تشهد لبنان واقعاً إنسانياً كارثياً جرّاء استمرار القصف والعدوان الصهيونيّ، الذي خلّف دماراً كبيراً في البنى التحتية ومنازل المواطنين وتهجير أكثر من مليون مدنيّ خارج مناطقهم، في وقتٍ حذّرت الأمم المتّحدة من أن لبنان يواجه أزمةً إنسانية، داعيةً إلى تبنّي آليات واضحة لتطبيق قرارات مجلس الأمن بشأن الصراع، مشدّدةً على خطورة الأوضاع الإنسانية جرّاء الحرب. في إطار الجهود الإنسانية لإغاثة الشعب اللبنانيّ، تواصل العتبة العبّاسية المقدّسة إرسال المساعدات الغذائية والطبّية إلى المواطنين للتخفيف من معاناتهم، وتوفير أماكن سكن آمنة للعائلات في سوريا، واستقبال النازحين إلى العراق في مجمّعاتها الخدمية.
تشكيل لجنة لإدارة الحملة الإنسانية
بعد بيان مكتب سماحة المرجع الدينيّ الأعلى السيد علي السيستاني في 23 أيلول 2024م، الذي جاء فيه، أن المرجعية "إذ تطالب ببذل كلّ جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجيّ المستمرّ وحماية الشعب اللبنانيّ من آثاره المدمّرة، تدعو المؤمنين إلى القيام بما يساهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية"، ويمثّل هذا البيان دعوةً صريحة للوقوف إلى جانب الشعب اللبنانيّ في محنته. وعقب بيان مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، أطلقت العتبة العبّاسية حملة موسّعة لتجهيز المساعدات الإنسانية تمهيداً لإرسالها بشكلٍ عاجل إلى المتضرّرين اللبنانيّين، وكذلك فتح الأبواب لجمع التبرّعات والمساعدات، وفتح مخازنها لاستقبال التبرّعات. وأكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة المقدّسة السيد أحمد الصافي في 27 أيلول 2024، تشكيل لجنة للإغاثة تعمل على تقديم المساعدات عبر قوافل برّية تنطلق إلى سوريا، وإقامة مركز إغاثة لتقديم الدعم للنازحين اللبنانيّين هناك، لتقديم الموادّ الغذائية، والأدوية، والملابس، والأفرشة، لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمتضرّرين من الشعب اللبنانيّ. وفيما يتعلّق بالمشاركة الطبّية، أشار المتولّي الشرعيّ إلى أن الملاكات الطبّية الراغبين في التطوّع لعلاج الجرحى، يمكنهم التنسيق مع مستشفى الكفيل التخصّصي لتقديم خدماتهم الصحّية خلال الحملة.
دعم شعبي واسع
العتبة المقدّسة فسحت المجال أمام المواطنين الراغبين في المساهمة، سواء بالتبرّعات المالية أو العينية، وخصّصت أرقام حسابات وتوفير أرقام هواتف للتواصل، وفتح محطّات لاستقبال المساعدات المادية في قسم الشؤون الدينية. الحملة الإغاثية شهدت مشاركةً واسعة لأبناء الشعب العراقي، حيث شرعت المواكب والهيئات الحسينية والأهالي من مختلف المحافظات العراقية، بتقديم المعونات المادية والغذائية وجمعها في مخازن العتبة العبّاسية، بغية إيصالها إلى مستحقّيها من اللبنانيّين. الأهالي وأصحاب المواكب الحسينية سجّلوا مشاركة كبيرة في الحملة الإغاثية، وأثنوا على جهود العتبة المقدّسة في مدّ يد العون إلى الشعب اللبنانيّ، وتهيئة أماكن خاصّة لجمع المساعدات وتسهيل مهمّتهم للمشاركة بالتبرّع.
انطلاق قوافل المساعدات إلى سوريا
بعد يومين فقط من إطلاق حملة الإغاثة وتحديداً في يوم 29 أيلول 2024، أرسلت العتبة العبّاسية القافلة الأولى من المساعدات عبر المجال الجوّي بالتنسيق مع الحكومة العراقية، تضمّنت مجموعة من المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية، إضافة إلى الأمور اللوجستية. لجنة الإغاثة أرسلت بعد ذلك قافلتين من المساعدات ضمّت الأولى 400 طنٍّ من المساعدات الإنسانية، بواسطة 40 آليةً إضافة إلى 3 حاملات وقود بسعة 36 ألف لتر، فيما تضمّنت الثانية نحو 1200 طنٍّ من المواد الغذائية، والدوائية، والوقود، والمياه، موزّعة على 55 شاحنة، ليكون العدد النهائي ثلاث قوافل قد تمّ إرسالها حتّى الآن، فيما تتواصل الاستعدادات لتجهيز قوافل أُخَر. أرسلت العتبة العبّاسية إضافة إلى قوافل المساعدات الغذائية والدعم اللوجستي، شحنة مساعدات طبّية إلى لبنان، بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر العراقيّ.
افتتاح مستشفى ومطبخ للنازحين في سوريا
وفد العتبة العبّاسية في سوريا، افتتح مستشفى ميدانيّاً خاصّاً للنازحين اللبنانيّين هناك، وأنشأ مطبخاً مركزياً لتقديم وجبات الطعام إليهم. مسؤول الوفد السيد نافع الموسوي أوضح أن "الحملة الإغاثية التي أطلقتها العتبة المقدّسة لمساعدة الشعب اللبنانيّ، تشمل تجهيز مستشفى ميدانيّ وآخر متنقّل بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر العراقيّ، يضمّان فريقًا من الأطباء المتخصّصين وسيارات إسعاف وأخرى محمّلة بالأدوية، إضافة إلى مطبخ مركزي يقدّم وجبات الطعام بواقع ثلاث وجبات يومياً". الوفد عمل على تهيئة أكثر من 10 آلاف مترٍ مربّع كمخزنٍ رئيس لحفظ المواد الإغاثية القادمة من العراق، ليتمّ توزيعها بعد ذلك على النازحين اللبنانيين في مختلف المناطق السورية.
استقبال ضيوف العراق
الحملة الإنسانية التي تبنّتها العتبة العبّاسية لا تقتصر على تقديم المعونات للعوائل اللبنانية في سوريا، بل استنفرت جهود ملاكاتها لتهيئة مجمّعاتها الخدمية ومنها مجمّع الشيخ الكليني(قدّس سرّه) ومجمّع أبي الفضل العباس(عليه السلام) ومجمّع العلقمي، إضافة إلى الفنادق التابعة لها، لاستقبال "ضيوف العراق" من اللبنانيّين الذين نزحوا جرّاء العدوان الصهيونيّ على لبنان. استقبلت المرافق الخدمية التابعة للعتبة المقدّسة 750 شخصاً من "ضيوف العراق" حتّى هذه اللحظة، وقد جُهّزت بالوسائل اللّازمة كافة بما يضمن أجواء مريحة ومناسبة لإيوائهم، فضلاً عن توفير مفارز طبّية لتوفير الرعاية الصحّية لهم. حملة الإغاثة التي أطلقتها العتبة العبّاسية المقدّسة لدعم الشعب اللبنانيّ، تأتي في إطار الجهد الإنسانيّ المتواصل في تقديم العون والمساعدة للمتضرّرين من الحرب، وتجسيدًا لمعاني التضامن والتكاتف بين الشعبين العراقيّ واللبنانيّ، لا سيّما بعد دعوة المرجعية الدينية العُليا في النجف الأشرف إلى ضرورة التخفيف من معاناة الأخوة اللبنانيّين وتأمين احتياجاتهم الأساسية.