جدّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) تأكيده أنّ العراق ليس من الأمم المتأخّرة، لأنّ الطاقات والكفاءات الموجودة فيه كثيرة، والعقل العراقي عقلٌ مفكّر وعقل ناضج، ودائماً نُعيد هذه الجملة ونكرّرها.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في الحفل التكريميّ الذي أقامته العتبةُ العبّاسية المقدّسة لطلبة الجامعات العراقيّة والذي أُقيم عصر اليوم الجمعة (19جمادى الأولى 1438هـ) الموافق لـ(17شباط 2017م)، وممّا جاء فيها: "تعوّدنا في كلّ عام أن نكون في خدمة جامعاتنا العزيزة وبلدنا وخدمة الأساتذة الأعزّاء، وأبنائنا وبناتنا الذين نطمح أن نراهم يُسارعون في بناء هذا البلد، فهو واقعاً يحتاج منّا كلّ ما من شأنه أن ينهض به".
مبيّناً: "إذا أردنا أن نحمّل المسؤولية أيّ أحد لابدّ أن تتوفّر عوامل محدّدة لتحميل هذه المسؤوليّة، العامل الأوّل: شخص المسؤول، ونحن نعتقد أنّ الحضور الكريم هنا تتوفّر فيه هذه الخصيصة المهمّة، الأساتذة يمثّلون النخبة الطيّبة لهذا البلد والطلّاب يُفترض أن يكونوا من الأوائل أي أنّهم يتمتّعون بذهنٍ يفهم المسؤوليّة الملقاة على عاقتهم، والعامل الثاني: أن تحدّد المسؤوليّة الملقاة على عاتق المسؤول".
وتابع السيّد الصافي: "التاريخ من الضروري أن نطّلع على بعضه، فإذا كنّا لا نستطيع أن ندرك كلّ جزئيّاته لابدّ أن نطّلع على بعضه ونرى لماذا تنهار أمم وتقوم أخرى، ما هي العوامل التي تجعل الأمّة تنحدر وبهذا الانحدار ستدفع ثمناً غالياً، التأخّر ليس من الصفات الممدوحة في الأمم بل من الصفات المذمومة، فعندما ننعت أمّة نقول إنّها أمّة متأخّرة، وهذا هو التوهين بعينه، والعراق ليس من الأمم المتأخّرة لأنّ الطاقات والكفاءات الموجودة فيه كثيرة والعقل العراقيّ عقلٌ مفكّر وعقل ناضج، ودائماً نعيد هذه الجملة ونكرّرها، من باب التثبيت حتى لا يتمّ التثبيط، من باب التثبيت أنّ هناك قدرة على تجاوز المشكلة، عندما كنتم في مراحل الابتدائيّة وكنتم أطفالاً كان العراق يمرّ بمخاضات عسيرة جدّاً وكانت هناك مشاكل جمّة، والمشكلة نحن أمّة لا نوثّق وأمّة لا تحتفظ بتاريخها طويلاً".
وأضاف: "الأجيال إذا رأت الوثيقة ورأت التاريخ بشكلٍ جيّد ستتحفّز لبناء البلد، ولذلك المسؤوليّة تحتاج الى رؤية واضحة وتحتاج الى بصيرة، والآن أنتم أيّها الطلبة تتحمّلون مسؤوليّة كبيرة ستشغلون مواقع مهمّة في هذا البلد سواءً كانت مواقع إداريّة وظيفيّة سياسيّة اقتصاديّة اجتماعيّة، بالنتيجة ستكونون أصحاب قرار، إنّ الإمضاء الذي ستمضونه على أيّ ورقة فهذا الإمضاء فيه مسؤوليّة لابدّ أن تحدّدوا هذه المسؤوليّة وتحدّدوا طريقة عملكم في هذا البلد".
وخاطب السيّد الصافي الطلبة بالقول: "البلد يئنّ ونحن بطبيعتنا لا نحبّ التشاؤم، لابدّ للإنسان أن يتفاءل خصوصاً عندما يرى هذه الطاقات والكفاءات، والبلد يفتخر بكم وبعد أيّام ستكونون في مواقع مهمّة فيه، وقد تكون قراراتكم مصيريّة فلابدّ أن تمتلكوا رؤية واضحة لبنائه، ولابدّ أن تكون شخصيّتكم مؤثّرة ولابدّ أن تكونوا أقوياء وأن لا تنهزموا ذاتيّاً، رغم معاناة البلد ورغم المشاكل الإنسان الذي يكون قويّاً نفسيّاً ستسهل عليه المشاكل وستسهل عليه الصعاب، بالعكس إنّما الرجال مُدّخرة للصعوبات وهذه الهمم ستغيّر أمماً بكاملها (فربّ همّةٍ أحيت أمّة)".
واستدرك بالقول: "إنّما نعمل هذا إخواني حتى نتشارك سويّةً بالمسؤولية، قد تكون وظيفتي أنا أن أتكلّم وأن أشخّص والمقابل أنت وظيفتك أن تعمل وأن تبني وأن تقول للباطل: لا.. فوظيفتك عندما تجلس مجلساً وظيفيّاً أن تبتعد عن الرشوة وعن التصرّفات السيّئة وتبحث عن مصلحة البلد وتسعى من أجل بنائه".
وأوضح السيّد الصافي: "الآن عندما نشكو من مشكلةٍ معيّنة لا يكفي أن نقف على التلّ وننقدها بل لابدّ أن نضع بدائل جيّدة ونقول كما هناك سيّئة هناك حالة جيّدة، وقلنا لابدّ للدولة أن تكرّم أبناءها، نحن نؤشّر هنا حالة سلبيّة أو فساد لكن بالمقابل هناك أيضاً حالة نزاهة كبيرة، وبعض الموظّفين لا زالوا لم يمدّوا أيديهم الى أيّ مالٍ حرام".
مبيّناً: "العراق اليوم بأمسّ الحاجة اليكم والحالة الإيجابيّة يجب أن تعمّم والشاذّة لابدّ أن ننفر منها، نحن إذا صنعنا جوّاً نتقزّز من الرشوة ونشمئزّ منها الناس ستبتعد عنها، لكن إذا تعاملنا معها كأنّها حالة طبيعيّة قطعاً الناس ستتجرّأ في بعض الحالات وتلجأ اليها وهذا يسهم في إبقاء الفساد، وهذا ما أوضحه أميرُ المؤمنين(عليه السلام) حينما يقول: (أمَرَنا رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) أن نلقى أهل المعاصي بوجوهٍ مكفهرّة حتى تنفر الناس من المعصية)".
وتابع: "جميعنا مسؤولون عن عافية هذا البلد، أُعيد أنتم في أعمار الابتدائيّة قد لا تتحسّسون المشكلة في تلك الفترة لكن الآن بدأتم تشعرون بالمسؤوليّة، والشعور بالمسؤوليّة الآن أنت أصبحت في قلب المسؤوليّة فانظر ماذا تصنع، هل أنت مستعدّ أن تنتقد كما كنت تنتقد؟ أو أنت ستحلّ المشكلة كما كنت تتمنّى؟! لا شكّ نحن نثق بأنّكم تحلّون المشاكل على الأقل بالحدّ الأدنى".
وأشار السيّد الصافي للطلبة بالقول: "اصنعوا جوّاً في قبول الصحيح ورفض الباطل، لا تفكّروا بالمال أصلاً المال يأتي لأنّ الإنسان إذا باع علمه يبيع وطنه وإنسانيّته ويبيع ضميره، والضمير إذا بيع لا يعوّض بالمال والإنسان الذي يفكّر بتعقّل للبلد سيرى نتيجة أفعاله في المستقبل، حقيقةً نحن نأمل من أبنائنا وبناتنا وبصدق إنّنا نباهي بكم، فاصدقوا هذه المباهاة من خلال العمل الجادّ الذي ينتظركم، تأتون الى وسط والوسط كلّه فيه مفاسد وعلى قول المتنبي (حشرٌ مع الناس عيد) هذا كلامٌ غير صحيح، فأنت مسؤول ومسؤوليّتك أنت تصحّح وتصلّح الحالة الموجودة".
واختتم السيّد الصافي: "أجدّد الشكر للأساتذة الأفاضل الذين بذلوا جهداً مع أبنائهم الطلبة في أن تصل لهم المعلومة بالشكل الجيّد، وأدعوهم أن يحبّبوا أنفسهم أيضاً الى الطلاب فالمدرّس إذا حبّب نفسه الى الطالب قطعاً الطالب سيتأثّر وستكون المادّة وإن كانت جافّة ستكون محبّبة، لأنّ الأستاذ بشخصيّته المنمّقة يحاول أن يسهّل هذا المطلب الى الطالب، والشكر موصول كذلك للعوائل الكريمة الذين تعبوا وسهروا من أجل أن يروا فلذّات أكبادهم وهم يتسلّمون مواقع متقدّمة في البلد، وأقول إنّ كلّ شيء نقدّمه الآن هو دينٌ في أعناقكم، وهذا الدين يرجع الى البلد بعد حين، عندما تستلمون هذه الشهادة التقديريّة قد تكون لا قيمة لها مادّياً لكن اعلموا أنّ هذه الشهادة عندما تستملها أياديكم الكريمة لا نريد هذه الأيادي أن تتلوّث غداً -لا سمح الله- وتستلم مالاً حراماً، لا تجتمع هذه الشهادة مع المال الحرام وحاشاكم".