بعثت المرجعية الدينية العليا رسالة نصح الى القادة والسياسيين والذين لديهم مناصب ادارية في البلد من خلال خطبة صلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف بامامة ممثلها في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي اليوم الجمعة 29/جمادي الاخرة/1437هـ الموافق 8/4/2016م.
وقال الشيخ الكربلائي في مستهل خطبته ان هنالك ارشادات مهمة لمن يُنَصَّبُ في موقع القيادة والادارة لأمور البلاد اكد عليها الامام امير المؤمنين عليه السلام في عهد لمالك الاشتر حينما ولاه مصر جاء فيها " وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَحُبَّ الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ، "وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ" ، مبينا ان الامام (عليه السلام) حذر الولاة من الاعجاب بالنفس والثقة الزائدة بالذات وصفاتها والاعجاب بالنفس هو ان يستعظم الانسان نفسه لما يرى فيها من صفات كمال سواء كانت موجودة فيه ام لا – فيرى نفسه اشرف وافضل من غيره فيستعظم رأيه وعمله ويحتقر الآخرين في آرائهم واعمالهم مما يؤدي الى نفرة الاخرين منه وابتعادهم عنه فيحرم نفسه ورعيته من الانتفاع بها، مشيرا ان العُجب يؤدي الى الغرور والاستبداد بالرأي ويعرضه للهلاك.
واضاف قال الامام علي (عليه السلام): من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها فيرى اعماله الصغيرة كبيرة وافكاره الوضيعة عظيمة او آراؤه الخاطئة صحيحة فيوقع نفسه وغيره من الرعية في النتائج السلبية وربما الكارثية لهذه الآراء الخاطئة واذا ما رأى من غيره اعمالا افضل واعظم من اعماله واراءً اكثر سداداً فلا يعيرها اهمية بل يحتقرها ويزدري بها.
وتابع الكربلائي ان الامام اوضح ان العُجب يحجبه عن اكتشاف اخطائه وعثراته وتقصيره وزلاته، كما ان الاعجاب بالرأي والعقل والعلم يمنعه من السؤال والاستشارة من الاخرين فيستبد برأيه ويستنكف عن سؤال من هو اعلم منه واكثر خبرة وتجربة وربما يعجب برأي له وهو خطأ او عمل له وهو مضر وفاشل، محذرا من حب الاطراء والمدح والثناء من الاخرين والخوف من ذمهم وهذا ناشئ من حب الجاه وقد ذكر (عليه السلام) ان الشيطان يعتبر حب الاطراء والعُجب من الفرص الهامة والتي يثق بها الشيطان لفاعليتها وتأثيرها في الانسان، وعن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حب الاطراء والثناء يعمي ويصم عن الدين ويدع الديار بلاقع (البلاقع : جمع بلقع.. الارض الخالية من كل شيء، والمرأة الخالية من كل خير).
واوضح ان الامام عليه السلام اشار ان من مخاطر حب المدح ان يحاول الانسان جعل افعاله واراءه وسيرته على ما يوافق رضا الناس رجاءً لمدحهم وخوفاً من ذمهم له فيختار رضا المخلوق على رضا الخالق فيرتكب المحظورات ويترك الواجبات ويتهاون في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتعدى عن الانصاف والحق ويخشى من لوم الآخرين له فيدور عمله وقوله مدار رضا الناس وسخطهم، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (انما هلك الناس باتباع الهوى وحب الثناء).
واردف ان حب المدح يمنع الاخرين من قول الحق والنصيحة والتقييم لعمل الانسان واراءه لانهم يخشون من ردود فعله وغضبه عليهم وعداوته لهم – فيحرم من تشخيص اخطائه وزلاته وعثراته- بل يصورون له الخطأ صحيحاً والباطل حقاً وعن امير المؤمنين (عليه السلام) : اجهلُ الناس المغترُ بقولِ مادحٍ متملق يُحسِّنُ له القبيح ويبغض اليه النصيح).
منوها ان الامام عليه السلام اوضح ان حب المدح يؤدي الى اصابة الشخص المحب للمدح بالغرور والعُجب من كثرة اطراء ومديح الاخرين، فالمعجب بنفسه المستعظم لصفاته وافعاله وعطائه لا يرى للاخرين احسانا عليه بل يرى نفسه هو المتفضل والمنعم والمحسن للاخرين وان كان واقع الحال غير ذلك..او انه يرى احسانه عظيما على الاخرين بسبب اعجابه بنفسه فيمتن عليهم ويؤدي ذلك الى محق احسانه على الاخرين، فيمن عليهم ما يقوم به من اعمال ومشاريع وادارة لشؤون البلاد وانه قد جلب لهم الخير والاستقرار والتقدم والازدهار مع العلم ان هذه حقوق رعيته عليه والحاكم اذا فعل ذلك فانه واجب عليه قد أداه، وهذا المن يبطل اجر وثواب هذه الخدمة التي يؤديها الحاكم لرعيته وذلك اشارة لقوله تعالى : (يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)، موضحا ان اظهار الزيادة فيما فعله وقدمه من اعمال وجهود اكثر مما هو واقع وهو ان ينسب الى نفسه من الاحسان والخدمة الى رعيته ازيد مما فعل فيقوم بتضخيم وتهويل اعماله وخدماته الصغيرة ويصورها بانها امور كبيرة وجليلة في حق شعبه- وهذا يعد تضليلا ً للشعب وحرفاً للحقائق عن موضعها ولما كان اظهار الزيادة اكثر مما هو حاصل نوع من الكذب وهو رذيلة عظيمة فانه يذهب بنور الحق وهو الصدق في الادعاء على ما هو واقع فعلا - .
وكشف الكربلائي بان الامام عليه السلام اشار في عهده بأنه حينما يعد الحاكم او المسؤول الشعب ومن هو معني بأمر خدمتهم وتقدمهم بوعود وتعهدات كثيرة من قبيل الوعد بالمشاريع الاصلاحية والخدمية والاغاثية والخطط الانمائية وتشريع القوانين، وبعد الانتظار والترقب من الناس لا يجدون ان الحاكم قد وفى بعهده ووعوده فيثير ذلك سخطهم وغضبهم ويفقدهم الثقة بالحاكم والمسؤول ولا يبقى له احترام وتقدير من الرعية والاهم من ذلك انه يؤدي الى سخط الله تعالى وغضبه على الحاكم..
واختتم الكربلائي خطبته عند عبارة (وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا) أي عدم التعجل بالاقدام على الامور التي لم يتضح صلاحها او تهيؤ مقدماتها او لم يعرف عاقبتها ونتائجها هل هي الى خير ام شر او لا يعرف كونها صالحة للرعية ام فيها الفتنة والفساد او كونها صعبة وشاقة ولا يتيسر فعلها فعليه ان يحذر من التسرع والاقدام على فعل هذه الامور، (أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا) أي التهاون والتساهل وعدم الاهتمام واللامبالاة عند حصول الفرصة وتيسرها والتمكن من العمل والخدمة فلابد ان يغتنم الفرصة ولا يؤخر الانتفاع منها بل يبادر الى العمل بجدية وعجل، (أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ) بأن لم تتضح الامور وكانت غامضة فلا يكثر ويلح في النزاع فيها، (أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ) أي الضعف والتساهل في ادائها اذا استوضحت حقائقها ومصالحها..