تمييز الوجوه مهم في حياتنا الاجتماعية، وليس من المدهش أن الكثير من مناطق القشرة المخية (القشرة الخارجية المحيطة بالمخ التي تجعله متماسكاً) مخصصة لمهام تمييز الوجوه والهويات.
ونحن نلاحظ ما إذا كان شخص ينظر إلينا أم لا. نحن نستشف التعبيرات العاطفية ما إذا كانت فرحاً أو خوفاً أو غضباً.
في الواقع،فإن تصوير وظائف الدماغ حدد مجموعة المناطق المتجاورة الموجودة في منطقة تسمي منطقة الوجه المغزلية(FFA)، التي تقع علي الجانب الأيمن والأيسر من المخ في الجزء السفلي من الفص الصدغي من القشرة الدماغية والتي يزداد نشاطها عند النظر إلي صورأو لقطات مقربة من الاوجه أو بمجرد التفكير في هذه الصور.
عززت دراستان نُشرتا حديثاً، حول منطقة الوجه المغزلية (FFA) وما نعرفه عن الأساس المادي تمييز الوجوه واستكشفت الدراستان وصولاً فريداً للدماغ من خلال بعض المرضي الذين لديهم نوبات الصرع المقاومة للادوية.
أكتشفت المعالجة الطبية أماكناً في المخ تشير إلى حدوث نوبات صرع عندما يزداد نشاطها وذلك قبل أنتشارها من منطقة المنشأ إلى منطقة جديدة أو إلى نصفي المخ. وإذا تم التعرف على نقطة المنشأ فإنه يمكن إزالتها. ولكن بعد إزالة هذا الاجراء فإن المرضى يكون لديهم بعض النوبات البسيطة بينما تختفي لدى البعض الاخر هذه النوبات، ولمعرفة منطقة المنشأ يضع جراحو الاعصاب أقطاباً كهربائية داخل الدماغ لمراقبة النشاط الكهربي الذي يحدث أثناء حدوث النوبة.
وكانت هذه المعالجة الطبية نقطة البداية لدراستين مختلفتين نشرتا تفاصيل جديدة مثيرة حول ما إذا كان المخ مثل الكاميرا يلتقط صور الوجوه أو إذا كانت هذه الصور مُخلقة مسبقاً بواسطة الخلايا العصبية الموجودة في قشرة الدماغ.
لوصف التجربة الأولى، عليك أن تضع عيناك بشكل ثابت على النقطة الحمراء في النصف الأعلى من الصورة لمدة دقيقة، وسوف ترى على يسار هذه النقطة بيل كلينتون وجورج بوش على يمين النقطة، ثم أنظر بسرعة إلى النقطة الحمراء في النصف الاسفل، ماذا ترى الآن ؟
معظم الناس ترى جورج بوش على اليسار وخليفته على اليمين، عندما تقارن بين الصورتين فسوف تدرك أنهما متماثلتين.
تسمى هذه الظاهرة بأسم التكيف العصبي وهذه ظاهرة مميزة للعقل، فكلما حدقت للوجه يزداد إدراك الخلايا العصبية لتعرف على الوجه، فكلما حدقت إلى نفس الصورة أكثر كلما لاحظت أنها تتغير.لذلك عندما تنظر علي صورة كلينتون ثم تنظر بسرعة على صورة كلينتوش في النصف الاسفل سوف تستقبل دماغك صورة للرئيس بوش،علي الرغم من أن هذه الصورة(بوش) المتكونة في المخ سريعاً ما تنتهي وتصبح مبهمة.
كيف تستجيب الخلايا العصبية الموجودة بالمليارات التي تشكل المخ لهذه الصور؟
تستجيب الخلايا العصبية في العين إلي ترددات الضوء المنعكسة من الصورة بغض النظر عن الاشارات التي تستقبلها من المخ (الصور المتكونة في المخ)، وهذا يعني أنها تشكل صورة عن العالم الخارجي ولكن في الشق الاعلى من المخ فان الخلايا العصبية الموجودة تستجيب بنشاط إلى أشارات المخ (الصور المتكونة في المخ) عن الأشارات القادمة من العين عند النظر إلى  الوجهين في النصف الأسفل من صورة التجربة السابقة.
مكنت الأقطاب الكهربائية التي تدخل إلى الدماغ الباحثون من مراقبة النشاط الكهربي للخلايا العصبية في الفص الصدغي والكشف عن الخلايا العصبية المسؤلة عن الأدراك في الاشخاص المختلفة.
أكتشف العلماء في السنوات الأخيرة أثناء أستخدامهم تقنية الأقطاب الكهربائية خلايا عصبية تستجيب فقط للصور أو الرسومات  للأشخاص المألوفة مثل السياسين او المشهورين أو أفراد العائلة. واحدة من هذه الخلايا العصبية يزداد نشاطها عندما ينظر الأشخاص إلى صورة كلينتون، وواحدة أخرى يزداد نشاطها عند النظر إلى أحد ممثلي هوليود، وهناك بعض الخلايا العصبية التي لاتستجيب إلى صورة شخص مألوف وفي بعض الاحيان لا تستجيب حتى إلى أسمه سواء مكتوباً أو مسموعاً حتى لو كان مألوفاُ.
في التجربة السابقة سجل الباحثون الخلية العصبية التي يرتفع نشاطها عند النظر إلى صورة كلينتون، بعد ذلك طلب الباحثون من المشاركين أن ينظروا إلى صورة بوش لمدة 4 ثوانٍ،ولكن لم يسجلوا أي نشاط لهذه الخلية العصبية، ثم بعد ذلك عُرض عليهم صور كلينتوش ثم كان على المشاركين أن يختاروا إحدى الخيارين إما أنهم رأوا بوش أو رأوا كلينتون، ثم لاحظ الباحثون أن عدد المشاركين الذين أختاروا أنهم رأوا كلينتون كان هو الغالب عندما عُرض عليهم صورة بوش بعد رؤية صورة كلينتون لمدة 4 ثوانٍ والعكس أيضاً.
كيف تعمل هذه خلايا تمييز الوجوه في منطقة الوجه المغزلية ؟ هل تسجل هذه الخلايا ما تراه العين فقط؟ أم إنها تسجل الصورة المتكونة داخل العقل؟
إذا كانت تسجل ما تراه العين فقط فيجب أن يرتفع نشاطها عند النظر إلى الصورالمخلوطة بغض النظر عن ما إذا كانت صورة بوش أو كلينتون، أما إذا كانت تسجل الصورة المتكونة داخل العقل فيجب أن تستجيب فقط عندما تكون الصورة المتكونة موجودة داخل العقل. وهذا ما حدث حيث لم تنشط الخلية المسؤولة عن تكوين صورة كلينتون عندما تم عرض صورة بوش.
بعد فحص 62 خلية لـ 10 مشاركين وُجد أن الخلايا العصبية تسجيب بقوة للصورة المتحولة (صورة بوش متحولة الى صورة كلينتون) مقارنة بالوجوه التي لم يرأها المشاركين من قبل، إحصائياً فإن قوة أستجابة الخلايا العصبية عند رؤية صورة بوش هي نفسها عند رؤية صورة كلينتون، وهذه الخلايا العصبية تقع في جزء المخ المسؤول عن استقبال الاشارات من منطقة الوجه المغزلية FFA (كما ذكرناها سابقاً)، إما مباشرة عن طريق تمييز الوجوه في وعي المخ أو تمييز الوجوه عند النظر إليها.
وللتميز بين هاذين الاحتمالين، فإنه من الضروري تنشيط هذه الخلايا العصبية ببعض الوسائل الصناعية (مثل التقنية المستخدمة في فيلم الماتريكس)، ثم يتم سؤال المشاركين ما إذا كانوا سوف يروا شيئاً ما، وهناك بعض الآراء المخالفة لهذه التجربة؛ للأحتمالية أن يؤثر هذا النشاط الصناعي للخلايا على كفاءة المشترك في التعرف على الاوجه.
الفحص المباشر لعملية تمييز الوجوه في الدماغ الدكتور جوزيف برويزي (Josef Parvizi) عالم الأعصاب وعالم النفس في ستانفورد قام بدراسة فريدة شارك فيها 10 من مرضى الصرع احدهم كان رون بلاكويل (Ron Blackwell) الذي لم تعد الادوية تسعفه في نوباته، فكان من الطبيب برويزي أن بادر الى محاولة علاجه بالجراحة الدماغية. وقد سبق تلك المحاولة ربط بالأقطاب الكهربائية لغرض فحصه وكانت تلك الأقطاب متمكنة من كافة أجزاء دماغه وتجري عملية مسح مستمرة لدماغه أيضاً اثناء العملية.
المثير للدهشة والسحري في الأمر أن الطبيب عندما كان يضع الاشارة الكهربائية على منطقة الوجه المغزلية (FFA) كان المريض يرى وجه الطبيب مختلفاً، تارةً يراه شخصاً يعرفه وتارة أخرى يتغير شكل الطبيب بشكل فجائي فيكبر انفه او ينسحب وجهه.