قوله سبحانه : {ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمٰا لٰا يَسْمَعُ إِلّٰا دُعٰاءً ونِدٰاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ} [البقرة : 171] .

المعنى : مثل واعظ الذين كفروا ، والداعي لهم إلى الإيمان والطاعة ، كمثل الراعي الذي ينعق بالغنم ، وهي لا تعقل معنى دعائه . إنما تسمع صوته ، ولا تفهم غرضه.  ويجوز أن يقوم قوله مقام الداعي لهم ، كما تقول العرب : فلان يخافك خوف الأسد . وهذا المعنى مضاف إلى الأسد .

قال الشاعر :

فلست مسلما ما دمت حيا            على زيد بتسليم الأمير (1)

مثل الذين كفروا كمثل الغنم التي لا تفهم ما أراد الناعق . أضاف المثل الثاني إلى الناعق ، وهو في المعنى مضاف إلى المنعوق به .

تقول العرب : طلعت الشعرى . أي : نجمها . وانتصب العود على الحرباء .

المعنى : انتصب الحرباء على العود .

 قال [الراجز] :

[وَبلدٍ عاميةٍ أعماؤهُ]                كأن لون أرضه سماؤه

أراد : كأن لون سمائه أرضه .

قال أبو النجم (2) :

قبل دنوالنجم من جوزائه (3)

ومثل الذين كفروا ، ومثلنا . أو ومثلهم . ومثلك - يا محمد - كمثل الذي ينعق . أي : مثلهم في الدعاء والتنبيه ، والإرشاد ، كمثل الناعق ، والغنم .

فحذف المثل الثاني اكتفاء بالأول . مثل قوله : {وجَعَلَ لَكُمْ سَرٰابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل : 81] . وأراد : الحر والبرد .

[قال] أبو ذؤيب‌ (4) :

عصيت إليها القلب إني لأمرها              مطيع فما أدري أرشد طلابها

أراد : أرشدٌ أم غيٌ ؟

أو : مثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام ، وعبادتهم لها ، كمثل الراعي الذي ينعق بغنمه ، ويناديها نداءه ، ودعاءه ، ولا تفهم معنى كلامه .

فشبه من يدعوه الكفار من المعبودات بالغنم من حيث لا تعقل الخطاب ، ولا تفهمه ، ولا نفع عندها فيه ، ولا مضرة‌ .

_________________

1- معاني القرآن ، 1 : 100 ، 2 : 404 بلا غزو . أمالي المرتضى ، 1 : 215 ولم ينسبه . شرح ديوان زهير لأبي العباس ثعلب : 34 . التبيان في تفسير القرآن ، 2 : 62 بلا غزو أيضاً .

2- هو أبو النجم العجلي . وقد أخلَّ بها ديوانه .

3- تأويل مشكل القرآن : 196 معزواً الى أبي النجم . أمالي المرتضى ، 1 : 216 معزواً إليه أيضاً .

4- هو أبو ذؤيب الهذلي . أنظر ديوان الهذليين : ق1 : 71 وفيه : عصاني إليها القلبُ إنّي لأمرهِ سميع ...