أكد سماحة المتولّي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، أن مقولة الحوراء زينب(عليها السلام) "فكِدْ كيدَكَ واسْعَ سعيَكَ" في مجلس الطاغية، باتت نشيداً لكلّ المظلومين. جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها الخميس في كربلاء، خلال حفل تكريم المساهمين في إنجاز ونصب الشبّاك الجديد لمرقد العقيلة (عليها السلام)، وهذا نصّها: أعمال البرّ في هذه الدنيا كثيرة، والإنسان السعيد هو من يغتنم فرصة عمره التي لا يعلم متى تنتهي، يغتنمها في أعمال الخير، في بعض الحالات الله تعالى يهيّئ للعبد مواطنَ كثيرة ليخدم، لكن قد لا يتوفّق، وفي بعض الحالات يتوفّق، الله تعالى يرشده إلى عمل الخير، وقد ورد في الحديث: (إنّ الله أولى بحسنات العبد منه)، وفي هذه الدنيا نحن ضيوف وسرعان ما سننتقل إلى عالم الآخرة –أطال الله عمر الجميع-.
لا شكّ أنّ المقام العظيم للنبيّ(صلّى الله عليه وآله) إلى الآن لا نستطيع أن نحيط به، وكذلك مقام أمير المؤمنين(عليه السلام) ومقام الإمام الحسن ومقام الإمام الحسين وباقي الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، إنْ أبقانا الله وأكحل عيوننا بالطلعة البهية للإمام المهدي(عجّل الله تعالى فرجه) لعلّنا نعرف بعض الشيء، وإلّا الحقيقة الكاملة هي في ذلك العالم عالم الآخرة. السيدة زينب(سلام الله عليها) كانت ضمن المجموعة التي استطاعت أن تُخلّد الحقّ، سيّد الشهداء والحوراء زينب والإمام السجاد(عليهم السلام أجمعين)، وهذه النخبة الخيّرة التي أرادها الحسين أن تكون، وزينب كانت لها أكثر من وقفةٍ، هناك شخصيّات التاريخ يبخل علينا بنصوص يُمكن أن نطلّ بها على الشخصيّة، وحين نفتش في زوايا التاريخ نرى أحاديث مبعثرة من هنا وهناك، خصوصاً إذا كان هذا الشخص يعيش في زمن العظماء، زينب عاشت مع عظماء مع أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين وفي طفولتها مع الصدّيقة الزهراء، هذه الشخصيّة العظيمة أعطت لنا خطوطاً عريضة كيف نحيا، الإمام الحسين يعلّمنا كيف نحيا، وعلّم أصحابه أيضاً كيف يحيون، وبحمد الله تعالى الإمام الحسين اليوم هو قائد الدنيا، عندما يأتينا شهر محرم لا نستطيع أن نعدّ صوت الحسين في بقاع الدنيا لكثرته، في كلّ مكانٍ هناك حسين يعني هناك أبو الفضل وهناك زينب، امرأة تقف متحدّيةً أعتى طاغوت بنظر نفسه، بنظر أبيه، بنظر حاشيته دانت له الدنيا، تقف بوجهه وتعبّر ذلك التعبير الذي أصبح نشيدَ المظلومين على مرّ التاريخ، "فكِدْ كيدَكَ واسْعَ سعيَكَ"، حقيقةً هي حالة من التحدّي وحالة من السخرية، زينب تتحدّى هذا الطاغوت في مجلسه، وأنتم تعلمون أن نشوة الانتصار تجعل الإنسان لا يرى حقائق الأمور، يرى فقط هذه النشوة، فعندما يأتيه قولٌ يهزّه في مضاجعه ويُسمعه ما لم يتوقّع لا يعرف كيف يتصرّف، حتى أراد في أكثر من مرة أن يضربها هو وطاغيته في الكوفة، لكنّها تبقى زينب وتوصف بهذا الاسم وكفى بها فخراً. الناس اليوم تريد أن تقترب من زينب، لما لهذه الشخصيّة العظيمة من منزلة هائلة جداً. إنسان عنده فكرة الله تعالى يوفّقه لهذه الفكرة، فقد تستفيد منها الآلافُ المؤلّفة، إنسان عنده مال الله يُلقي في روعه أنّ هذا المال زائل، لكن ضَعْه في مكانٍ يبقى هذا المكان شامخاً وخالداً، في هذه الجلسة المباركة أعتقد اجتمعت هذه الأمور وأنتجت هذا الضريح المبارك، طبعاً زينب(عليها السلام) قطعاً لا يهمّها الضريح فهي زينب، لكن نحن تهمّنا هذه الرمزيّة، فنحاول أن نقترب رويداً رويداً من ساحة الأمل، وأعتقد أن الزهراء وزينب نحتاج أن نقترب دائماً لهما، فالأولى سيّدة نساء العالمين وكفى بها، والثانية شريكة سيّد الشهداء، وسيّد الشهداء كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (كلّنا سفن النجاة ولكن سفينة جدّي الحسين أوسع) أو أسرع في بعض الروايات، اليوم بحمد الله تعالى هذا المنجز مهمّ وهو ليس غريباً لا على الأخ المتبرّع -جزاه الله خيراً-، ولا على الإخوة الأعزاء الذين أنا بخدمتهم، الذين صنعوا شبّاك أبي الفضل العباس(عليه السلام) وكان أحدوثة، ولم يفتّ في عضدهم أي عائق بحمد الله تعالى، وهم حفروا الأمور بإبرة كما يقولون فصنعوا شبه المستحيل، وأيضاً الأخ المتبرّع جزاه الله خيراً كانت له مساهمة أخرى في شباك القاسم(عليه السلام)، الذي صاغته أيادي إخوتنا في العتبة، وشبّاك صافي صفا ومجموعة من الشبابيك الأُخَر، وإن شاء الله تعالى المشروع يستمرّ إلى ما شاء الله. أنا أشكر كلّ الإخوة الذين ذهبوا إلى السيدة (عليها السلام) وإن شاء الله تعالى لم ينسونا من الدعاء، وأعتذر نيابةً عن كلّ الإخوة لبعض الأحداث التي رافقتهم، فالدولة ليست دولتنا والظروف غير متحكَّمٍ بها من قِبلنا، لا شكّ أن بعض الأشياء البسيطة تحدث بين الإخوة، وكلّما حدثت هذه الأشياء زادت أواصر الأخوّة أكثر، وعلى عموم الحال أي أسرةٍ يحدث فيها ما يحدث، في الجملة كان العمل رائعاً هناك وكانت هناك حالة من الفرح مشوبة بالدموع لكل الإخوة الزائرين، الذين زاروا المرقد المبارك، وكأن زينب(عليها السلام) كانت تستقبلهم وتحيّي الإخوة. أسأل الله تعالى المزيد من التوفيقات لمن ساهم في هذا المشروع، وكل من بذل جهداً، وأيضاً تلك الكلمات التي صدحت بها حناجر الإخوة هناك، لكنّنا أردنا أن نعيدها هنا، بعض الإخوة لم يتوفّقوا بسبب طبيعة ما حدث، فأحببنا أن نسمع منهم مباشرةً بعض القصائد الشعرية وبعض الكلمات، واقعاً هذا المكان هو تكريم لنا قبل أن يكون تكريماً للإخوة، لأنّنا نرى أنفسنا في مكان واحد وسفينة واحدة وفي عمل واحد، وهي مناسبة لأن نلتقي بالإخوة ونجتمع بهم، وإلّا هذا التكريم لعله يكون أقل من شأنهم جميعاً، أسأل الله تعالى التوفيق وأرحّب بالإخوة ثانية، ونعتذر أيضاً ثانيةً عن كلّ تقصير أو قصور، قد بدر أو يبدر منّا، سائلين الله تعالى أن نوفّقَ جميعاً لإحياء مناسباتٍ مثل هذه، خصوصاً ونحن نودّع هذا الشهر المبارك شهر النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، الذي نسأل الله تعالى أن يكون هو الراعي لنا دائماً وأهل البيت الكرام وصاحب العصر والزمان(عليهم السلام)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.