تواصل العملة اللبنانية انهيارها الساحق أمام الدولار الأميركي، متأثرة بصراع متعدد العناصر يسرّع من وتيرة فقدانها لقيمتها، إذ تخطت في الساعات الماضية مستوى 76 ألف ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد في السوق السوداء، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق.
ادعاء على بنك عوده
ويترافق انهيار الليرة اللبنانية هذه المرة، مع إضراب مفتوح تنفذه المصارف في البلاد، اعتراضا على بعض القرارات القضائية الصادرة ضدها، في حين يستكمل القضاء مساره بملاحقة المصارف ، حيث تم الادعاء في الساعات الماضية، على أحد أكبر مصارف البلاد وهو بنك عوده ورئيس مجلس إدارته بجرم تبييض الأموال، وهو ما زاد المخاوف من انفجار الوضع المالي في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل، حيث اعتبرت جمعية مصارف لبنان أن تلك القرارات التعسفية، قد تدفع بالمصارف العالمية الكبرى المراسِلة، إلى وقف تعاملاتها بشكل تام مع مصارف لبنان، ما سيؤدي إلى عزل البلاد ماليا عن العالم.
صراع بين السلطة والصرافين
واحتدام الصراع بين المصارف والقضاء، لم يكن السبب الوحيد الذي تسبب في السقوط الكبير للعملة اللبنانية، حيث دخلت السلطات اللبنانية عبر أجهزتها الأمنية، وبضغط من مصرف لبنان المركزي ، في صراع مع الصرافين في السوق السوداء ، وبدأت في ملاحقتهم واعتقالهم منذ أسبوع، ما زاد الوضع تعقيدا وأدى إلى خروج السوق السوداء عن طورها، وهي ردة فعل لطالما حذر الخبراء من وقوعها، في حال اللجوء إلى مثل هذا الخيار.
المصارف والصرافون يتحكمون في السوق
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور بيار خوري في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما يحصل اليوم من انهيار للعملة اللبنانية، هو انعكاس للصراع المتعدد الأطراف الذي يحصل في لبنان ، مشيرا إلى أن المصارف لا مصلحة لها حاليا في تسهيل أمور المواطنين، تماما كالصرافين في السوق السوداء، الذين باتوا يتحكمون في السوق على هواهم، في حين لم يعد مصرف لبنان قادرا على قيادة سعر الصرف ، بل تحوّل إلى اللاعب رقم اثنين بعد الصيارفة، نظرا لعدم قدرته على المخاطرة أكثر بالأموال الصعبة التي لديه والتي وصلت إلى حد الاحتياطي الإلزامي.
الدولار يقفز 12500 ليرة
وبحسب خوري فإن الانهيار السريع الذي حصل مؤخرا للعملة اللبنانية، والذي أدى إلى قفزة بلغت 12500 ليرة في 7 أيام، من مستوى 64 ألفا إلى 76500 ليرة للدولار الواحد، يأتي في سياق الهجوم المضارب وذلك بعد أن شلت قدرة مصرف لبنان على التدخل كقائد للسوق من خلال منصة صيرفة، مشيرا إلى أن الصراع بين القضاء والمصارف هو جزء أساسي من الأزمة، وأخذ طابعا أكبر من لبنان مع تدخل القضاة الأوروبيين وإمكانية ادعائهم على مصرفيين كبار في لبنان.
ونبه خوري على أن توسع هذا الصراع يضع لبنان أمام سيناريوهات سيئة لا يمكن تخيلها، في ظل عدم وجود أي حل داخلي للمأزق الكبير الذي تعاني منه البلاد.
عملة متدهورة لا قيمة لها
من جهته يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سيناريو العملة اللبنانية يتجه إلى مزيد من الانهيار لسببين، أولهما عملية تسديد ودائع الدولار بالليرة اللبنانية، وثانيهما عملية تمويل عجز الموازنة العامة عن طريق طباعة الليرة ، مؤكدا أن هذا المسار سيتصاعد في المرحلة المقبلة في ظل الحديث عن تسديد حوالي 20 مليار دولار أميركي من الودائع بالليرة اللبنانية، التي باتت عملة متدهورة لا قيمة لها.
لوقف طباعة الليرة
وأضاف مارديني أن الحل السريع الممكن اللجوء إليه حاليا لضبط الوضع، يتمثل في توقف البنك المركزي اللبناني عن طباعة الليرة، مشيرا إلى أن حجم الكتلة النقدية بالليرة، كان في خريف 2019 حوالي 5 تريليونات ليرة، إلا أنه وصل بداية 2023 إلى نحو 80 ترليون ليرة، ما يعني أن الكتلة النقدية من العملة المحلية، زادت أكثر من 16 ضعفا، وهو ما تحول إلى فائض يستخدم في مزيد من الطلب لشراء الدولار الأميركي.
الضغط لإقرار الكابيتال كونترول
ورأى مارديني أن المشكلة الأساسية للمصارف اللبنانية، تتمثل اليوم في كمية الدعاوى التي ترفع ضدها من قبل المودعين، مشيرا إلى أن المحاكم ملزمة بأن تحكم لصالح المودعين نظرا لوجود اجتهادات تلزم المصارف، برد الودائع بنفس العملة المودعة بها، في حين تسعى المصارف إلى وقف هذه الدعاوى، معتبرة أن المشكلة تحتاج إلى تدخل من الدولة، عبر إقرار خطة توازن مالي وإعادة هيكلة للمصارف.
وبحسب مارديني فإن إضراب المصارف هدفه حث البرلمان اللبناني، على إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي يوقف الدعاوى ضد المصارف.