يواصل ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي نمذجته للحكومات العادلة من خلال حكومة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وطرائق حكمه الذي ضمن من خلاله مرضاه رب العباد والعباد ، وذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت بإمامته في الصحن الحسيني الشريف اليوم 14 رجب الأصب 1437 هـ 22 نيسان 2016 .
نماذج الحكومة العادلة والمبادئ المهمة لكل حاكم وسياسي ، أعتاد الكربلائي على التطرق إليها من خلال سرده لعهد امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام الى ولاته ومنهم مالك الأشتر حين ولاه مصر ، والتي يأمل من خلالها الكربلائي تدعيم دواعي استقرار الوضع السياسي وانتظام امور الرعية وثبات الوضع العام بما يضمن تقدم المجتمع و رّقيه .
ففي مورد حديثه عن متضمنات العهد العلوي للأشتر ، تطرق سماحته ، الى مفاهيم الإنصاف ، وبين أن إنصاف الله يكون من خلال العمل بأوامره والانتهاء عن زواجره ، لأنه سبحانه وتعالى منَ على عباده بنعم اكبر من أن تحصى ومن دواعي العبودية له أن لا يعصى في محل الشكر ولا يكفر في محل التسليم وان يعبد بما يحب هو جل شأنه ، وأن نقبل ونسلم بما اصطفاه لنا من صفوة خلقه ومنهم أئمة الحق لأن اصطفاءهم عن علم بأنهم سينصفوا ويصدقوا ويتطهروا ، وكل ذلك من دواعي الإقتداء بهم وعدم تركهم ، ولا موالاة أعدائهم ، وهذا أول الإنصاف .
وفي مورد تبيانه لأنصاف النَاسَ مِنْ الحاكم ونفسه ، بين الكربلائي ما ذكّر به أمير المؤمنين واليه الأشتر ، بضرورة ان يكون هدفه وغايته إقامة العدل وإحياء الحق ، لأن ذلك هو الغاية التي أبتعث الله من أجلها أنبياءه ورسله بما يحقق للناس معايير العدالة المساواة ، حيث ان قيام الأنظمة وأستمراريتها لا يمكن الا بتحقيق العدل وهو ما يصيّر للحياة مفهوم ومعنى ، ويعمر الأرض ويتطور الإنسان .
وأول ما ينصف به الناس من واليهم هو إقامة العدل فيهم سواء كان ذلك بالتقاضي والأحكام او بالعطايا وترك ما يميز به البعض على البعض الأخر من ميل ومحاباة وعطاء ومكاسب ، لأن في ذلك أثرة للنفس والخاصة من الأهل والقرابة عليهم .
واعتبر الكربلائي أن تحقيق ذلك ليس هيِّنا ولا يسيرا ، لأن للإنسان ميلا لترجيح نفسه وخاصته على الآخرين ، باستثناء الورع منهم والخائف من الله تعالى والذي له على نفسه مراقبات ، معتبرا أن ذلك " ظلم " بعد أن احتج سماحته بما قاله امير المؤمنين عليه السلام (( فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ )) ، وبذلك فأن ترك إنصاف الحاكم لرعيته والتمايز بينهم إنما يعد ظلم فاحش .
وأورد الكربلائي ما أمر به امير المؤمنين عليه السلام مالك الأشتر بخصوص الوسطية في الأمور والتزامها بين التفريط والإفراط ، لأن في ذلك إحقاقا للحق وإعماما للعدل وإرضاء للرعية ، مستشهدا بما نبّه اليه الإمام علي عليه السلام بلزوم العدل العام لرضاء الرعية وحفظ قلوب العامة ، كما كشف عن أن كسب رضا العامة وخطب ودهم يكون من خلال احتواء سخطهم وعدم توهين الدين وتضعيفه لديهم ، وأن سخطهم ـــ وهم الكثرة ـــ لا يقاومه رضا الخواص ـــ وهم القلة ـــ فضلا عن ان سخط الخاصة مغتفر وهيِّن ومستور بالقياس الى رضا العامة ، وبذلك فأنه رضا العامة إولى وأهم ، كما أن وصف الخواص بصفات مذمومة يستلزم تقليل الاهتمام بهم بالقياس الى العامة وما لهه من صفات تستوجب الاهتمام بهم .
كما تطرق الكربلائي الى ما يتصف به الخاصة من صفات ، منها كونهم أثقل مؤونة على الوالي في ايام الرخاء لتكلفه لهم ما لا يتكلفه لغيرهم ، لأن ما يطلبونه لا يمكن عده ولا حصره لأنهم لا يرضون بالامتيازات القليلة من مكاسب وأموال فكلما نالوا شيئاً منها طالبوا بالمزيد وهو ما لا يمكن ان يطلبه العامة .
وبخصوص قلة أعانتهم للحاكم ، أكد أن الخاصة أقل معونة للحاكم عند نزول البلاء لأنهم محبي دنيا ، وما أن تبدأ الأزمات والمشاكل ينسحبون من المسؤولية ويتركون البلاد عرضة للمصائب والتحديات ، لأنهم يعتبرون أنفسهم صفوة ونخبة ، عدا انهم أكره للإنصاف بداعي اطماعهم الكبيرة في الدنيا ، كما أنهم يأبون المساواة في الحقوق مع العامة إعتقادا منهم بأنهم الشريحة الممتازة والنخبة المفضلة ، فضلا عن أن لهم صفة مذمومة أخرى وهي شدة سؤالهم والإصرار فيه لأنهم اقرب لموطن تلبية حاجتهم من خلال قربهم من الوالي ، ولشدة حرصهم على الدنيا ولاعتقادهم بأنهم يستحقون أكثر من الرعية يلحون في السؤال ، وأخيرا فأنهم يتسمون بضعف الصبر عند ملمات الدهر لتعودهم على ترف حياة ونعمها وملذاتها ، وجزعهم اذا ما فاتهم منها فائت ، وهو ما لا يوجد عند عموم الناس لأنهم ـــ عموم الناس ـــ اعتادوا على العيش في أجواء المحن والمشكلات والفقر والعوز ، وهو ما صيّرهم أقوياء وأكثر صبرا وتحملا لها .
كما أوضح سماحته ، أن أهم مضمون في العهد العلوي هذا هو ما أراد امير المؤمنين عليه السلام إلفات النظر اليه ، وهو نقطة مهمة ومؤثرة في حياة الرعية وعموم الناس وما يمكن ان يجعل القوانين والمقررات والسياسات الحاكمة ومن خلالها الحاكم نفسه ، في مورد رضا الله جل وعلا ، والذي له خصوصية اشمل من حيث الحقوق ورعاية العدل وكسب رضا عامة الناس وجمهور الشعب ، وعندما يرضى الله عن حكومة ما ويرضى من هم تحت رعايتها ، فقطعا أنه ستدوم وتبقى .
وطالب الكربلائي ـــ مستفيدا مما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ـــ بضرورة تحقيق رضا الغالبية الساحقة من الناس وليس أقليتهم من مقربي الحاكم وحواشيه ومن هم من حزبه وبطانته والمتملقين له ، معتبرا أن " ثبات واستقرار الحكومات والأنظمة السياسية مرهون بهذه السياسة المبنية على الأمور الثلاث ، وإن الغالبية من الناس تقع على ايديهم تحريك عجلة الحياة في المجتمع ويدافعون عن البلد ويحمون مقدساته ويصونون أعراض مواطنيه ويعملون ويتعبون انفسهم أكثر من الآخرين ويحبون بلدهم ويتفانون في خدمته هم الطبقة الساحقة من عامة الناس " .
كما تنبأ الكربلائي بأن أركان أية حكومة ستتعرض للضعف والتخلل : " اذا رجح الوالي رضا الطائفة الاولى من الخاصة وهم الاقلية على حساب غضب عامة الناس وسخطهم " ، وأن ذلك سيؤدي بالعامة الى " الثورة والانتفاضة ضد الوضع الحاكم " .
وفيما يلي النص الكامل للخطبة ...
الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 14 رجب الأصب 1437 هـ الموافق 22 نيسان 2016
ايها الإخوة والأخوات ...
نقرأ على مسامعكم الكريمة مقطعاً آخر من عهد امير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر يتضمن مبادئ مهمة للحكام والساسة يُضمَنُ من خلالها استقرار الوضع السياسي وانتظام أمور الرعية واستقرار الأوضاع العامة وتحقيق العدالة والتقدم لعموم المجتمع ، مع شرح لفقراته ...
((( أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ ))) .
( أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ ) ...
إنصاف الله العمل بأوامره والانتهاء عن زواجره مقابلا ً بذلك نعمه..
وهو أول الإنصاف فإنه سبحانه قد أنعم علينا نعماً لا تحصى، فليس من الإنصاف ان نعصيه بها ونكفر نعمه وان لا نرضى لأنفسها إلا بحقائق الدين الصادقة ومعارف الهدى الحقة فنعبد الله بما يحب ويرضى..
وان نختار ما اختار لنا واصطفى من أئمة الحق لأنه سبحانه اختارهم بعد علم بإنصافهم وصدقهم وطهارتهم وطيبهم وليس من الإنصاف ان نتركهم فنقتدي بغيرهم فضلا ً عمن عاداهم..
( وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ) ...
ثم ذكّره بأن يكون هدفه وغايته إقامة العدل وإحياء الحق وهي الغاية التي من أجلها أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل حتى ينعم الناس بالعدالة والمساواة فبالعدل فقط تقوم الأنظمة وتستمر ويصير للحياة طعمها ومفهومها ومعناها وتستقر الأوضاع عامة وتعمر الأرض ويتطور الإنسان ...
وإنصاف الناس إقامة العدل فيهم (في الحكم والقضاء والعطاء) والخروج إليهم من حقوقهم اللازمة لنفسه ولأهل خاصته فيترك كل أشكال التمييز والميل والمحاباة وإعطاء الامتيازات والمكاسب لبعض الأفراد دون بعض فيؤثر نفسه وخاصة أهله ومن له فيه هوىً وميل ورغبة وقرابة على بقية الرعية فيعطيهم الامتيازات في المال والمكاسب والثروة والمنصب على حساب الغير ...
ومن الطبيعي ان هذا العمل ليس بالهيِّن واليسير لأن الإنسان يميل دوماً نحو ترجيح كفة نفسه وأقربائه ومن له هوىً وميل على كفة الآخرين إلا من كان له ورع وخوف من الله تعالى ومراقبة للنفس..
ومن هنا ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) : (( سيد الأعمال ثلاثة : إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلا رضيت لهم مثله) .
وقال (عليه السلام) لأحد أصحابه : (ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه، قلت: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك ومواساتك أخاك وذكر الله في كل موطن).
(( فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ ))
واحتج (عليه السلام) على وجوب ذلك الإنصاف بقوله : ( فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ) ...
ادحض: أظهر البطلان للحجة.. بمعنى عدم قبول العذر ...
ينزع : يعني قلع وفصل الشيء وتركه..
فترك الإنصاف والتمييز بين الرعية وعدم إنصاف الحاكم لرعيته من نفسه ومن خاصة أهله ومن له فيهم هوىً يعتبر من الظلم الفاحش والجلي، وحيث ان الله تعالى عادل وحكيم وعدو للظالمين ونصير للمظلومين ولا يرضى لعباده الظلم، فإن الله تعالى سيكون خصمه فلا يقبل منه عذر ولا حجة ...
ومعنى ذلك انه – ربما- يملك الشخص المذنب بعض الأعذار قد لا تكون مقبولة في ذنوب اخرى ولكن تشمله رحمة الله تعالى ولطفه فتكون أعذاره مقبولة ويغفر الله تعالى له ولكن بالنسبة للظلم والجور لا يقبل منه أي عذر وذريعة والطريق والوحيد للنجاة من خصومة الله تعالى وعقوبته ان يرفع الإنسان الظلم عن المظلوم ويعيد حقوق الناس إليهم ..
(( وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ )) ...
ويلزم من الإقامة على الظلم هو الإسراع الى تغيير نعمة الله تعالى وذلك لأن الله تعالى يسمع دعوة المظلوم ويطلع على فعل الظالم..
وهذا الكلام يعدّ تحذيراً شديداً للظالمين ليعلموا ان عقوبتهم لا تنحصر بيوم القيامة بل سيواجهون جزاء أعمالهم في هذا العالم ايضاً وليس لأجل طويل بل في مدة قصيرة، فإن ما يسرع في تغيير النعم الإلهية وينزل العقوبة والعذاب الإلهي هو الإقامة والاستمرار على الظلم والإصرار على العدوان وسحق حقوق الآخرين..
جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أسرعُ الخير ثواباً البِّرُ وصِلَةُ الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم)..
وقال (عليه السلام) (عليه السلام) : (من عمل بالجور عَجّلَ الله هُلكَهُ ).
((( وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ ))) ...
أمر امير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر بأن يكون أحب الأمور اليه أقربها الى الوسط من طرفي الإفراط والتفريط وهو الحق واعمّها للعدل واجمعها لرضاء الرعية فإن العدل قد يوقع على وجه لا يعم العامة بل يتبّع فيه رضاء الخاصة، ونبّه (عليه السلام) على لزوم العدل العام لرضاء الرعية وحفظ قلوب العامة وكسب رضاهم وودهم بوجهين:
احدهما : إن سخط العامة لكثرتهم لا يقاومه رضاء الخاصة لقلتهم بل يجحف به (أي يذهب به) ولا ينتفع برضاهم عند سخط العامة، وذلك يؤدي الى وهن الدين وضعفه ..
اما سخط الخاصة فإنه مغتفر وهيِّن ومستور عن رضاء العامة فكان رضاهم أولى ...
الثاني : انه وصف الخاصة بصفات مذمومة تستلزم قلة الاهتمام بهم بالنسبة الى العامة ووصف العامة بصفات محمودة توجب العناية بهم..
أما صفات الخاصة:
1- كونهم أثقل مؤونة على الوالي في الرخاء لتكلفه لهم ما لا يتكلفه لغيرهم.. فمطالباتهم لا تعد ولا تحصى ولا يرضون بالقليل من الامتيازات والمكاسب والأموال فكلما نالوا شيئاً منها طالبوا بالمزيد..
2- كونهم أقل معونة له في البلاء لمحبتهم الدنيا وعزّة جانبهم..
فعند بروز المشكلات والازمات والمحن يسحبون انفسهم ويتركون البلد عرضة للمصائب والتحديات لعامة الناس فهم يعتبرون انفسهم الصفوة والنخبة ولا يمكن ان تسير امور البلد بدونهم..
3- كونهم أكره للإنصاف لزيادة اطماعهم في الدنيا على العامة..
ولأنهم يعتقدون انهم الشريحة الممتازة والنخبة المفضلة فلا ينبغي ان يجعلوا كالآخرين مساومين لهم في الحقوق..
4- وكونهم اسأل بالإلحاف (الالحاف شدة السؤال والإصرار فيه) لأنهم عند الحاجة..
فهم قريبون من الحاكم ولشدة حرصهم على الدنيا ولتصورهم انهم يستحقون أكثر من الرعية لشعورهم بأنهم افضل من غيرهم يلحون في السؤال..
5- كونهم اضعف صبرا عند ملمات الدهر لتعودهم على حياة الرفاهية والتنعم والملذات وجزعهم على فوات ما في أيديهم من الدنيا.. على عكس عموم الناس الذين تربوا وعاشوا في أجواء المحن والمشكلات والفقر والعوز فصار لهم القوة والصبر والتحمل للمصاعب والمحن..
والمحصّل : ان الامام (عليه السلام) يلفت الى نقطة مهمة ومؤثرة في حياة الرعية وعموم الناس وهي ان القوانين والمقررات وسياسة الحاكم ان امتلكت هذه الخصوصيات الثلاث تكون اشمل من حيث الحقوق ومن حيث رعاية العدل وافضل في كسب رضا عامة الناس وجمهور الشعب..
فإنها ستقع مورد رضى الله تعالى والخلق..
وعندما يكون الله تعالى راضياً عن حكومة معينة وخلق الله تعالى راضون عنه فإن ذلك يضمن بقائها ودوامها..
ومفاد كلامه (عليه السلام) ان المهم هو تحقيق رضا الغالبية الساحقة من الناس لا الاقلية من المقربين من الحاكم سواء أكانوا من حزبه او من بطانته ام من اصحاب الثروة والمال أم من اصحاب النفوذ أم من المتملقين وغيرهم..
فثبات واستقرار الحكومات والأنظمة السياسية مرهون بهذه السياسة المبنية على الأمور الثلاث..فإن الغالبية من الناس تقع على ايديهم تحريك عجلة الحياة في المجتمع ويدافعون عن البلد ويحمون مقدساته ويصونون أعراض مواطنيه ويعملون ويتعبون انفسهم أكثر من الآخرين ويحبون بلدهم ويتفانون في خدمته هم الطبقة الساحقة من عامة الناس..
ولذلك اذا رجح الوالي رضا الطائفة الاولى من الخاصة وهم الاقلية على حساب غضب عامة الناس وسخطهم فحينئذ تتعرض أركان الحكومة للضعف والتخلخل والاهتزاز واذا استمر واشتد سخط العامة من الناس فسوف ينتهي بهم الأمر الى الثورة والانتفاضة ضد الوضع الحاكم..