تعتبر ذكرى شهادة سابع الصفوة من الأئمة الأطهار "عليهم السلام" من الأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي، لما تحمله في طياتها من قيمٍ ومعانٍ سامية لها وقع كبير في نفوس المسلمين، إذ شهد الصحن الكاظمي الشريف في 20 من شهر رجب الأصب 1444هـ المراسم السنوية المهيبة لاستبدال رايتي القبتين الشامختين للإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام"، برايتي الحزن السوداوين في مراسم مهيبة جرت وسط حضور الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة، خادم الإمامين الكاظمين الجوادين الدكتور حيدر حسن الشمّري، وأعضاء مجلس الإدارة الموقّر، وممثل المرجعية الدينية العُليا في مدينة الكاظمية المقدسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين وسماحة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ووفود العتبات المقدسة العلوية والحسينية والعسكرية والعباسية والمزارات الشريفة، وبحضور نخبة من السادة الأجلاء والمشايخ الفضلاء أصحاب المشروع التبليغي للمرجعية الدينية، وعدد من الشخصيات الرسمية والاجتماعية وجمع غفير من وجهاء وشيوخ مدينة الكاظمية المقدسة ومسؤولي دوائرها الأمنية والخدمية وزائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".
افتتحت المراسم بتلاوة مباركة من الذكر الحكيم شنّف بها أسماع الحاضرين قارئ العتبة المقدسة السيد عبد الكريم قاسم، بعدها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة والتي ألقاها أمينها العام بيّن فيها قائلاً: (إن من أهداف هذه المراسم هو إحياء دعوة صاحب الذكرى إمامنا الكاظم عليه السلام الذي كانت رسالته تتضمن مقابلة الإساءة بالإحسان والعفو والتسامح وكظم الغيظ والتعايش والمحبة والصدق والأمانة فكلها أسباب لاستنزال رحمة الله تعالى اذ يقول إمامنا الكاظم عليه السلام (إن أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا، وأدوا الأمانة، وعملوا بالحق).. ومن هذا المنطلق نرى أن مرجعيتنا الرشيدة متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني ما زالت تدعو إلى نبذ العنف والبغضاء والتفرقة وتؤكد على التعايش السلمي والتكافل الاجتماعي لأنها نابعة من أخلاق محمد وآل محمد.. فلطالما أكد سماحته على حماية حقوق الانسان والمحافظة على حياة الآخرين وكرامتهم مهما اختلف لونهم ودينهم واعتقادهم وقد ناشد أبناءه قائلا: (الله الله في الحرمات كلّها، فإيّاكم والتعرّض لها أو انتهاك شيء منها بلسان أو يد واحذروا أخذ امرئ بذنب غيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) مؤكدا على حرمة الدم والمال والعرض من دون الالتفات إلى الديانة والمعتقد.. وهي رسالة واضحة للعالم كله على إن الإسلام النقي الأصيل الصحيح هو هذا الذي ينشده السيد المرجع في تلك الوصايا المهمة التي يمكن أن نعتبرها منهاجا لتربية وتعليم الأجيال على التسامح والسلام.. فالتزامنا بوصايا أئمتنا ومرجعيتنا ستؤدي حتما إلى عراق موحد يعمل على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة فبناء العراق مسؤولية الجميع ولا يكون البناء إلا بتبادل المحبة والألفة والتكاتف بين أبنائه لذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عُمّرت البلدان بحب الأوطان)
وأضاف: لا بد من التذكير بوصايا المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله والخاصة بمثل هذه المناسبات ومنها: (الله الله في الصلاة فإنها عمود الدين ومعراج المؤمنين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الالتزام بها في أول وقتها).. (الله الله في الستر والحجاب فإنّه من أهمّ ما اعتنى به أهل البيت عليهم السلام إن وعلى الزوار جميعاً ولا سيّما المؤمنات مراعاة مقتضيات العفاف في تصرفاتهم وملابسهم ومظاهرهم والاختلاطات المذمومة).. كما (يجب الاهتمام بمراعاة تعاليم الدين مثل الإصلاح والعفو والحلم والأدب وحرمات الطريق وسائر المعاني الفاضلة)).
وأشار في حديثه إلى ما ورد في الدستور العراقي في المادة (2)/ البند ثانياً/ الفقرة ثانياً والتي نصت على الآتي: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية.
وكذلك المادة (10) من الدستور العراقي والتي نصها أن العتبات المقدسة ،والمقامات الدينية في العراق ،كياناتٌ دينيةٌ وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها .
وأيضاً ما جاء في المادة (43)/ ثانياً من الدستور العراقي ونصها: تكفل الدولة حرية العبادة وحماية اماكنها.
وبناءً على ما تقدم فأننا نؤكد على الجهات المسؤولة بالشأن الأمني اتخاذ اقصى درجات الحيطة والحذر، وإدامة تعزيز الجهد الأمني والاستخباراتي بشكل دائم، ومستمر دون توقف لحماية المدن المقدسة وخصوصاً زائريها الكرام من أي خرق أمني تستهدف الأرواح والمقدسات قال تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً)، وكذلك على الجهات الحكومية والمجتمعية المعنية كافة بتأكيد الحفاظ على الآداب العامة لتتصدى وتمنع أي هتك من أي نوع لحرمات المدن المقدسة ومنها مدينة الكاظمية المقدسة من عدم الالتزام في الحجاب الإسلامي من خلال ملاحظة العديد من الجهات تشبه بعض النساء بزي الرجال والسفور وعدم احترام الضوابط الشرعية في مقتربات العتبة المقدسة، وبدء تفاقم هذه الحالات، وبهذا نحن لا نمس بحقوق الإنسان اطلاقاً، وإنما نطالب بحقوق الإنسان الملتزم ونحن في خدمة رحاب عتبات مقدسة لأئمة المعصومين "عليهم السلام" هم علموا الإنسانية والإنسان الحقوق والواجبات.
كل الشكر والتقدير لمرجعيتنا الدينية العُليا الرشيدة في النجف الأشرف متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله الشريف" على رعايته الكريمة الشاملة لكل أبناء الشعب العراقي، وكل الشكر والتقدير للشهداء المجاهدين وعوائلهم الكريمة، والشكر موصول للشهداء الأحياء من الجرحى الكرام، وكل الشكر والتقدير إلى أبناء العراق الغيارى من القوات الأمنية بشتى صنوفها وتشكيلاتها المباركة، ولا ننسى تلك الحشود الشعبية المتطوعة، كل الشكر والتقدير إلى أمناء العتبات المقدسة والمتولين الشرعيين الكرام وجميع القائمين على خدمة مراقد أهل البيت "عليهم السلام" ومن نحن بحضرتهما الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" لمساندتهم وتعاونهم فالعتبات المقدسة في الواقع هي "تعدد أدوار ووحدة هدف"، وكل الشكر التقدير إلى جميع أساتذة الحوزة العلمية الشريفة وطلبتها على أداء رسالتهم في مشرع الاستفتاءات الشرعية والمشروع التبليغي والشكر مخصوص إلى سماحة الشيخ حسين آل ياسين وكيل وممثل المرجعية الدينية في مدينة الكاظمية المقدسة وأيضاً الشكر موصول إلى سماحة السيد أحمد الأشكوري المشرف على المشروع التبليغي للحوزة العلمية، وكل الشكر والتقدير إلى كل الوزارات والهيئات المستقلة والجهات غير مرتبطة بوزارة وإلى المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي قامت بدعم العتبات المقدسة والزيارات المليونية، وكل الشكر والتقدير إلى دائرة إحياء الشعائر الحسينية في ديوان الوقف الشيعي وإلى الهيئات المواكب الحسينية وأعضائها الداعمين والساندين لها والمتطوعين والمتبرعين والمتبركين بالخدمة، وكل الشكر والتقدير إلى أهالي مدينة الكاظمية المقدسة الكرام على حسن استقبالهم وضيافتهم للزائرين الوافدين من داخل العراق وخارجه وتعاونهم الكبير والمشرّف مع العتبة الكاظمية المقدسة، وكل الشكر والتقدير إلى المحطات الفضائية والمؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والسمعية لتغطية هذا الحدث السنوي العظيم وهذه الشعيرة المباركة وإسهامها في أمر محمد وآل محمد).
وكانت هناك كلمة للمشروع التبليغي في الحوزة العلمية الشريفة وألقاها عنهم مُمثل المرجعية الدينية في مدينة الكاظمية المقدسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين "دامت توفيقاته" (استهلها بالحمد والثناء على إقامة هذه الشعائر والكل يتوجه إلى من هم موضع سره ولجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه وكهوف كتبه، وجبال دينه، وأساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة آل النبي "عليهم الصلاة والسلام".
وأضاف: فطوبى وحسن المآب لكل الجموع الغفيرة زائري الإمامين الكاظمين "عليهما السلام" وهم يرثون ويندبون ويعزون ويقيمون شعائر الحزن والعزاء وهم يتوسلون بكما إلى الله تعالى في صلاح دينها ودنياها وآخرتها وقضاء حوائجها.
كما يفخر العُلماء والأساتذة والطلاب في الحوزة العلمية في النجف الأشرف في التشرف بخدمة زوارك، فهاهم طلاب العلوم الدينية كعادتهم في مشروعهم التبليغي يتشرفون بجواب المسائل الشرعية، ومحاولة حل المشاكل الاجتماعية ومشاركة هموم الأيتام من آل محمد، فشكراً لله على توفيقه لذلك، وشكراً لأهلنا الزوار الأعزة الأحبة وهم يتفضلون علينا بأن نكون في خدمتهم).
أعقبها مشاركة لمواكب مدينة الكاظمية بمراسم تأبينية حاملين فيها رايات الولاء بهذه الفاجعة الأليمة، وحناجرهم تهتف بالردات العزائية، تلتها مراسم استبدال رايتي القبتين الشريفتين وسط أجواء يملؤها الحزن وذرف الدموع وتعالي الأصوات بـ(لبيّك يا مسموم)، مع مشاركة لفضيلة الشيخ عبد االله الدجيلي بمجموعة من أبيات الرثاء والنعي، واختتمت المراسم العزائية بمشاركة الرادود الحُسيني عمار الكناني بقراءة القصائد العزائية واسى بها النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام" بهذا المصاب الجلل والدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف".