بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003، تحول الاقتصاد العراقي إلى السوق المفتوح، لتكون قطاعات الخدمات والصناعات وغيرها حرة للتنافس في تقديم ما هو أفضل للمواطن، إثر ذلك بدأت العتبة العباسية المقدسة بتنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية في مجالات التعليم والصحة والإنتاج الحيواني وغيرها. بعد بدء دوران عجلة المشروعات وتحقق نتائج ملموسة لدى المواطنين، تصاعدت جدلية مفادها هل هي منافسة لمؤسسات الدولة في تقديم الخدمات؟ أم هي داعمة وساندة لها في سد النقص ببعض الجوانب؟ الصحة أول الاهتمام لأن الجانب الصحي يُعدّ قطاعًا مهمًا كونه مرتبطًا بحياة المواطن، إذ كان المريض العراقي يضطر أحيانا للسفر إلى خارج البلد كي يحصل على المعالجة المناسبة له، من هنا بزغت فكرة إنشاء مستشفى تخصّصي يكون داعمًا من العتبة المقدّسة للقطاع الصحّي في العراق عمومًا، ومحافظة كربلاء المقدّسة خصوصًا، وللمساهمة في سدّ جزءٍ من النقص المذكور في المجال الصحّي الذي يعاني من تدهور ملحوظ. في حفل افتتاح المستشفى أكد المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي أنّ الوضع الطبّي في العراق قد تأثّر نتيجة السياسات التي مرّت بالبلد، وانعكس هذا المقدار سلبًا على حاجة المواطنين، لكثرة المشاكل الطبية الكبيرة عندنا في العراق، ولأنّ البنى التحتية لم تعد تكفي لذلك، ارتأت العتبة العباسية المقدّسة أن تبدأ بهذا المشروع، وافتتاحه بعد أن استوفى جميع الشرائط التي لابد أن تحصل.
لافتًا إلى أنّ الهدف من إنشاء المستشفى هو أنّ هناك الكثير من المرضى يسافرون إلى خارج العراق لافتقار مستشفياتنا الموجودة للعلاج النافع، خصوصًا مع تشعّب الأمراض وتعدّدها، ومن أجل التخفيف والتقليل عن كاهلهم أُنشئ هذا المستشفى. قدّم المستشفى الخدمات الطبية والعلاجية والعمليات (بشكل مجاني) لأكثر من سبعة آلاف مريض من مختلف محافظات العراق خلال خمسة أعوام عن طريق فريق أطباء بلا أجور التابع لها، كما دعم المستشفى بـ(مواد طبيةـ صيانة أجهزة) مستشفيات دائرة صحة محافظة كربلاء المقدسة في فترات زمنية مختلفة، كما يقدم المستشفى الخدمات الطبية والعلاجية لزائري كربلاء المقدسة في الزيارات الدينية المليونية عبر المفارز الطبية الميدانية وسيارات الإسعاف، ويكون ساندًا في الحالات الطارئة لدائرة صحة المحافظة، ويتكفل (مجانًا) بتقديم الخدمات الطبية العلاجية وإجراء العمليات للمرضى الفقراء والأيتام بالتنسيق مع عدد من المؤسسات الإنسانية، إضافة إلى تقديمه خدمات طبية وعلاجية وعمليات (بشكل مجاني ومخفض) لأكثر من سبعة آلاف جريح من جرحى الحشد الشعبي والقوات الأمنية خلال أربعة أعوام. إلى جانب ذلك باشر المستشفى باستقبال المرضى المصابين بحالات مرضية معقدة ويصعب معالجتها، بعدما وافقت وزارة الصحة على إرسالهم إلى مستشفى الكفيل بالتخصّصات الطبية الجراحية الدقيقة، ومنها عمليات انحراف العمود الفقري الشديد وقلب الأطفال، والكسور المعقدة، وزراعة القرنية، والعيون. وفقًا للدكتور أحمد عبودي مسؤول برنامج الإخلاء الطبي في المستشفى.
من جهته يقول رئيس مجلس أعيان كربلاء يوسف آل ماجد، إنّ "المتوفّر في المستشفى من خدمات طبية وتقنيات وأجهزة متقدّمة، هو مدعاة للفخر والاعتزاز والسرور، وان الخبرات الطبية الموجودة في المستشفى هي بمستوى عالٍ، فهي قادرة على إجراء مختلف العمليات الجراحية، ولا سيّما الصعبة والمعقّدة منها، ويمكن للمريض المعالجة هنا بدلًا من السفر للخارج وتحمل الأعباء والكلف المالية العالية". لم يقتصر إسناد العتبة العباسية المقدسة لوزارة الصحة عبر المستشفى فقط، بل شرعت ببناء سبع ردهات بعد انتشار فيروس كورونا في العراق، إذ أُنشِئت بنايتان في مدينة الإمام الحسين (عليه السلام) الطبّية بمحافظة كربلاء المقدّسة، وبناية لصالح مستشفى أمير المؤمنين (عليه السلام) في محافظة النجف الأشرف، وبناية في محافظة بابل ضمن مساحة مستشفى مرجان الطبّية، وبناية في العاصمة بغداد ضمن مساحة مستشفى ابن القف التابع لدائرة صحّة الرصافة، وبناية في محافظة المثنى ضمن مساحة مستشفى الإمام الحسين (عليه السلام) التعليميّ.
نظرة على نور الكفيل في مجال الأمن الغذائي رفدت شركة نور الكفيل للمنتجات الحيوانية والغذائية التي تُعد من الشركات الرائدة في الإنتاج الحيواني والغذائي السوق العراقي بأنواع المنتجات الحيوانية والزراعية ومنتجات الألبان، إذ تعتبر منتجات الشركة ذات جودة عالية وأسعار مناسبة مما تعين المواطن البسيط، ساعية وبتوجيه السيد المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي للاعتماد على المنتج الوطني وتشجيع المشروعات الوطنية. وما يميز منتجات الشركة هو أنّها مصنّعةٌ محليًا وذات جودَةٍ عالية ومطابقة لمعايير الجودة والصحة العالمية، إضافةً إلى ملاءمتها لذائقة المستهلك وتلبية رغبته فضلًا عن حليتها وأسعارها المقبولة، كونها أخذت في ظلّ ارتفاع الأسعار العالمية على عاتقها، الحفاظ على مستوى الأسعار المحلية، وأن تكون ثابتة لا علاقة لها بتغير أسعار العملات وارتفاعها، والتعامل بالعملة العراقية لتوفير السلعة للمواطن العراقي بالأسعار الطبيعية دون تأثّرها بالارتفاع، وفقًا لمسؤول شعبة العلاقات في الشركة السيد نجاح هاني الكتبي.
وتخطّت شركة نور الكفيل عتبة الـ(300) نوع من المنتجات، ما بين الحيوانية كاللحوم الحمراء والبيضاء ومصنعاتها، إضافةً إلى المنتجات الغذائيّة والصناعية المتنوعة، بعد أن اتسعت رقعة عملها وذلك لعدّة ميزات تمتاز بها هذه المنتجات كقيمتها الغذائية وحليتها، وإخضاعها لشروط صناعية مطابقة لمعايير الجودة والصحة العالمية، والخاضعة لجهاز التقييس والسيطرة النوعية العراقية. يقول مراقبون إنّ الشركة تحولت إلى خيارٍ للكثير من المستهلكين، كونها قدمت ما يحتاجونه بأسعار في متناول اليوم، فضلًا عن تشغيلها الآلاف من الشباب في أكثر من (300) مركز تسويقي في عدد من المحافظات. يتساءل الكاتب حسين فرحان: أليس من الأنصاف أن نفتخر بكل هذه المنجزات لإنها عراقية، وننظر بتجرد عن كل ميول وانتماءات وشوائب ومنغصات تحجبنا عن شمس الحقيقة التي دأبت بعض القوى على أن تتصدى لنورها بغرابيل التعتيم والإساءة؟ التربية والتعليم وإيمانًا منها بأهمية التعليم عبر وجود نظام تربوي ضابط لسلوكيات المجتمع وتعاملاته، ومساهمةً منها في نهضة الأمة وتواصلها مع التطورات الحاصلة في العالم، كانت باكورة مشروعات العتبة العباسية في هذا الشأن التربوي مجموعة العميد التعليمية الواقعة على مساحةٍ تقدّر بـ(45,000م2)، وتتألف من خمس مدارس مساحة المدرسة الواحدة منها (6,000) مترٍ مربع بواقع ثلاثة طوابق، وروضتي أطفال مؤلفتين من ثلاثة طوابق مساحة الواحدة منها (900) مترٍ مربع، وقاعتين رياضيتين مساحة كل واحدةٍ منها (900) متر مربع، تبنت العتبة المقدّسة خطة للارتقاء بواقع التعليم في العراق، فكانت محافظة كربلاء المقدّسة نقطة الشروع الأولى. كما ألحقت العتبة العباسية هذا المجمع التربوي بجامعتين، هما الكفيل في النجف الأشرف، والعميد في كربلاء المقدسة لتكتمل الرؤية في إيجاد هيكل تربوي وتعليمي يستطيع بمخرجاته البناء والتطوير.
كانت هذه المشروعات ساندًا للمؤسسات الحكومية في استيعاب آلاف الطلبة في ظلّ نقص الأبنية المدرسية وزيادة عدد الخريجين من الدراسة الإعدادية، ما أبرز الحاجة إلى جامعات رصينة تستوعبهم، فضلًا عن استخدام مناهج علمية حديثة وطرائق تدريس متطورة. مشروعات أوجدتها الضرورة يرى مراقبون أنّ تلك المشروعات لا تشكل "بديلًا عن الدولة"، بل هي" مشروعات لملء فراغ تركته الظروف السياسية والاقتصادية التي مرت على البلاد، فيما يؤكد المعاون الإداري لرئيس قسم إعلام العتبة العباسية السيد جسام السعيدي، أنّ "جميع المصانع والمزارع والشركات إضافة إلى مستشفى الكفيل، يذهب ريعها إما لخدمات مجانية للفقراء كعلاج أو عمليات، أو لإنشاء مشروعات خدمية مجانية"، مبينًا أنّ "مؤسسات العتبة ومشاريعها وخدماتها وفّرت فرص عمل لآلاف العاطلين والفقراء وخدمت مئات ملايين الزائرين، وطوّرت الصناعة والزراعة والخدمات في العراق بمئات المشروعات المتوسطة والصغيرة". في المحصلة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المشروعات التي أُنشِئت من قبل العتبة العباسية المقدسة كانت ضرورية لسد عجز ما أو إسناد جهة قطاعية عامة في ملف كبير، والحفاظ على العملة الصعبة من الخروج ما يعود بالنفع الاقتصاد الوطني، لا سيّما أنّ الكثير من مؤسسات الدولة عقدت شراكات مع الكثير من الأقسام والمواقع التابعة للعتبة العباسية المشابهة لها بالاختصاص لغرض الاستعانة بخبراتها.