ألقى المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) كلمةً في حفل ختام الملتقى الإعلامي الرابع لمجلّة رياض الزهراء(عليها السلام)، التي تصدر عن شعبة المكتبة النسويّة التابعة لقسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة العباسيّة المقدّسة، والذي أُقيم بمناسبة إيقاد الشمعة الثالثة عشرة لها وتحت شعار: (الإعلام النسويّ ينهل من فيض كربلاء).
وفي ما يلي نصّ الكلمة:
السلام عليكم أيّها الحضور الكريم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
من الموارد التي تقع محطّ اهتمام هي مسألة الإعلام، ونعني بالإعلام -بعبارة مختصرة جدّاً- هو محاولة إعلام مَنْ لم يكن يعلم، هذا الإعلام بشكلٍ مختصر وموجز، عندنا جهة لا تعلم فنحاول أن نُعلِمَها، فالإعلام لمن لم يكن يعلم أو للتأكيد على من كان يعلم، كما يعلم الحضور أنّ هناك قواعد في اللّغة العربيّة تارةً قواعد نعبّر عنها تؤسّس أساليب تأسيس، وتارةً أساليب توكيد.
أساليب التأسيس شيءٌ جديد لم أكن سمعته من قبل، وتارةً نعبّر عنه تقوية الحكم (أنا كنتُ أعلم)، لكن أحبّ أن أسمع كلاماً يؤكّد لي ذلك، أو قد غفلت ويأتي آخر يؤكّد هذا الحكم، وعن القصّة المشهورة عن الكنديّ عندما قال لأبي العبّاس المبرّد: إنّ في كلام العرب حشواً. قال: أين ذاك؟ قال: سمعت العرب يقولون زيدٌ قائم، ثمّ يقولون إنّ زيداً قائم، ثمّ يقولون إنّ زيداً لقائم، وكلّها تؤدّي إلى معنىً واحد، فأجابه: هذا اشتباهٌ منك فإنّ هذه الحالات الثلاث أو هذه الجمل الثلاث أحدهما غير الأخرى، إذا قلنا زيدٌ قائم فإنّ المقابل ليس في قلبه شيء، إنّما مجرّد إخبار، وإذا قلت له إنّ زيداً قائم فكأنّ المقابل في نفسه شكّ هل زيدٌ قائم أو ليس بقائم، فإن أردتُ أن أرفع الشكّ وأثبت أنّ زيداً قائم، أمّا إذا قلت إنّ زيداً لقائم أكّدتُ له أنّ زيداً قائم، فالمقابل يعتقد أنّ زيداً ليس بقائم فأنا أحاول أن أقلب اعتقاده فآتيه بمؤكّدات كثيرة، هذه الأساليب في اللّغة العربيّة كثيرة.
يتحتّم علينا أن نلاحظ بعض الأمور:
الأمر الأوّل: لابُدّ من تطوير قابليّاتنا الإعلاميّة وتطوير قدراتنا الشخصيّة، هناك بعض الأمور تُفرض على الإنسان (طوله أو شكله)، وهناك أمور تخضع للتطوير كالقابليّات المعرفيّة دائماً هي خاضعة للتطوير، فلابُدّ أن أنهض بالمستوى التطويريّ التعليميّ بشكلٍ مباشر، وهذه الأمور تبدأ ولا تنتهي، لابُدّ للإنسان أن يضع قدمه على بداية طريقٍ يُسمّى (طريق التطوير)، طريق اسمُه إرضاء الذات وقابليّات الذات، سواءً كان في الشخصيّة -نفس الشخصيّة- أو في الأساليب المعرفيّة.
الأمر الثاني: لابُدّ أن نطوّر طريقة الإلقاء وطريقة البيان، وطريقة الإلقاء والبيان تعمل عند السامع عملهما المهمّ، الإنسان في بعض الحالات عنده معلومة في داخله لكنّه لا يستطيع أن يوضّحها للآخرين، لأنّ قدراته البيانيّة ضعيفة، لذا لا يتمكّن من إيصال ما عنده للآخرين، هذا المقدار من مقدار البيان ومقدار الأساليب أيضاً من الأمور التي تخضع للتطوير.
الأمر الثالث: لابُدّ من تطوير جانب الكتابة أيضاً، أنّ الإنسان قد يكون متحدّثاً جيّداً لكن في بعض الحالات يحتاج الورقة ويحتاج الكتابة، فنحن الآن وبإيجاز نرجو من أخواتنا -وهذا الرجاء ليس لأمرٍ غير موجود بل هو من باب استكمال المشهد الإعلاميّ الدائم- السعي لتطوير القابليّات الكتابيّة، ومعرفة أساليب الكتابة التي تدخل إلى ذهن وقلب القارئ بطريقةٍ أسرع.
وبالنسبة إلى المحافل الخاصّة، لابُدّ من تطوير القابليّات الخطابيّة والقابليّات البيانيّة وقابليّات أساليب الإلقاء، فإنّ هذا الأمر لو تمّ فإنّ الكثير من مسائل التلقّي المعرفيّ سنحصل عليها.
أنا أتحدّث عن الأسلوب وهناك شيءٌ آخر يفترض أن يكون قبله ألا وهو الإكثار من قضيّة التعلّم، أنّ الإنسان يبقى يتعلّم لابُدّ أن يتمتّع بخزينٍ معرفيّ كبير جدّاً، وهذا الخزين المعرفيّ هو الذي سيُعينه كثيراً على إبداء بعض الآراء في مورد الحاجة.
ولذا المُلتقى الإعلاميّ سواءً كان للرجال أو للنساء لابُدّ أن يخرج بنتائج تنعكس بشكلٍ إيجابيّ على شخصيّة المجموع بما هو مجموع فهذا أمرٌ حسن، لكن نحتاج أن نركّز على شخصيّة كلّ واحدٍ منّا، لذا بعد الملتقى ستنفتح أمامنا قنوات كثيرة لزيادة هذه المعرفة، طبعاً القابليّات تختلف والاستعدادات تتباين، لكن الإنسان عندما يعرف الطريق هذا مهمّ جدّاً، وفي هذه المسائل الإنسان يحتاج إلى موجّه ويحتاج إلى مرشد، ليستعين به سواءً في تقوية الكتابة أو في تقوية الإلقاء، وأعتقد أنّ أمثال هذه الملتقيات أو المؤتمرات لها القابليّة على تطوير ما نقول.
وفي بعض الحالات الإنسان -خصوصاً بالنسبة لحضراتكم- تبلّغون مع فتياتنا وبناتنا، وهذا الأمر يؤثّر على شخصيّتهم كثيراً جدّاً، فهناك خجلٌ مذموم وهناك خجلٌ ممدوح، الخجل الممدوح أنّه موجود بطبيعة المرأة، الخجل الممدوح هو أن يكون من طبيعة الفتاة أن تكون مملوءةً حياءً وهذا شيءٌ حسن، والحياء يمنع الإنسان من أن يُقدم على أمور لأنّ هناك كوابح في نفسه تمنعه من أن يقولها، لكن هناك حياءٌ مذموم، الإنسان يلتزم بفكرة فيوجّه له أحدهم نقيض فكرته وهو يعلم بصحّتها ويستطع أن يردّ لكنّه يستحي، هذا الحياء غير صحيح، هذا حياءٌ مذموم، لأنّ المقابل سيعتقد أنّه انتصر، الإنسان إذا كانت عنده حجّة لابُدّ أن يفصح عنها ولابُدّ أن يبيّن، أمّا الإنسان دائماً يستحي فهذا الحياء هو حياء مذموم، لأنّ الله تعالى هيّأ الفرصة وقد نحن لم نستفد منها وهذا شيءٌ غير صعب، ولذلك الزهراء(عليها السلام) التي هي قمّة في الحياء، يسألها النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (ما هو الخير للمرأة؟) فتقول: (أن لا ترى رجلاً ولا رجلٌ يراها)، قمّةٌ في الحياء لكن الزهراء(عليها السلام) حينما رأت أنّ المصلحة أن تتكلّم، تكلّمت بتلك الخطبة الكبيرة المضامين التي يعجز عنها أرباب البلاغة. لماذا؟ لأنّ في وقتها كان لابُدّ أن تبيّن الزهراء(عليها السلام)، والحوراء زينب(عليها السلام) أو فاطمة الصغرى(عليها السلام) في مجلسٍ مملوء من الرجال، لعلّ البعض يقول: هذا المجلس يناسبه الحياء وهنّ أعرف بالحياء من غيرهنّ، مع الحفاظ على كلّ جوانب الستر والعفاف، لكن الوضع كان يتطلّب أن تبرز بهذه الطريقة الكلاميّة لإيضاح حقيقة ما جرى، حينما يتكلّم أحدهم وهو سلطان ويحاول أن يصوّر المسألة، في منتهى العقيدة سواءً كان من السجّاد(عليه السلام) أو من زينب(عليها السلام) حين قال: أنّ هؤلاء قتلهم الله. حينها قالت (عليها السلام): (هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم)، هناك تكليفٌ من الله كتب عليهم ذلك، كما كتب الصوم وكتب الصلاة كتب الجهاد وكتب القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، قال: ما اسمك؟ قال: (عليّ). قال: أليس الله قد قتل عليّاً. قال: (كان لي أخٌ اسمه عليّ قتله الناس).
لا يتوقّف في أن يبيّن الحقّ إذا احتاج له، لذا بناتي أخواتي.. تطوير القابليّات شيءٌ مهمّ جدّاً، بعض أخواتنا في الجامعات مثلاً يتعرّضن إلى بعض الانتقادات، وهي ليست انتقادات شخصيّة على مبدأها وهي تعرف الجواب لكنّها تستحي أن تردّ، والنقد أيضاً من النساء للنساء، لماذا لم تتكلّمي؟ تقول: أنا أستحي، هذا حياءٌ مذموم ليس صحيحاً، خصوصاً بعض الأمور التي تمسّ المبدأ، تارةً الإنسان لا يعرف الجواب نعم.. هذه الإيثارات تضطرّه أن يذهب حتّى يتعلّم ويدرس ويسأل، وتارةً يعلم لكنّه يستحي، هذا غير صحيح، المناقشة بالتي هي أحسن، (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)، الجدال بالتي هي أحسن والدعوة بالتي هي أحسن لكن لابُدّ للإنسان أن يميّز بين هذا وذاك.
نتمنّى لجميع الأخوات في مجلّتنا العزيزة رياض الزهراء(عليها السلام) وكلّ الأخوات المسؤولات عن هذه المجلّة كتابةً وتحريراً وإدارةً والمكتبة النسويّة بشكلٍ عام، التوفيق والتسديد وأن يوفّق الله تعالى الجميع لما يُحبّ ويرضى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.