غالباً ما يحذروننا كي لا نشرب الكثير من الماء الفوار، فربما يكون ضاراً لجهازنا الهضمي، وعظامنا وأسناننا. لكن هل هذه المعلومات صحيحة؟
جميعنا يعلم الآن أن تناول المشروبات الغازية عذبة المذاق طوال النهار ليس أمراً صائباً. إن مزيجاً من المحتويات السكرية العالية، والحموضة الناتجة من إضافة ثاني أكسيد الكربون التي تجعلها غازية، ليس صحياً. يعلم أيٌ منا ممن وضع قطعة نقود معدنية في قدح من المياه الغازية طوال الليل أنها ستصبح نظيفة وبراقة.
يكمن السبب في أن حامض الفوسفوريك، الموجود في المشروب الغازي، سيزيل طبقة التأكسد التي تكونت فوق القطعة المعدنية. لذا، فأحد البدائل هي شرب الماء. يسألونك في المطاعم، ماء عذب أم فوار؟. إذا لم تتملكك الشجاعة الكافية لتقول ماء الصنبور، فربما تختار الماء الفوار لأنه يبدو كتنويع لطيف.
مع ذلك، فهناك احتمال وارد، وخاصة إذا كنت مع مجموعة، أن يقول أحدهم على الأقل إن الماء الفوار مضر لصحتك. لكن هل يوجد دليل على هذا القول؟
لنبدأ بالمعدة. يُصنع الماء الفوار عن طريق إضافة ثاني أكسيد الكربون إلى الماء تحت ضغط عالٍ. النتيجة التي نحصل عليها هي ماء يحوي حامضاً ضعيفاً هو حامض الكاربونيك. إذا شربته فيمكنه بالطبع أن يتسبب في حصول الفُواق أو عسر الهضم.
وماذا لو شربته بكميات محسوبة؟ وما صحة المعلومات التي تدّعي أنه يضر بمعدتك؟
العكس صحيح، على ما يبدو. في تجربة صغيرة طُلب من مرضى يعانون من حالة عسر الهضم المتكرر أو الإمساك المتكرر أن يشربوا كمية من الماء، إما ماء الصنبور أو الماء الفوار، لمدة 15 يوماً. ثم أجريت عليهم بعض الاختبارات والتحاليل. تحسنت الحالتان لدى الذين شربوا الماء الفوار، ولم يطرأ أي تحسن لدى الذين شربوا ماء الصنبور.
إذا شربت الكثير من الماء الفوار فقد تشعر بانتفاخ. لكن الباحثين في اليابان يقولون إنه يمكن الاستفادة من هذه المضاعفات الجانبية. فقد طلبوا من مجموعة نساء أن يصوموا ليلة، ثم يشربوا ببطء إما من ماء الصنبور أو من ماء فوار.
وتوصل الباحثون إلى أن كمية من الغاز تقدر بنحو 900 ميلليتر قد تحررت من الماء الفوار الذي كانت كميته تقدر بنحو 250 ميلليتر. أي أنه لم يكن من المفاجئ أن تشعر النسوة بانتفاخ بسيط، ويظهر لديهن شعور بالشبع، علماً بأنهن لم يأكلن شيئاً.
وبالتالي، فإنه يُوصى بشرب الماء الفوار كوسيلة لتفادي الإفراط في تناول الطعام، فهو يجعلك تشعر بالشبع.
مشاكل العظام؟لعلك سمعت عن أناسٍ يعمدون إلى خطوة ما تتمثل في التخلص من غازات المشروبات الغازية نهائياً قبل أن يشربوها، خاصة إن كانوا يعانون من الجفاف بعد مرورهم باضطراب معدي أو بعد التقيؤ، أو حتى بعد الدوار الذي ينتاب شاربي الخمر في اليوم التالي.
وبمراجعة تأثير تلك الخطوة على أطفال يعانون من التهاب المعدة الحاد، تبيّن وجود دلائل ضعيفة على نجاحها. كما أظهرت مقارنة بين تلك الخطوة وبين محاليل معالجة الجفاف ـ وخاصة تلك التي تُصنع لتحتوي على بدائل من الأملاح والسكريات بنسب صحيةـ إحتواء هذه المشروبات الفوارة على مستويات أقل بكثير من الصوديوم والبوتاسيوم مما هو موجود في تلك المحاليل. لذا، فمن الأفضل أن نتمسك باستعمال المواد على طبيعتها.
لكن إذا لم تضر المياه الفوارة بمعدتك، فماذا عن العظام؟ هل تضعفها؟ هنا أيضاً تشير الدلائل الحالية إلى عدم وجود مثل هذا التأثير. وقد أظهر بحث كندي أجري عام 2001 أن المراهقين الذين يشربون الكثير من المشروبات الغازية (وليس المياه الفوارة) يعانون من قلة الكالسيوم في عظامهم. لكن الدراسة لم تبين ما إذا كانت المشكلة تكمن في المشروبات نفسها أم لأن الناس ربما كانوا يفضلون شربها على شرب الحليب.
هناك دراسة أخرى بدأت عام 1948، وهي دراسة فرامنغهام للقلب، والتي تابعت مجموعة من الأشخاص طوال سنين عديدة لتستكشف المزيد حول عوامل الخطر بالنسبة لأمراض القلب.
يشارك أولاد هؤلاء الآن في دراسة فرامنغهام لهشاشة العظام التي تتضمن اختبارات وتحاليل مستفيضة كل أربعة أعوام يقوم بها باحثون من جامعة تافتس في بوستن الأمريكية.
وقد درس فريق الباحثين، في عام 2006، العلاقة ما بين كثافة العظام والمشروبات الغازية، ودرسوا بالتفصيل الأنواع المتنوعة من المشروبات الغازية التي تناولها أكثر من 2500 من المشاركين في الدراسة.
توصل فريق البحث إلى أن معدل كثافة المعادن في عظام الورك عند النساء (وليس الرجال) اللاتي تناولن مشروبات غازية مطعّمة بالكولا ثلاث مرات في الأسبوع كان أقل من الطبيعي. أما المشروبات الغازية الأخرى فلم يكن لها أي تأثير.
وقد افترض القائمون على الدراسة أن ذلك التأثير ربما يُعزى إلى مادة الكافيين، ودور حامض الفوسفوريك (غير الموجود في المياه الفوارة) بشكل غير مفهوم تماماً حتى هذه اللحظة. يُحتمل أن الكافيين يعيق امتصاص الكالسيوم بطريقة ما، ولكن حتى الآن لا يعرف أحد كيف يحدث ذلك. عشر سنوات مرت ولا يزال هناك عدم اتفاق حول كيفية تأثير التغذية على صحة العظام.
إذاً، فيما يخص العظام والمعدة، يبدو أن شرب المياه الفوارة ليس مضراً. لكن ماذا عن الأسنان؟ من المؤكد أن أي حامض، مهما كان ضعيفاً، سيؤدي إلى تآكل طبقة المينا في أسناننا؟ لعل الأمر ليس كذلك. فقد أُجريت أبحاث قليلة جداً فيما يخص المياه الفوارة بالتحديد، غير أن الكثير منها أُجري على المشروبات الغازية الأخرى.
فقد أجرى باري أوينز من كلية طب الأسنان بجامعة تينيسي في الولايات المتحدة الأمريكية دراسة في عام 2007 لمقارنة تأثيرات المشروبات الغازية المتنوعة. تبين من هذه الدراسة أن المشروبات القائمة على الكولا كانت أكثر حامضية من غيرها، وتليها مشروبات الكولا التي يجري تناولها وفق حمية غذائية معينة، وتليها القهوة.
آثار متراكمةفي ذلك الطرح، يوضح أوينز أن الحموضة الأولية للمشروب الغازي ليست فقط العامل المؤثر، ولكن أيضاً مدى قدرة المشروب الغازي على المحافظة على حموضيته في وجود مواد أخرى. ففي واقع الحياة، هناك اللُعاب الموجود في الفم، إضافة إلى مواد الطعام الأخرى التي قد تؤثر على مستويات الحموضة.
يُعرف هذا اصطلاحا باسم قدرة التخفيف. وفي مراجعة لمختلف أنواع المشروبات الغازية، تم تصنيفها تدريجيا حسب قدرة التخفيف لديها. جاءت المشروبات الغازية غير المستقاة من الفواكه، مثل مشروبات الكولا، على رأس القائمة، فكانت أكثر حموضة من البقية (أنواع الحمية منها كانت أقل حموضية بقليل).
ثم تبعتها المشروبات الغازية المصنوعة من الفواكه، ثم عصير الفواكه، وتليها القهوة. بمعنى آخر، بعض المشروبات الغازية تضر بصلابة مادة مينا الأسنان.
أخذ بوونام جاين، الذي يعمل في كلية طب الأسنان بجامعة جنوب إلينوي الأمريكية، عينات من مادة مينا الأسنان ووضعها في أوعية تحوي أنواعاً مختلفة من المشروبات الغازية لمدة 6 و24 و 48 ساعة.
يقول جاين إن طبقة مينا الأسنان بدأت في التآكل. ويجادل البعض قائلاً إن ذلك لا يجاري الحقيقة، لأننا لا نُبقي تلك المشروبات الغازية في أفواهنا كل تلك الساعات. لكن، عبر عدة سنين، فحتى بضع ثوانٍ نقضيها ونحن نجرع تلك السوائل تتراكم شيئاً فشيئاً.
هناك دراسة لحالة نُشرت عام 2009 لشاب عمره 25 عاماً يعمل موظفاً في أحد البنوك. كانت أسنانه الأمامية قد تآكلت بعد أربع سنين من شربه لنصف لتر من الكولا يومياً، تلتها ثلاث سنين زاد فيها الكمية المشروبة إلى لتر ونصف كل يوم، مضيفاً إليه بعضاً من عصير الفواكه. هذه الحالة كافية لترعبنا، لكنها تعتمد أيضاً على كيفية شرب هذه السوائل.
كان ذلك الشاب يُبقي المشروب الغازي في فمه لعدة ثوانٍ كي يتذوقه قبل أن يبتلعه. قارن الباحثون في السويد عمليات الشرب المختلفة، ومنها السريع، والمطول، والشفط. وتوصلوا إلى أن أنه كلما بقي المشروب الغازي لمدة أطول في الفم، انخفضت بشكل ملحوظ القوة الهيدروجينية في فم ذلك الشخص.
بمعنى آخر، تزداد حموضة الفم. أما إذا شربت من خلال شفاطة، فإن السائل يندفع مباشرة إلى مؤخرة الفم والنتيجة هي احتمالات أقل لتضرر الأسنان.
وماذا عن المياه المعدنية الفوارة؟ قامت كاتريونا براون، من جامعة برمنغهام في بريطانيا، بوضع أسنان بشرية مقتلعة لا تبدو عليها أية آثار للتآكل في قوارير تحوي أنواعاً مختلفة من المياه الفوارة المطعّمة بنكهات متنوعة لمدة نصف ساعة لتكشف ما سيحصل لها.
جرى طلاء الأسنان بمادة الورنيش ما عدا جزء محدد للاختبار هو عبارة عن قطر بنصف سنتيمتر، حيث أبقيت على حالها ولم تُطلى بمادة الورنيش. وجدت براون أن تأثير هذه السوائل على الأسنان كان مشابهاً، وأحياناً أكثر، من تأثير عصير البرتقال المعروف عنه تأثيراته في تليين مادة مينا الأسنان.
كانت النكهات الأكثر حمضية هي لليمون بأنواعه المختلفة، ربما لأنها تحوي حمض الستريك (حمض الليمون) الذي يعطيها مذاقها الطيب.
لذا، لا ينبغي اعتبار المياه المعدنية المطعمة بنكهة ما غير مضرة كالماء العادي. لكن ماذا بخصوص المياه الفوارة غير المطعّمة بنكهة؟ الدراسات حول هذا النوع نادرة ومتباعدة. غير أن فريقاً من جامعة برمنغهام اختبر مياه معدنية لسبع علامات تجارية مختلفة في عام 2001.
قام الفريق أيضاً بصبّ هذه السوائل على أسنان مقتلعة ليروا التأثيرات عليها. وجد الباحثون أن للمياه الفوارة قوة هيدروجينية تتراوح ما بين 5 إلى 6 درجات (أي أنها لم تكن حامضية بقدر مشروبات الكولا التي وصلت إلى 2.5 درجة). أما الماء العادي فقوته الهيدروجينية متعادلة، وهي 7 درجات.
بتعبير آخر، تعد حموضيتها ضعيفة، كما كان متوقعاً. غير أنه عند الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المحتملة لهذه السوائل على تآكل الأسنان، فإن تأثيرها كان أقل بمائة مرة عما هي عليه أنواع أخرى من المشروبات الغازية.
من الطبيعي أن بيئة الفم مختلفة عن تلك الخاصة ببيئة القوارير والزجاجات، إلا أن الدلائل المتوفرة حتى الآن على الأضرار لا تبدو قوية جداً.
والحال كهذه، إذا أردت تغييرا مختلفاً عن الماء الطبيعي القديم فتستطيع شرب المياه الفوارة. مع أن حامضيتها قليلة، ولكن حتى الآن لم تظهر دلائل قوية تشير إلى ضررها على العظام أو المعدة أو الأسنان.
أما إذا أردت الاطمئنان الكامل وإبعادها عن أسنانك، فعند الإجابة على سؤال ماء طبيعي أم فوار، ربما عليك أن تطلب أيضاً أن يأتوك بشفاطة (أو ماصة) للتتناول بها الماء الفوار.