أثارت الحرب الدائرة في أوكرانيا، مخاوف بشأن إمدادات القمح في الدول العربية، لا سيما في شمال إفريقيا، حيث يوجد فرق شاسع بين الإنتاج والاستهلاك.
وبحسب تقارير رسمية لأجهزة الإحصاء العربية، فإن هذه الفجوة وصلت إلى نحو 50 مليون طن في الموسم الزراعي 2020 -2021.
لكن ما الذي جعل واردات
القمح تتحول إلى أزمة ساخنة تؤرق كبار
المستوردين العرب، خاصة
مصر والمغرب والجزائر والتي تشكل نحو 54 في المئة من واردات القمح العربية؟
بعد نحو 50 يوما على اشتعال فتيل الحرب الروسية الأوكرانية، قفزت أسعار القمح الذي وصل لأعلى مستوياته في 9 سنوات حيث تجاوزت العقود الآجلة لشهر مايو 438 دولارا للطن، وهو ضعف تقديرات سعر القمح في موازنات الدول المستوردة خاصة الدول العربية.
ارتفاع أسعار القمح يشعل أسعار المواد الغذائية الأخرى مثل الخبز والسميد، وبالتالي يغذي معدلات التضخم المرتفعة بالفعل في تلك الدول التي تستورد نحو 60 في المئة من المواد الأولية.
وبحسب أحدث البيانات، فإن الدول العربية بشكل عام تستحوذ على 25 في المئة من صادرات القمح العالمية، وتستورد 60 في المئة من إجمالي احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا، نظرا لسعرها المنخفض في البلدين، وهي الميزة التي قضت عليها الحرب مع حظر البلدين صادراتهما من الحبوب.
وتمثل روسيا وأوكرانيا 30 في المئة من إمدادات القمح في العالم، فروسيا أكبر المصدرين عالميا وأوكرانيا ضمن أكبر 5 دول مصدرة، وبحسب بيانات "إس آند بي غلوبال بلاتس"، كان من المتوقع أن تقوم روسيا وأوكرانيا معًا بتصدير 60 مليون طن من القمح في العام 2021-2022.
في عام 2021، أنتجت روسيا 121 مليون طن من الحبوب، بما في ذلك 76 مليون طن من القمح. وقبل الحرب، قدر محصول روسيا في عام 2022 بما يتراوح بين 125 و130 مليون طن، بما في ذلك 80 إلى 83 مليون طن من القمح.
مفعول الحرب
بمجرد بدء الحرب، تم تخفيض هذه التقديرات إلى 121 مليون طن ثم إلى 123 مليون طن، بما في ذلك 76 مليون طن من القمح.
ووفقًا لبيانات "إس آند بي غلوبال بلاتس"، كان من المتوقع أن تقوم روسيا وأوكرانيا معًا بتصدير 60 مليون طن من القمح في العام 2021-2022.
وبلغت صادرات القمح الأوكراني منذ بداية العام التسويقي 2021-2022 (يوليو-يونيو) حتى 24 يناير، 16.6 ملايين طن.
تم تخفيض توقعات صادرات الحبوب والقمح في العام الزراعي 2022 لروسيا (1 يوليو 2022 إلى 30 يونيو 2023) إلى 28 مليون طن من الحبوب و23 مليون طن من القمح، وهو ما يمثل انخفاضًا بأكثر من 30 في المائة مقارنة بعام 2021 لكليهما.
أكبر المتضررين
تأتي في الصدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي المقدمة مصر وهي زبون رئيسي للقمح الروسي وأكبر مستورد لهذا المحصول في العالم بنحو 12.9 ملايين طن سنويا.
وعن أكبر الموردين الأجانب من القمح للسوق المصرية في العام التسويقي 2021/2020، جاءت روسيا في المرتبة الأولى بـ 8.13 مليون طن، ثم أوكرانيا بـ2.45 مليونا، والاتحاد الأوروبي بواقع 1.08 ملايين.
وتحصل مصر على 54.5 في المئة من حاجتها من القمح من روسيا، و14.7 في المئة من أوكرانيا، وهذا يعني أن مصر تحصل على 70 المئة مما تحتاجه من القمح من البلدين، ثم تأتي الجزائر كثاني أكبر مستورد عربي للقمح بنحو 7.5 مليون طن سنويا، وهي أيضا ثاني أكبر مستورد للقمح الأرجنتيني، لكن أيضا القمح الروسي بدأ ينافسه منذ العام الماضي في المناقصات الجزائرية.
وقبل الحرب وفي 17 فبراير، اشترت الجزائر نحو 700 ألف طن أغلبها بسعر يتراوح بين 345.50 دولارا و346.50 دولارا للطن شاملا تكلفة الشحن، وذلك قبل أن تقفز الأسعار.
وفي المركز الثالث، يأتي المغرب الذي يستورد سنويا نحو 6.5 مليون طن من القمح خلال الموسم الزراعي 2021-2020، ويمثل القمح الأوكراني والروسي 25 في المئة و11 في المئة من واردات المغرب من القمح على التوالي، وهو ما يعني أن ما يقار ثلث حاجة المغرب من القمح يتم توفيرها من روسيا وأوكرانيا، فيما تتصدر فرنسا قائمة الموردين.
ويعتمد السودان بشكل كبير جدا على القمح الروسي، ويستورد نحو 46 في المئة من روسيا وحدها، في حين لا يستورد القمح الأوكراني.
ويحصل اليمن على القمح من روسيا بنسبة 31 في المئة، ومن أوكرانيا بنسبة 6.8 في المئة، مما يعني أن أكثر من ثلث سلة اليمن من القمح يأتي من هذين البلدين.
وتعتمد تونس وبشكل كبير على القمح الأوكراني، ويشكل نحو النصف (48 في المئة) من واردات تونس من القمح، في حين تستورد نسبة ضعيفة من روسيا (3.97 في المئة).
أما الأردن فلا يعتمد على القمح الروسي، بينما يستورد 11 في المئة من حاجته من أوكرانيا، ويحصل على 86 في المئة من رومانيا.
حلول ممكنة
من بين الخيارات، قيام الحكومات بتكثيف المشتريات المحلية حتى تقلل الفجوة بين العرض والطلب، وهو ما فعلته مصر عبر زيادة سعر شراء القمح المحلي من المزارعين ووضع ضوابط تمنع تهربهم من توريد القمح للحكومة.
كما أقدمت على شراء كمية كبيرة من القمح العالمي، الأسبوع الماضي، وهو ما لم يكن متوقعا، حيث اشترت الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي المصري، 240 ألف طن من القمح الفرنسي، إلى جانب 50 ألف طن من القمح البلغاري و60 ألف طن من القمح الروسي.
كانت عملية الشراء، التي طلبت الشحن في أواخر مايو وأوائل يونيو، أول صفقة لهيئة السلع التموينية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى تعطيل تدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود ورفع الأسعار الدولية.
الأسعار وحدها لم تعد الأزمة فقط، لكن أيضا قدرة المصادر الأخرى للقمح على تلبية احتياجات الدول العربية، ورغم بزوغ اسم الأرجنتين فإنها ليست الحل السحري أمام الدول العربية، خاصة وسط غموض يسيطر على زراعة القمح الأوكراني وصادرات القمح الروسي.
الصين والهند.. هل تملكان الحل السحري؟
حسب بيانات منظمة الغذاء العالمية "الفاو"، أنتجت روسيا 86 مليون طن من الحبوب في عام 2020، لتأتي بعد الصين والهند فقط في الترتيب العالمي.
وتجدر الإشارة إلى أن كلا من الصين والهند تستهلكان نصيب الأسد من إنتاجهما المحلي، مما يجعل روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم بفارق كبير.
تحتاج الهند إلى ما لا يقل عن 25 مليون طن من القمح كل عام لسد احتياجات برنامج رعاية غذائي، واشترت الحكومة العام الماضي 43.34 مليون طن من القمح من المزارعين المحليين، وهو رقم أعلى بكثير من الكمية التي تحتاجها لبرنامج الرعاية الاجتماعية.
ومن المرجح أن تنخفض المشتريات الحكومية هذا العام لأن التجار من القطاع الخاص يعرضون على المزارعين سعرا أعلى للقمح من سعر الحكومة البالغ 20150 روبية (265.35 دولارا) للطن، مما يترك فائضا أكبر للتصدير.
وبلغت صادرات القمح الهندية 7.85 مليون طن في السنة المالية المنتهية في مارس، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، بزيادة حادة من 2.1 مليون طن في العام السابق.
والأسبوع الماضي، أضافت مصر الهند دولة منشأ جديدة لاستيراد القمح، ويأتي القرار في إطار جهود مصر المتواصلة لفتح مصادر جديدة وتأمين واردات مصر من القمح كسلعة استراتيجية.
وبالنسبة إلى الصين، بحسب مقال نشرته وكالة "بلومبرغ"، يرى ديفيد فيكلينغ أن الصين قد تكون قادرة على التدخل وسد الفجوة في إمدادات القمح لمصر والتي تسببت فيها الحرب بأوكرانيا.
وأشار إلى أن بكين جمعت ما يصل إلى نصف احتياطي القمح في العالم، وهو ما يكفي سكان الصين الذين يبلغ عددهم 1.4 مليارات نسمة لمدة 18 شهرا. وهذا يجعل من السهل على بكين أن تتولى دور مزود القمح كملاذ أخير، وتجنيب مصر أي نقص في الإمدادات.