يجدد الموالون والمحبون دائماً عهدهم وبيعتهم لكاظم الغيظ "عليه السلام" وهم يرفعون رايات الحزن والأسى، والتي تجلّت فيها سيرة إمام أثرى الضمير الإنساني بالدروس والعِبر والقيم الإنسانية، وأشرقت فيها صور الولاء الحقيقي والحُب المُتجذر للموالين الذي ما زال يسري في عروقهم عبر أعماق السنين، ليقفوا اليوم على أعتاب قِبابهِ الذهبية مُلبين النداء لمولاهم المظلوم المسموم باب الحوائج "عليه السلام"، حيث شهدت العتبة الكاظمية المقدسة مساء الأربعاء 21 رجب الأصب 1443هـ الموافق 23شباط 2022 استبدال رايتي قبتي الإمامين الكاظمين الجوادين "عليهما السلام" برايتي الحزن الأسى في مراسم مهيبة جرت وسط حضور خادم الإمامين الكاظمين الجوادين، الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الدكتور حيدر حسن الشمّري، والسادة أعضاء مجلس الإدارة الموقّر، وممثل المرجعية الدينية العُليا في مدينة الكاظمية المقدسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين، ووفود العتبات المقدسة العلوية والحسينية والعسكرية والعباسية والمزارات الشريفة، وبحضور نخبة من السادة الأجلاء والمشايخ الفضلاء أصحاب المشروع التبليغي للمرجعية الدينية، وعدد من الشخصيات الرسمية والاجتماعية وجمع غفير من وجهاء وشيوخ مدينة الكاظمية المقدسة ومسؤولي دوائرها الأمنية والخدمية وزائري الإمامين الجوادين "عليهما السلام".
استهلت المراسم بتلاوة مباركة من الذكر الحكيم شنّف بها أسماع الحاضرين قارئ العتبة المقدسة الشيخ عامر الخفاجي، بعدها مشاركة لمواكب مدينة الكاظمية بمراسم تأبينية حاملين فيها رايات الولاء بهذه الفاجعة الأليمة، وحناجرهم تهتف (لبيك يا مسموم).
أعقبتها كلمة الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة والتي ألقاها أمينها العام بيّن فيها قائلاً: (ها نحن نعيش أجواء الذكرى الأليمة لاستشهاد إمامنا الكاظم عليه السلام لنقف اليوم (فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ) في هذه الرحاب الطاهرة مجددين له عهد الطاعة والولاء بالمضي على نهجه المبارك.. فمعرفتنا بأئمتنا عليهم السلام هي أولُ خطوة نحو طاعتهم واتباعهم لذا لا بد لنا من وقفة نستلهم فيها الدروس والعبر من سيرة هذا الإمام المظلوم.. فإحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام هو إحياء لنا.. فأعظم الله أجورنا وأجوركم).
وأضاف: (إن الراية أو العلم هو تعبير مادي ورمز معنوي يجسد إرادة وحضارة وشرف أمة ما.. فهذا عرف بشري منذ فجر التاريخ.. والإسلام قد أيد هذا العرف البشري واعتمده، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راية للمسلمين.. وهي دليل هويتهم ورسالتهم الربانية الخالدة.. وعلينا أن نكون خَدَماً مخلصين للراية التي نرفعها اليوم في هذا المكان المقدس.. فهي شعار للخادم المؤتمن وشعار لانتمائه لهذا المكان المبارك.. فهذه الراية أمانة في أعناقنا وعلينا أن نكون على قدر كبير من المسؤولية لحمل هذا الشرف العظيم تحت خيمة النبي محمد وآله الكرام.
إن الهدف من إقامة هذه المراسيم هو لإشعار الناس بأهمية هذه الذكرى الأليمة وضرورة استقبالها وسط أجواء يشوبها استذكار أحزان أهل البيت عليهم السلام، فضلا عن عكس صورة مشرقة للعالم أجمع بأننا ملتزمون بنهج أهل البيت عليهم السلام ومتمسكون بمودتهم وإحياء أمرهم رغم كل الظروف.. وإن استمرارنا بإقامتها دليلٌ على استمرار رسالة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الإصلاح، والخروج من الظلمات إلى النور كما أنها دلالة على بركات المرجعية الدينية العليا متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله والوارف من خلال صدور فتوى الدفاع الكفائي وتصدي الموالين لمقارعة الباطل للدفاع عن المقدسات والأرض والعِرض).
وكانت هناك كلمة للمشروع التبليغي في الحوزة العلمية الشريفة وألقاها عنهم مُمثل المرجعية الدينية في مدينة الكاظمية المقدسة سماحة الشيخ حُسين آل ياسين "دامت توفيقاته" جاء فيها: ( نفتقدك يا إمامنا ومعلمنا موسى بن جعفر الكاظم وأنت تملأ قلوب مُحبيك بالوجد والشوق والولاء والفضائل التي لا تعد ولا تحصى في حياته وحين مماته وبعد مماته "صلوات الله وسلامه عليه"، فلننظر إلى طريقته المُثلى في الحفاظ على الدين وكل المؤمنين وعقولهم وكرامتهم وهويتهم وسط سلطة تدعي وصلاً بالله تعالى ورسوله، فكان إمامنا الكاظم "عليه السلام" بعلمه وعمله وخُلقه وتدريسه وإحسانه ومداراته وتقيته وصبره قد فرض وجوده على المؤالف والمخالف).
وأضاف سماحته: (سيدي ومولاي وإمامي .. كيف لا تأتيك هذه الجموع الغفيرة من المؤمنين والمؤمنات وتتوسل بك إلى الله تعالى في صلاح دينها ودنياها وآخرتها، وكيف لا يكون العُلماء والأساتذة والطلاب في الحوزة العلمية في خدمة زوارك، فها هم طلاب العلوم الدينية كعادتهم في مشروعهم التبليغي يتشرفون بجواب المسائل الشرعية، ومحاولة حل المشاكل الاجتماعية ومشاركة هموم الأيتام من آل محمد، فشكراً لله على توفيقه لذلك، وعلى تحسن الظروف الصحية بوجود الوعي والوقاية، وشكراً لأهلنا الزوار الأعزة الأحبة وهم يتفضلون علينا بأن نكون في خدمتهم).
كما شهدت المراسم العزائية مشاركة الشاعر الأستاذ مصطفى الصائغ بقصيدة ولائية بعنوان: (وقفة عند باب السجين)، واختتمت بمشاركة الرادود الحسيني كرار الكاظمي بقراءة المراثي والقصائد العزائية واسى بها النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار "عليهم السلام" بهذا المصاب الجلل والدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف".