطاب، ونركّز هنا على الأشكال التي أخذها هذا الدور لدى المفسّرين، ومن ذلك أنّ عمل المفسّر غالبا يبدأ من تحديد المخاطب بالآية أو الآيات، ثمّ شرح الآيات في ضوء تحديد المخاطب، ثم شرح التناقض أو الاتّفاق بين النصّ من جهة، وطبيعة المخاطب من جهة أخرى، وإذا اختلف في المخاطب بهذه الآيات كان المفسّر يرجح أحد الآراء بالعودة إلى السياق.

ويتصور المفسّر غالبا وجود سائل يسأل دائما عن جزء من النصّ فيأتي الجواب في جزء آخر منه، وهذا يوحي بأنّ هذا النّص قابل للقراءة في سياقات متجدّدة من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ النصّ يتصور تجاوب المخاطب معه وتترتبّ أجزاء النّص على هذا الأساس، ومن ذلك عند الرازي في تفسيره للآية {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} قال . " حين خصّ المتقيّن‏ بأنّ الكتاب هدى لهم كان لسائل أن يسأل فيقول : " ما السبب في اختصاص المتقين بذلك ؟

فوقع قوله { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله { وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} جوابا عن هذا السؤال .... فإن قيل أي سبب في أن صار الموصوفون ... فأجيب بأنّ الموصوفين ..." «1».

وحين يختلف المفسّرون في تحديد المخاطب يسارعون إلى ترجيح أحد الآراء بالاستناد إلى النصّ أو إلى قراءة النّص في ضوء اختلاف المخاطب في كلّ قراءة، ومن أمثلته أنّ الرازي يذكر اختلاف أهل التفسير في المراد بقوله : { الَّذِينَ كَفَرُوا} فذهب فريق إلى أنّ المقصود هم رؤساء اليهود المعاندون، وذهب فريق آخر إلى أنّ المراد هم قوم من المشركين كأبي جهل وأبي لهب، والوليد بن المغيرة ، وأضرابهم. ويحاول الرازي أن يقرأ النصّ في ضوء المخاطب الأوّل (اليهود) فقال : " إنّهم رؤساء اليهود المعاندون الذين وصفهم اللّه تعالى بأنّهم يكتمون الحقّ وهم يعلمون " وقراءة أخرى في ضوء المخاطب الثاني (المشركون) قال : " وكان عليه السلام حريصا على أن يؤمن قومه جميعا ثم إنّه سبحانه يبيّن له أنّهم لا يؤمنون ليقطع طمعه عنهم ولا يتأذّى بسبب ذلك فإنّ اليأس إحدى الراحتين" «2».

ومن أمثلته كذلك تفسير الرازي للآية {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة . 14]. ويذكر الخلاف حول القائل‏ {إِنَّا مَعَكُمْ} أهم كلّ المنافقين أو بعضهم ؟ فالرأي أنّهم صغار المنافقين ومن يقول في الشياطين أنّ المراد بهم الكفّار لم يمنع إضافة هذا القول إلى كلّ المنافقين ولا شبهه في أنّ المراد بشياطينهم أكابرهم، وهم إمّا الكفار، وإمّا أكابر المنافقين لأنّهم هم الذين يقدرون على الإفساد في الأرض" «3». وهكذا يستند الرازي في تحديد المخاطب إلى النصّ نفسه. ويجهد المفسّر نفسه في إعادة الضمائر إلى أصحابها دائما، وفي التعرّف على موجّه الخطاب، ولمن يوجّه هذا الخطاب؛ ففي تفسير الآية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة . 11، 12] . يتساءل الرازي " من القائل : لا تفسدوا في الأرض ... ومن القائل :

إنّما نحن مصلحون ". وأمّا عن السؤال الأوّل فيجيب : " فمنهم من قال : ذلك القائل هو اللّه تعالى، ومنهم من قال . هو الرسول عليه السلام، ومنهم من قال بعض المؤمنين" وكلّ ذلك محتمل". ويستبعد أن يكون القائل من لا يختصّ بالدين والنصيحة ويرجّح أن يكون الأقرب هو أنّ القائل لهم ذلك من شافههم بذلك، ويضيف" فإما أن يكون الرسول عليه السلام بلغه عنهم النفاق ولم يقطع بذلك فنصحهم فأجابوا بما يحقّق إيمانهم .... وإمّا أنّ يقال إن بعض من كانوا يلقون إليه الفساد كان لا يقبله منهم، وكان ينقلب واعظا لهم قائلا لا تفسدوا" «4». ويتمّ الاستئناس عند تحديد المخاطب في آية أو مجموعة آيات بجزء آخر من النصّ، أي عن طريق التماس الاتّساق اللّغوي في النصّ. ومن ذلك ما جاء في تفسير الرازي للآية { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ‏} يذكر أنّ ذلك في وصف المنافقين، ويعزّز ذلك بأن النّص بدأ بذكر المؤمنين المخلصين، ثمّ أتبعهم بالكافرين، ثم ها هو يصف حال المنافقين" «5». ويصرّح ابن كثير بهذا الاستئناس بمجمل السّياق اللّغوي في تفسيره للآية (118) { وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ} قال : " النّصارى تقوله ، وهو اختيار ابن جرير لأنّ السياق فيهم" «6».

ويربط المفسّرون بين النصّ وطبيعة المخاطب والمخاطب، فيقف المفسّرون كثيرا فيما يليق بحقّ اللّه، وما لا يليق، وما يمكن أن يكون بحقّ العباد أو لا يمكن. وكيف يتشكّل‏ النّص وفقا لهذا، ومنه عند ابن كثير في قوله تعالى . { يُخادِعُونَ اللَّهَ} يقول : ومخادعته ممتنعة من وجهين " ثم يؤوّل مجي‏ء الآية على وجهين : " الأوّل أنه تعالى ذكر نفسه، وأراد به رسوله على عادته في تفخيم وتعظيم شأنه. والثاني . أن يقال صورة حالهم مع اللّه حيث يظهرون الإيمان وهم كافرون صورة من يخادع، وصورة صنيع اللّه معهم حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده في عداد الكفرة" «7».

ومنه وقوف الرازي عند قوله تعالى : { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ويتساءل " كيف يجوز وصف اللّه تعالى بأنّه يستهزئ، وقد ثبت أنّ الاستهزاء لا ينفكّ عن التلبيس وهو على اللّه محال لقوله تعالى : { أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} والجواب " ذكروا في التأويل خمسة أوجه أحدها أنّ ما يفعله اللّه بهم جزاء على استهزائهم سمّاه بالاستهزاء، وثانيها أنّ ضرر استهزائهم بالمؤمنين راجع عليهم وغير ضارّ بالمؤمنين، وثالثها أنّ من آثار الاستهزاء حصول الهوان والحقارة، والرابع أنّ استهزاء اللّه بهم أن يظهر لهم من أحكامه في الدنيا ما لهم عند اللّه خلافها في الآخرة" «8». إنّ الرازي يجهد نفسه في بيان الاحتمالات المختلفة لهذه الجملة محاولا أن يبتعد بها عن تفسيرها اللّغوي العادي إلى تفسير مقامي، حيث إنّ فهمها في مستوى اللّغة فقط قد يؤدّي إلى مخالفة كبيرة سمّاها الرازي" جهلا "، وهو إن كان يستعين باللّغة في الوصول إلى هذه الاحتمالات إلّا أنّها تستند إلى المقام، وهو ما أسمته (كرستيفا) بالظاهرة عبر اللّغويّة. أي ظاهرة اجتماعية تفسّر عبر أدوات اللغة.

إنّ الواقع الخارجي بما فيه المخاطب يجب أن ينسجم منطقيّا مع النصّ، والزمن واحد من عناصر الواقع الاجتماعي التي اهتمّ المفسرون بالحديث عنه، وقد تساءل المفسّرون عن عموم الخطاب في الآية الكريمة { يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ‏} وفيما إذا كان قوله" يا أيّها الناس" يتناول الذين سيوجدون بعد ذلك العصر الذي نزلت فيه الآية ؟ ثم يرجّح الرازي أنّه لا يتناولهم يقول : " لأنّ قوله يا أيّها الناس خطاب مشافهة، وخطاب‏ المشافهة مع المعدوم لا يجوز، وأيضا فالذين سيوجدون بعد ذلك ما كانوا موجودين في تلك الحالة " «9».

ومن أمثلته كذلك اختلاف المفسّرين في المخاطبين بقوله : { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً ...} بعد الاتفاق على أنّ آدم وحوّاء عليهما السلام كانا مخاطبين به، وذكروا فيه وجوها . الأول وهو قول الأكثرين أنّ إبليس داخل فيه أيضا، قالوا لأنّ إبليس قد جرى ذكره في قوله : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها} أي {فأزلّهما وقلنا لهم اهبطوا} (وهنا يبرز الاستئناس في السياق اللغوي الداخلي في تحديد المخاطب) وقالوا المراد ب (اهبطوا) آدم وحواء وذريتهما " لأنّهما لمّا كانا أصل الإنس جعلا كأنّهما الإنس كلّهم ". والدليل عليه قوله‏ { اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ...} وهذا حكم يعمّ الناس كلّهم ومعنى" بعضكم لبعض عدو ... ما عليه الناس من التعادي والتباغض، وتضليل بعضهم لبعض، واعلم أنّ هذا القول ضعيف، لأنّ الذريّة ما كانوا موجودين في ذلك الوقت فكيف يتناولهم الخطاب؟ «10»".

إنّ لدينا عمليتين متداخلتين هما تحديد المخاطب من خلال السياق اللغوي، أو الاستناد إلى الواقع الخارجي للمخاطب في ترجيح قراءة واستبعاد أخرى. وفي كلّ الحالات بالاستعانة بلغة النصّ. إذ هي تشكّل القاسم المشترك في العمليتين وإذا جاء لفظ المخاطب بصيغة العموم فإنّ المفسّر يسارع بتخصيصه إذا ما وجد في النّص ما يعينه على ذلك، قال المفسّر : " فقوله { يا بني إسرائيل } خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة المنوّرة من ولد يعقوب عليه السلام في أيّام محمّد - صلى اللّه عليه وآله وسلّم -" «11». فالمفسّر يجهد في جمع أدلة من النصّ ليحدد المخاطب، وإذا حدّده سارع ليقرأ النصّ قراءة جديدة في ضوء المخاطب. أما عن أثر طبيعة المخاطب ومن هو، ووضعه، وأحواله داخل النّص فيمكن أن نرصد عددا من الآثار ذكرها المفسّرون، ومنها تنوّع الجمل بين الخبر والإنشاء، وبين أضرب الخبر هل هو مؤكّد أم غير ذلك. وكما أوضحه الرازي في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} كما مرّ معنا. وانظر كيف ساهمت حال المخاطبين في جعل الجملتين في الآية الكريمة {لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا...} [البقرة . 26]

مصدّرتين بالحرف (أمّا) قال المفسّر : " إيراد الجملتين مصدّرتين ب (أما) إحماد عظيم لأمر المؤمنين، واعتداد بعلمهم أنّه الحق، وذم عظيم للكافرين على ما قالوه وذكروه" «12». وفيه أيضا ربط بغرض الخطاب.

و يربط الرازي بين حال المخاطب وحدوث العطف في النص ففي تفسيره للآية { وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ...} قال : " اعلم أنّ المخاطبين بقوله‏ (وَ آمِنُوا) هم بنو إسرائيل، ويدلّ عليه وجهان . الأوّل أنّه معطوف على قوله { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} والثاني أن قوله‏ {مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ} يدل على ذلك" «13». ويتبدّى هذا الأثر أيضا في الضمائر وزمن الخطاب ففي قوله تعالى : { وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ....} اختلفوا في ذلك الفريق، منهم من قال : " المراد بالفريق من كان في أيّام موسى عليه السلام لأنّه تعالى وصف هذا الفريق بأنّهم يسمعون كلام اللّه والذين سمعوا كلام اللّه هم أهل الميقات، ومنهم من قال بل المراد بالفريق من كان في زمن محمّد عليه الصلاة والسلام، وهذا أقرب لأنّ الضمير في قوله تعالى : { وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } راجع إلى ما تقدّم وهم الذين عناهم اللّه بقوله{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ‏ وقد بيّنا أنّ الذين تعلّق الطمع بإيمانهم هم الذين كانوا في زمن محمد " «14». واتّساق زمن الخطاب أيضا يتبدّى في تفسيرهم للآية { أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ‏ }. قال‏ الرازي : " هم اليهود الذين كانوا في زمن الرسول عليه السلام لأنّهم الذين يصحّ فيهم الطمع في أن يؤمنوا وخلافه، لأنّ الطمع إنّما يقع في المستقبل لا في الواقع" «15». فالمستقبل والواقع وكون المخاطبين معاصرين لرسول اللّه عناصر مقاميّة استند إليها المفسّر في تحديد المخاطب.

و قد يوضح المفسّر مجي‏ء هذا الأسلوب دون غيره في هذا الموضع بالاستعانة بالمخاطب فيتساءل الطبري حول الآية (106) وهي قوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ} يقول : " فإن قال لنا قائل : " أو لم يكن رسول اللّه يعلم أنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير، وأنّ له ملك السموات والأرض، حتى قيل له ذلك" قيل" . بلى، فقد كان بعضهم يقول :

إنّما ذلك من اللّه جل ثناؤه خبر عن أنّ محمدا قد علم ذلك، ولكنّه أخرج الكلام مخرج التقرير ..." ولكنّ ذلك عندي وإن كان ظهر ظهور الخطاب للنّبي فإنّما هو معنيّ به الصحابة " «16» والهدف لدى المفسر في كل الحالات هو وجود الاتّساق بين النصّ والسياق.

وانظر إلى احتكام الطبري إلى سياق الثقافة في اختيار هذا الأسلوب في هذا السياق يقول : " وذلك من كلام العرب مستفيض أن يخرج المتكلّم كلامه على وجه الخطاب منه لبعض الناس، وهو قاصد به غيره، وعلى وجه الخطاب لواحد وهو يقصد به جماعة غيره" «17». وانظر إلى تعليقات المفسرين على أهمية دور المخاطب داخل النصّ، أو دور النصّ في تحديد المخاطب يقول : " إنّ ذلك لا يليق بما أنتم عليه، وهذا الوجه أظهر لأنّه من تمام الحكاية عنهم فلا وجه لصرفه عنهم إلى غيرهم" «18». وفي موضع آخر" والأقرب في نظام الكلام أنّه راجع إلى المذكور من المال المأخوذ على هذا الوجه ..." «19». وقوله : " وإن‏ كان الأول أقرب حتّى تكون القصّة قصّة واحدة مشتملة على محاسن العادات ومكارم الأخلاق من كل الوجوه". وتأمل هذه الألفاظ (أليق) (نظام الكلام) (قصّة واحدة) وما تدلّ عليه من ضرورة الاتّساق بين النصّ والمخاطب.

وهذا الاتّساق في الخطاب من خلال دور المخاطب يتبدّى في إيجاد علاقة بين أجزاء الخطاب المترامية لتقوية تحديد هذا المخاطب؛ ففي تفسير الآية { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } يختلفون في المخاطب على ثلاثة أوجه أحدها . أنّه من تقدّم من بني إسرائيل، وثانيها أنّه خطاب لمن كان في عصر النّبي من اليهود، وثالثها أنّ المقصود بهم من تقدّم بالقول عنهم { وأنتم معرضون } ومن تأخّر. أمّا وجه القول الأوّل أنّه إذا كان الكلام الأوّل في المتقدّمين منهم، فظاهر الخطاب يقتضي أنّ آخره فيهم أيضا إلّا بدليل يوجب الانصراف عن هذا الظاهر، يبيّن ذلك أنّه تعالى ساق الكلام الأوّل سياقة إظهار النعم بإقامة الحجج عليهم، ثمّ بيّن من بعد أنّهم تولّوا إلّا قليلا منهم فإنّهم بقوا على ما دخلوا فيه "، ووجه القول الثاني إنّ قوله { ثمّ توليتم } خطاب مشافهة وهو بالحاضرين أليق " «20». وهذا معناه اتّساق لغة الخطاب مع المخاطب متجلّيا في الضمائر.

وعموم الخطاب أو خصوصه مظهر لغوي آخر من مظاهر علاقة النصّ بالمخاطب. وانظر هذا الاستحضار لمجموعة المخاطبين المحتملين من خلال السياق في تفسير الآية (136) من سورة البقرة أن قوله تعالى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} يتناول جميع المكلّفين النبيّ وأمتّه والدليل عليه وجهان . أحدهما، أنّ قوله { قولوا} خطاب عام يتناول الكلّ، والثاني أنّ قوله { وما أنزل إلينا } لا يليق إلّا به - صلى اللّه عليه وآله وسلّم - فلا أقلّ من أن يكون هو داخلا فيه، واحتجّ الحسن على قوله بوجهين . الأوّل أنه عليه السلام أمر من قبل بقوله { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} والثاني أنّه في نهاية الشرف، والظاهر إفراده بالخطاب" «21». إنّ‏ المفسر هنا قد اتّكأ على مسألتين الأولى . صياغة النّص (العموم) والثانية المقام الخارجي (لا يليق إلّا به) وهو يشمل مكانة النبي - صلى اللّه عليه وآله وسلّم -.

ومن أمثلة العموم والخصوص أيضا قوله تعالى {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} [البقرة . 75]

ذكروا فيه وجهين . الأوّل : وهو قول ابن عبّاس أنه خطاب مع النبيّ - صلى اللّه عليه وآله وسلّم - خاصّة لأنّه هو الداعي وهو المقصود بالاستجابة، واللفظ وإن كان للعموم لكنّا حملناه على الخصوص لهذه القرينة، والثاني . أنّه خطاب مع الرسول والمؤمنين، قال القاضي : وهذا أليق بالظاهر لأنّه عليه السلام وإن كان الأصل في الدعاء فقد كان في الصحابة من يدعوهم إلى الإيمان، ويظهر لهم الدلائل وينبّههم عليها فصحّ أن يقول تعالى { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ‏} ويريد به الرسول ومن هذه حاله من أصحابه، وإذا كان ذلك صحيحا فلا وجه لترك الظاهر" «22». إنّ القرينة التي ذكرها المفسّر في الخيار الأوّل مستمدّة من المقام الاجتماعي وهو حال النبي- صلى اللّه عليه وآله وسلّم-، وقيامه بوظيفته في الدعوة، وفي الخيار الثاني أضاف المفسّر حال الصحابة وقيامهم بالدعوة جنبا إلى جنب مع الرسول الكريم، وهذا يوسّع دائرة الخطاب من جهة ويتّسق مع ضمير الجمع في الآية، بينما في الخيار الأول سنخرج على مقتضى الظاهر.

وقد يحدث أن يرجّح المفسر خطاب الخصوص كما في تفسيرهم للآية (139) من السورة { قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ} فقد اختلفوا في هذه الآية المحاجّة كانت مع من، وذكروا فيه وجوها ثلاثة هي : أنّه خطاب لليهود والنّصارى، والثاني أنّه خطاب مع مشركي العرب، وثالثها أنّه خطاب مع الكلّ ثم يقول معقّبا " والقول الأول أليق بنظم الآية " «23». ويتوقّع المفسّر حال المخاطبين وقت الخطاب من خلال النصّ يقول : " وإنّما قلنا إنّ هذا خطاب معهم حال الاجتماع لأنّ قوله { جعلناكم } خطاب لمجموعهم لا لكلّ واحد منهم وحده" «24».

و يتمّ معالجة بعض الآيات في المستوى التداولي ، ومن ذلك المعرفة المسبقة في ذهن المخاطب، وانظر قول الزمخشري في تفسير الآية (24) " فإن قلت . صلة" الذي" و" التي" يجب أن تكون قصّة معلومة للمخاطب، فكيف علم أولئك أنّ نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟ قلت . لا يمتنع أن يتقدّم لهم بذلك سماع من أهل الكتاب ..." «25». ومن أمثلة دور المخاطب في النصّ على المستوى التداولي أيضا، وأثر هذا الدور في الصياغة اللّغوية للنصّ ما قيل في تفسير الآية : { وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ} قال الطبري : " وإنّما أدخلت الألف والالم في (الناس) وهم بعض الناس لا جميعهم، لأنّهم كانوا معروفين عند الذين خوطبوا بهذه الآية بأعيانهم" «26». فهو يبنى هنا على المعرفة السابقة المتحصّلة لدى المخاطب، وهذه مسألة مهمّة في تفسير معنى الخطاب فلا يكون المخاطب بحاجة إلى ذكر التفاصيل باعتبارها معروفة لديه.

لقد أوضحنا سابقا أنّ الاتساق بين النصّ والسياق بمختلف عناصر هذا السياق هو الهدف الذي يحكم التأويلات المختلفة للمفسّرين ، وقد تكون المطابقة بين هذا النصّ وسياقه هو مظهر من مظاهر هذا الاتساق، يقول الطبري : " فإن قلت . لمن الخطاب في قوله { ولا يحلّ لكم أن تأخذوا } إن قلت للأزواج لم يطابقه قوله { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} وإن قلت للأئمة والحكام فهؤلاء ليسوا بآخذين منهن ولا بمؤتيهن، قلت . يجوز الأمران جميعا، أن يكون أوّل الخطاب للأزواج، وآخره للأئمة والحكام ونحو ذلك غير عزيز في القرآن وغيره، وأن يكون الخطاب كلّه للأئمة والحكام لأنّهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليه فكأنّهم الآخذون والمؤتون" «27». إنّ الهدف من هذه التأويلات إحداث اتساق بين أجزاء النّص وضمائره مع طبيعة المخاطب ووظيفته وحاله في السياق الخارجي عن طريق المطابقة بين لغة النصّ والمخاطب باعتباره جزءا من السياق.

ويشير المفسّر إلى تجاوب المخاطب مع النّص، وتساؤلاته وكيف توقّعها النّص وأجاب عليها؛ فعن الآية الكريمة التي أوردت أسماء الملائكة قيل : " معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما أنّ اليهود لمّا قالت . جبريل عدوّنا وميكائيل ولّينا .... أعلمهم اللّه أن من كان لجبريل عدوا فإنّ اللّه له عدو، وأنّه من الكافرين فنصّ عليه باسمه، وعلى ميكائيل باسمه لئلّا يقول منهم قائل : إنّما قال اللّه من كان عدوا للّه وملائكته ورسله ولسنا للّه ولا لملائكته ورسله أعداء لأن الملائكة اسم عام محتمل خاصا، وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه، وكذلك قوله (و رسله) فلست يا محمد داخلا فيهم، فنصّ اللّه تعالى على أسماء من زعموا أنّهم أعداؤه بأعيانهم ليقطع بذلك تلبيسهم على أهل الضعف منهم ...." «28». إنّ النصّ يخاطب كلّ أحد بما يناسبه، ويعلم اللّه خلجات النفوس فيقرّر المناسب بناء عليها، إنّ وضوح النصّ وتفصيله أو إجماله مرتبط بالمخاطب، وهذا مظهر آخر من مظاهر العلاقة بين النصّ والسياق.

وقد يكون المخاطب هو الفيصل في الفرق بين النّصوص التي يبدوا بينها ضرب من التناصّ، من خلال انعكاسه على صياغة النّص ففي الآية (214) من سورة البقرة يقول اللّه تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}. وفي الآية (142) من سورة آل عمران { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ‏ وفي الآية (16) من سورة التوبة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ‏..}

" قال الفيروزآبادي : " الآية الأولى للنبيّ والمؤمنين، والثانية للمؤمنين والثالث للمجاهدين" «29».

إنّ تحديد المخاطب، وتوضيح علاقته بالنصّ لدى المفسّرين جميعا له أهميّة كبيرة في فهم النصّ وتأويله، وبيان إعجازه، وهذا هو ما أسماه الطبري بفائدة الخطاب فهو يقول في المقدّمة : " واللّه جلّ ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابا، أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب" «30».

_________________

(1) تفسير الرازي، 3/ 33.

(2) نفسه، 3/ 40.

(3) تفسير الرازي، 3/ 65.

(4) الكشاف، 1/ 104.

(5) تفسير الرازي، 2/ 58.

(6) تفسير ابن كثير، 1/ 141.

(7) تفسير ابن كثير، 2/ 63.

(8) تفسير الرازي، 3/ 80.

(9) تفسير الرازي، 3/ 84.

(10) نفسه، 3/ 17.

(11) نفسه، 3/ 29.

(12) تفسير الرازي، 3/ 11.

(13) نفسه، 3/ 40.

(14) نفسه، 3/ 134.

(15) تفسير الرازي، 3/ 133.

(16) نفسه، 3/ 335.

(17) نفسه، 3/ 335.

(18) تفسير ابن كثير، 1/ 217.

(19) تفسير الرازي، 3/ 134.

(20) تفسير الرازي، 3/ 159.

(21) نفسه، 4/ 83.

(22) تفسير الرازي، 3/ 133.

(23) نفسه، 4/ 88.

(24) تفسير الرازي، 4/ 99.

(25) الكشاف، 1/ 102.

(26) نفسه، 1/ 104.

(27) تفسير الطبري، 3/ 74.

(28) نفسه، 3/ 44.

(29) الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز، 1/ 153.

(30) نفسه، 3/ 44.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اختتام الأسبوع الثاني من الشهر الثالث للبرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسية
راية قبة مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) تتوسط جناح العتبة العباسية في معرض طهران
جامعة العميد وقسم الشؤون الفكرية يعقدان شراكة علمية حول مجلة (تسليم)
قسم الشؤون الفكريّة يفتتح باب التسجيل في دورات المواهب