ليلة تُلزم المؤمن صلته بالكتاب الذي صدّق، وبالدين الذي آمن به، بل ليلة تجديد المؤمن ميثاقه لربّه الذي أخذه عليه في عالم الميثاق، إذ استَقبلت رحاب الصحن الكاظمي الشريف بأجوائها الإيمانية المباركة الجموع الغفيرة من زائري إمامي الرحمة والهدى الكاظمين الجوادين "عليهما السلام"، لإحياء ليلة بالغة الشرف ألا وهي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، ليلة القدر المباركة وهم يناجون ربهم بالصلاة والدعاء والاستغفار والإحسان، بعيونٍ دامعة وقلوبٍ خاشعة وأكفّ مرفوعة طالبين من بارئهم غفران الذنوب، وحُسن العاقبة، ليلتحقوا بركب النبي محمد وآل بيته الأطهار "عليهم السلام".
استهل المنهاج المعدّ لإحياء مراسم هذه الليلة المباركة بمحاضرة دينية توجيهية لفضيلة الشيخ المُربي حبيب الكاظمي، استعرض فيها فضائل الأيام الأواخر من شهر رمضان وليالي القدر المباركة وملخص أعمالها ومستحباتها ووجوب إحيائها، مبيّناً أجرها وعلو شأنها حين يتجلّى فيها أعلى مظاهر الفيض والكرم والضيافة الإلهية. وأشار فضيلته إلى ضرورة اغتنام فرصة التَميّز لنكون قريبين إلى التكامل، ونجعل من هذه الليالي محطة متميزة في حياتنا، والسعي إلى استقبالها بنقاء باطني، فالسعيد منا في هذه الأيام تُقبل سعادته والشقي تُقبل شقاوته.
كما أكد فضيلته علينا أن نعيش هذه الليلة بين الخوف والرجاء ونستشعر الجنة ونعرض مقدرات أعمالنا ونحن في هذه الرحاب القدسية، وأن نغتنم الفرصة ونتزود من محطات ليلة الفهم والعلم والانقلاب الجوهري لأجل أن نصل إلى رحمة رب الأرباب، موضحاً أن الألفاظ غير كافية من أهوال يوم القيامة، لذا ينبغي في هذه الليلة أن نتقن أعمالنا لنحصد العطايا الإلهية.
وتلا ذلك قراءة الأدعية الواردة عن أهل بيت النبوة "عليهم السلام" في إحياء هذه الليلة العظيمة وتشمل دعاء رفع المصاحف، ثم اختتمها كلّ من القارئ السيد عبد الكريم قاسم، والقارئ الدكتور رافع العامري، والقارئ الحاج همام عدنان، والقارئ باقر احمد سهر بقراءة دعاء الجوشن الكبير، ثم ابتهلت الجموع المؤمنة التي غصّت بها هذه الرحاب الطاهرة إلى المولى العلي القدير أن يتقبل منها خالص الدعاء والأعمال وتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف"، وأن يعم الأمن والآمان على بلدنا العزيز ويسوده الخير والرخاء.
من الجدير بالذكر أن خدّام العتبة المقدسة واصلوا الليل بالنهار لنيّل عظيم الشرف لأجل تقديم أفضل الخدمات للزائرين الكرام في هذه الليلة المباركة، منذ تدفقهم من وقت غروب الشمس وحتى ساعات الصباح، وكانت هناك إجراءات مكثفة من قبل الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة من الناحية التنظيمية والأمنية والخدمية.