اشار ممثل المرجعية الدينية العليا خلال خطبة صلاة ان لكل مجتمع خصوصية ناشئة من التركيبة الخاصة به، وان المجتمع العراقي يتمتع بخصوصية وجود عشائر كثيرة ممتدة تمثل جزء مهم وكبير من تكوينة المجتمع.
وقال السيد احمد الصافي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف اليوم (26/5/2017) ان العشائر في العراق مارست دورا ايجابيا في مفاصل متعددة، فضلا عن استشعارها لاي خطر يتعرض له البلد ووقوفها وقفة منيعة لمنع ذلك الخطر، مشيرا الى ماتمتلكه تلك العشائر من عادات وتقاليد واعراف من بينها الحمية والشجاعة والجود والكرم، الى جانب ماتمثله من حالة ايجابية في اذكاء المجتمع بالاخلاق الحميدة لثقلها وسعتها وبصمتها الواضحة من خلال التكاتف والتلاحم ورفض الباطل وتأييد الحق.
واكد السيد الصافي على ضرورة ان يكون الوجود العشائري ايجابيا بشكل دائم وان يكون المتصدون بمستوى تحمل المسؤولية خصوصا ان بعض العشائر يصل تعدادها الى اكثر من نصف مليون شخصا، مبينا ان هذا العدد كبير يقابل في بعض الدول الصغيرة مقدار نفوس دولة كاملة.
واضاف ان بنية المجتمع العراقي تعرضت الى مجموعة من السلبيات بحكم الاوضاع السياسية السابقة والاجتماعية والتفاوت الطبقي حتى زحفت بعض العادات والتقاليد بشكل مفرط واصبحت لاتنسجم مع الثقل العشائري، موضحا ان بعض تلك الاعراف والتقاليد الدخيلة اصبحت تمثل حالة لايمكن ان تستحسن.
واشار ممثل المرجعية الى ان العتبة الحسينية المقسة شهدت قبل ايام قلائل انعقاد جلسة ومؤتمر للتوقيع على وثيقة كتبها بعض شيوخ العشائر من مختلف محافظات العراق اتفقوا فيها على نقاط في غاية الاهمية.
وقال السيد الصافي انني اكمل بان لايكتفوا بذلك وعليهم ان يسعوا الى تطبيق ما وقعوا عليه.
ونوه السيد الصافي ان كثير من الناس عندما يبتلون باشياء لاتطاق يستفسرون شرعا عن شرعية تلك التصرفات خصوصا ان بعض الحالات تحصل مشاكل ولايوجد لها اي حل وربما ان الحل يفاقم المشكلة، مؤكدا ان الحل موجود الا ان هنالك عصبية لبعض الجماعات فيصرون على ماعندهم ويتركون الحل الشرعي.
واستشهد السيد الصافي ببعض الحالات في المجتمع قائلا، طبيب يجرى العملية بمقتضى الضوابط وشاء القدر ان يتوفى الذي تحت يده، مبينا ان هنالك احتمال بان الطبيب قصر واحتمال اخر في ان الطبيب لم يقصر، مشيرا ان ردود الفعل من بعض افراد العشيرة يكون مرعبا حيث ان بعضهم يهجم على الطبيب ويهدده بالسلاح ويجبره على غلق عيادته حتى يجلس معه جلسة حق، موضحا ان هذه الطريقة لاتمثل حلا وان الشارع المقدس يقول اذا كان الطبيب مقصرا وكان ضامنا فتحدد الدية ويدفعها الى اهل المتوفي، منتقدا التصرفات الشاذة التي تتمثل باغلاق العيادة واهانة الطبيب والتجاوز عليه مما يؤدي الى ان تكون هنالك حالة من الرعب عند الطبيب وعائلته ويلجأ الى التفكير الجدي بترك المهنة والبلد بسبب التصرف الخاطئ.
واوضح ممثل المرجعية الدينية العليا ان الانسان يكون تارة مظلوما ويتصرف تصرفات يكون فيها ظالما، مشيرا الى انه لو وقع حادث سيارة وفرضنا ان الطرف الاخر معتدي وتسبب بالأذى فاننا شرعا نقول له اضمن تصليح تلك السيارة، ولكن احيانا يقوم ذلك الشخص المتضرر بتوجيه الشتيمة للطرف الاخر ويسمعه كلمات ويضربه ويتحول حينها من مظلوما الى ظالما، مبينا ان حالة الغضب لدى الانسان يجب ان تكون للحق وليس لامور يسئل عنها يوم القيامة، وكذلك يرفضها العرف ولايرى انها الطريقة الصحيحة.
وتابع السيد احمد الصافي اننا في الوقت الذي نطلب من المعلم ان يمارس دوره التربوي وان يشعر بان التلميذ أعز من ولده ولابد ان يربيه بالعلم والاخلاق، منوها اذا جاء المعلم وتكلم مع الطفل وقال له اغسل جيدا وقلم أظافرك واقرأ جيدا وغير ذلك وذهب الابن لوالده وقال له ان المعلم اذاني فنجد ان الاب دون شعور استعان بافراد العشيرة واقتحم المدرسة وهدد المعلم.
واكد السيد الصافي في محل انتقاده لتلك الافعال ان الجانب الشرعي دائما بمنتهى التحضر وبعيد كل البعد عن تلك الطرق المرعبة التي تحول الشخص من مظلوم الى ظالم، مبينا انه بدل ان يحث الوالد ولده بالاستماع لكلام المعلم وافهمامه بان المعلم يريدك ان تكون نظيفا، نجد ان المدرس اصبح خائفا ولايعرف كيف يتعامل بل انه سيضطر الى مجاملة التلميذ الذي لايقرأ خوفا من عشيرته مما ينتج عن ذلك نجاح تلميذ غير متعلم نتيجة المجاملة.
واوضح ان كلامه موجه للاعزّة والمشايخ وكبراء القوم الذين لابد ان يكونوا بمستوى المسؤولية، مبينا انه في الوثيقة مثلا ً قالوا عدم الاقتصاص من اقارب الشخص الجاني لأنه لا يحمل وزر من اقترف القتل.
وبخصوص ظاهرة (الجلوة) تسائل السيد الصافي بانه باي ذنب وبأي ميزان يجلى الشخص من عشيرته وتكون سُبّة عليه وعلى اولاده.
واستحسن خطيب جمعة كربلاء ماورد في الوثيقة بخصوص عدم الاقتصاص وعدم الاعتداء على الكوادر التعليمية وعدم الاعتداء على الاطباء والمستشفيات ومطالبتهم بالفصول العشائرية عندما يتوفى المريض، ومنع ظاهرة النهوة، مستشهدا باستفتاء ورد الى سماحة السيد السيستاني ورد فيه (السؤال: هل يجوز لذوي القتيل التمسك بأخذ الديّة من القاتل مع متابعته قانونياً وعشائرياً وهدر دمه؟ مبينا ان الجواب "ليس لهم ذلك بعد اخذ الدية لاستيفاء حقهم الشرعي باخذها فتكون الامور المذكورة تجاوزاً وتعدياً).
واستدرك ان بعض ابناء العشيرة عنده عمل تجاري وخسر في العمل، وذهب او هرب، فيأتي هؤلاء الى اهله وذويه ويكتب بلافتة عريضة هذا البيت لا يمكن ان يباع لأنه مطلوب لنا في الوقت ان البيت ليس بيت صاحب العمل التجاري مما يترتب على ذلك ترويع العائلة والاطفال وادخالهم في حالة انذار.
واشار الى ان بعض الجماعات اول ما يجلس يقول اتركوا الجانب الشرعي على جهة، مبينا كأن الجانب الشرعي في هذه المسألة ان احكم عادتي وتقليدي وعُرفي وليذهب الجانب الشرعي، متسائلا لماذا هذا؟ موضحا ان هذا بسبب العصبية وحالة من حالات الجهل وليس حالة من حالات الوعي والادراك، مؤكدا ان الشارع المقدس هو من ينظم حياتنا.
ودعا السيد السصافي في ختام الخطبة الى ضرورة ان تكون هناك وقفة من اهل العشائر الاصيلة الاعزاء الذين لهم سبق في الامور الايجابية والمواقف النبيلة والشريفة ويكونون بمستوى المسؤولية لان ترك مثل تلك الامور يؤدي الى مشاكل يصعب حلّها.